السؤال :
أحيانا بعض الناس تَفوته بعض النوافل ، فيقول : لماذا أُصلي النوافل بقية يومي إذا فاتني قَصْر في الجنة ؟
فهل هذا الفِعل صحيح ؟
وبماذا نرد على هؤلاء ؟
وجزاكم الله خيرا .



الجواب :

وجزاك الله خيرا .

هذا من وَسوسَة الشيطان !
لأنَّ فضِل النوافل لا يقتصِر على بِناء قَصْر في الجنة .
بل النوافل عموما لها فوائد كثيرة ، فمن ذلك :

1 - مُحبّة الله للعبد ، وهذا يَدُلّ عليه قوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي : وما يَزال عَبدي يَتَقَرَّب إليَّ بِالنَّوَافِل حَتى أُحِبّه . رواه البخاري .

2 – رِفْعة الدَّرَجَات ، وتَكْفِير السَّيئات ، ودَلّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم : عليك بِكَثْرَة السُّجُود لله ، فإنك لا تَسْجُد لله سَجْدَة إلاَّ رَفَعَك الله بِها دَرَجة ، وحَطَّ عَنْك بِهَا خَطِيئة . رواه مسلم .
وفي الْمُسْنَد مِن حَديث أبي هريرة قال : كان رَجُلان مِن بَلِي مِن قُضَاعة أسْلَمَا مع النبي صلى الله عليه وسلم واسْتُشْهِد أحَدهما وأُخِّر الآخَر سَـنَـة . قال طلحة بن عبيد الله : فأُرِيت الْجَنَّة فَرَأيت فِيها الْمُؤَخَّر مِنهما أُدْخِل قبل الشَّهيد ، فَعَجِبْتُ لذلك ، فأصْبَحْتُ فَذَكَرْتُ ذلك لِرَسُول الله صلى الله عليه وسلم ، أو ذُكِر ذلك لِرَسُول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألَيس قَد صَام بَعْدَه رَمَضَان ، وصَلَّى سِـتَّـة آلاف رَكْعة - أو كذا وكذا ركعة - صلاة السَّـنَّـة ؟

3 – تَحْصِيل الأجُور العظيمة ، وفي الحديث في فَضْل راتبة الفجر : رَكْعَتَا الفَجْر خَيْر مِن الدُّنيا ومَا فِيها . رواه مسلم . وأصْل الحديث في الصحيحين .

4 - سَدّ مَا يَكُون مِن نَقْصٍ وخَلَلٍ في الفَرَائض ، وفي الْحَدِيث : أوَّل مَا يُحَاسَب الناس به يوم القيامة مِن أعْمَالِهم الصلاة . قال : يَقُول رَبُّنَا عَزَّ وَجَلّ للمَلائكة - وهو أعْلَم - : انْظُرُوا في صَلاة عبدي أتَمَّها أم نَقَصَها ؟ فإن كانت تَامَّة كُتِبَتْ لَه تَامَّة ، وإن كان انْتَقَص مِنْها شَيئا قال : انُظُرُوا هَل لِعَبْدِي مِن تَطَوُّع ؟ فإن كَان له تَطَوُّع قال : أتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَه مِن تَطَوُّعِه ، ثُم تُؤخَذ الأعْمَال على ذلك . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح .

5 – أن يَكُون الإنسان في حِصْن حَصِين ، فإن العَدوّ إنّما يَدْخُل إذا ضَعُفت الْحُصُون !
والنوافل بمَنْزِلة الْحِصْن للفرائض ، فالذي يُحافِظ على النوافل لا يُرَاوِده الشيطان على تَرْك الفرائض !
ومِن هذا الْمَعْنَى :

6 – أنَّ الصَّلاة تَنْهَى عن الفَحْشَاء والْمُنْكَر .
قال تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) .

7 – النوافِل مِن عُموم الْعَمَل الصَّالِح ، والعَمَل الصالح سَبب للثَّبَات .
قال تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) .
قال ابن كثير : الصلاة مِن أكبر العَون على الـثَّبَات في الأمْر .
ومِن هذا المعنى :

8 – الاسْتَعانة بالصلاة على تَحَمُّل الْمَصَائب .
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) .
نُعِي إلى ابن عباس أخوه قُثَم - وقيل : بِنْت له - وهو في سَفَر ، فاسْتَرْجَع ، وقال : عَوْرَة سَتَرَها الله ، ومئونة كَفَاها الله ، وأجْر سَاقَه الله ، ثم تَنَحَّى عن الطريق وصَلى ، ثم انصرف إلى راحلته وهو يقرأ : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) .
قال ابن كثير : بَـيَّن تعالى أنَّ أجْوَد مَا يُسْتَعَان به على تَحَمُّل الْمَصَائب الصَّبْر والصَّلاة .
ولَفْظ الصَّلاة في الآيات عام ، فيَشْمَل النوافل والفرائض .

8 – الْمُحافَظَة على النوافل داخل في عموم الْحَسَنَات التي تُكفَّر السَّـيِّئات .
قال تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) .

إلى غير ذلك مِن فضائل النوافل .

فليس الفضل في بِناء قَصْر في الجنة ، وإنَّما هذا في حَقّ من ثَابر وحافَظ على ثِنْتِي عشرة ركعة في اليوم والليلة .
فإذا فاته هذا الفضل العظيم فلا يُفَوِّت على نفسه تِلك الفضائل العظيمة للنوافل .

والله تعالى أعلم .


الشيخ عبد الرحمن السحيم