معركة العُقاب، ومعركة غزة
د. فايز أبو شمالة
فييوم 20 من شهر أيلول، يحتفل الأسبان كل عام بذكرى انتصارهم على المسلمين في معركةالعُقاب، وتقضي مراسم الاحتفال بأن يتقدم عدد من جنرالات الجيش الأسباني في مسيرةمهيبة، وهم يرفعون بين أيديهم راية المسلمين التي سقطت على أرض المعركة آنذاك، فالتقطهاالقائد الأسباني المنتصر، واحتفظ فيها شامخاً بعزته، ليحتفظ فيها من بعده قادةالأسبان، وهم يرون فيها عنوان الكرامة والقوة حتى يومنا هذا.
فيكل عام يخرج الأسبان راية المسلمين من مخبئها، ويضعونها في مكان يذكرهم بالمجد،والانتصار في تلك المعركة التي جرت على أرض الأندلس قبل ثمانمائة عام بالضبط، فيتاريخ 16 أيلول سنة 1212م. حين هزم السلطان محمد الناصر قائد جيش الموحدين، بعد أنسقط من المسلمين عشرون ألفاً بين شهيد وجريح، وبعد أن وقعت رايتهم التي يبلغ طولها3،3 متر، ويبلغ عرضها 2 متر، وهي منسوجة من الحرير والذهب والفضة، لقد وقعت الرايةأسيرة في قبضة الأسبان حتى يومنا هذا.
رغمطول الزمن، لم ينس الأسبان مذاق الانتصار في تلك المعركة، ولم ينسوا فضائل ذلكالنصر على حياتهم الراهنة، إنهم يحترمون ذاكرتهم، ويذكرون الأجيال بعوامل القوةوالمنعة، والتي تأسست على الوحدة الداخلية للأمة الأسبانية، وعلى وحدة العقيدةالتي حارب تحت لوائها جيش الفرنجة، وهذا من حقهم كأمة، ولكن حق العرب على أنفسهمأن يقرءوا تاريخهم، وأن يتعظوا من انكسارهم، وأن يدركوا شرور هزائمهم التي تأسستعلى فرقتهم، واختلافهم، وتمزقهم، وعدم ائتلافهم حول راية واحدة طولها 3،3 متر،وعرضها 2 متر.
لوسأل أحدكم: ما علاقة معركة العُقاب في بلاد الأندلس، بمعركة غزة على أرض فلسطين؟وما علاقة الزمن الماضي باللحظة الراهنة؟
يجيبعلى ذلك المؤرخون، ويقولون: إن معركة العقاب غيرت تاريخ الأندلس، وكان لها مابعدها من انتصار جيش الفرنجة على جيوش المسلمين، حتى اكتمل نصر الفرنجة بسقوط غرناطةبعد ثلاثمائة عام، في 1594، ليغيب العرب عن جغرافية الأندلس.
أمامعركة غزة التي جرت سنة 2008، بين جيش الصهاينة، ورجال المقاومة الفلسطينيين، فإن لهاما بعدها، وذلك لأن معركة غزة هي المعركة الأولى التي جرت على أرض فلسطين، وخرجمنها الجيش الإسرائيلي مرعوباً، ومهزوزاً، ومدحوراً.