يستعمل دعاة التقريب بين أهل السنة والمبتدعة هذا المصطلح كثيراً في كتاباتهم محاولة منهم خلط الحق بالباطل وتمييع قضايا ( السنة ) و( البدعة ) وما يترتب عليها من أحكام .
ويزعمون أنه يجب أن تلتقي طوائف الأمة الإسلامية وتتآلف مع بقاء كلٍ منها على عقيدته وآرائه يعلنها على الملأ ، وينشرها مهما كانت ! ما دام يصدق عليه أنه من ( أهل القبلة ) ؛ ويعنون بهم من يستقبل القبلة في صلاته مهما كانت عقائده ( كفرية ) أو مخالفة للكتاب والسنة ! دون تفريق .
ولا يرضون لأحدٍ أن يرد على أهل البدع أو يكشف انحرافاتهم ؛ لأن هذا - عندهم - مما يفرق ( أهل القبلة ) !
إن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من صلى صلاتنا ، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا ، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله ، فلا تخفروا الله في ذمته ).
المقصود من هذا الحديث – كما بين العلماء - أن المسلم المصلي لا يجوز تكفيره وإخراجه من الإسلام ؛ بل يبقى على هذا الأصل ؛ إلا أن يأتي بأمر مكفِّر .
ولهذا فقد أخرج البخاري عقب هذا الحديث ما يوضحه ؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها ، وصلوا صلاتنا ، واستقبلوا قبلتنا ، وذبحوا ذبيحتنا ؛ فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله ).
فهذا الحديث متعلق بمسائل ( التكفير ) ، وأنه لا يجوز تكفير المسلم - وإن كان مبتدعاً - بكل ذنب ، ما لم تكن بدعته مكفرة .

والمراد بقوله : ( أهل قبلتنا ) من يدَّعي الإسلام ، ويستقبل الكعبة وإن كان من أهل الأهواء ، أو من أهل المعاصي ، ما لم يكذب بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
وفي هذا الرد على الخوارج القائلين بالتكفير بكل ذنب .
والناس في هذا طوائف :
فطائفة تقول : لا نكفِّر من أهل القبلة أحداً ، فتنفي التكفير نفياً عاماً ،
مع العلم بأن في أهل القبلة : المنافقين ، الذين فيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى بالكتاب والسنة والإجماع ، وفيهم من قد يُظهر بعض ذلك حيث يمكنهم ، وهم يتظاهرون بالشهادتين .
وأيضاً : فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة ، والمحرمات الظاهرة المتواترة ، ونحو ذلك ؛ فإنه يستتاب، فإن تاب ، وإلا قُتل كافراً مرتداً . والنفاق والردة مظنتهما البدع والفجور . إذا ً أهل الأهواء من هذه الأمة ومن لا تخرجه بدعته من الإسلام ؛ كالخوارج ونحوهم ، فهؤلاء لا يكفرون ؛ لأن أصل الإيمان الثابت لا يحكم بزواله إلا بحصول مناف لحقيقته ، مناقض لأصله ، والعمدة استصحاب الأصل وجوداً وعدماً ، لكنهم يُبَدّعون ، ويضللون ، ويجب هجرهم ، وتضليلهم ، والتحذير عن مجالستهم ومجامعتهم ، كما هو طريقة السلف في هذا الصنف.
وأما الجهمية وعباد القبور: فلا يستدل بمثل هذه النصوص على عدم تكفيرهم إلا من لم يعرف حقيقة الإسلام ) .
الآن لما فشا الجهل واشتدت غربة الدين ، ظهر ناس من الذين يتسمون بالعلم ، ويقولون : لا تكفِّروا الناس ، يكفي اسم الإسلام ، يكفي أنه يقول : أنا مسلم ، ولو فعل ما فعل ، لو ذبح لغير الله ، لو سب َّ الله ورسوله ، لو فعل ما فعل ، ما دام أنه يقول : أنا مسلم فلا تكفره !! وعلى هذا يدخل في التسمي بالإسلام الباطنية والقرامطة ، ويدخل فيه القبوريون ، ويدخل فيه الروافض ، ويدخل فيه القاديانية ، ويدخل فيه كل من يدعي الإسلام ، يقولون : لا تكفروا أحداً، ولو فعل ما فعل ، أو اعتقد ما اعتقد ، لا تفرقوا بين المسلمين . سبحان الله ! نحن لا نفرق بين المسلمين ، ولكن هؤلاء ليسوا مسلمين ؛ لأنهم لما ارتكبوا نواقض الإسلام خرجوا من الإسلام ، فكلمة لا تفرقوا بين المسلمين ، كلمة حق والمراد بها باطل ، لأن الصحابة رضي الله عنهم لما ارتد من ارتد من العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قاتلوهم ، ما قالوا: لا تفرقوا بين المسلمين ؛ لأنهم ليسوا مسلمين ما داموا على الردة ، وهؤلاء يقولون لا تكفروا أحداً ولو فعل ما فعل ، ما دام أنه يقول : لا إله إلا الله ، أنتم واجهوا الملاحدة واتركوا هؤلاء الذين يدعون الإسلام !! نقول لهم : هؤلاء أخطر من الملاحدة ؛ لأن الملاحدة ما ادعوا الإسلام ، ولا ادعوا أن الذي هم عليه إسلام ، أما هؤلاء فيخدعون الناس ويدّعون أن الكفر هو الإسلام ، فهؤلاء أشد من الملاحدة ، فالردة أشد من الإلحاد - والعياذ بالله - ، فيجب أن نعرف موقفنا من هذه الأمور ونميزها ونتبينها ؛ لأننا الآن في تعمية ، فهناك ناس يؤلفون ويكتبون وينتقدون ويحاضرون، ويقولون : لا تكفروا المسلمين ، ونقول: نحن نكفر من خرج عن الإسلام ، أما المسلم فلا يجوز تكفيره ) .
وأقول لدعاة ( التقريب الموهوم ) ما قاله المتنبي :
فإن الجرح ينفر بعد حين ... إذا كان البناء على فساد !
فلا لقاء ولا تآلف ولا تقارب بين الفرق الإسلامية ما لم تلتق على عقيدة السلف ومنهجهم .
والخلاصة :
لا نؤيد دعاوى العصرانيين ونحوهم في ( التقريب الموهوم ) , ممن يريد أن يُلبس الحق بالباطل ، ويساوي بين أصحاب الصراط المستقيم بغيرهم من المبتدعة المنحرفين . بل تبقى أحكام المبتدعة كما هي : من ارتكب منهم مكفراً كفرناه ، ومن لم تخرجه بدعته عن الإسلام ناصحناه وبينا انحرافه وخطأه ، وتعاملنا معه بما هو مقرر في كتب أهل العلم .
فندعوا أولاً هؤلاء إلى الحق ببيان الحق وإيضاحه بأدلته ، والحق مقبول لدى كل ذي فطرة سليمة ، فإذا وُجد العناد والاستكبار فإننا نبين باطلهم ، على أن بيان باطلهم في غير مجادلتهم أمر واجب .
وقل لي بربِّك : إذا أظهر المبطلون أهواءهم , والمرصدون في الأمة : واحد يُخذّل , وواحد ساكت , فمتى يتبين الحق ؟
بل ستظهر الأقوال الباطلة , والأهواء الغالبة على الدِّين الحق ِّ , بل والتبديل , وتغير رسومه في فِطَر المسلمين , فكيف يكون السكوت عن الباطل حقا ً , والله سبحانه يقول : ( بل نقذف ُ بالحق ِّ على الباطل فيدمغه , فإذا هو زاهق ولكم ُ الويل ُ مما تصفون ) .
والرد ُّ على كل ّ مخالف لعقيدتنا , ونقض شبهه ِ , وكشف فتونه وتعريته , هو حق ّ الله على عباده , وحق ِّ المسلمين على علمائهم , في رد ِّ كل مخالف ٍ ومخالفته , ومضل ٍّ وضلالته , ومخطيء ٍ وخطئه .. حتى لا تتداعى الأهواء على المسلمين تعثوا فسادا ً في فِطَرهم , وتقصم وحدتهم , وتؤول بدينهم إلى دين ٍ مبدل وشرع ٍ محرَّف ورُكام من النِّحل والأهواء

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فالْمَرصَدُون للعلم عليهم للأمة حفظ علم الدِّين وتبليغه , فإذا لم يُبلِّغوهم علم الدين أو ضيّعوا حفظه , كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين , ولهذا قال الله تبارك وتعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) فإن ضرر كتمانهم تعدَّى إلى البهائم وغيرها , فلعنهم اللاعنون حتى البهائم .
وقال أيضا ً : ( فالراد ُ على أهل البدع مجاهد )
وقال يحي بن يحي : ( الذب ُّ عن السُّنة أفضل الجهاد ) .


عن عبد السلام حمزة