صور العيد المتشاكسة ...



الكاتب علاء الريماوي

في العيد تكثر المشاهد ، وتتزاحم الصور المتشابكة والمشكلة لفرحة العيد عبر ألعاب الصغار ، تكبير الكبار ، وأضاحي الطائعين الأخيار ، حتى إذا كتب الشعراء دفق قلوبهم في العيد زينوا القافية ، وأناروا صدر القصيد بألوان تطرب لها النفس وترقص على إيقاعها رعشة القلوب السعيدة .

في مساحات الفرح تظل فلسطين عاجزة عن نصب خيمتها هناك ، مختارة دربا تزداد مع الأيام قسوته ، وصعوبته حتى إذا مضت رواية الوصف كانت جريحة يحرص كاتبها التجلد عبر الاختباء وراء الحروف المنتصبة خوف انكشاف عبرات العيون الفاضحة .

في العيد تعود الناس من الأئمة الوقوف على حكايات الألم في الأمة حتى إذا كان الختام كانت الدعوة لعناق الحاضرين بعضهم لبعض ، فيصادفك إبن شهيد ، ووالد أسير ، وشقيق جريح فتلملم من الذكريات ما يبقيك حزينا قاظما للوجع حتى تغادر المسجد .

في طواف الرحم كانت الزيارة واجبة لبيت من نحب من الإخوة الذين تركناهم مع أحكام تزيد عن الف عام ، في مغادرتي لأحد البيوت وقفت والدة بلال البرغوثي وهي تريني صورا التقطتها مع بلال بمناسبة بلوغ وجوده في السجن 11 عاما ، قلبت وإياها الصور وإذا بمشهد يفوق طاقتي على الاحتمال ، بلال يجثوا مقبلا يد والدته وهي الصابرة تبكي لهيب الشوق المكبل منذ 11 عاما .

مضى المشهد وعبرنا الى مساحة على ذات الإيقاع ، حين وصلنا الى بيت صديق شهيد ، سألت الأم حالها فأجابت: "قبر ولدي نسيه الأصدقاء ، وأنا الوحيدة التي سلمت عليه يوم العيد " ، تسمرت أمام عباراتها المثقلة بالعتب ومضيت اتلمس الخطى نحو اعتذار المقصر ، فما أرضيت نفسي وما استطعت الكلام ، وعشت في صراع مع ذكريات حب اخوي أثقلت عليه متطلبات الحياة القاسية .

لم يغلق المشهد بعد ومضينا في طواف بين مدن الضفة من الخليل الى جنين ، في رحلة الطواف بحثنا عن الضفة فلم نجد لها ملمحا ، مستعمرات تبتز عين المدن ، وشوارع كبيرة ملوثة بأعلام ( إسرائيل ) ، ومستعمرون آمنون ينتشرون على الطرقات يركبون دراجاتهم ، ويلهوا من خلفهم اطفالهم في منتصف الضفة الغربية حتى أن المارة بقرب محافظة سلفيت أفزعهم مشهد لا أخلاقي لمستعمر وصديقته على ناصية الطريق .

هذه الصور القاتمة ليست خاتمة المشاهد في الضفة ، والتي تعيش مدنها حكاية اكتمال المشروع الاستيطاني الذي أقفل على المدن حدود توسعها عبر سياج من الطرق الالتفافية التي يستخدمها المستعمرون للوصول الى تجمعاتهم القريبة ، قرابة 800 الف مستعمر يتوزعون في القدس والضفة الغربية ، يزاحموننا في تفاصيل الحياة ، ويتعاركون معنا في مساحات الضفة الضيقة عند المفترقات ، وفي أزقة بعض المدن التي يحتلون قلبها كالخليل ، بيت لحم ، و نابلس .

هذا الحديث يصعب على قارئه تصور المشهد ، في الضفة بات مستحيلا التواصل بين المدن الفلسطينية التي تبدأ ببوابة دخول يلتف في محيطها جدار الفصل ، وأسيجة شائكة حولت كل مدينة الى سجن تتحكم دورية الاحتلال بساعة الدخول والخروج منها وإليها ، هذا الحال ليس مبالغة ( العاصمة السياسية ) رام الله حددت اسرائيل لها مدخل من الجنوب وختمته بحاجز قلنديا ثم في الشمال وختمته بحاجز عطاره في كل حالة عقاب تريدها حكومة الكيان تغلق بوابة الحواجز يكتمل مشهد المعتقل ، هذا المشهد تعيشه مدن الضفة كلها .

حديث الصور لن تجاوز فيه سلوك المواطن في الضفة خلال أيام العيد ، أسواق الضفة راكدة ، وحساب الموظف مع البنوك معقد ، وحسبة الشهور مع الرواتب وضع لها تقويم جديد إذ بات مشهورا عند السؤال ما تاريخ اليوم ؟ يجيبك الناس 58 | 9 في لمز أن فاتورة الرواتب تدفع كل شهرين مما جعل استحقاق العيد ثقيلا على الأسر التي بات الغلاء يطارد جيوبها ويسرق ما تبقى من تحويشة العمر .

تحويشة العمر والاستيطان ، لم تنسي الناس الحديث عن نتائج الانتخابات المحلية ، الأفق السياسي ، الذهاب للامم المتحدة ، المصالحة ، شكل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم ، قوة ليبرمان المتوقعة ، والحرب المتوقعة .. حتى إذا سكن الناس أغلق المشهد على صور متشاكسة ، مشتبكة خائفة قريبة في اللون الى الرمادي المعبر عن مجهول الايام القادمة .

حديث المجهول يظل الدعاء فيه غالبا بأن يحفظ الله الناس وأرضهم ، وأن يعيد عليهم الاعياد وقد هدى قيادتهم أو استبدلها، على أمل صور متشابكة أجمل في العيد القادم .