انسدت نفسي لما قرأت كتاب" الأدب المقارن" فلجات لالف ليلة ولياة لاروح عن نفسي.
وقد حشرنا المؤلف في زمرة قادة الفكر الانساني والعاملين على تغيير مجاري الخيال البشري!
ان التقليد لو اجتزئ على كتاب لغة واحدة وسلالة واحدة كما فعل السلف الصالح,يصبح ضامرا خسيسا,وفضلة الشعر مقصورة على العرب.
وصاهرنا الاجانب عن طريق الولاء ,فكانت لنا ذرية جديدة.
فجديد الأدب المتشابه لايعمر طويلا ,ولايخلد منه إلا ماكان فيه غذاء الذرية,ولكل ذرية مجاعة ولكل مجاعة قوت.
بدأ طلابنا يحسون أن حاجات نفوسهم ليست مثلا عند البحتري في وصف القصر الذي ذعر الحمام وقد ترنم فوقه,فأينما مروا اليوم ,فهنا بيوت اشمخ وارفع منه عمادا ولافي الغزل المكرور الذي لايدل الا على انه شعر.
لايستحي الانكليزي والفرنسي والالماني ان يدلنا على العناصر الاجنبية في أدبه,أما نحن فنعد ذلك عارا.كأنما الفن يهبط علينا من السماء كالمن والسلوى,أو تخرجه أرضنا كالكمأة.
نحتاج للمواد الأولية فقط:الفاظ واصول الشكول فلكل عصر زي.
شاعرنا الياس أبو شبكة:من مدمني قراءة التوراة لذلك اخرج من قصصها قصائد مرعبة.
هو شاعر يحيي الماضي ليؤدب الحاضر,إنه في أفاعيه شاعر الخطيئة لاشاعر الرذائل........
أحب شمشون فتاة من فلسطين وفي طريقه إليها لقيه شبل أسد فحل عليه روح الرب فشقه كالجدي,وعند عودته من الحبيبة اشتار عسلا من جوفه فأكل وأطعم أباه وأمه ولما تركته فتاته غضب على القوم واحرق ديارهم وزروعهم وهدد الفلسطينيون قومه فسلموهم شمشون مربوطا بحبلين جديدين فقطعهما.
أحب بعدها امراة اسمها دليلة فصعد إليها أقطاب الفلسطينيين بعد ما اعياهم أمرة وقالوا تملقيه وانظري أين تكمن قوته وعرفت أنها في شعره فصت منه بعد ن أنامته سبع خصال من شعره,فأخذه الفلسطينيون وقلعوا عينيه وجاءوا به في يوم العيد ليلعب لهم فأمسك العمدان فسقط عليهم من هنا خرجت:علي وعلى أعدائي..
من هنا يبدأ إبداع إلياس في صياغة هذه القصة.ويتطابق مع الشاعر الفرنسي:"دي فيني ثم يفترقان.فلكل لونه هو منفرد في إنشائه الشخصي.
تذكرنا قصيدته"أفاعي الفردوس"بشارل بودلير"زهور الشر" و"الجيفة"عند بودلير تقابلها" قاذورة " عند أبو شبكة.

فألفيت دنيا من فواجعها الروى=على بابها لوح من الرق أسود
قرأت عليه أحرفا خطها اللظى=يروعك منها اثنان "سجن مؤبد"
فطوفت في غمر من الليل والخنا=يعربد والأرجاس ترغي وتزبد
وللحمأ الغالي نشيش ورغوة=كأن الورى مستنقع يتنهد
...الى 11 بيت
ملّقيه بحسنك المأجور=وادفعيه للانتقام الكبير
إن في الحسن يا دليلة أفعى=كم سمعنا فحيحها في سرير
ما يميز أبو شبكة صدقه في وصف خطيئته لذا لا يمكن نعت شعره بالرذيلة:
لي مهجة كدموع الفجر صافية-نقاوتي والتقى أم لها واب
فكيف أختلس الحق الذي اختلسوا=وكيف أذأب عن لؤم كما ذئبوا
هو غرض شعري نادر بل غير موجود أصلا..
إنه من سلالة امرئ القيس وعمر...
كتب عن سدوم اخت شمشون بقوتها ورعبها:
سكرت بك يا دنيا سدوم فكلها=زمر على طرق الحياة متعتعة
وأثرت حنجرة الفجور فأطلقت=حمما على نغم الجحيم موقعة
أسدوم هذا العصر لن تتحججي=فبوجه أمك ما برحت مقنعة
قذفتك صحراء الزنى بحضارة=ثكلى مشوهة الوجوه مفجعة
بؤر مسترة الفساد بخدعة=نكراء بالخز الشهي مرقعة
****
رباه عفوك إني كافر جاني=جوعت نفسي وأشبعت الهوى الفاني
تبعت في الناس أهواء محرمة=وقلت للناس قولا عنه تنهاني
ولم أفق من جنون القلب في سبلي=إلا وق محت الأهواء إيماني
رباه عفوك إني كافر جاني
ليت فرويد يحيا ويتعلم العربية ,ففي صرخات شاعلانا مرعى خصيب لعلمه الذي يشغل الناس اليوم.
هو في ديوانه هذا مهاجم عنيف لامتغزل مستعطٍص115
**
إضافة متأخرة:
الشعر في رائحة الوردة ولونها لا في نسيج العناصر التي تتألف منها,فلغة الشعراء تظهر دائما بلون خاص ,وموسيقى لها صداها ,وبدونها لا تكون شعرا.
فترجمة الشعر ضب من العبث , ومن يحاول ترجمة شاعر إلى غير لغته ,كمن يلقي بنفسجة في بوتقة ليكشف أسرار لونها ورائحتها.ص32-33