الإبداع.. دراسة مقارنة بين إبداع الذكروإبداع الأنثى

لبنى العيسى

** مقدمة

لا يحتاج المرء إلى أن يبذل الكثير من الجهد ليرى قلة الإنتاج الإبداعي للمرأة على مر العصور من الناحية الكمية بالنسبة للإنتاج الإبداعي للرجل، وإذا أردنا التعمق فالأمر لا يقتصر على الناحية الكمية فقط بل يطال النوع أيضاً، فالمجالات التي تلمع فيها المرأة مختلفة عن تلك التي يبدع فيها الرجل.
- فهل الإبداع (كشخص مبدع أو كعمل إبداعي) أميل لأن يكون ذكورياً فقط؟
- أو بمعنى أصح هل سمات شخصية المبدع تنطبق على سمات الشخصية الموجودة لدى الذكور أكثر مما تنطبق على سمات شخصية الإناث؟
- وهل هناك سمات شخصية لدى الأنثى تحول بينها وبين الإبداع؟
هذه الأسئلة تدفعنا للبحث في تعريف دقيق وشامل للإبداع، وإلى معرفة السمات العقلية والنفسية للمبدع، وسيتطلب البحث أيضاً العودة إلى ما قبل نشوء المجتمع الذكوري أي إلى القرن العاشر قبل الميلاد للنظر في المجتمع الأمومي الذي كانت تطغى عليه السمات الأنثوية الخالصة للتعرف إلى مدى أصالة سمات الأنثى الحالية وبالتالي مدى قربها أو بعدها عن سمات الإبداع المعاصر.
تبدو العودة إلى المجتمع الأمومي أكثر مصداقية في الكشف عن السمات الذكورية والأنثوية من العودة إلى الدراسات الهائلة العدد التي بحثت تجريبياً في أثر التربية والتنشئة وفي الدور الجنسي المكتسب ثقافياً على جعل الذكر أكثر إبداعا من الأنثى، لأن هذه البحوث تدرس الذكور والإناث منذ ولادتهم "في مجتمع ذكوري".
أي أن معايير العصر الذي تقوم فيه مثل هذه البحوث هي معايير ذكورية تمجد الذكر، بينما تساعد المعايير الأنثوية للعصر الأمومي على توضيح صفات الإناث الأصيلة دون اعتبار لتفوق صفات أو خصائص أحد الجنسين على الآخر، ولكن مع ذلك كأن لابد من الاشارة إلى بعض هذه البحوث أحياناً.
أولاً لابد من الإشارة إلى أن المعايير التي تحكم هذا العصر هي معايير ذكورية سواءً كانت علمية أم أخلاقية، وهذا ما سيتضح عند الحديث عن المعايير التي كانت سائدة في المجتمع الأمومي، ولهذا عند قرائتنا لتعريف الإبداع يجب مراعاة هذا الأمر وأخذه بعين الاعتبار.
** أولاً: تعريف الإبداع

من الصعب ايجاد تعريف واحد متفق عليه من قبل العلماء أو الفلاسفة للإبداع، فهو ظاهرة معقدة جداً أو جملة معقدة من الظواهر ذات وجوه وأبعاد مختلفة.
- بعض العلماء يقصدون بالإبداع "الاستعداد أو القدرة ABILITY" على خلق شيء جديد ومبتكر تماماً، وإخراجه إلى حيز الوجود.
- بينما يعتقد البعض الآخر من الكلمة "العملية PROCESS" أو العمليات خصوصاً السيكلوجية التي يتم بها خلق و ابتكار ذلك الشيء الجديد ذو القيمة العالية.
- في الوقت الذي ينظر فيه فريق ثالث إلى الإبداع في حدود "العمل الإبداعي ذاته" أو المحصلة أو الناتج الذي نشأ عن القدرة على الابتكار وعن العملية الإبداعية التي تؤدي في آخر الأمر إلى أنجاز ذلك العمل الإبداعي وتحقيقه . وبذلك نجد أن مفهوم الإبداع ليس مجرد (هيكل نظري) وإنما هو قاعدة أو مبدأ عام يحتوي على الكثير من الأبعاد الفرعية.
** من التعريفات التي ذكرت عن الإبداع

- تعريف بارتلت للإبداع-CREATIVITY- فقد عرفه بأنه التفكير المغامر الذي يتميز بترك الطريق المرسوم مسابقاً والتخلص من القوالب المصاغة، والاقبال على التجربة، وإتاحة الفرصة للشيء لكي يؤدي إلى غيره.

- كما يُعرف بأنه القدرة على التعامل مع المشكلات الغامضة أو الغير محددة، وايجاد مداخل ومقاربات، وتجريب أساليب وتطبيقات جديدة تماماً وأصيلة.
- والتفكير الإبداعي هو تفكير غير مألوف وغير تقليدي، لأنه لا يتبع الطرق المعتادة المعروفة في حل المشكلات، وهذه الخاصة (أي الجدّة) تتضمن بشكل ما أن الإبداع يحمل بين ثناياه بعض عناصر التغيير والتحوير.
وهناك الكثير من التعريفات للمصطلح لكنها تتفق جميعاً مع فكرة الخروج عن التقليدي والمعتاد في التفكير والسلوك وفي أنتاج وابتكار الأفكار الجديدة.
معظم الباحثين النفسيين يرون أن الإبداع هو الوحدة المتكاملة لمجموعة العوامل الذاتية (العقلية المركبة والنفسية) والموضوعية التي تقود إلى تحقيق أنتاج جديد وأصيل وذو قيمة من قبل الفرد أو الجماعة.
وتحقيق مثل هذه المعايير (الجدّة والأصالة والقيمة العالية) يقتضي وجود أشخاص لديهم سمات معينة، فالمبدعون: هم أشخاص قدموا إسهامات خالدة للثقافة الإنسانية سواءً كانوا علماء أو فلاسفة أو كتًاب أو مؤلفين موسيقيين.
"رمزي،1983، 63" "روشكا،1989، 19" " الظاهرة الإبداعية،1985" "سايمنتن،1993، 14" .
** ثانياً: أبعاد الإبداع

من اختلاف تعريف الإبداع بين العلماء تظهر له أربعة أبعاد أو جوانب هي:
1- العمل الإبداعي أو المحصلة الإبداعية.CREATIVITY PRODUCT
2- العملية الإبداعية.CREATIVITY PROSCESS
3- الشخص المبدع.CREATIVE PERSON
4- الموقف الإبداعي أو المناخ المحرض على الإبداع. CREATIV SITTIUATION
** العمل الإبداعي أو المحصلة الإبداعية
أو ما يعرف بالإنجاز الذي حققه المبدع والذي يجب أن يتصف بالأصالة والجدة. وبما أن الأعمال الإبداعية تتفاوت في درجات الأصالة والجدة والفائدة فأن ما سنتناوله هنا هو (العمل الخالد) الذي قُدم للإنسانية سواءً أكان نظرية علمية أو فلسفية أو قطعة موسيقية أو فنية أو أدبية، فالمبدعون الذين هم من مصاف أنشتاين وشكسبير وبيتهوفن وبيكاسو قد تركوا تأثيراً دائماً على أفكار عدد لا حصر له من الرجال والنساء وعلى أحاسيسهم، واسهاماتهم باقية على مر الزمن في العلم والفلسفة والموسيقا والرسم والدراما، فبفضل أنماط التفكير الغير مألوفة لمثل هؤلاء المبدعين يتغير الجنس البشري، ولذلك فإن الإبداع يمكن أن يعرّف بالإسهامات المقدمة أو بالإنجاز.
"سايمنتن، 1993،15".

** العملية الإبداعية

شكل من أشكال النشاط الداخلي العقلي (تندرج في إطاره كل آليات التفكير والقدرة على نقل المعلومات وايجاد العلاقات بين العناصر المعرفية) والنفسي الركب( الذي يندرج في اطاره ديناميات الحياة العاطفية والانفعالية والعوامل الشخصية بكاملها)، ويتجه الشخص بمقتضى هذا النشاط الداخلي نحو الوصول إلى أشكال جديدة من التفكير والفن.
تبدأ العملية الإبداعية من ولادة المشكلة الفنية أو العلمية، الفردية أو الجماعية، وانتهاء بتحقيق الإنتاج الإبداعي، وهذا أمر قد يدوم ساعات أو أيام أو شهور أو سنين.
وقد حدد "والاس Walas" أربع مراحل تمر فيها العملية الإبداعية هي:
- الإعداد والتحضير.
- البزوغ.
- الاستبصار.
- التحقيق.
وتحددت هذه المراحل للتأكيد على أن العملية الإبداعية ليست في النتيجة النهائية فقط، وإنما في الرؤيا الذهنية -vision- التي سبقت العمل ذاته، ففي البداية هناك مرحلة الاعداد والتحضير التي تتكون فيها لدى المبدع فكرة عامة أو تصور كلي للموضوع الذي يريد إبداعه قبل أن يشرع فعلاً في اتخاذ أي خطوة عملية نحو تنفيذه، وهي حالة استحضار للمهارات والوسائل وعناصر التجربة التي تساعد المبدع على أن يثير أمام نفسه (المشكلات) التي يتعين عليه أن يحلها. وهنا تبدأ مرحلة جديدة أكثر ايجابية وهي مرحلة بزوغ مبدأي للحل، الذي يتخذ شكل العمل الإبداعي الجديد والتركيز على هذا الحل، وما يصاحب ذلك من توتر ويقظة ذهنية وقلق وعدم استقرار واحباط، مما يدفع الشخص المبدع في كثير من الأحيان إلى التوقف أو حتى التراجع والإنسحاب، ولكن هذا (الاستسلام السيكلوجي) لن يلبث أن يؤدي إلى مرحلة أخرى جديدة أكثر ايجابية هي مرحلة الاستبصارINSIGHT--، (((وفيها تلمع فكرة العمل الإبداعي في لحظة خاطفة في ذهن الشخص المبدع ليدرك خلالها أبعاد العمل كوحدة كلية متكاملة(((، وعندها تصل العملية الإبداعية إلى الذروة حيث تظهر الفكرة فجأة وكأنها نظمت بشكل تلقائي دون تخطيط وبالتالي يتجلى واضحاً كل ما كان مبهماً وغامضاً، وتعتبر هذه المرحلة من أهم مراحل العملية الإبداعية التي تمهد لمرحلة (تحقيق الرؤيا) العامة والشاملة وإخراجها إلى حيز الوجود وهذا يتطلب الكثير من المجهود ليس فقط لتنفيذ هذه الرؤيا بل أيضاً من أجل تحسين العل وتهذيبه وإدخال التعديلات المطلوبة عليه وايصاله آخر الأمر إلى الآخرين.
وليس من الضروري أن تتم هذه المراحل والأطوار في الترتيب السابق من الناحية الزمنية لأنها تعتبر أيضاً أوجه أو مظاهر متداخلة لعملية واحدة متكاملة، خاصة أنها كثيراً ما تحدث في فترة وجيزة للغاية بحيث يصعب الفصل بينها إلا من الناحية النظرية أو التحليلية، كما أنها تتألف من مجموعة متشابكة من العمليات المعرفية واللامعرفية التي تتضمن الكثير من عناصر التفكير والإدراك والتخيل وغيرها.

"الظاهرة الإبداعية،1985 " روشكا،1989 ،38 "
** الشخصية المبدعة

إن العملية الإبداعية ليست منفصلة عن السمات العقلية والنفسية مثل الدافعية والمزاج والطبع والاستعداد والذكاء ومرونة التفكير.. والمبدع ليس شخصاً ذو اختلاف نوعي عن غيره، بل يمكن النظر إليه بصفته فرداً يختلف عن غيره بمقدار انتظام وظائفه العقلية والنفسية بصورة تجعله قادراً على إبداع الجديد وتنميته (أكثر من غيره)، وكذلك في مقدار الأثر الذي يتركه هذا الانتظام على شخصية المبدع وبنائه النفسي والوجداني، أي مدى اندماج المبدع في تجربته الإبداعية (العلمية أو الفنية) واندماج خصائصه الشخصية بعمله الإبداعي.
وفيما يلي سنحاول الكشف عن الفروق بين سمات شخصية المرأة الطبيعية والمكتسبة وبين سمات شخصية المبدع التي من الممكن أن تحول دون إبداع المرأة.
1- القدرات العقلية والإبداع: إن التفكير الإبداعي هو تفكير إنتاجي، وهناك شبه اتفاق بين الباحثين على أنه من أجل تحقيق نتائج إبداعية عالية لا بد من حد أدنى من الذكاء الذي يختلف من مجال لآخر من مجالات النشاط الإبداعي، وعندما يتجاوز الذكاء حداً معيناً فإنه ليس من الضروري أن يؤدي إلى نمو الإبداع
وهذا ما يفسر وجود أشخاص غير مبدعين ذوي نسب ذكاء عالية، بينما نجد البعض مبدع لكن بنسبة ذكاء أقل (ليست دون الوسط)، فما يساعدهم على الإبداع خصائص معينة واهتمامات عالية في بعض المجالات.
ولذلك فإن الذكاء يمكن أن يكون عقيماً ويمكن أن يكون منتجاُ أي إبداعياُ، والذكاء العقيم مرتبط بضعف القدرة على التخيل الإبداعي أو الضعف في تطور استقلالية التفكير والأصالة فيه، وهاتان الخاصتان هما بمثابة قدرات مرتبطة مع بعضها وهما أساسيتان ومهمتان في العملية الإبداعية، ولكن توصلت الدراسات التي أجريت على عينات من الذكور والإناث لمعرفة أثر التنشئة الإجتماعية التي يتلقاها الجنسين في تطوير مثل هذه القدرات إلى أن الإناث يقتقدن إلى استقلالية التفكير وأصالته، فالذكور يتدربون على الاستقلال منذ الصغر كما أن الآباء يشجعون السلوك الاستقلالي لديهم فينجزون ويتفوقون في المجال العقلي بشكل أكبر من الإناث اللواتي تترسخ لديهن الحاجة إلى الإنتماء بدل من الحاجة نحو الاستقلال، كما أن الوالدان لا يشجعون السلوك الاستقلالي للفتاة لأنه يتطلب منها صفات مرفوضة بالنسبة لدورها الإجتماعي والجنسي كأنثى، وهذا ما ينعكس على قداتها العقلية ويحول دون تنمية الصفات اللازمة للإبداع.
كما أن خوف الأنثى من أن تخسر الإحساس بالأمان الذي يقدمه لها المجتمع إذا ما خرجت عن النمط الجنسي والإجتماعي المرسوم لها يُضعف السلوك الإنجازي لديها، فالإنجاز يتطلب شيئاً من المنافسة، والمنافسة يصنفها المجتمع على أنها شكل من أشكال العدوانية التي لا تتناسب مع الدور الجنسي المنوط بالأنثى، ولهذا قد تشعر الأنثى بالرفض الإجتماعي لها بسبب خروجها عن الدور الأنثوي التقليدي الذي تنتمي إليه.
وهذا هو السبب الذي يجعل على سبيل المثال الكثير من النساء الأكاديميات اللواتي لديهن محاولات لاستغلال امكانياتهن العقلية أحسن استغلال، على استعداد دائم للتضحية بتفوقهن إذا ما تعارض مع وئامهن العائلي. وقد يدلنا هذا الأمر على أن معظم النجاحات الجامعية في الفروع الأدبية التي تحصل عليها الأنثى ليست سوى نتيجة للقدرة على استيعابها للمعلومات واحيائها وليس إنتاجها.
وأحياناً يكون الدافع وراء إنجاز الأنثى هو الحاجة إلى الإنتماء والقبول الإجتماعي وليس الرغبة في المعرفة أو تقديم ما هو جديد ومفيد وخلاق. وقد فسّر هوفمان 1973 دافع الإنتماء والقبول الإجتماعي لذى الإناث، بعدم تشجيع الوالدين على الاستقلال في المراحل الأولى من العمر، وعدم التشجيع على الاستقلال يرتبط ببعض القدرات العقلية، فإما أن يؤدي إلى تنميتها أو إلى اضعافها، وقد أشارت الدراسات إلى أن تشجيع الطفل على الاستقلال والمبادأة يرتبط ايجابياً بالقدرة على التفكير التحليلي المرتبط بدوره بشدة بعمليات التفكير المبدع، فهو الوجه الآخر للتفكير المتباعد المنتج أو المبدع.

من جهة أخرى نجد أن الفتاة لا تعمل على تنمية الثقة في قدراتها من أجل الاستقلال عن محيطها – سواء أكان السبب نمط التربية الذي تتلقاه أم أسباب نفسية أخرى– ، بل على العكس تحاول أن تبقى مرتبطة وجدانياً بالأم وبالزوج فيما بعد. ويظهر عندها السلوك الإتكالي المعتمد على البيئة أكثر من اعتماده على الذات وهو السلوك المرفوض غالباً بالنسبة للذكور. هذا السلوك يبعد القدرات العقلية بالضرورة عن أصالة التفكير التي تعتبر ركناً أساسياً في الإبداع.
فالأصالة كما يعرفها كيلفورد: هي درجة الجدّة التي يمكن أن يظهرها الفرد والتي تظهر في استجاباته الغير مألوفة والمقبولة في أن معاً، والميل إلى تقديم تداعيات بعيدة وجديدة وماهرة وغير معتادة، وهذا الأمر يرتبط بالضرورة بمرونة التفكير: أي القدرة على تغيير المسائل المصاغة مسبقاً وعدم البقاء ضمن إطارها السابق دون البحث عن جديد. والكثير من الباحثين يؤيدون فكرة أن استسلام الأنثى وعدم مبادرتها بتغيير المسائل المحيطة بها أو النظر إليها بطريقة جديدة وغير تقليدية إنما يعود إلى طرق التربية التي تلقتها.
وقد توصل عبد الستار ابراهيم 1972 في دراسة قام بها عن أصالة التفكير إلى وجود ارتباط بين ارتفاع درجة الأصالة لدى الإناث والميل إلى المخالفة والمعارضة، أي كلما ارتفعت درجة الأصالة ارتفعت درجة المخالفة والمعارضة وكلما أنخفضت الأصالة أنخفضت المعارضة، بينما لم يلاحظ مثل هذا الارتباط في النتائج بين الذكور، ونحن نعلم أن المخالفة والمعارضة للعادات والأعراف الإجتماعية من قبل الفتاة تتنافى مع توقعات المجتمع لدورها الإجتماعي وهذا ما يفسر إنخفاض درجات الإناث عن درجات الذكور في الأصالة بوجه عام لما تتطلبه الأصالة من خروج عن المألوف وميل للتحرر من أطر التفكير العادية (أي التفكير ضمن نسق مفتوح) وما يتضمن ذلك من ميل للمخاطرة في التفكير وانفتاح على الخبرات المختلفة، وارتباط ذلك كله بالخروج عن القيم والثوابت الإجتماعية المتعارف عليها، إن كل ما يتطلبه السلوك أو التفكير المبدع من أصالة ومرونة في التفكير يتعارض مع بعض أنواع السلوك والتفكير الأنثوي الذي يتميز كما أظهرت العديد من البحوث والدراسات بالميل أكثر نحو المحافظة والتصلب في التفكير وقبول الغموض وعدم الحسم، ولذلك يحدث التعارض لدى الأنثى بين متطلبات الأصالة ومتطلبات الدور الإجتماعي المرسوم لها.
"رمزي، 1983، 70" " شوي، 1995، 19".

2- السمات الشخصية والمزاجية للمبدع:

إن القدرات العقلية وحدها ليست كافية للإبداع ومن الواضح أن هناك خصائص أخرى للشخصية تتدخل لتوليدِ إبداعٍ ما. والمبدعون في مجمل النشاطات العلمية أو الفنية أو السياسية يتشابهون في خصائصهم الشخصية بدرجة تتجاوز ذلك التشابه الموجود بين كل مبدع وزملائه الآخرين في نفس مجال النشاط، فمثلاً ووفقاً لوجهة النظر هذه فإن الأخوة العقلية والإنفعالية بين مايكل أنجلو وجاليليو وحتى مع يوليوس قيصر هي أكبر من تلك الأخوة الموجودة بينه وبين أي فنان من الدرجة الثالثة، إذاً لا بد أن هناك سمات وخصائص طبع ومزاج تلعب دوراً مهماً في الإبداع والتي هي في الحقيقة لا تبتعد عن الصفات الفكرية والعقلية السابقة.
يقصد بالسمات المزاجية: مجموعة الخصال أو الصفات الشخصية التي تتمتع بقدر من الدوام والتي تظهر من خلال سلوك الفرد في المواقف المختلفة. ومن أهم السمات المزاجية للأشخاص المبدعون:
الدافعية القوية والطاقة العالية الجسمية والعقلية التي تدفعهم إلى المثابرة في العمل والميل إلى سعة الإطلاع والرغبة في المعرفة وتجميع المعلومات. وقد أظهرت الأبحاث أن 90% من الشخصيات المبدعة المشهورة تتميز بدرجة عالية من حب الاستطلاع الذي لايكف عن طرح التساؤلات، وتنوع الاهتمامات الأمران المرتبطان مع بعضهما من جهة ومع الذكاء من جهة أخرى، ومثال سعة الاطلاع الكلاسيكي هو "ليناردو دافنشي" الذي أبدع في مجالات عديدة مستقلة "نظرياً" عن بعضها وهي الرسم والنحت والهندسة والفيزياء وعلم الأحياء والموسيقى، وأيضاً القائد بنيامين فرانكلين العالم والمؤلف والناشر والمخترع والسياسي والدبلوماسي.
ودافعية المبدعين تنطلق من الداخل لأسباب ذاتية فلا يكون هدفها المكانة أو اللقب الإجتماعي بقدر ما يكون الهدف الرغبة في البحث والمعرفة واعطاء الأفكار الجديدة.
وهناك سمة أخرى للشخصية المبدعة وهي عامة لديهم وهي العمل الجاد، فقد أثبتت البحوث أن الإبداع لدى المبدعين لا يأتي من الإلهام الفجائي لعقل صلب أو خامل إنما من العمل المستمر لشخص فعال ومرن، يقول توماس أديسون "إن العبقرية هي 1% إلهام و99% عرق جبين".
ومن السمات الشخصية أيضاً للمبدعين الاندماج في التجربة الإبداعية بشكل كامل في الحياة فتبدو خصائصهم الشخصية على علاقة وثيقة بعملهم.
أما السمات السلبية في الشخصية التي تعيق وتكبح النشاط الإبداعي فهي كثيرة مثل: عدم القدرة على اتخاذ القرار، التردد، الجبن والخجل، النقد المفرط للذات وعدم الثقة بالنفس الخوف من النقد والجمود وأخيراً الابتذال.
** والأن ما هي السمات الشخصية للأنثى؟
غالباً ما توصف الأنثى بأنها اكثر عاطفية، اجتماعية، سلبية ، أقل عقلانية، غير مستقلة، تلائمها الأعمال الرتيبة والروتينية، كما أنها غير جازمة، أقل عدوانية من الذكر. وتشير بعض البحوث إلى أن الإناث المرتفعات الذكاء يقللن من شأن قدراتهن الخاصة ويقدمن تقييماً أقل من تقييم الذكور لأعمالهن وأقل أيضاً من أدائهن الفعلي لما قاموا به من عمل، هذا إلى جانب أنهن أكثر تأثراً بآراء الآخرين وميلاً إلى تغيير أحكامهن الادراكية إذا ووجهن بآراء تعارض آرائهن، كما أنهن يملن إلى تجنب الأعمال الصعبة غير مضمونة النجاح، بينما يعتبر الذكور أن هذه الأعمال بمثابة تحدي لقدراتهم.
هذه الصفات إذا ما قارناها بالسمات اللازمة للشخصية المبدعة نجدها على النقيض منها ومتنافرة معها فقد أجريت الكثير من البحوث التي أثبتت ارتباط العدوانية والحسم في اتخاذ القرار والاستقلال، والرغبة في المجازفة والثقة بالنفس، بالإبداع.
وربما قد يفيدنا الاطلاع على بعض الدراسات التي تهدف إلى دراسة السمات الإبداعية لدى الإناث على الرغم من أنها لا تتجاوز 55 من بحوث الإبداع بشكل عام:

قام هيلسون1974 بسلسلة من البحوث تناولت سمات الشخصية والنمط المعرفي والتاريخ الشخصي للنساء الجامعيات المبدعات في العلوم والفن والدراسات الانسانية والرياضية، وأظهرت بحوثه أن المبدعات في الرياضيات أظهرن ارتفاعاً في أدائهن بالمقارنة مع العينة الضابطة من غير المبدعات، وذلك في المرونة وفي استقلال الحكم وعدم النفور من الغموض والاقدام على الأمور، كما حصلن على درجات أقل في الميول الإجتماعية وفي الامتثال لمعايير المجتمع، كما أظهرت الدراسة التتبعية نمواً في هذه السمات لدى الإناث المبدعات، ولوحظ أن متغير الزواج لم يتدخل في التأثير على القدرات الإبداعية ولا على السمات المزاجية لهن، ولكن بالمقارنة مع المبدعين الذكور من علماء الرياضيات لوحظ أنهن أقل ثقة بأنفسهن وأقل قبولاً لذواتهن.

وفي دراسة أخرى قام (باشتولد ووارنر 1970) بدراسة تهدف إلى تحديد السمات الشخصية للنساء الأكاديميات اللاتي وصلن إلى قمة نجاحهن العلمي في مجال تخصصاتهن، كما قام بإجراء مقارنة بينهن وبين الإناث في المجتمع العام من جهة والنساء الجامعيات من جهة أخرى، وبين الرجال الأكاديميين الذين حققوا نجاحاً مرموقاً في مجالاتهن العلمية لمعرفة طبيعة الفروق في أنماط الشخصية، وقد توصل الباحثان إلى أن النابغات ممن يعملن في مجال علم الننفس تحديداً يختلفن عن النساء الراشدات في المجتمع بشكل عام وعن النساء الجامعيات في كثير من سماتهن الشخصية، فقد كن اكثر ذكاءً وسيطرة وحساسية ومرونة، ميالات للمخاطرة ولأخذ الأمور مأخذ الجد، اجتماعيات بتحفظ. ومما يلفت النظر التشابه الشديد الذي ظهر بينهن وبين الرجال الأكاديميين الناجحين على مقياس العوامل الستة عشر لكاتل، إلا أن عالمات النفس بشكل خاص حصلن على درجات أعلى في ضبط الأنا وفي التحرر ودرجات أقل في الانفعالية.
وقد أجريت بحوث أخرى على درجة كبيرة من الأهمية تؤكد على ارتباط الإبداع بسمات الذكورة والأنوثة، و تدل أغلب هذه الدراسات على أن القدرات الإبداعية ترتبط بسمات الجنس الآخر بمعنى أن الإناث المبدعات ترتفع لديهن السمات الذكرية عن مجموعتهن الضابطة، كذلك الذكور من المبدعين ترتفع لديهم االسمات الأنثوية أكثر من أقرانهم الأقل إبداعاً.
وفي بحث آخر لـ(ماكوبي 1963) تبين أن الإناث المتفوقات في حل مسائل الهندسة الفراغية أكثر من غيرها من المسائل كن أكثر ميلاً في سماتهن للسمات الذكرية من بقية الفتيات اللاتي تساوين معهن في مستوى الذكاء، كما لاحظت الباحثة ميلهن للعدوانية ونزوعهن الواضح للسيطرة.
كذلك أجرت (لينيلجون 1967) بحثاً في العلاقة بين الإبداع والسمات الذكرية والأنثوية لدى الجنسين، وتوصلت إلى أن هناك فرقاً واضحاً بين مرتفعات الإبداع وبين العينة الضابطة، في الأداء على مقاييس الذكورة والأنوثة، فقد كانت مرتفعات الإبداع أكثر ميلاً لتمثل السمات الذكرية من الأخريات.
كما توصلت (أوتزل) في دراسة لها عن القدرات العقلية الأولية أجرتها على مجموعة من الذكور في المرحلة الابتدائية، إلى أن هناك ارتباطاً ايجابياً دالاً بين الذكاء وبين السمات الأنثوية وارتباطاً سلبياً أقل دلالة بينه وبين السمات الذكرية، وبعبارة أخرى:
الذكور الأكثر ذكاءً أكثر أنوثة والأقل ذكاءً أقل أنوثة.
وبإستخدام نفس الاختبارات على مجموعة من الإناث تبين للباحثة أن ارتفاع مستوى الذكاء لديهن يرتبط بكل من السمات الأنثوية والذكرية معاً.
كذلك توصلت بحوث (ماكينون وبارون 1962) إلى أن الذكور المبدعون في المجالات الجمالية والفنية كانوا أعلى في سماتهم الأنثوية بالمقارنة بأقرانهم الأقل منهم أصالة وإبداعاً وذلك في أدائهم على اختبارات الذكورة والأنوثة.
ولا يعني بالضرورة اتسام الشخص المبدع ذكراً كان أو أنثى ببعض سمات الجنس الآخر أن يكون لدى هذا الشخص اهتمامات جنسية مثلية، لكن يعني أن الشخصية المبدعة تتميز بالتآلف والتركيب بين سمات ذكرية وسمات أنثوية سواءً بالنسبة للذكور أو بالنسبة للأناث. فصحيح أن الإبداع يتطلب الاستقلال المرتبط بسمات الذكر أكثر من الأنثى إلا أنه يتطلب الحساسية التي تعتبر من مميزات الأنثى، وعلى هذا علينا أن نتوقع أن يُظهر الذكور البدعون ميلاً إلى الأنوثة اكثر مما يظهر أقرانهم من غير المبدعين وأن تُظهر الإناث المبدعات ميلاً ذكرياً أكثر مما تظهر قريناتهن من غير المبدعات.
ولكن من جهة أخرى نجد فعلاً الكثير من المبدعين المشهورين الذين عرفوا بميولهم الجنسية المثلية مثل دافنشي ومايكل أنجلو ورافائيل وتشايكوفسكي وأوسكار وايلد.
وغالباً ما تكن الإناث اللواتي يتمتعن بدرجة ذكورة مرتفعة متمثلات بالأب، وأكثر استقلالاً عن الأم وما تمثله من دور جنسي أنثوي، مما يلعب دوراً حاسماً في استقلالهن وثقتهن بأنفسهن.
وبما أن سمات الشخص المبدع تتطلب العدوانية فقد أجريت العديد من الدراسات لقياس مدى ارتباط ارتفاع الأداء على مقاييس التحصيل المختلفة بالسمات العدوانية للإناث (مع العلم طبعاً أن ارتفاع التحصيل ليس دوماً مؤشراً على الإبداع إلا أن بعض المبدعين كانوا مرتفعي التحصيل مثل سيجموند فرويد الذي كان على رأس فصله في المدرسة الثانوية الألمانية وتخرج بدرجة الامتياز الفائقة) فقد ظهر أن مرتفعات التحصيل أكثر عدوانية من متوسطات التحصيل.
وبما أن أغلب دراسات الفروق الجنسية في العدوان أثبتت أن الذكور هم أكثر عدوانية من الإناث، تم الربط بين العدوان وبين القدرة على الاستقلال عن البيئة المحيطة، فارتفاع درجة العدوانية عند الذكر تجعله يدخل في صراعات أكثر من الأنثى مع السلطة الوالدية، إلا إذا اتسمت الأنثى بسمات ذكرية عدوانية جعلتها تقاوم تدخل الوالدين وتحاول التغلب على ما يواجهها من عقبات أو ضغوط تعيق جهودها لتحقيق هوية مستقلة، وما قد يكون لذلك من أثر عليها لتكوّن شخصية مبدعة في المستقبل.

"رمزي،1983، 63-68" "الحنفي،1997، 49" "سايمنتن،1993، 75" "شوي،1995، 20".
** الموقف الإبداعي أو المناخ الإجتماعي للإبداع

وهو في معناه الواسع يعني الوسط المباشر وكل ما يحيط بالمبدع من تأثيرات اجتماعية ونفسية، اقتصادية، ثقافية، تربوية، تسهل أو تحبط التفكير والعمل الإبداعي. وما سنتناوله هنا بإختصار ومن خلال بعض الدراسات السابقة التأثير التربوي والأسري والمدرسي على تكوين وترسيخ الإبداع أو القدرات الإبداعية لدى الفرد.
أظهرت الكثير من الدراسات أن الأسلوب التربوي المعتدل الذي يتبعه الأهل تجاه تربية أبنائهم بما يحتويه من تشجيع على الاستقلالية العقلية، وخلق الظروف المناسبة لتطوير المهارات والاستعدادات تسهم في تطوير وتنمية السلوك الإبداعي للشخصية، ويتضمن ذلك أيضا:ً عدم الإكرا، وإبعاد العوامل التي قد تقود إلى الصراع عند الأولاد، وتشجيع المخاطرة، واختيار الصعب لكن في الحدود المناسبة للمرحلة العمرية.
كما توصلت إحدى الدراسات التي قام بها عبد الحليم محمود 1974 إلى أن التقبل والحب من الوالدين، وإتاحة الفرصة لاستقلال أبنائهم يؤدي إلى ثقة الأبنائهم بأنفسهم وشعورهم بالأمان، مما يدعم السلوك الإبتكاري والإبداعي لديهم، إلا أن هذا الحب يحتاج إلى الضبط فلا يفرط الوالدين في تقديمه. كما يجب تعريض الإبن أيضاً لخبرات فشل واحباط مقبولة بالنسبة لعمره كي يستمد منها الطاقة لتحمل الضغوط والاحباطات المقبلة التي يتعرض لها نتيجة لوجود موقف غامض يسثير فيه التوتر والجهد مما يدعم استمرار ظهور القدرات الإبداعية لديه.يضاف الى كل هذا كله العامل الحاسم الذي يلعبه تقبل فردية المبدع في الجماعة السيكلوجية التي ينتمي إليها وهي هنا الأسرة والتي تكون بمثابة السند النفسي للمبدع في طريقه الوعر.
ولا بد عند حديثنا عن علاقة التنشئة الأسرية للآباء بإبداع الأبناء من دراسة كل جنس على حدة، فمعاملة الآباء تختلف باختلاف جنس الأبناء، فهم مثلاً لا يشجعون استقلال الفتاة عن أمها الذي هو صعب بحد ذاته كما يشجعون استقلال الفتى، كما أنهم لا يقبلون السلوك الاتكالي من الذكر بقدر ما يقبلونه من الأنثى.
وقد توصلت احدى الدراسات إلى أن السلوك الرافض والجامد من الأم تجاه الفتيات وبخاصة في الفترة المبكرة من حياتهن يعجل من دفعهن نحو النمو العقلي والحركي على عكس الافراط في الحماية الذي يعطل هذا النمو.
لكننا لا نستطيع التعميم هنا، فبرغم كثرة الدراسات التي تعزو قلة الإنتاج الإبداعي أو العقلي للمرأة إلى أساليب التنشئة الأسرية التي تنالها أوالتي لا تشجع نمو القدرات الإبداعية، نجد أن هناك الكثير من المبدعين الذكور الذين نشأوا في مناخ تربوي (أسري أو مدرسي) واجتماعي واقتصادي سيئ جداً ولم يتلقوا فيه أي تشجيع على الاستقلال كما لم يتلقوا فيه الحب والدعم والقبول الكافي لإبداعاتهمن وبالرغم من هذا نبغوا وأبدعوا في مجالات شتى مثل بتهوفن الذي عاش حياة أسرية مأسأوية ورغم ذلك أنتج ما يعتبر خالد موسيقياً.
وما يقال أيضاً عن أن مناخ المدرسة الذي يشجع الإبداع بأنه يجب أن يحض على النشاط الفعال، والمنافسة، والنقد، وتقبل الأساتذة للطلاب وتشجيعهم على تنمية قدراتهم الإبداعية، لم نجده متوفراً عندما ظهر عالم مثل آينشتاين، ففي ملاحظات في السيرة الذاتية التي كتبها آينشتاين تظهر الإدانة التالية للأساليب التربوية:" لقد كان على المرء أن يحشو عقله بكل هذه المواد سواءً أكأن يحبها ام لا، وكان لهذا الإجبار أثر بلغ سوئه علي أنني وجدت عندما اجتزت الامتحان النهائي أن النظر في أية مشكلات علمية أمر بغيض لمدة عام كامل" "ساينتن،1993، 105".
فالتربية إذاً من الممكن أن لا تحول دون إبداع الفرد حتى لو كانت تركز على أساليب تربوية تحبط القدرات الإبداعية وتمنعها من الظهور، مما يعني أن عدم تشجيع أساليب التربية لقدرات الأنثى الإبداعية على الظهور ليس سوى حجة غير منطقية تُدحض أمام نماذج إبداعية ذكرية عانت كثيراً على الصعيد الشخصي.
والمتتبع للعمل العقلي لكلا الجنسين يلاحظ دون عناء التفاوت بين أعداد الرجال وأعداد النساء ممن بلغوا مراتب التفوق في مجالات الحياة المختلفة.
فمن 1030 حالة من المتفوقين الذين قام أليس بدراستهم لم يجد سوى 55 امرأة برزت أغلبهن في مجالات خاصة كانت مقتصرة على النساء وحدهن.
وفي حصر مماثل آخر تبين أنه من بين ألف شخص من المشاهير لم يكن هناك سوى 32 امرأة فقط من بينهن 11 امرأة في منصب الحاكم بالوراثة بالاضافة إلى 8 أخريات لعب الجمال أو بعض الظروف الجانبية الأخرى دوراً هاماً بالنسبة لهن، أما الباقيات فكن ممن كسبن شهرتهن من خلال نبوغهن أو عبقريتهن.
وتذكر أنستازي أنها لم تجد إلا خمسة وخمسين امرأة فقط من بين 2607 عالماً يعملون في مجال العمل العقلي، ومن بينهم 2.1% فقط يعملون في مجال العلوم الطبيعية وترتفع النسبة لتبلغ أقصى ارتفاع لها في مجال علم الفس لتصل إلى 22%.
من خلال هذه النسب الأخيرة وبعد معرفة سمات المبدع الشخصية، يظهر ما يدل على ان سمات الرجل الشخصية تشبه ما يتصف به المبدع أكثر من سمات المرأة الشخصية، واضافة إلى الدراسات السابقة الذكر التي تبين أثر العوامل لاجتماعية والمحيطة في احباط إبداع المرأة والتي تقارن بين أساليب تربية الذكور وأساليب تربية الإناث وأثرها على السمات الإبداعية، ظهرت أيضاً الكثير من الدراسات التي حاولت أن تجيب على التساؤل التالي: هل هذه السمات أصيلة ومن طبيعة الأنثى؟ أم هي تعود فقط للضغوط التي يضعها المجتمع أمامها لكي تمتثل للدور الجنسي الذي رُسم لها ؟
قد تكون البحوث السابقة أجابت على السؤال الثاني، أما محاولة الإجابة على السؤال الأول فستكون بالرجوع إلى العصر الأمومي الذي سادت فيه العلاقات والمعايير الأنثوية، لأنه يدلنا بصدق على الصفات الموجودة عند الأنثى في عصر لم يكن فيه اضطهاد للمرأة أو غبن لحقوقها، كما لم تكن فيه الصفات الأنثوية مُعابة و متدنية أوتعتبر من الدرجة الثانية بل على العكس، كنت بعض الآلهة التي عُبدت: أنثى.
كما أن صفات المجتمع الأمومي تكشف لنا النقاب عن الصفات الأصيلة للأنثى، التي لم تتأثر بعد بقيم الذكور الموجودة في عصرنا هذا وبالتالي لا التنشئة ولا التربية كانت تفضل الذكور على الإناث لتكسبهم صفات أكثر ايجابية من الإناث، الأمر الذي يعُتبر اليوم سبباً في عدم إبداع المرأة.
وستكشف لنا هذه العودة التاريخية مدى ابتعاد هذه الصفات واقتربها من الصفات المطلوبة من الإنسان لكي يكون مبدعاً.
من جهة أخرى، يبدو من الضروري معرفة سبب انقلاب الذكر على سلطة الأنثى وانتصاره الذي استطاع من خلاله تكريس القوانين الذكرية، وعلاقة هذا الأمر بالإبداع؟

** أنوثة وذكورة المجتمع الأمومي وعلاقتها بالإبداع

كان الاعتقاد السائد حتى أواسط القرن التاسع عشر أن العائلة البطريركية الحالية قديمة قدم المجتمع الإنساني، إلا أن هذه الفرضية تهاوت أمام النقد العلمي الذي قدمه رواد الأنتروبولوجيا والعلوم الإنسانية الأخرى، فقد أثبت هؤلاء أن العائلة ذات القيم الأنثوية التي ترجح مكانة الأم هي الأقدم.
ففي المجتمع الأمومي لم تستلم المرأة زمام الأمور بسبب قوتها الجسدية وما تحمله من اسقاطات اليوم، بل بسبب خصائصها الروحية والسيكلوجية التي صبغت حياة الجماعة وقيمها وعلاقاتها ونظمها وجمالياتها، والتي يقف الذكر أمامها عاجزاً أو خائفاً في أعماقه، فالمرأة بالنسبة لإنسان ذلك العصر (10000 ق.م) كانت موضوع حب ورغبة وموضوع خوف ورهبة في أن معاً، فمن جسدها تنشأ حياة جديدة ومن صدرها ينبع حليب الحياة وخصبها، وما تفيض فيه على أطفالها هو خصب الطبيعة، وعندما تعلم الانسان الزراعة وجد في الأرض صنواً للمرأة فهي تحبل بالبذور وتطلق من رحمها الزرع الجديد. ومن المعروف أن بعاطفة الأمومة تندفع المرأة لتأمين حياة طفلها، فكانت النساجة الأولى. وبسبب وجودها في مكان ثابت وخروج الرجل للصيد اكتشفت الزراعة، واكتشفت معها خصائص الأعشاب التي تشفي من الأمراض فكانت الطبيبة الأولى.
عاطفة الأمومة لم تكن تميز بين الأخوة مهما اختلفت خصائصهم وقدراتهم، ومن هنا كان المجتمع الأمومي يتميز بروح العدالة والمساواة الإجتماعية والسلام، فسيكلوجية المرأة البعيدة عن التسلط والاستبداد والعنف والخراب والدموية والدمار منحت إنسان ذلك العصرالأمان والمحبة والسلام والحرية دون تمييز بين الرجل والمرأة، فرجال العصر الأمومي كانوا أكثر عزة وأنفة وفروسية من رجال العصر البطريركي، فالأم المعتزة حقيقة بأنوثتها ستربي أطفالها على الاعتزاز أيضاً بما يحملون من صفات.
إن لاكتشاف الأنثى الزراعة مدلولات عديدة، فهو ترسيخ لمفهوم الثبات والاستقرار، هذا المفهوم الذي اعتبر بمثابة روح العصر الأمومي والذي هو بالتالي من سمات الأنثى، كما أنه بطبيعة الحال عكس مفهوم الحركة أو التغير التي هي من سمات الذكر (والعامل الرئيسي في الإبداع)، ومن هنا يظهر لنا سبب انقلاب الذكر على الأنثى.
فثبات المجتمعات القديمة في الأرض واستثمارها في الزراعة، وبدء تشكل المجتمعات المستقرة، وظهور الفائض في الإنتاج وقابليته للتبادل بين التجمعات المختلفة أدت إلى بروز البضاعة ومن ثم الثروة. وبسبب قوانين الزواج في ذلك العصر - والذي كان يعرف بالزواج الثنائي- كان الرجل يغادر البيت صفر اليدين في حال انفصال عقد الزواج، هذا من ناحية. من ناحية أخرى فإن مركز الرجل الاقتصادي كان يقوى ويزداد، وهكذا بدأ بالتفكير جدياً في قلب هذا النظام واستطاع الاطاحة بحق الأم، وحلت العائلة الأحادية أو الزواج الأحادي وفيه يحق للرجل فصل الزواج مع احتفاظه بجميع ثروته وممتلكاته وتوريثها لأولاده فتم استبدال "حق المرأة" "بحق الرجل" وهكذا بدأت العائلة البطريركية تتسيد المجتمعات.
وبالرغم من أن اسباب إنقلاب الذكر على الأنثى تبدو مادية إلا أنها في جوهرها روحية ونفسية بحتة.
فهذا الإنقلاب يكشف من ناحية عن خصائص شخصية خاصة بالذكر، رافضة لمفهوم الثبات والاستقرار الطويل الأمد، تتطلب الحركة والتغيير الدائمين. ومن ناحية أخرى يمكن أن يكشف لنا عن رغبة الذكر في التمرد على كل خصائص الأنثى الغامضة بالنسبة له والسيطرة عليها.

** ما هي خصائص الذكر والأنثى؟

كان الذكر يرى في الأنثى سراً صغيراً مرتبطاً بسر أكبر هو الطبيعة، وكان يرى أن وراء كل التبديات والتغييرات التي تطرأ على الكون أنثى كونية عظيمة هي منشأ الأشياء (الرحم)، ومردها (إلى أرضها يعود كل شئ). وطبيعة الأنثى "القمرية" جعلت الذكر يقف عاجزاً أمام غموضها وتبدلاتها، فحياة المرأة الفيزيولوجية والسيكلوجية ذات ايقاع قمري لأنها مرتبطة بدورة شهرية معادلة لدورة القمر الذي يبدأ هلالاً في أول الشهر ليتلاشى في آخره، بعد أن يمر في فترة تقع في منتصف الشهر عندما يبلغ البدر تمامه، وهي الفترة التي تنضج فيها بويضة االمرأة قبل أن تتلقى النطاف أوتحيض.
ولعل اقتران المرأة بالقمر له ما يبرره، فكلاهما ينتميان إلى المبدأ السالب في الطبيعة والكون، أي "الين" في المبدأ الصيني القديم، ويقابله "اليانغ" المبدأ الموجب الذي ينتمي إليه كل من الذكر والشمس.
من تفاعل هاتين القوتين المتكافئتين تستمر حركة العالم ومكوناته، ففي المرأة والأرض والماء يسود الين، وفي الرجل والسماء والنار يسود اليانغ.
والين هو العتم والظل والرطوبة والغموض، واليانغ هو النور الساطع والحرارة والجفاف والقوة والإنجاز والوضوح. وفي الفكر اليوناني المبدأ السالب هو "الإيروس" والمبدأ الموجب هو "اللوغوس" ، والإيروس هو عالَم الطبيعة والرغبات والغرائز وخفايا النفس، اما اللوغوس فهو التسلط على الطبيعة، والمنطق، والتفكير المنظم البارد. المرأة تنتمي إلى "الايروس" وإلى "اللوغوس" ينتمي الرجل.
وفي علم النفس الحديث أطلقت المدرسة اليونغية –نسبة الى كارل غوستاف يونغ- على الطاقة الموجبة في النفس البشرية اسم "الأنيموس" والطاقة السالبة اسم "الأنيما"، فالأنيما هي الأنثى الكامنة في كل رجل والأنيموس هو الرجل الكامن في كل امرأة.
وكما هي طبيعة الأنثى قمرية فإن الرجل يحكم حياته السيكلوجية والبيولوجية إيقاع الشمس، الشمس التي هي مصدر منتظم للنور والحرارة وتخضع في شروقها وغروبها لنظام وقانون دقيق، وهي حين تغرب لا أحد يشك في شروقها نفسه في اليوم التالي، أما القمر فنوره متبدل ومتغير، فهو يشرق في الليل ولكن شروقه لا يتواقت مع ابتداء الليل كما يتواقت شروق الشمس مع ابتداء النهار، بل يبدو أن شروقه تابع لمزاجه الخاص. فقد نراه مع المغيب متجهاً نحو الغرب، وقد يطلع من الشرق في أوائل الليل أو في أواسطه أو نهايته، أو لايطلع أبداً تاركاً السماء في ظلام، أو يظهر في وسط النهار! أنه ببساطة الأنثى (كصفة مطلقة) المتقلبة المزاج الغامضة الأطوار التي تسلك حسب خصائص الطبيعة وليس قوانين التنظيمات الإجتماعية المحكمة التي وضعها الذكر"الشمسي الايقاع" وأصبح مسيّراً بها، والذي صاغ الغايات والأهداف المتعالية على نظام الطبيعة، أي نظام المجتمع، والذي ينظر دائماً نحو الأعلى راغباً في مزيد من الإنجاز وتحقيق عظائم الأمور. أما المرأة فهي حكمة الطبيعة، تنظر دائماً نحو الأرض، وتنشد السعادة التي تحققها حركة الجسد في ايقاعه الطبيعي، لا حركة الذهن في ايقاعه المجرد. "سواح،1993، 74-76
** لمإذا إنقلب الذكر على الأنثى؟
لقد دُهش الذكر بقدرة الأنثى على توسيع دائرة ذاتها بالحب، لتشمل ذاتاً أخرى ومخلوقاً آخر هو طفلها، ودُهش من أن كل رحم يأتي بأخوة وأخوات للمولودين من رحم آخر، ورأى كيف تزدوج الأنثى جسدياً ونفسياً وتوسع آفاقها وكيانها الملموس بالولادة. أما الذكر فبالولادة لا يزدوج بل "يتمرأى أمام ذاته (كما يفعل المبدع عندما ينظر إلى قطعة فنية أنتجها للتو)، لكنه لا يندمج مع الطفل كما تفعل الأم.
وأمام تجربة الولادة هذه وكل خصائص الأنثى السابقة وقف الذكر عاجزاً ومدهوشاً، ولعله لهذا السبب أراد أن ينقلب على الأنثى ليقوم يتجريب فعل الولادة المنتج الخلاق بطريقته وبقدراته وبقوانينه وصفاته كذكر، فكان الإبداع الذي عرُفناه سابقاً بأنه (محاولة لخلق أو انتاج شيئ جديد).
وهذا قد يفسر لنا سبب محاولات الذكر الإبداعية اليوم التي تزيد كثيراً عن محاولات الأنثى. وبطبيعة الحال فإن جميع سمات المبدع النفسية والعقلية تشابه طبيعة الذكر الشمسية، أما طبيعة الأنثى القمرية (أو الأنوثة كصفة مطلقة) قتبدو وكأنها موضوع للإبداع، فهي بطبيعتها سر كوني غامض، والمبدع من صفاته عدم قبول الغموض والقيام بمحاولات مستمرة لكشفه. وهي بطبيعتها (القمرية) اجتماعية ومسالمة تنشر العدل والحب، والذكر بطبيعته الشمسية المطلقة أكثر عدوانية وتنظيم وعدوانية وأقل اجتماعية، وهي نفسها سمات المبدع في العصر الذكري.
من جهة أخرى نجد أن الإبداعات والاختراعات (الدينية-العلمية- الخلاقية- الفنية) التي قامت منذ القدم تبدو وكأنها محاولات لعقلنة الطبيعة والسيطرة عليها، والتي هي في نفس الوقت سيطرة على الصفات الأنثوية وعلى المبدأ الطبيعي الذي كانت تحكم المرأة وتسلك حسب قوانينه. فالمبدأ الأمومي يجمع ويوحد والمبدأ الأبوي يفرّق ويضع الحواجز والحدود، المبدأ الأمومي مشاعة وعدالة ومساواة والمبدأ الأبوي تملك وتسلط وتميّز.
واليوم، في هذا المجتمع الذكوري نجد أن المرأة تعيش تبعيتها، لكنها في الحقيقة تمتلك أن أرادت في الوقت نفسه مفاتيح حريتها، لأنها هي غالباً ما تختار حياة مقتصرة على الزواج والإنجاب والتربية التي تفضلها على الحياة الروحية والفكرية والذهنية، وتبدو وكأنها متصالحة مع ذاتها لدرجة أنه ليس لديها فضول لتعرف لماذا، أو كيف، أو ماذا يبدع الرجل، كما أنه لا يغريها تفوقه العقلي الذي به تمضي "الذكورة" باحثة ومفتشة في هذا الكون. وهي لو كانت تتألم أو تشعر بالنقص من تفوق الذكر المعرفي لحاولت جاهدة أن تحقق التكافؤ. ولاتبعت وسيلة ما لاسترجاع ما سُلب منها لكنها في الحقيقة لا تشعر بالنقص لأنها أندمجت في لعبة المستَغِل والمُستَغَل، وهي ليست الأخير طبعاً بل الرجل، لأنه لا يعلم أنه باختراعاته وإبداعاته يزيدها دعة وراحة، وتفوقه عليها لا يسبب لها أي قلق أو توتر وجداني، إنها اليوم تعيش طبيعتها أو تميزها كحالة فردية و ليس كنظام اجتماعي كما في العصر الأمومي.
الذكورة بطبيعتها نهمة في التوغل بخفايا الكون واستجلاء أسراره، والذكر المطلق، دائم التأمل والتفكير والاستنتاج، وهو ليس مخترعاً فقط للمعلومات والانطباعات المختلفة والمعقدة بل بإمكانه إعادة خلقها وتجديدها أو خلق غيرها وإبداعها، أنه فضولي ومحب للتطلع، فالمعرفة عنده غاية بحد ذاتها لا تتوقف عند حدود الملاحظة فقط، أما المرأة فلا تهتم بالمعرفة إلا لكونها وسيلة تستعملها بهدف تحقيق القبول أو الانتماء أوالمكانة الإجتماعية. "كيراكوس،1994، 27"
** هل للإبداع هوية جنسية؟

في النهاية، هل نقول أن الإبداع كله ذكوري؟ وهل نستطيع القول أن هناك إبداع ذكري وإبداع أنثوي؟
إن كل خصائص الإبداع وتعريفاته لم تذكر أن الذكر "البيولوجي" أكثر إبداعاً من الأنثى "البيولوجية" بل هناك سمات شخصية يتطلبها الفرد المبدع وهي سمات ذكرية أكثر من كونها سمات أنثوية، ويجب ألا ننسى أن الفرق بين خصائص وقدرات الذكر والأنثى هي فروق في الدرجة وليست في النوع، لكن المعايير الذكورية الدارجة حولتها إلى فروق في النوع وبالتالي فروق في القيمة، لتشعل بذلك حرباً بين الذكر والأنثى. حتى أننا نرى الذكر الذي ترتفع عنده درجة العاطفية نسبة إلى باقي الذكور يشبّه بالإناث ويُعتبر هذا الأمر شتيمة، وكذلك الأنثى الأكثر عدوانية تشبّه بالذكر ويقال بأنها مسترجلة.

ولكي يصبح الذكر رجلاً والأنثى امرأة لا بد من أن يتصف كلاً منهما بشئ من الآخر وأن يحمل كلاً منهما هرمونات الجنس المقابل.
وقد ظهر في دراسات سابقة (هيلسون وهوفمان) أن القدرات الإبداعية ترتبط بسمات الجنس المقابل، بمعنى أن الإناث المبدعات ترتفع عندهن السمات الذكرية وكذلك الذكور المبدعين ترتفع لديهم السمات الأنثوية. وبلغة أخرى نستطيع القول أن الإبداع يتطلب سمات معينة يمكن أن تتواجد عند الرجل ويمكن أن تتواجد عند المرأة، ولكن بحكم أن سمات الإبداع تتطابق مع السمات الذكرية أكثر من السمات الأنثوية فمن الطبيعي أن نرى الإبداع عند الذكور أكثر من الإناث، وهذا لا ينفي الإبداع عند الأنثى إذا هي اتسمت بسمات الشخصية الذكرية.
وليست محاولات تمييز إبداع المرأة التي ظهرت مؤخراً، وخاصة في مجال الأدب، سوى محاولات سلبية ومهينة للمرأة وللإبداع على حد سواء أكثر مما هي ايجابية، لأنها تكرس الفروق على أساس القيمة بين إبداع الذكر وإبداع المرأة وهذا غير مقبول، لإن الإبداع لا يتجزأ إلا إلى اختصاصات. وأيضاً الإبداع لا يقيّم على أساس الجنس بل على أساس الميزات الفنية والجمالية أو العلمية التي فيه ومدى الجدة والأصالة فيها.
إن الإبداع الحقيقي ليس له هوية جنسية ولا يمكن الحديث عن إبداع ذكري وإبداع أنثوي لأن العمل الحقيقي يفرض قيمته بما فيه من ميزات تتطابق مع معايير الإبداع ولا يفرض قيمته على أساس الجنس. "داكو، بلا، 284" "كيراكوس،1994، 47".
** تقييم الإبداع

كيف يقيم الناتج الإبداعي؟ ومتى يعتبر الشخص مبدعاً؟ وهل المهم هو غزارة الناتج الإبداعي أم المهم نوع وطبيعة الإبداع؟

أولاً وللتوضيح لا بد من التفريق بين الإبداع والموهبة، فبالرغم من أن الإبداع يتطلب الموهبة أحياناً إلا أن الموهبة وحدها أقل صرامة في مفهومها من الإبداع، وليس من الضروري أن يكون منتَج الموهبة استثنائي وفريد ومبتكر كما هو الناتج الإبداعي، كما أن الموهبة غالباً ما تتعلق بنشاطات الأطفال أما الإبداع فهو يتعلق بنشاطات الكبار.
والمبدع إذا أردنا تعريفه تعريفاً تقييمياً هو الشخص الذي يقوم بالإنتاج عبر مدى طويل من الزمن، لعدد كبير من الأعمال التي يكون لها تأثيرها الواضح والكبير على الآخرين لسنوات عديدة.
وليس من الضروري أن تعرف قيمة العمل الإبداعي فور ولادته، فكثير من المبدعين (العلماء والفنانين) توفوا قبل أن يعرف العالم قيمة أثرهم، وكثيرين أيضاً قتلوا بسبب إبداعاتهم التي غيرت مفاهيم البشر في وقتها. من جهة اخرى لا نستطيع القول أن هناك إبداع خيّر وإبداع شرير فالإبداع يحمل قيمته في ذاته سواءً كأن يقيّم من قبل عامة الناس أو نخبة منهم.
أما بشكل موضوعي فقد تم اعتماد عدة معايير للحكم على أن الشخص هو مبدع كأن يكون أحد العشرة الأوائل من حيث الانتاجية في المواد الإبداعية في اختصاصه، مثل توماس أديسون الذي سجل 1097 براءة اختراع وهو الرقم القياسي المسجل لدى مكتب براءات الاختراع في الولايات المتحدة حتى الآن، أو سيجموند فرويد الذي نشر حوالي 330 بحث اعتُبروا ثورة في علم النفس، أو بيكاسو الذي قدم أكثر من 20 ألف عمل فني. لكن اعتماد العدد فقط في التقييم يعتبر ظالماً للكثير من المبدعين الذين أنتجوا عملاً واحداً فقط وسمي انتاجهم إبداعاً فهناك 46% من عينة المبدعين الموسيقيين الذين تناولهم الباحث "دينيس" في دراسته عام1955 كانوا ممن أنتجوا عملاً موسيقياً واحداً، وكذلك الأمر ينطبق على "ماندل" عالم البيولوجيا، فهو بالرغم من أنه لم ينشر سوى تسعة مقالات علمية إلا أنه يعتبر الأهم من بين كل علماء البيولوجيا.

وقد وضع معيار آخر لتقييم الإبداع وهو مدى ترديد العمل الإبداعي على لسان العامة، أو مدى شهرة العمل الإبداعي، إلا أن هذا المعيار يغبن الكثير من المبدعين وخاصة في مجالات العلوم حقهم، لأن الأعمال الإبداعية التي تحدث على هذا الصعيد لا يعلم بها العامة ولا يرددونها وذلك لتخصصها ودقتها وابتعادها عن حياتهم واهتماماتهم.

ولكن يبدو أن الكم والكيف لا ينفصلان، فهناك دائماً عملية غربلة وفرز تقوم بها الأجيال للأعمال الإبداعية، فكلما كان ناتج المبدع غزيراً زادت فرصته لأن يترك إنتاجاً عقلياً يتحمل عملية الغربلة هذه، أي أن الكيف هو نتيجة احتمالية مترتبة على الكم. "سايمنتن،1993، 135" "روشكا،1989، 34".
** المراجع
* الكتب:
1- الحنفي، الموسوعة النفسية الجنسية/ تأليف عبد المنعم الحنفي. - ط.1. - القاهرة، مصر : مكتبة مدبولي، 1997. - 842 ص. (مكتبة مدبولي - القاهرة {320 ل.س})
2- داكو، بيير- المرأة : بحث في سيكولوجية الأعماق/ تأليف بيير داكو ؛ ترجمة وجيه أسعد. - ط.3. - دمشق، سوريا : الدار المتحدة، 1991. - 456 ص. (الشركة المتحدة للتوزيع - دمشق {240 ل.س})
3- رمزي، ناهد- سيكلوجيا المرأة- دارالنهضة العربية- القاهرة- 1983.
4- سواح، فراس- لغز عشتار- دار علاء الدين- ط5- دمشق- 1993.
5- شوي، أصل الفروق بين الجنسين/ تأليف أورزولا شوي ؛ ترجمة بو علي ياسين. - ط.2. - اللاذقية، سوريا : دار الحوار للنشر و التوزيع، 1995. - 159 ص. (دار الحوار للنشر و التوزيع - اللاذقية {120 ل.س})
6- غارودي، روجيه- مستقبل المرأة- ترجمة: محمود هاشم الودرني، دار الحوار- سورية- اللاذقية- 1985.
7- كيراكوس.
* الدوريات العربية:
1- روشكا، ألكسندر- الإبداع العام والخاص - ترجمة: غسأن عبد الحي أبو الفخر- عالم المعرفة- العدد144- الكويت- 1989.
2- سايمنتن، -العبقرية والإبداع والقيادة – ترجمة شاكر عبد الحميد- عالم المعرفة- العدد176- الكويت- 1993.
3- الظاهرة الإبداعية- عالم الفكر- العدد4- المجلد 15- الكويت- 1985.
4- مرّي، نيلوبي- العبقرية / تاريخ الفكرة- ترجمة: محمد عبد الواحد محمد- عالم المعرفة- العدد 208- الكويت- 1996.
http://uqu.edu.sa/page/ar/59277