نايل يوسف سيف ـ مصر :

مع بداية القرن الحادي والعشرين، وفي ظل التطورات التي يشهدها العالم المعاصر، وما تفرضه التغيرات المتلاحقة في شتى ميادين المعرفة برزت الحاجة إلى رعاية الأفراد الموهوبين، القادرين على حل المشكلات، فالمستقبل يعتمد على قدرات الإنسان ومواهبه بصورة أكبر من اعتماده على الموارد الطبيعيـة.
إن العصر الذي نعيش فيه يحتاج إلى العقول الموهوبة المبدعة، القادرة على تكييف ظروفها وحاجاتها مع التغير الذي يحدث في البيئات المحيطة، حتى تساير التطور وتستطيع تقديم الجديد والفريد في المجالات المختلفة، فقدرنا أننا نعيش في عصر تتفجر فيه العلوم والمعارف بسرعة مذهلة، وما إن تبتدع فكرة حتى يهرع التكنولوجيون إلى استغلالها بابتكار جديد.


لقد أصبح الموهوبون والمبدعون الآن هم الأمل الأكبر في حل المشكلات التي تهدد البشرية التي تعددت كمًا ونوعًا، وصار الموهوبون في أي مجتمع هم الثروة القومية والطاقة الدافعة نحو الحضارة والرقي؛ إذ تمثل الثروة البشرية عاملًا أساسيًا من عوامل التغيير والتطور والرقي، فعن طريق الموهوبين والمبدعين تم التوصل للمخترعات الحديثة في شتى الميادين والمجالات، وعن طريقهم ازدهرت الحضارات وتقدمت الإنسانية خطوات واسعة للأمام.
وقد أدركت الدول المتقدمة التحديات التي تفرضها الظروف المتجددة للمجتمع العالمي، حيث لم تعد العادات المألوفة كافية لمواجهة المواقف الجديدة، فكل موقف جديد ينطوي على مشكلات متنوعة تتطلب طلاقة في التفكير ومرونة في التنفيذ وأصالة وتفردًا في الحل، ولذلك فتحت تلك الدول أبوابها أمام العقول الموهوبة المبدعة المهاجرة ووفرت لهم الفرص المادية وهيأت المناخ لرعايتهم واستثمار إبداعاتهم في كافة المجالات فصارت سوقًا للموهوبين والمبدعين تقوم عليهم وبهم.
والحقيقة أن جهود رعاية الموهوبين هي جهود مستمرة قديمًا وحديثًا، ولا تقتصر على الدول المتقدمة وحدها، كما أنها ليست مسؤولية جهة بعينها وإنما هي مسؤولية مشتركة وموزعة بين جميع أفراد المجتمع. وقبل التطرق إلى هذه الجهود يجدر بنا الوقوف على تعريف الموهبة وخصائص الموهوبين.
تعريف الموهبة
من الناحية اللغوية تتفق المعاجم العربية والإنجليزية على أن الموهبة استعداد فطري لدى الفرد، وكلمة الموهبة مشتقة من الأصل وهب، وهي تعني العطية للشيء بلا مقابل، و قد جاء في مختار الصحاح: وهب، أي وهب له شيئًا والاتهاب هو قبول الهبة، والموهبة هي الشيء الذي يملكه الإنسان، وفي لسان العرب: وهب يهب وهوبًا، أي يعطيه شيئًا ،وفي القاموس المحيط: وهب يهب ، والموهبة العطية والسحابة وأوهب الشيء له أي دام له.
التعريف الاصطلاحي للموهبة
ومن أشهرالتعريفات الاصطلاحية للموهبة التعريف الذي طوره الدكتور رنزولي 1978م مصمم البرنامج الإثرائي الثلاثي الأبعاد، حيث يؤكد رنزولي أن الموهبة تتكون من التفاعل بين ثلاث مكونات أساسية هي: القدرات العقلية، والدافعية أو الالتزام بالمهمة، والإبداع ، ويشير هذا التعريف إلى أن الموهوبين هم الذين يمتلكون أو لديهم القدرة على تطوير هذا الترتيب من الخصائص والسمات واستخدامها في أي مجال من المجالات الإنسانية، وهؤلاء الموهوبون يحتاجون إلى فرص تربوية وخدمات تعليمية لا تتوافر عادة من خلال الدراسة العادية في المدارس.
و السبب الرئيس لاهتمام العلماء بهذا التعريف هو أن أي موهوب من الضروري له في أي مجال من المجالات أن يستخدم الخصائص الثلاث وهي: قدرة عقلية عالية، قدرة إبداعية مرتفعة، دافع قوي للإنجاز والمثابرة.
خصائص الموهوبين
يتميز الموهوبون بخصائص متعددة يمكن عرضها فيمايلي:
- يتعلمون المهارات الأساسية أفضل من غيرهم وبسرعة ويحتاجون فقط إلى قليل من التمرين.
- أفضل من أقرانهم في بناء الفكر والتعبير التجريدي واستيعابه.
- أقدر على تفسير التلميح والإشارات من أقرانهم.
- لا يأخذون الأمور على علاتها، غالبًا ما يسألون كيف؟ ولماذا؟
- لديهم القدرة على التركيز والانتباه لمدة طويلة.
- غالبًا ما يكون لديهم رغبات وهوايات ممتازة وفريدة من نوعها.
- يتمتعون بطاقة غير محدودة.
- لديهم القدرة المتميزة للتعامل الجيد مع الآباء والمدرسين والراشدين ويفضلون الأصدقاء الأكبر منهم سنًا.
- لديهم الرغبة لفحص الأشياء الغريبة وعندهم ميل وفضول للبحث والتحقيق.
- تصرفاتهم منظمة ذات هدف وفعالية وخاصة عندما تواجههم بعض المشاكل.
- لديهم الحافز الداخلي للتعلم والبحث وغالبًا ما يكونون مثابرين ومصرين على أداء واجباتهم بأنفسهم.
- يتصفون بقوة الملاحظة لكل ما هو مهم وكذلك رؤية التفاصيل المهمة.
- يستمتعون كثيرًا بالنشاطات الفكرية.
- لهم القدرة على التفكير التجريدي وابتكار وبناء المفاهيم.
- لهم نظرة ثاقبة لعلاقات الأثر والمؤثر.
- قد يستاؤون من الخروج على الأنظمة والقواعد.
- عندهم حب الأسئلة لغرض الحصول على المعلومات كما هي لقيمتها الاستعمالية.
- عادة ما يكونون ناقدين مقيمين وسريعين في ملاحظة التناقض والتضارب في الآراء والأفكار.
- عندهم القدرة على الإلمام بكثير من المواضيع واسترجاعها بسرعة وسهولة.
- يستوعبون المبادئ العلمية بسرعة وغالبًا ما تكون لديهم القدرة على تعميمها على الأحداث والناس أو الأشياء.
- غالبًا ما يقسمون المادة الصعبة ويجزئونها إلى مكوناتها الأساسية ويعملون على تحليلها وفق نظام معين.
قياس وتشخيص الموهوبين
تعتبر عملية تشخيص الموهوبين عملية معقدة تنطوي على الكثير من الإجراءات التي تتطلب استخدام أكثر من أداة من أدوات قياس وتشخيص الموهبة، ويعود السبب في ذلك إلى تعدد مكونات وأبعاد الموهبة، وتتضمن هذه الأبعاد: القدرة العقلية، والقدرة الإبداعية، والقدرة التحصيلية، والمهارات والمواهب الخاصة، والسمات الشخصية والعقلية، ومن هنا كان من الضروري الاهتمام بقياس كل بعد من الأبعاد السابقة.
مقاييس القدرة العقلية
تعتبر القدرة العقلية العامة المعروفة مثل مقاييس ستانفورد ـ بينية، أو مقياس وكسلر من المقاييس المناسبة في تحديد القدرة العقلية العامة للمفحوص، والتي يعبر عنها عادة بنسبة الذكاء وتبدو قيمة مثل هذه الاختبارات في تحديد موقع المفحوص على منحنى التوزيع الطبيعي للقدرة العقلية، ويعتبر الطفل موهوبًا إذا زادت نسبة ذكائه عن انحرافين معياريين فوق المتوسط.
مقاييس التحصيل الأكاديمي
تعتبر مقاييس التحصيل الأكاديمي الرسمية، من المقاييس المناسبة في تحديد قدرة المفحوص التحصيلية، التي يعبر عنها عادة بنسبة مئوية، وعلى سبيل المثال تعتبر امتحانات القبول أو الثانوية العامة، أو الامتحانات المدرسية، من الاختبارات المناسبة في تقدير درجة التحصيل الأكاديمي للمفحوص، ويعتبر المفحوص متفوقًا من الناحية التحصيلية الأكاديمية إذا زادت نسبة تحصيله الأكاديمي عن 90 %.
مقاييس الإبداع
تعتبر مقاييس الإبداع أو التفكير الابتكاري أو المواهب الخاصة من المقاييس المناسبة في تحديد القدرة الإبداعية لدى المفحوص، ويعتبر مقياس تورانس للتفكير الإبداعي الذي يتألف من صورتين: اللفظية والشكلية، من المقاييس المعروفة في قياس التفكير الإبداعي وكذلك مقياس تورانس وجيلفورد للتفكير الابتكاري، الذي تضمن الطلاقة في التفكير، والمرونة في التفكير، والأصالة في التفكير، ويعتبر المفحوص مبدعًا إذا حصل على درجة عالية على مقاييس التفكير الإبداعي أو الابتكاري.
مقاييس السمات الشخصية والعقلية
تعتبر مقاييس السمات الشخصية والعقلية التي تميز ذوي التفكير الابتكاري المرتفع عن غيرهم وأحكام المدرسين، من الأدوات المناسبة في التعرف إلى السمات الشخصية، العقلية، مثل الطلاقة والمرونة والأصالة في التفكير، وقوة الدافعية والمثابرة، والقدرة على الالتزام بأداء المهمات، والانفتاح على الخبرة.
كما تعتبر أحكام المدرسين من الأدوات الرئيسة في التعرف إلى الأطفال الموهوبين أو الذين يمكن أن يكونوا موهوبين والذين يتميزون عن بقية الطلبة العاديين، وتتكون أحكام المدرسين من خلال ملاحظاتهم للطلبة في المواقف الصفية واللاصفية، ومدى مشاركتهم الصفية، وطرحهم لنوعية معينة من الأسئلة، واستجابتهم المميزة، واشتراكهم في الجمعيات العلمية، وتحصيلهم الأكاديمي المرتفع، وميولهم الفنية و الموسيقية والرياضية.
الجهود العالمية والعربية لرعاية الموهوبين
وضع الإسلام أول لبنات الاهتمام بالمتفوقين، قال تعالى في محكم تنزيله:}يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا وما يذكر إلا أولو الألباب| سورة البقرة: 269 .
ومن تفسير الحكمة أنها الكتاب والفهم، وتفسر أيضًا بأنها العقل، ولعل الأسوة الحسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي اصطفاه الله على سائر خلقه يمثل أجل وأسمى مراتب التفوق، وأعلى درجات الموهبة. ومن هنا بدأ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وبنظرة ثاقبة باختيار الرجل المناسب في المكان المناسب من قادة عسكريين أو قضاة، ومن أمثلة ذلك زيد بن ثابت الصحابي الجليل فقد أدرك الرسول تميزه وفطنته فوجهه لتعلم العبرية فتعلمها في نصف شهر وتعلم السريانية في سبعة عشر يومًا، وتابع الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم هذا النهج فكانوا يخصصون الرواتب للنابغين والعلماء.
ولم يقل الأمر في الحضارة العربية الإسلامية عما كان عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، وفي القرن التاسع عشر قام محمد علي حاكم مصر بإرسال الرسل إلى الكتاتيب في أنحاء البلاد وإلى الأزهر الشريف ليجمع التلاميذ المتفوقين وكان يرسل منهم البعثات إلى الخارج، وإلى هؤلاء المتفوقين يرجع الفضل في ازدهـار مصر في تلك الفترة علميـًا وثقافيًا وحربيًا.
هذا وقد تنبهت الدول المتقدمة التي تحتل مكانة رائدة في مجالات عديدة إلى فكرة تربية المتفوقين ورعايتهم. وفيما يلي سوف نتعرض لأهم التجارب العالمية والعربية في مجال رعاية المتفوقين:
الولايات المتحدة الأمريكية
في الولايات المتحدة الأمريكية قام الرئيس (جيفرسون) بتقديم اقتراح وهو تجميع أفضل العباقرة في مدرسة خاصة في ولاية فيرجينيا. وهكذا تم إنشاء مدرسة «توماس جيفرسون الثانوية للعلوم »، وكذلك أنشئت مدرسة «برونكس الثانوية» ، التي تعتبر من أقدم المدارس التي أنشئت لرعاية ذوي القدرات الخاصة ويقوم العمل في هذه المدرسة على فكرة الإثراء التعليمي، وتقديم مواد مكثفة في مجالي العلوم والرياضيات.بالإضافة إلى المدارس الخاصة التي ذكرت فإنه يوجد عدد من المراكز التي تهتم بشؤون الطلبة المتفوقين، والتي تهتم بتقديم برامج إثرائية خلال فصل الصيف، ومن تلك المراكز: مركز القرن الحادي والعشرين الذي يهتم بتقديم أنشطة إثرائية للطلاب المتفوقين في المرحلتين المتوسطة والثانوية، وهي عبارة عن قراءات إضافية في مادة الرياضيات تسمح لهم بالانتقال من خلالها لصفوف أعلى.
هذا ويكشف التقرير المسحي للمركز القومي لأبحاث المتفوقين والموهوبين NRC /GT عام 1999 عن تميز الطلاب المتفوقين والموهوبين في ثلاثين ولاية أمريكية في المدارس الثانوية، ويشير التقرير إلى ضرورة الاهتمام باحتياجات هذه الفئة والعمل على تلبيتها.
اليابان
تعتبر اليابان أمة المئة والعشرين مليون متفوق، أما أسرار التفوق الياباني في الإنتاج والإبداع والإدارة صناعة الآليات والإلكترونيات فتتمثل في:
- اهتمام المعلمين في اليابان بالأطفال المتفوقين عن طريق تنمية القدرات والمهارات لديهم.
- المساعدة على تنمية المواهب والقدرات للأطفال قبل سن الالتحاق بالمدارس.
- النظر إلى كل طفل على أنه يمكن أن يكون موهوبًا ومتفوقًا.
- تعاون الآباء والمعلمين في تنمية المهارات التي تؤدي إلى الابتكارية من العناصر الأساسية في العملية التربوية.
- البحث الدائب عن أفكار وإبداعات جديدة.
أستراليا
تقدم استراليا برنامجًا تقوم بتنفيذه سبع مدارس لتعليم الموهوبين وهو برنامج الطلاب ذوي القدرات العقلية العاليـة، ويهدف هذا البرنامج إلى تدريب المعلمين على عمليات الكشف عن الموهوبين كما يهدف إلى تحقيق الأهداف التالية:
- زيادة فهم المدرسة والمجتمع وقبولهم لحاجات التعليم لدى الطلاب الموهوبين.
- زيادة معدلات استيعاب جميع الطلاب في برامج تعليم الموهوبين.
- التركيز على استراتيجيات التعليم لزيادة نواتج التعلم للطلاب الموهوبين في البيئات المحرومة.
فرنسا
تتبع فرنسا نظام السماح للطفل الموهوب بالدخول في رياض الأطفال قبل السن القانونية، وفي عام 1971 تأسست جمعية وطنية للأطفال المتفوقين عقليًا وبدأت وزارة التربية الفرنسية بالتخطيط لبعض البحوث التي تتصل بالطفل المتفوق في المدرسة.
المملكة المتحدة
يمكن عرض التجربة البريطانية في رعاية المتفوقين عن طريق مدرسة «بيلين لتعليم المتفوقين» حيث تقدم هذه المدرسة برنامجًا يهدف إلى إحراز التلاميذ المتفوقين نجاحًا وتزويدهم بخبرات أكاديمية متقدمة في العلوم الطبيعية والإنسانية والرياضية، ويتعاون الكثير من المؤسسات البحثية والجامعية مع المدرسة في تطوير المناهج الدراسية، وآليات تعليم وتعلم الأطفال الموهوبين.
الدول العربية:
إدراكًا من الدول العربية بأن المتفوقين هم الخامة البشرية التي يجب أن تهتم بها الدولة وترعاها لأنها ثروة المستقبل وعدته في بناء تقدمه العلمي، ومواجهة تحديات العصر، فقد أخذت تهتم بإعداد هذه الفئة إعدادًا حسنًا وتقدم الرعاية لهم.
السعودية
وقد خطت المملكة العربية السعودية خطوات حضارية في هذا المجال تتمثل في برنامج الكشف عن الموهوبين ورعايتهم وهي مبادرة تعتبر ترجمة لما نصت عليه السياسة التعليمية التي حددت من ضمن أهدافها: الاهتمام باكتشاف الموهوبين ورعايتهم وإتاحة الفرص والإمكانات المختلفة لنمو مواهبهم في إطار البرامج العامة ووضع برامج خاصة لهم، وقد اكتمل لهذا البرنامج الأساس العلمي من خلال البحث العلمي الذي تم بدعم وإشراف وتمويل من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وبتعاون مع وزارة التربية والتعليم التي استمرت خمس سنوات، وخرجت بتسعة مجلدات تضمنت المقاييس العلمية المقننة على المجتمع السعودي التي سيتم بواسطتها الكشف والتعرف على الطلاب الموهوبين، كما تضمنت نماذج لبرامج في الرعاية الإثرائية في العلوم والرياضيات.
ويهدف البرنامج إلى:
- تطوير برنامج متميز يتضمن إعداد الاختبارات والأساليب والطرق العلمية التي تستخدم في التعرف على الأطفال الموهوبين والكشف عنهم.
- تقديم الرعاية العلمية والتعليمية للطلاب الموهوبين على شكل برامج إثرائية إضافية.
- تشجيع الطلبة الموهوبين في التعبير عن مواهبهم وإبداعاتهم واختراعاتهم على شكل مسابقات وجوائز مادية ومعنوية.
- تقديم الرعاية النفسية والاجتماعية للموهوبين.
وفي عام 1419هـ أعلن عن تأسيس مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين التي كان يرعاها ويرأس مجلس أمنائها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبد العزيز ولي العهد آنذاك، وكان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز –رحمه الله - قد أصدر أمره السامي بالموافقة على إنشاء مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين عام 1420هـ. وتتركز أولويات المؤسسة في رعاية الموهوبين في المراحل العمرية المبكرة، وربط الموهبة باحتياجات التنمية والتقدم، بالإضافة إلى إنشاء هيئة متخصصة بتسويق إبداعات الموهوبين لدى القطاع المستخدم، ويتمثل مهام المؤسسة في الآتي:
- توفير الدعم المالي لبرامج مراكز الكشف عن الموهوبين ورعايتهم.
- توفير المنح للموهوبين لتمكنهم من تنمية مواهبهم وقدراتهم.
- إنشاء جوائز في مجالات الموهبة المختلفة.
- إعداد البرامج والبحوث والدراسات العلمية في مجال اختصاصها ودعمها.
- تقديم المشورة للجهات الحكومية وغير الحكومية لغرض رعاية الموهوبين.
الإمارات
وفي دولة الإمارات تأسست جمعية الإمارات لرعاية الموهوبين عام 1998 بمبادرة طيبة من عدد من المواطنين المؤمنين بأهمية اكتشاف الموهوبين ورعايتهم وتهدف الجمعية إلى:
- البحث عن الموهوبين ونشر الوعي حول أهمية رعايتهم.
- تشجيع ومساعدة الموهوبين على الابتكار والاختراع وإصدار النشرات لإبراز جهودهم.
- التنسيق مع الجهات والمؤسسات الرسمية لضمان الرعاية الكاملة للموهوبين.
مصر
أنشأت مصر مدرسة خاصة بالمتفوقين هي: مدرسة المتفوقين بعين شمس1990م، بعد أن تبلور اهتمام المجتمع المصري بالمتفوقين في إنشاء بعض الفصول الخاصة بهم وتشكيل بعض اللجان لرعايتهم، حيث برزت فكرة إنشاء فصول خاصة بالمتفوقين ملحقة بمدرسة المعادي الثانوية عام 1955/1956م.
الأردن
في عام 1977م تم الإعلان عن مشروع مدرسة اليوبيل بالأردن وباشرت المدرسة عملها في السنة الدراسية 1993/1994م كأول مدرسة متخصصة بتعليم الطلبة المتفوقين في المنطقة العربية، ومدرسة اليوبيل هي مدرسة ثانوية مستقلة حكومية، تقدم برنامجًا تعليميًا متكاملًا للطلبة المتفوقين أكاديميًا مدته أربع سنوات، ومن أبرز أهداف مدرسة اليوبيل:
- تطوير الاستعداد الأكاديمي والجوانب الشخصية للطلبة وتنمية مهارات التفكير الناقد الإبداعي.
- العمل مع مركز التمييز الإبداعي على تنمية الوعي العام باحتياجات الطلبة المتفوقين وأساليب رعايتهم.
- تلبية الاحتياجات الأكاديمية والانفعالية الخاصة بالطلبة المتفوقين.
وفي عام 1996 تم الإعلان عن تأسيس المجلس العربي للموهوبين والمتفوقين AC/GT في حفل اختتام الورشة الإقليمية حول تعليم الموهوبين والمتفوقين التي عقدت في عمان بتنظيم من مدرسة اليوبيل، وبدعم من مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية، وقد تم اختيار عمان مقرًا للمجلس ومدرسة اليوبيل مضيفة له، ومن أبرز أهداف المجلس:
- العمل على وضع استراتيجية عربية لرعاية الأطفال الموهوبين والمتفوقين بمختلف مراحلهم العمرية والدراسية تتضمن آليات عمل محددة وقابلة للتنفيذ بمساعدة الأجهزة الحكومية وغير الحكومية بما يتلاءم مع تطلعات الأمة العربية.
- توثيق الصلات العلمية والتربوية بين أعضاء المجلس من الدول العربية المختلفة وتسهيل تبادل الخبرات العربية فيما بينهم في مجال رعاية الموهوبين والمتفوقين.
- زيادة الوعي والتعريف بحاجات الأطفال الموهوبين والمتفوقين ومشكلاتهم وأساليب رعايتهم.
- إجراء البحوث والدراسات النظرية والتجريبية المتخصصة بميدان الموهبة والتفوق والإبداع.
الكويت
تعد الكويت من الدول الخليجية الرائدة في مجال رعاية المتفوقين، فقد اهتمت بطرق اكتشاف المتفوقين وتقديم أفضل وسائل الرعاية لهم.
البحرين
في البحرين أسست جمعية الموهبة والإبداع البحرينية برئاسة الشيخ فواز بن محمد الخليفة، وتهدف الجمعية إلى زيادة الوعي المجتمعي بالموهوبين والمبدعين باعتبارهم ثروة وطنية.
قطر
في قطر فقد تم إنشاء المركز القطري للموهوبين والمبدعين بهدف الوصول إلى رؤية واضحة المعالم فيما يتعلق بالموهبة وتنوعها وأساليب رعايتها.
الإبداع أعلى مستويات الموهبة
كانت أولى المحاولات العلمية لفهم ظاهرة الموهبة والتفوق العقلي هي ما قام به جالتون عام 1869م من خلال التعرف على دور الوراثة في تكوين الموهبة والتفوق الذهني، واستخدم في محاولته هذه مصطلح العبقرية التي عرفها بأنها: القدرة التي يتفوق بها الفرد والتي تمكنه من الوصول إلى مركز قيادي سواء في مجال السياسة أو الفن أو القضاء أو القيادة. إلا أن هذا المصطلح اختفى سريعًا وحل محله مصطلح التفوق العقلي والمتفوقون عقليًا، وأصبح هذا المصطلح هو الأكثر استخدامًا وتداولاً في البحوث والدراسات والبرامج التعليمية.
ثم توالت البحوث والدراسات للتعرف على الموهوبين حتى جاء ستانفورد بينيه عام 1905م وطور اختبارًا للذكاء عرف فيما بعد باسمه (اختبار ستانفورد بينيه) لتطبيقه في تصنيف الأطفال والتعرف على ذوي الذكاء المنخفض الذين سموا بالمتخلفين عقليًا، وذوي الذكاء المرتفع الذين أطلق عليهم المتفوقين عقليًا. وأصبح هذا المقياس من أهم المقاييس التي تستخدم في التعرف والكشف عن الموهوبين، وقد دعم هذا الاتجاه لقياس الذكاء ظهور العديد من النظريات والمفاهيم حول القدرات العقلية.
ويشير مصطلح الموهبة إلى سمات معقدة تؤهل الفرد للإنجاز المرتفع في بعض المهارات والوظائف، والموهوب هو الفرد الذي يملك استعدادًا فطريًا وتصقله البيئة الملائمة، لذا تظهر الموهبة في الغالب في مجال محدد مثل الموسيقى أو الشعر أو الرسم... وغيرها.
ومن الناحية التربوية هناك صعوبة في تحديد وتعريف بعض المصطلحات المتعلقة بمفهوم الموهبة التي تبدو كثيرة التشعب ويسودها الخلط، وعدم الوضوح في استخدامها، ويعود ذلك إلى تعدد مكونات الموهبة. ومن المصطلحات التي ترتبط بالموهبة:
- التفوق التحصيلي، ويشير إلى التحصيل العالي، والإنجاز المدرسي المرتفع.
فالتحصيل الجيد قد يعد مؤشرًا على الذكاء، ويعرف المتفوق تحصيليًا بأنه الطالب الذي يرتفع في إنجازه، أو تحصيله الدراسي بمقدار ملحوظ فوق الأكثرية، أو المتوسطين من أقرانه.
- التميز، المتميزون كما يعرفهم مكتب التربية الأمريكي هم الذين يتم الكشف عنهم من قبل أشخاص مهنيين ومتخصصين، وهم الذين تكون لديهم قدرات واضحة ومقدرة على الإنجاز المرتفع.
- الذكاء، وهو القدرة الكلية العامة على القيام بفعل مقصود، والتفكير بشكل عقلاني، والتفاعل مع البيئة بكفاية. فالذكاء يعبر عن قدرات الفرد في عدة مجالات، كالقدرات العالية في المفردات والأرقام، والمفاهيم وحل المشكلات، والقدرة على الإفادة من الخبرات، وتعلم المعلومات الجديدة.
- الإبداع، ويشير إلى إنتاج الجديد النادر المختلف المفيد فكرًا أو عملًا، وهو بذلك يعتمد على الإنجاز الملموس، ويعد الإبداع أعلى مستويات الموهبة، فالمبدع إنسان موهوب بدرجة كبيرة. والإبداع لغة مشتق من الفعل «أبدع الشيء» أي بدأه وأنشأه واخترعه لا على مثال، من بَدَعَه يُبْدِعُه بِدْعًَا، ومنه }بديع السموات والأرض| (البقرة: 117) أى مبتدعها وموجدها، والبديع اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه المبدع أو أنه بديع في نفسه لا مثيل له، و«البديع» علم يعرف به وجوه تحسين الكلام، وأبدع الشاعر أي جاء بالبديع، والبديع: المبتدع.
واللفظ المقابل للإبداع في اللغة الإنجليزية هو (Creativity) وهو مشتق من كلمة (Creation) بمعنى الخلق، وقد انتشر هذا اللفظ كاصطلاح في أوروبا في عصر النهضة ليشير إلى ما هو أصيل ومثمر، ومنذ الخمسينيات من هذا القرن حتى الآن وجهت البحوث لدراسة التفكير الإبداعي من جوانبه المختلفة.
الإبداع في الاصطلاح النفسي
تعددت تعريفات الإبداع وتنوعت بشكل كبير، ومن تلك التعريفات:
- تعريف تورانس (Torrance): يعرف تورانس الإبداع في الميدان التربوي بأنه عملية تحسس الفجوات المفقودة وتكوين الفرضيات المتعلقة بها واختبار الفريضات والتعبير عن النتائج وتعديل اختبار الفرضيات، ويرى أن جوهر العملية التعليمية هو وجود مشكلة تحتاج إلى حل.
ويلاحظ أن تعريف تورانس للإبداع يركز على أنه حالة من التوتر عند المبدع تدفعه إلى القيام بعمل شيء لسد حالة النقص التي يراها، ويظل في حالة تساؤل وتجريب حتى يصل إلى اختبار صحة فروضه وحل مشكلاته والوصول إلى نتيجة مرضية له.
- تعريف جيلفورد (Gulford): يرى جيلفورد أن الإبداع مجموعة من القدرات، هذه القدرات هي: الطلاقة، والمرونة، والأصالة، والحساسية للمشكلات، والقدرة على التحليل والتركيب، وإعادة التحديد، والتقويم، ويفرق جيلفورد بين حالتين هما القدرة على الإبداع، والإنتاج الإبداعي؛ فالقدرة على الإبداع تعني إمكانية الإبداع. أما كون الشخص الذي لديه القدرة على الإبداع منتجًا بالفعل لإنتاج إبداعي أو أنه غير منتج فذلك يعتمد على عدد من الظروف التي تشمل دوافع الفرد الخاصة والتنبيهات والفرص التي تقدمها له البيئة المحيطة. ويرى جيلفورد أن السلوك الإبداعي يعتمد على ناحيتين: التفكير التنويعي وقدرات إعادة التحديد.
- تعريف شتاين (Stein): يرى شتاين أن الإبداع هو العملية التي ينتج عنها عمل جديد مقبول أو ذو فائدة أو مرض لدى مجموعة من الناس. ويركز تعريف شتاين على الإبداع كعملية عقلية وليس كإنتاج، فالإنتاج هو نتيجة للعملية الإبداعية ويمكن أن يكون محكًا لها ولكنه ليس وحده الإبداع.
- تعريف محمود عبدالحليم منسي: يرى محمود عبدالحليم منسي أن الإبداع هو القدرة على إنتاج أشياء جديدة من عناصر قديمة، وهذه القدرة تتسم بالطلاقة والمرونة والأصالة، وأن الفرد المبدع هو الفرد القادر على التفكير الذي يمكنه من اكتشاف المشكلات والمواقف الغامضة ومن إعادة صياغة عناصر الخبرة في أنماط جديدة تتميز بالحداثة بالنسبة للفرد نفسه وللمجتمع الذي يعيش فيه وهذه القدرة يمكن التدرب عليها وتنميتها.
ويشير هذا التعريف إلى نقطة مهمة هي إمكانية تنمية القدرة الإبداعية والتدرب عليها. ويرى المفتي أنه يمكن الجمع بين أكثر من اتجاه في تعريف الإبداع، ويعرف الإبداع بأنه عملية لها مراحل متتابعة وتهدف إلى نتاج يتمثل في إصدار حلول متعددة تتسم بالتنوع والجدة، وذلك في ظل مناخ عام يسوده الاتساق والتآلف بين مكوناته.
ويقرر جوخاتينا 1973 (Khatena) أن تعريفات الإبداع أصبحت من الكثرة والتداخل بحيث يصعب علينا اختيار واحد منها للعمل بمقتضاه. ولايعكس هذا التعدد في تعريفات الإبداع اختلافًا أو تناقضًا حقيقيًا بين المتحدثين في هذا المجال بقدر ما يعبر عن تعقد تلك الظاهرة الإنسانية، فالنشاط الإبداعي، شأنه في ذلك شأن أي نشاط إنساني آخر له جوانبه المتعددة.
مستويات الإبداع
الإبداع هو استثمار لما في العقل من أفكار، وما في الطبيعة من موارد متاحة، وما تصبو إليه النفس من حاجات وأهداف عامة أو خاصة، فالإبداع الإنساني حصيلة توافق عدد من العناصر الداخلية والفطرية مع عوامل أخرى خارجية تخص البيئة والمجتمع، وتتمثل العناصر الداخلية في النشاط الذهني والوجداني الذي يحدث داخل عقل المبدع ووجدانه نتيجة لما يتلقاه من الكون من إيقاعات معينة تؤثر في حسه وفكره، ويتوقف ذلك النشاط على طبيعة الحس ومستوى الفكر، بين العمق والضحالة والكبر والضآلة، ثم تأتي محاولة التعبير عن هذه الإيقاعات بالطريقة الإبداعية التي تناسب حاجات وأهداف المبدع.
وبصفة أساسية هناك مستويان مختلفان للإبداع:
- المستوى الأساسي، وهو إبداع الموهبة، ويتمثل في خلق عالم من الاستبصارات الجديدة أو تقديم عنصر جديد ذي معنى مثل ما قدمه أينشتاين في نظريته عن النسبية، فقد قدم مجالًا جديدًا عن الفهم لم يكن موجودًا من قبل.
- المستوى الثانوي، وهو أشبه ما يكون بعملية امتدادات تطبيقية لأفكار موجودة دون أن تمس هذه الامتدادات الجوانب الجوهرية لتلك الأفكار.
بعض القدرات الإبداعية وطرق قياسها
يتضمن الإبداع بوصفه قدرة متكاملة مجموعة من القدرات الإبداعية الأساسية أهمها: الطلاقة والمرونة والأصالة والحساسية للمشكلات, وإن كان بعض الباحثين يعتبر الحساسية للمشكلات سمة دافعية أكثر منها قدرة إبداعية، وقد انتهى الأمر بعامل الحسـاسية للمشكلات إلى نقله من منطقة القدرات المعرفية إلى منطقة القدرات التقييمية الوجدانية على أساس أنه مجرد منبه إلى قيام مشكلة ما، وأن هذه العملية لاتعدو عملية تقييمية.
وعلى ضوء البحوث المتتالية والتحليلات العاملية المختلفة أصبح ينظر إلى كل قدرة من قدرات الإبداع على أنها قدرة مركبة، بمعنى أن هناك أكثر من قدرة نوعية للطلاقة، وكذلك للمرونة، كما أصبح للأصالة على ضوء التعريفات الإجرائية الجديدة أبعاد متعددة.
وفيما يلى تفصيل لقدرات الإبداع الأساسية وهي: الطلاقة والمرونة والأصالة.
- الطلاقة (Fluency):
الطلاقة هي: قدرة الفرد على إنتاج أكبر عدد ممكن من الأفكار الإبداعية في مدة محددة وبالتالي فإن الشخص المبدع يتميز بسهولة وسرعة وكمية في إنتاج الأفكار التي يمكن أن يقترحها بالنسبة لموضوع ما.
وهي أيضًا قدرة الفرد على إنتاج أكبر عدد ممكن من الاستجابات (رموز - أعداد - أشكال - كلمات - أفكار...) المناسبة التي تتمثل فيها بعض الشروط الخاصة خلال فترة زمنية معينة.
وهناك عوامل متعددة للطلاقة أهمها:
- الطلاقة التعبيرية (Expressional Fluency):
وتتمثل في قدرة الفرد على استدعاء أكبر عدد ممكن من الجمل ذات المعنى وتحتوي على الكلمات المعطاة بالترتيب المعطى أو التي تحتوي على حروف معينة، ومن أمثلة الاختبارات التي تقيس هذا العامل اختبار تراكيب الأربع كلمات، وفيه يعطى المفحوص الحرف الأول في كلمات أربع ويطلب منه أن يكمل الكلمات في زمن محدد بأكبر عدد من الطرق بحيث يتكون منها عبارات مفيدة.
- الطلاقة الفكرية (Ideational Fluency):
وهي قدرة الفرد على سرعة استدعاء الأفكار استجابة لمشكلة أو موقف مثير في زمن معين، وتعد الطلاقة الفكرية أهم عوامل الطلاقة، والفرق بين الطلاقة الفكرية والطلاقة التعبيرية أن الأولى تشير إلى القدرة على أن تكون لدينا أفكار، أما الأخيرة فتشير إلى القدرة على صياغة هذه الأفكار في ألفاظ، ومن أمثلة الاختبارات التي تقيس هذا العامل، أن يذكر المفحوص أكبر عدد ممكن من الأفكار عن موضوع معين أو أكبر عدد من الحلول لمشكلة معينة أو أن يقدم المفحوص عدة عناوين لقصة معينة تقدم إليه.
- طلاقة الكلمات أو الطلاقة اللفظية (Word Fluency):
وتقتصر على توليد الكلمات أو الألفاظ باعتبارها أنماطًا من الحروف الأبجدية توجد في مخزون الذاكرة، وتشير طلاقة الكلمات إلى سرعة التفكير في الكلمات بإعطاء كلمات في نسق محدد لتحقيق مطالب بسيطة تتطلبها تعليمات الاختبارات، ويؤدي عامل المعنى دورًا هامًا فيها.
- طلاقة التداعي (Associational fluency):
وتتمثل في سرعة إنتاج أكبر عدد ممكن من الألفاظ التي تتوافر فيها شروط معينة من حيث المعنى، وكذلك القدرة على إعطاء أكبر عدد من المرادفات لكلمة محددة.
وإذا كان عامل الطلاقة يشير إلى سهولة توليد الاستجابات أو الأفكار فإنه لايعني أن المبدعين يجب أن يعملوا تحت ضغط الوقت المحدد، بل يعني أن الفرد الذي يستطيع أن ينتج عددًا كبيرًا من الأفكار في وقت محدد تكون لديه فرصة أكبر لإنتاج أفكار ذات قيمة بوجه عام.
- المرونة (Flexibility):
وتتمثل في القدرة على تغيير الوجهة العقلية أو التنويع في الأفكار، وهناك عاملان أساسيان للمرونة:
- المرونة التكيفية (Adaptive Flexibility):
ويقصد بها قدرة الشخص على تغيير وجهته الذهنية حين يكون بصدد النظر إلى حل مشكلة معينة، ويمكن أن ينظر إليها باعتبارها الطرف الموجب للتكيف العقلي، فالشخص المرن (من حيث التكيف العقلي) مضاد للشخص المتصلب عقليًا.
- المرونة التلقائية (Spontaneous Flexibility):
وتتمثل في القدرة على إنتاج أكبر قدر ممكن من الأفكار التي ترتبط بموقف معين على أن تكون الأفكار الخاصة بهذا الموقف متنوعة، ويتم قياس هذه القدرة باختبار الاستخدامات غير المعتادة لشيء معين، مثل استخدام الصحيفة في آلاف الأشياء غير مجرد قراءتها، ويتم قياس قدرات المرونة بأكثر من طريقة، مثلًا يتم الكشف عن عدد التنقلات من فكرة إلى فكرة أخرى أو من نوع إلى نوع آخر من المضامين في السياق الواحد، أو يمكن أن نحصر الأنواع المختلفة من الأفكار والصور التي أنتجها الشخص وتحسب له الدرجة بعدد تلك الأنواع.
ويمكن ملاحظة المرونة لدى الفنانين والأدباء من خلال نجاحهم في إنتاج إبداعات متنوعة لا تنتمى إلى إطار واحد.
- الأصالة (Originality):
وهي من أهم القدرات الإبداعية، وتعني السير في إنتاج الجديد غير المكرر، وتشير الأصالة إلى الأصل ()، وعندما تكون الصورة أو الفكرة أو النشاط أصيلًا، فهذا معناه أن أحدًا لم يصل إلى مثله من قبل.
وتقاس الأصالة بمقاييس كثيرة منها: مقياس عناوين القصص لجيلفورد، وكذلك مقياس المستحيلات أو النتائج البعيدة، وفي مقياس عناوين القصص تعطى قصة قصيرة ويطلب من الشخص ذكر العناوين الممكنة لتلك القصة، وتقدر الدرجة بعدد العناوين غير التقليدية (قليلة التكرار بالمعنى الإحصائي) التي يعطيها الشخص للقصة الواحدة، وبحيث تكون ذات قيمة من الناحية الأدبية.
وفي اختبار المستحيلات يسأل الشخص أن يذكر ماذا يحدث إذا حدث شيء مستحيل، مثل: ماذا يحدث إذا تم اختراع نظارة يمكن لمن يستخدمها أن يرى ما يدور في عقول الناس من أفكار، وتقدر الدرجة بعدد الأفكار الجيدة وقليلة التكرار (النادرة) التي يقدمها الشخص إجابة عن هذا السؤال.
ومن مقاييس الأصالة أيضًا: بطارية تورانس وفيها مقياس للأصالة يعتمد على رسم أشكال معينة اعتمادًا على خطوط أو دوائر بسيطة، ويطلب من الشخص إكمالها بإضافة خطوط لتكوين أشكال جيدة ونادرة، ولهذا المقياس أسلوب واضح في التصحيح بحيث يمكن استخلاص درجة مقننة للأصالة من خلال استجابة الأفراد لهذا المقياس.
سمات المبدعين وخصائص التفكير الإبداعي:
لا تنفصل عملية الإبداع عن الدافعية والاستعداد والتمثيل الفكري، وعن حياة الأشخاص المبدعين والشخصية بشكل عام، ومن جهة أخرى فإن الشخصية تغدو أكثر فأكثر أساسًا منهجيًا لعلم النفس، ولاسيما أن دراسة الظواهر النفسية تتم من خلال دراسة الشخصية والربط بينها وبين النشاط والسلوك.
ووفقًا لما ذكره لوفينفلد وبرتين فإن الإبداع يظهر بشكل مميز لدى الأفراد الذين يتوافر لديهم حب الاستطلاع والدافعية والخيال.
وتضيف آن رو (A. Roe) بعض الخصائص الشخصية الأخرى للمبدعين كالرغبة في اقتحام المجهول والغامض، وعدم الامتثال للأعراف والقواعد الجامدة، وكذلك الاستقلالية في التفكير، والاستبطان الداخلي، وتضيف أنه يجب ألا يفهم من الرغبة في اقتحام المجهول والغامض الميل إلى عدم الانتظام والوضوح، وإنما يعني الرغبة في الخوض في المسائل الصعبة والغامضة وتنظيم ماهو غامض فيها.
وبصفة عامة، هناك بعض السمات التي يتميز بها المبدع، يمكن إيجازها في النقاط التالية:
- النظرة إلى الحياة نظرة مرنة غير جامدة أو مطلقة.
- النظرة إلى السلطة على أنها أمر تقليدي وليس أمرًا مطلقًا.
- يتميز المبدع بالشجاعة الأدبية والإقدام والرغبة في اقتحام الأشياء واستكشاف البيئة المحيطة.
- الالتزام بالعمل والمثابرة والتعميم.
- لايميل المبدع إلى التفكير الذي ينظر إلى الأشياء بأنها سوداء أو بيضاء.
- الثقة بالنفس.
- الانفتاح على الجديد والتفاعل معه.
- الاستقلالية والمغايرة.
- حب التجريب والرغبة في ممارسة المهام الصعبة.
- حب المغامرة وروح المخاطرة.
- التمتع بانبساطية عالية وأقرب للاتزان الانفعالي.
- رفض الخضوع المطلق لأوامر الآخرين.
- انخفاض سمة العصابية.
- التوليد السريع للأفكار والتعبير عنها بطلاقة.
- الأصالة والتفوق في مستوى الأداء السلوكي.
- قدرة عالية على تحمل المسؤولية.
- روح الفكاهة والمرح.
- الميل للمرونة بحثًا عن كمال الفكرة.
- أكثر سيطرة وأكثر اجتماعية وأكثر اكتفاء بالذات.
- كثرة الإنتاج والحصول على الجوائز والتقدير من الآخرين.
وبالإضافة إلى السمات السابقة للمبدعين، تعد القدرة على التفكير الإبداعي من أهم مايميز شخصية المبدع، والتفكير الإبداعي هو تفكير مصوغ بطريقة يمكن أن تؤدي إلى نتائج إبداعية، وهذا التعريف يوضح أن المحك الرئيسي للإبداع هو الناتج، ويسمى الشخص مبدعًا عندما يحقق نتائج إبداعية، وتكون النتائج إبداعية إذا اتسمت بالأصالة والمرونة والطلاقة، وجاءت مناسبة لمحكات المجال موضع الدراسة.
وهناك مبادئ عامة للتفكير لكى يصبح إبداعيًا:
- امتلاك كمية هائلة من المعلومات العامة.
- تضمن معرفة مكثفة عن مجال واحد أو أكثر.
- تضمن خيال فعال.
- القدرة على التعرف على المشكلات أو اختراعها.
- الرغبة في انبعاث العمليات الأولية للتفكير في الوعي.
- أولوية التكيف على التمثيل.
- القدرة والرغبة في تقييم العمل.
- امتلاك مهارة إدراك العلاقات والتماثلات واللزوم المنطقي والتفكير الاتفاقي.
- القدرة على التفكير في طرق عدة لحل المشكلات.
- توصيل النتائج بشكل واضح للآخرين.
التدريس للموهوبين: أسسه ومعوقاته
إن رعاية الموهوبين وتنمية قدراتهم – كهدف تربوي نرجوه جميعًا - ليس من مسؤولية مادة دراسية معينة، أو حتى مجموعة مواد دون غيرها، ولكنه مسؤولية مشتركة وموزعة بين جميع المواد الدراسية، كما أن هذا الهدف التربوي ليس هدفًا لمستوى دراسي معين ولكنه يجب أن يبدأ مع أولى سنوات العمر ويظل طوال حياة الفرد ليكون خطًا ومسارًا في فكره ووجدانه.
وللمعلم دور مهم في تحقيق هذا الهدف، وتتوقف فاعلية هذا الدور بدرجة كبيرة على اقتناع المعلم بأهمية رعاية الموهوبين وتنمية إبداعاتهم، وإيمانه بضرورة البحث والكشف عن الموهبة والقدرات الإبداعية لدى تلاميذه.
وليس الأمر بحاجة إلى تأكيد أن المعلم هو العامل الأساسي والمؤثر في العملية التعليمية، فهو الذي ينفذ رؤية التربويين والمخططين لصورة مواطن المستقبل. والمناهج والتنظيمات والإمكانات مع خطورتها وأهميتها تتضاءل أمام أهمية المعلم، ومهما يكن لدينا من أهداف طموحة وسياسات وخطط تربوية واضحة وإمكانات ووسائل لازمة لتحقيق تلك الأهداف، فإن هذا لن يفوق الدور الأساسي والإيجابي الذي يقوم به المعلم في تسخير تلك الإمكانات للوصول إلى الأهداف؛ ولذلك يعد المعلم هو الأساس في العملية التعليمية، وبدونه لا يمكن لأي منهج أن يحقق أهدافه مهما أحكم تخطيطه، ومهما انتقى محتواه، ومهما تنوعت طرق تدريسه وتقويمه، فربما يكون المنهج ممتازًا من حيث تنظيمه فيثير العديد من المشاكل ويقترح طرقًا لحث التلاميذ على الانفعال بها ومحاولة الكشف عن حلول لها، ولكن برغم كل هذا قد يتطوع المعلم بإعطاء التلاميذ المعلومات وحلول المشكلات بطريقة جاهزة، مما يفقد التنظيم المقترح فاعليته لعدم اقتناع المعلم بالغرض منه.
ومعلم القرن الحادي والعشرين محتاج لأن يكون مجددًا ومبتكرًا مبدعًا ومبادئًا بالتجريب ومنظمًا ومديرًا ومرشدًا وقادرًا على إدارة التفاعلات الصفية بكفاءة وفعالية عالية وديمقراطية، وهذه الأدوار هي في حقيقة الأمر أدوار غير تقليدية، أي أنها لا تعتبر مألوفة في إطار التصور التقليدي لدور المعلم في العملية التعليمية.
ولذلك فإن المعلم مطالب بأن يسعى إلى ترقية ذاته ومهنته، فهو لم يعد مجرد ناقل للمعرفة، بل هو مبتكر ومبدع يجدد وينوع ويجرب، وهو متفتح يستجيب لكل فكرة جديدة ويعمل على استثمارها وتوظيفها لتطوير العملية التعليمية، وقيادة المعلم في الإطار الجديد قيادة إبداعية إنمائية خلاقة، تعمل على تهيئة أنجح السبل والظروف لنمو أجيال التعليم وإبداعها وتقدمها، والمعلم الناجح هو الذي تبرز شخصيته وإبداعاته من خلال تلاميذه.
ولا يخفى أن التعليم قد يطلق مواهب التلاميذ، وقد يخمدها، فالمناهج التقليدية كثيرًا ما تؤدي إلى إضعاف إمكانيات التلاميذ، وطاقاتهم الفكرية لتركيزها الشديد على حفظ المقررات واكتفائها بتدريب التلاميذ على اجتياز الامتحانات المدرسية، أما المناهج الحديثة -التي تتصف بالمرونة والتجديد- فإنها تقلل من التركيز على الحفظ وتجعل من المعلومات قاعدة للفهم والتحليل والتطبيق وتنمية الفكر والإبداع.
ويمثل المعلم العنصر الأساسي في تناول المنهج على المستوى التنفيذي، كما يمثل التدريس النشاط الرئيسي للمعلم الذي يعتمد على عملياته في إنجاز الأهداف التربوية والكشف عن الأطر السلوكية والإجراءات التنفيذية اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، وترتبط قدرة المعلم على القيام بهذه المهام بمدى امتلاكه لأساليب جديدة ومتجددة لإنجاز الأهداف. وبمعنى آخر ترتبط هذه القدرة بمستوى إبداع المعلم التدريسي.
وعندما نتحدث عن عملية التدريس ودورها في تنمية مواهب وإبداعات المتعلمين فثمة وجهة مهمة تشير إلى الاستجابات والأساليب التدريسية الجديدة غير الشائعة وأنماط السلوك الإبداعية التي يصدرها المعلم أثناء عملية التدريس، هذه الوجهة تمثل إحدى وجهتي التدريس للموهوبين التي تتضمن نشاطًا تدريسيًا موجهًا إلى تنمية قدرات وإبداعات التلاميذ، وتتضمن أيضًا أداء وسلوكًا تدريسيًا يتسم بالابتكارية والتجديد.
ولذلك فإن التدريس للموهوبين يرتبط بعدة مفاهيم تربوية منها: مفهوم التعلم الإبداعي ومفهوم التدريس الإبداعي واتسام النشاط التدريسي بسمات إبداعية. ويرتبط مفهوم التعلم الإبداعي (Creative learning) ارتباطًا وثيقًا بالدور الذي يؤديه التعليم في تنمية الإبداع لدى المتعلمين. ويقصد بالتعلم الإبداعي: العملية التي من خلالها يشعر المتعلم بالمشكلات في المعلومات التي يحصل عليها، مع تجميع المتعلم لهذه المعلومات وتركيبها بطريقة تساعده على تحديد الصعوبات أو التعرف على العناصر المفقودة، مع البحث عن الحلول ووضع التخمينات وتجميع المعلومات وصياغة التعبيرات، بغية التوصل إلى تحقيق الأهداف التعليمية المنشودة.
ويشير مفهوم التدريس الإبداعي (Creative teaching) إلى إقرار عدد من الاتجاهات التربوية المستحدثة في التدريس، ويتضمن الخبرات والمهارات والطرق المناسبة، وتدبير فرص التعليم التي تحقق أقصى حد ممكن للتعلم لكل تلميذ، كما يتضمن التدريس الإبداعي الشعور بعدم الرضا عن النتائج التي توصلت إليها الإجراءات القائمة وضرورة وجود أفكار تربوية جديدة والاستعداد لتجربة أفكار أخرى وتقويمها لمعرفة مدى الإفادة منها في التدريس.
وبصفة عامة هناك مبادئ أساسية يقوم عليها التدريس للموهوبين منها:
- أن يتعرف المعلم على مراحل نمو التلاميذ وكيفية تعلمهم، وذلك حتى يتمكن من اختيار الأهداف التعليمية والوسائل والأنشطة المناسبة التي يقدمها لتلاميذه.
- أن يدرك المعلم حقيقة مفادها أن التلاميذ يتعلمون بصورة أفضل عندما يكوِّنون صورة حسنة للذات وعندما يكونون مقبولين لدى الكبار ولدى زملائهم.
- أن يعطى المعلم فرصًا متكررة تسمح بالكشف والاستكشاف في حل المشكلات من خلال الخبرة المباشرة.
- أن يهتم المعلم بإعطاء التلاميذ اختبارات متنوعة، فذلك يؤدي بهم إلى الاستقلال الذاتي والثقة بالنفس والشعور بالمسؤولية.
- أن يسمح المعلم للتلاميذ بممارسة الأنشطة المختلفة المتنوعة والمتوازنة ويتيح لكل تلميذ أن يتعلم بمفرده في حرية، وكذلك يسمح بالمشاركة الفردية والجماعية داخل وخارج المدرسة.
- أن يضع المعلم خطة خاصة للتعلم الفردي وذلك باختيار المادة والأفكار والأنشطة التي سيقدمها لكل تلميذ حسب حاجاته وميوله.
- أن يؤسس المعلم لبناء خبرات التعلم على ضوء خبرات التلاميذ السابقة، ويربط الخبرات بعضها ببعض ويحدد المراجـع والمصـادر التي تساعده في تنفيذ مواقف التعليم والتعلم.
- أن يفيد المعلم من الإمكانات والموارد المتاحة والجهود الذاتية للمدرسة ومعلميها وإسهامات الآباء والمجتمع المحلي.
- المرونة في استخدام طرق التدريس وعدم التقيد بطريقة واحدة.
- استخدام الدراسات العملية والتجريبية.
- إتقان مهارات توجيه الأسئلة والطلاقة في استثارة التلاميذ بهذه الأسئلة.
- الإلمام بالمادة الدراسية بشكل متقن.
- إتقان مهارات الاتصال والحوار والعلاقات الإنسانية مع المتعلمين.
ويلخص الدكتور مرشد دبور في مقالة له بعض المبادئ التدريسية التي إذا توافرت في التدريس يمكن أن نطلق عليه أنه تدريس قادر على استثارة مواهب وإبداعات المتعلمين، وهذه المبادئ هي:
- مبدأ الإيحاء:
ويشتق مبدأ الإيحاء من مجموعة من المظاهر الرئيسية في عملية الإبداع التي توصف بأنها عملية ذاتية أولًا، ثم إنها عملية تلقائية؛ لأن العمل المبدع لايمكن فرضه أو تعليمه بشكل تسلطي، وأن عملية التدريس تعتمد على فن الإيحاءات الاستدلالية أو الإشارات للاحتمالات الممكنة.
إن مبدأ الإيحاء يؤكد أهمية الأشياء التي لا تتصل مباشرة بالموضوع، حيث إنه يوحي بمجموعة من الأفكار والمعاني والتخيلات، وهذه تتدفق لتخلق استجابات إبداعية لدى التلاميذ وتشجع النشاطات المجازية لديهم، ويشتمل مبدأ الإيحاء على:
أ- التجريب: حيث يرى جون ديوي أن التفكير يبدأ بالخبرة وينتهي بخبرة، وأنه الوسيلة لزيادة الفعالية في حياتنا اليومية، ولا يمكن فصله عن صنع القرارات فالطريقة التجـريبية ترتبط بمواقف عسـرة حقيقية ينبغي التغلب عليها.
ب- المرونة: ترتبط هذه النقطة باختلاف الأفراد في مواهبهم الطبيعية وميولهم وتاريخهم الاجتماعي والثقافي، وترتبط أيضًا بأساليب التدريس الصفية التي ستشتمل على إجراءات يجب أن تكون متجددة وغير ثابتة، بالإضافة إلى الاتجاهات الضرورية لمعالجة المواقف الاستثنائية.
جـ- التخيـل:إذ يعتبر الخيال قلب الإبداع ومفتاح طـريقة التدريس الإبداعية.
- مبدأ المواجهة:
وهو منهج كلي متكامل يشمل المعلم والتلميذ والمادة الدراسية، ويؤكد بشكل خاص على الموقف التجريبي، ويعد أحد المسلمات الحقيقية التي تشكل العملية التربوية، فهو يؤكد وجود المعلم والتلميذ اللذين يواجه أحدهما الآخر في مواقف مشكلية، فكل شخص في الموقف يتعلم ليشارك الآخرين بخبراته الداخلية، هذه الخبرات ديناميكية تتحرك باتجاه زيادة الفهم وتحقيق الذات وتنمية الإبداع. إن غرض هذا المنهج هو إثارة حب الألعاب الخيالية لدى التلاميذ وتنشيطهم لمغامرات إبداعية.
- مبدأ العلاج:
ويعتمد على تشجيع مهارة الإبداع العلاجية للمواد الدراسية، وهذا المبدأ يصلح كمعيار لاختيار الأهداف التربوية وهو يربط بين عملية الإبداع وعملية التدريس والتعلم المبدع والتفكير، فكلها عمليات مترابطة معًا، كما يشجع هذا المبدأ الحرية والمبادرة الفردية.
- مبدأ التأصيل:
ويبين هذا المبدأ دور المعلم في العملية التدريسية وهو ينطبق على العمليات اليومية للصف كتلخيص الدروس وكتابة المقالات وطرح الأمثلة والمشكلات وعمليات المناقشة والأنشطة والوسائل التعليمية.
-اتسام النشاط التدريسي بسمات إبداعية: ترتبط تنمية الإبداع كهدف تربوي أكثر من غيره بالنواحي الإبداعية في سلوك المعلمين، فالموقف التدريسي شركة بين المعلم والمتعلمين، ومن ثم فلكل من الجانبين دوره في المشاركة الحقيقية في عملية التدريس بكل ما تشمله من تخطيط وتنظيم وإدارة وتنفيذ، «وعندما نتحدث عن تنمية الإبداع لدى المتعلمين لا يمكننا تجاهل النواحي الإبداعية في نشاط المعلم».
وربما كان الاهتمام بالجانب الإبداعي من أهم ما ينبغي توجيه الاهتمام إليه في بناء شخصية وسلوك المعلمين، إذ لا يمكن للمعلم أن ينمي الإبداع لدى تلاميذه إذا لم يكن هو نفسه مبدعًا ومحبًا للإبداع عاملًا على تنميته.
والتدريس -شأن أي أداء عملي- يتيح المجال عادة لظهور القدرات الإبداعية، وقد لا يكفي أن يوجه المعلم جهوده التدريسية نحو تنمية مصادر القدرة الإبداعية، معتقدًا بذلك أنه حقق الهدف ونمى الإبداع لدى تلاميذه. فتوافر هذه الجهود بشكل روتينى وجامد وغير واعٍ لمعنى الإبداع قد لا يساعد بشكل فعال في تنمية الإبداع بالقدر الذي يمكن أن يساعد به امتلاك المعلم لمهارات إبداعية في معظم أوجه نشاطه التدريسي.
وهناك الكثير من البحوث عن دراسة العلاقة بين سلوك المعلم وتعلم التلاميذ، والنتيجة العامة لهذه البحوث تعزو تعلم التلاميذ وإنجازهم لخصائص معينة في التدريس مثل التفاعل اللفظي بين المعلم والتلاميذ، وإدارة الفصل، ووضوح الهدف، وتنظيم الفصل، والبيئة الصفية، واستراتيجيات التدريس، وأسلوب الإجابة عن تساؤلات التلاميذ واسترتيجيات توجيه الأسئلة.
وقد أوضحت الدراسات التربوية أن ناتج التعلم دالة على أسلوب التعليم، فحيث يكون المعلم هو المصدر الذي يقرر للتلاميذ ماذا يتعلمون وكيف ومتى، وحيث تكون الإثابة خارجية فإن التلاميذ يتفوقون في اختبارات التحصيل، ويكون أداؤهم ضعيفًا على اختبارات الإبداع والتفكير المنطقي التي تتطلب استقلالية في التفكير، ولكن إذا أعطى المعلمون التلاميذ المسؤولية ليقرروا ماذا يتعلمون، وكيف يتعلمون، وكيف يقيمون تقدمهم في التعلم تصبح الإثابة نابعة من التعلم في ذاته. وفي هذه الحالة نجد التلاميذ يتفوقون في حل المشكلات والإبداع والأعمال التي تتطلب التوجه الذاتي ويكون أداؤهم على اختبارات التحصيل ذات المضمون المحدود في هذه الحالة أقل من الحالة السابقة.
ويتحقق إبداع المعلم في أنماط السلوك التي يصدرها أثناء التدريس وبحيث تنصب معظم جهوده التدريسية على تنمية الإبداع وتوفير الخبرات والمهارات والطرق المناسبة لذلك من خلال تدبير فرص للتعلم تحقق أقصى حد يمكن أن يصل إليه التلاميذ من التعلم والإبداع. كما أنه لابد للمعلم من الشعور بعدم الرضا عن النتائج التي توصلت إليها الإجراءات التدريسية القائمة، والشعور بأن الكمال شيء لا يمكن بلوغه ولكن يجب السعي إليه على الدوام. كما يتضمن إبداع المعلم وجود أفكار تربوية جديدة والاستعداد لتجربة أفكار أخرى وتقويمها لمعرفة مدى الإفادة منها في التدريس.
ويرى أحد الباحثين أن إبداع المعلم يتمثل في مقدرته على طلاقة الأفكار الجديدة غير المألوفة وتطبيقها عمليًا في مجال تخصصه وتظهر في سلوكه التدريسي، كما يتمثل في القدرة على التجديد في طريقة عرض وتنفيذ وتقويم دروسه وفي تصميم الوسائل التعليمية المبتكرة، كما يتضح أيضًا في المبادأة لإيجاد حلول ومقترحات للقضايا أو المشكلات التي تواجهه، فالإبداع يمكن تحقيقه في كل ما تتضمنه عملية التدريس من جوانب وما تتطلبه من أنشطة ومهارات فنية يؤديها المعلم وتنعكس في أساليبه السلوكية.
وتتحقق الإبداعية في الأداء التدريسي للمعلم من خلال اتسام السلوك التدريسي بسمات الطلاقة والمرونة والأصالة، ويقصد بالطلاقة في الأداء التدريسي: قدرة المعلم على استدعاء أكبر عدد ممكن من الأفكار التربوية المناسبة لتنمية الإبداع لدى التلاميذ أثناء مراحل عملية التدريس.
أما المرونة في الأداء التدريسي فيقصد بها: قدرة المعلم على تنويع الأفكار والاستجابات التربوية وتعديل الموقف التعليمي وإعادة تنظيمه بشكل جديد بما يناسب تنمية الإبداع لدى التلاميذ أثناء مراحل عملية التدريس. وتشير الأصالة في الأداء التدريسي إلى قدرة المعلم على إنتاج أفكار واستجابات تربوية جديدة وقليلة التكرار بالمعنى الإحصائي تهدف إلى تنمية الإبداع لدى التلاميذ أثناء مراحل عملية التدريس.
معوقات التدريس للموهوبين
تؤدي طبيعة النظام التعليمي السائد والفلسفة التي يقوم عليها، وخاصة فيما يتصل بأسلوب الإدارة والإشراف التربوي دورًا كبيرًا في تشجيع أو إعاقة التجديد والابتكار في عملية التدريس، كما أن الميدان التربوي قد يكون أحد معوقات رعاية الموهوبين من خلال ما يتبعه من أساليب تدريسية تقليدية وفيما يتبعه من أساليب في إعداد وتدريب المعلمين. وبصفة عامة يمكن تناول العوامل التي تعوق التدريس للموهوبين في بيئتنا العربية من خلال المحورين الآتيين.
- عوامل تتعلق بنظام وفلسفة التعليم.
- عوامل تتعلق بالمعلم وإعداده وتدريبه.
- العوامل المتعلقة بنظام وفلسفة التعليم منها:
- وجود الاتجاهات التسلطية والظروف البيئية غير المناسبة التي تقلل من حرية المعلم وتفرض عليه الأهداف والأنشطة وتضع أنظمة تقليدية نمطية للحكم على الأداء بالإضافة إلى وضع مناهج غير مرنة.
- جعل التربية قاصرة على عملية التلقين وحدها دون العمليات التعليمية الأخرى.
- سيادة مفهوم التربية من أجل النجاح.
- اقتصار الامتحانات المدرسية على قياس التحصيل في نطاق محدود.
- وجود القسمة الثنائية بين العمل واللعب أو الدراسة والنشاط.
- سيادة السلوك النظامي، والاهتمام الشديد بالوقت وتوقيت العمل والاقتصاد في الموارد والنفقات.
- غياب الوعي بأهمية الموهبة وضرورة رعايتها.
- العوامل المتعلقة بالمعلم وإعداده وتدريبه منها:
- عدم تمكن المعلم من المادة التعليمية ومهاراتها في كثير من الأحيان.
- سوء علاقة المعلم مع زملائه في كثير من الأحيان وبعدها عن روح التعاون، وفي أحسن الأحوال يخضع المعلم ويمتثل لآراء زملائه في المدرسة.
- اقتصار برامج التدريب على الطرق القديمة التقليدية في التدريس.
- عدم استعداد المعلمين لتلبية حاجات التلاميذ الموهوبين، كما أنهم لايعرفون طريقة بدء أو تقويم القدرات الإبداعية، وغالبًا ما يشعرون بعدم الراحة تجاه التلاميذ الموهوبين.
- مسؤولية المعلمين عن إنهاء المقررات الدراسية، وعدم السماح لهم بالخروج عن محتوى الكتاب المدرسي، علاوة على التنظيم الجامد لحجرة الدراسة وعدم السماح بالخروج عن هذا التنظيم.
- انعدام الجدية في الدورات والبرامج التدريبية وأخذها على أنها فترة إجازة يبتعد فيها المعلم عن الفصل وعن التلاميذ.
-عدم تشجيع المعلم حينما كان تلميذًا بمراحل التعليم المختلفة على إظهار مواهبه وقدراته الإبداعية.
النظرية الاستثمارية في الإبداع و تنميته
نال الإبداع بوصفه ظاهرة إنسانية اهتمام الكثير من العلماء والباحثين، فعكف المئات منهم على كشف غموضه، وفهم كنهه، وتحليل عوامله، بعدما أحاطته الأوهام، وشابته المفاهيم الخاطئة، وظل لفترة طويلة ماضية يفسر على أنه حالة غيبية من الإلهام تمس طائفة مخصوصة من الأفراد فيبدعون.
وفي عام 1991 قدم روبيرت سترنبرج (Robert J. Sternberg) نظرية متكاملة حول تفسير الإبداع ومصادر القدرة الإبداعية، تختلف عن سابقاتها في تفسير الإبداع وتحديد المصادر الممولة له وطبيعة العلاقة بين تلك المصادر.
وطبقًا للنظرية الاستثمارية، فإن القدرة الإبداعية تعتمد على ستة مصادر هي:
٭ الذكاء وعمليات التمثيل العقلي Intelligence and Mental Processes.
٭ الجوانب المعرفية Knowledge.
٭ أنماط التفكير Styles of Thinking.
٭ الجوانب الشخصية Personality.
٭ الدافعية Motivation.
٭ النواحي البيئية Environmental .Context
وإذ يفترض سترنبرج مسؤولية هذه العوامل الستة عن تمويل القدرات الإبداعية لدى الأفراد، فإنه يشير إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار أن أيًا من تلك العوامل لايتوقف الإبداع على وجوده، وأن هذه المصادر الستة تمثل القوة الدافعة التي تقف خلف ظهور الإبداع، ولكي يظهر تأثيرها بفاعلية، لابد أن تمول القدرات الإبداعية بطريقة فردية، وطريقة تبادلية، وأيضًا تفاعلية فيما بينها. فعلى سبيل المثال: لابد من وجود الذكاء المرتفع في حالة غياب الدافعية أو انخفاضها، وكذلك وجود ثراء معرفي في حالة ضعف نمط التفكير التشريعي أو غيابه الذي يعد من أقوى أنماط التفكير ارتباطًا بالقدرات الإبداعية. ويشير سترنبرج إلى أن مصادر تمويل القدرات الإبداعية لا تختص بمجال بعينه من مجالات الحياة سواء كان هذا المجال مجالاً عامًا أم خاصًا، وإنما تتكامل فيما بينها بطريقة يصفها سترنبرج بأنها معقدة.
وطبقًا لهذه النظرية فإن الإبداعية لا تنبع من قدرة عامة واحدة ولا من قدرة خاصة بمجال معين، ولكن من مصادر متعددة، مع وجود ارتباطات مختلفة بين هذه المصادر ومجالات الإبداع المتعددة, وطبقًا لهذه النظرية أيضًا فإن القدرة على الإبداع لن يحبطها غياب قدرات فردية معينة أو غياب قدرات خاصة بمجال معين، وإنما تتأثر هذه القدرة من خلال اتحاد وتفاعل المصادر الممولة المشار إليها، وبذلك فإن أي فرد يمكنه القيام بأنشطة إبداعية في أي مجال من المجالات حيثما توفرت مصادر تمويل الإبداع في هذا المجال.
وفيما يلي عرض موجز لمصادر القدرة الإبداعية كما ذكرها سترنبرج:
٭ الذكاء وعمليات التمثيل العقلي:
يرى سترنبرج أن الذكاء الإنساني يمكن تفسيره من خلال تناول ثلاثة جوانب أساسية هي: المحتوى أو المكونات التي تتم عليها العمليات العقلية، ومستوى الخبرة الذي يتم من خلاله التعامل مع هذه المكونات، والسياق الذي يتم فيه تطبيق وتوظيف المحتوى، وكل جانب من تلك الجوانب الثلاثة له ارتباطاته الإبداعية.
وتبدو العلاقة بين جوانب الذكاء والقدرة على الإبداع من حيث إن الإبداع يتضمن تطبيق عمليات التعامل مع المحتوى العقلي وتطبيق وتوظيف المحتوى في مواقف ومهام جديدة ولحل مشكلات مختلفة.
وتمثل عمليات تعريف وإعادة تشكيل المشكلات دورًا مهمًا وإيجابيًا في تنمية الإبداع، فعلى سبيل المثال نرى الأفراد المبدعين يظهرون إبداعهم من خلال أخذ معلومات وخطوات إجرائية في مجال معين، ثم الإفادة منها في مجال آخر، وبذلك فهم يقومون بإعادة تشكيل مشكلات مجالهم الأساسي من خلال مشكلات ونظريات مجال آخر.
٭ الجوانب المعرفية:
ويقصد بها النواحي المعرفية المتصلة بمجال الإبداع، فلكي يبدع فرد ما في مجال ما لابد له من حد أدنى من المعرفة بهذا المجال، بحيث يمتلك قدرًا من المعارف المتصلة بمجال الإبداع وثقافة المجتمع ودوافع أفراده وحاجاتهم، حتى تأتي إبداعاته ذات قيمة حياتية، وليست مجرد خيالات لا قيمة لها.
٭ أنماط التفكير:
يقصد بنمط التفكير: الأسلوب المفضل لدى الفرد في تناول المشكلات واتخاذ القرار في المواقف المتنوعة، وهو أسلوب شخصي يختلف باختلاف الأشخاص والمواقف، ولا يعتبر نمط التفكير قدرة في حد ذاته، ولكنه أسلوب مفضل لاستخدام القدرات الفردية في مواجهة المواقف والمشكلات. وقد توصل سترنبرج عام (1988) إلى نظرية حول أنماط التفكير، تعرف في هذه النظرية على ثلاثة عشر نمطًا للتفكير البشري، ومن هذه الأنماط التفكيرية ما يرتبط ارتباطًا عاليًا بمستوى الإبداع. وفيما يلي توضيح لهذه الأنماط:
- نمط التفكير التشريعي ( ): ويقصد به تفضيل الفرد لسن وتشريع الحلول وصياغة القرارات في مواجهة المواقف والمشكلات، وهو نمط يقابل النمط التنفيذي ( ) الذي يميل الفرد فيه إلى تطبيق الحلول السابقة المعتادة دون الأخذ في الاعتبار مدى فعالية الحلول أو سلامة القرارات، وهذان النمطان يتوسط بينهما النمط القضائي ( ) الذي يعبر عن الأفراد الذين يفضلون تحري الدقة والعدالة في تطبيق الحلول وتنفيذ القرارات المناسبة للمواقف والمشكلات.
وقد وجد سترنبرج أن الأفراد الذين يفضلون نمط التفكير التشريعي يتمتعون بإبداعية عالية يليهم الأفراد الذين يفضلون النمط القضائي ثم أصحاب النمط التنفيذي.
- نمط التفكير العالمي (Global Style): ويعبر هذا النمط عن تفضيل الأفراد لتناول المسائل والقضايا الكبيرة ذات المستويات العريضة ويقابل هذا النمط نمط التفكير المحلي (Local Style) الذي يشير إلى تفضيل تناول المسائل والحلول الضيقة والمهام الصغيرة.
- نمط التفكير التقدمي (Progressive Style): ويعبر عن الأفراد الذين يفضلون التطوير ولديهم نزعة البحث عن الجديد والحديث وما هو أفضل، ويقابل هذا النمط نمط التفكير المحافظ (Conservative Style) ويعبر عن الأفراد الذين يفضلون تناول المسائل التقليدية والمحافظة على الأوضاع والتمسك بالروتين والمجهود في التصرفات.
وقد وجد سترنبرج أن هناك ارتباطًا إيجابيًا بين أنماط التفكير التشريعي والعالمي والتقدمي من ناحية وبين مستوى الإبداع من ناحية أخرى.
٭ الجوانب الشخصية:
هناك عدد من السمات التي تتسم بها الشخصية المبدعة، من بين تلك السمات التي يجب الحرص على تنميتها وترتبط بالإبداع: الرغبة في اقتحام المجهول، بمعنى خوض المسائل الصعبة والغامضة وتفسير غموضها، وهناك سمة الرغبة في النمو، وكذلك الاستقلالية في التفكير، والشجاعة الأدبية، وحب الاستطلاع، والاستكشاف وإثارة التساؤل، كل تلك السمات ترتبط ارتباطًا إيجابيًا بالإبداع.
٭ الدافعيــة:
المصادر السابقة التي تمول القدرة الإبداعية ليست كافية لظهور الأداء الإبداعي لدى الأفراد دون وجود الدافعية لاستغلال هذه المصادر في تنفيذ إنتاج إبداعي، ومن هنا كانت المهمة التي ترتكز على التحفيز والدافع تمثل مكونًا أساسيًا لتنمية الإبداع.
٭ النواحي البيئية:
لا ينمو الإبداع في ظل ظروف معوقة وعوامل محبطة تجعل المبدع شاذًا غريبًا عن بيئته ومجتمعه، ولا في ظروف تجعله عاجزًا عن توجيه المزيد من الأسئلة والقيام بالاكتشافات، وإنما لكي ينمو الإبداع يجب أن تسمح الظروف البيئية بشيء من الحرية والأمن النفسي والاجتماعي، وأيضًا لابد من غياب الكبت والسماح للأفراد بحرية الخطأ في ظل المتابعة، وأيضًا السماح لهم بحرية التعبير عن أفكارهم وخبراتهم.
تنمية مصادر القدرة الإبداعية
طبقًا للنظرية الاستثمارية للإبداع فإن تنمية الإبداع تتم من خلال تمويل المصادر الستة للقدرة الإبداعية، وهذه المصادر الستة التي افترض سترنبرج وقوفها خلف تمويل القدرة الإبداعية، تتداخل بأشكال متعددة لخلق قدرات إبداعية متنوعة حسب مجالات الحياة المتعددة، ولا تتم تنمية الإبداع من خلال تنمية بعض القدرات الفردية الخاصة أو من خلال قدرات مرتبطة بمجال معين، ولكن تتم من خلال التركيز على التنمية الشاملة لجميع المصادر السابق ذكرها، فأي فرد يمكنه القيام بأنشطة إبداعية في أي مجال من المجالات وبدرجات متنوعة من مستويات الإبداع.
وبمعنى أدق يذكر لنا سترنبرج أنه لكي تتم عملية تنمية الإبداع بصورة أفضل فإنه يجب النظر إلى الإبداع -في مجال ما - كرقم يتكون من ستة مصادر ولكل مصدر أثره على الرقم الكلي وبالتالي مستوى الأداء الإبداعي، فكلما زاد المستوى في كل مصدر زاد مستوى الأداء الإبداعي العام للفرد. مع الأخذ في الاعتبار أن هذه المصادر تختلط فيما بينها وتتفاعل لتؤدي إلى المزيد من الإبداع.
وفيما يلي تصور حول الدور الذي يمكن أن تؤديه عمليات التدريس في تنمية كل مصدر من تلك المصادر الستة لدى التلاميذ في مراحل التعليم العام.
٭ تنمية الذكاء وعمليات التمثيل العقلي:
يمكن أن تساهم عمليات التدريس في نمو عمليات الذكاء والتمثيل العقلي لدى المتعلمين بشكل يؤثر على تنمية أدائهم الإبداعي، وتؤدي عمليات تعريف وإعادة تشكيل المشكلات دورًا إيجابيًا هامًا في هذا الصدد، فالأفراد ذوو المستوى الأدائي الإبداعي يظهرون إبداعهم عن طريق أخذ معلومات وخطوات إجرائية في مجال معين، ثم الإفادة منه في مجال آخر، وبذلك فهم يقومون بإعادة تشكيل مشكلات مجالهم الأساسي من خلال مشكلات مجال آخر، فمثلاً: قام ميلر (Miller) بدمج اللغويات بعلم النفس، وقام سيمون (Simon) بدمج علم الكمبيوتر بعلم النفس، أما بياجيه (Piaget) فقد قام بدمج الفلسفة والبيولوجيا بعلم النفس.
ويمكن تطبيق عمليات تعريف وإعادة تشكيل المشكلات من خلال تدريس المواد الدراسية المختلفة عن طريق تدريب التلاميذ على عمليات تعريف المشكلات الخاصة ببعض الصعوبات في تعلم المفاهيم والمهارات، وكذلك تعريف وإعادة تشكيل المشكلات المجتمعية المحيطة، والتعبير عن ذلك في أنماط أدائية يحددها المعلم بحيث تناسب الأهداف التعليمية، أو أن يطلب المعلم من التلاميذ أداء تعبيريًا لتكميل قصة أو فكرة تقبل التفاوت في وجهات النظر عند إتمامها، أو أن يطلب من التلميذ الواحد ذكر عدة نهايات لها، أو عدة تفسيرات لمشكلة ما أو عدة حلول لمسألة رياضية، كذلك تمثل عمليات التلخيص للموضوعات والدروس اللغوية نموذجًا جيدًا لإعادة صياغة المشكلات.
وهناك بعض الأنشطة التعليمية المناسبة لتنمية العمليات العقلية بما ينمي الأداء الإبداعي لدى التلاميذ مثل استخدام الصور كمثيرات للتعبير، وإظهار التعبيرات والتعليقات غير التقليدية وقليلة التكرار، وكذلك استخدام البطاقات، وغير ذلك من الإجراءات المتعددة التي تفيد من هذا المبدأ. وبالطبع يتطلب تنفيذ مثل هذه الإجراءات تشجيع المعلم تلاميذه على الإتيان بأفكار جديدة وعدم التقليد، واستخدام المعلم وتوظيفه لمبدأ الإيحاء بشكل جيد، وكذلك لابد أن يتيح المعلم الفرصة للتلاميذ لإطلاق خيالهم في سبيل الوصول إلى أفكار جديدة ومتنوعة.
وعلى العكس من كل ما سبق فإن ما يقوم به كثير من المعلمين من تقديم مشكلات وأسئلة ذات إجابات نمطية ثابتة تتطلب ترديد ما يتم تقديمه من معارف وخبرات، وإجبار التلاميذ على الأداء بشكل نمطي موحد إزاء المواقف وإزاء الاختبارات، وعدم قبول الإجابات غير التقليدية أو الأداء المتميز، كل ذلك يمثل عقبات تحول دون تنمية الإبداع لدى التلاميذ.
٭ تنمية النواحي المعرفية:
يشجع معظم المعلمين تنمية وتطوير النواحي المعرفية لدى تلاميذهم، غير أن هؤلاء المعلمين ينظرون إلى النواحي المعرفية على أنها مجالات منفصلة ومستقلة بذاتها، ففي مجال تدريس اللغة العربية - على سبيل المثال - ينصرف جهد المعلم إلى معالجة المحتوى المعرفي لكل فرع من فروع اللغة ويهمل تدريب التلاميذ على المهارات اللازمة لممارسة اللغة والتعامل بها في مناحي الحياة، كما أن الخبرة اللغوية المقدمة لتلاميذ التعليم العام خبرة مفتتة متناثرة الأجزاء، وهذا يتنافي مع طبيعة اللغة العربية والهدف من تعليمها؛ إذ ليست اللغة العربية على هذا النحو من التمزق والانفصال بين عناصرها، وليس الهدف من تعليمها إغراق التلاميذ في نواحي معرفية ونظرية بحتة، بل الهدف هو مساعدتهم على ممارسة اللغة في مواقف التواصل اليومي: استماعًا وتحدثًا وقراءة وكتابة.
ويرى سترنبرج أنه لكي يمكن تنمية الإبداع لدى المتعلمين لا ينبغي أن نعزل الحقائق والمعارف ونعلمها بعيدًا عن الحياة اليومية، بل لابد من ربط هذه النواحي المعرفية بحياة التلاميذ ودوافعهم، كما أن الاختبارات المدرسية لابد أن تقيس كيفية توظيف تلك النواحي في الحياة، فالإبداع في استخدام المعرفة له نفس القيمة -إن لم يكن أكثر- من مجرد الاقتصار على كم تلك المعرفة.
٭ تشجيع أنماط التفكير الإبداعية:
طبقًا لما توصل إليه سترنبرج 1988 بشأن أنماط التفكير، فإن هناك ارتباطًا إيجابيًا بين بعض أنماط التفكير ومستوى القدرة الإبداعية، ومن هذه الأنماط نمط التفكير التشريعي، ونمط التفكير العالمي، ونمط التفكير التقدمي.
ويمكن تنمية القدرة الإبداعية لدى التلاميذ خلال عمليات التدريس اعتمادًا على نمط التفكير من خلال إعطاء التلاميذ مهام تعليمية متنوعة ومطالبتهم بالعمل من خلال إطار شخصي للعمل، وإتاحة الفرصة لظهور أنماط التفكير المتعددة وتقبل وتشجيع الإبداعي منها.
فمطالبة التلاميذ بطرح نقد شخصي لفكرة في موضوع من الموضوعات الدراسية ، أو وضع حل لمشكلة متضمنة في أحد تلك الموضوعات، أو تقديم رأي مخالف لما يعبر عنه الشاعر أو الكاتب أو حتى الأقران في الفصل أو المعلم ذاته، كل ذلك يتيح فرصًا لظهور أنماط التفكير.
وعلى المعلم أن يشجع النمط الذي يتناول القضايا من منظور أكبر والذي يستطيع وضع المبادئ وسن الحلول المناسبة في إطار فكري متفتح يراعي المستجدات والمستحدثات ويبحث عن الجديد، وقد تكون حصص التعبير بشقيه (الشفوي والتحريري) من أخصب الحصص مناسبة لممارسة وتشجيع أنماط التفكير الإبداعية، بدءاً من اختيار الموضوع أو القضية المراد التعبير عنها، وانتهاء بكتابة كل تلميذ لتصوره الخاص حول هذه القضية.
وعلى العكس من ذلك، فإن إصرار معلمي اللغة العربية على استخدام وفرض نمط التفكير التنفيذي الذي يعتمد على إلزام التلاميذ بأداء العمل بصورة ثابتة ومحددة وموحدة، مؤكد أنه يتحمل قسطًا كبيرًا من المسؤولية عن وهن إبداع التلاميذ لغة وفكرًا.
٭ تنمية سمات الشخصية المبدعة:
هناك عدد من السمات التي تتسم بها الشخصية المبدعة التي يمكن لمعلم اللغة العربية ـ مثلاًـ السعي إلى تنميتها من خلال نشاطه التدريسي، ومن تلك السمات: الرغبة في اقتحام المجهول، بمعنى الرغبة في خوض المسائل الصعبة والغامضة وتفسير غموضها، ويمكن لمعلم اللغة العربية تنمية هذه السمة الإبداعية لدى تلاميذه من خلال عدم إجبارهم على استخدام أسلوب أو نوعية محددة من الحلول أو الأساليب التعبيرية أو المفردات اللغوية، وكذلك من خلال حسن القيادة والتوجيه، وعن طريق احترام أفكار التلاميذ حتى إن كانت غير مهمة من وجهة نظره.
وهناك سمة شخصية أخرى للأفراد المبدعين هي الرغبة في النمو والانفتاح على الخبرات الجديدة، ويمكن تنميتها من خلال إظهار المعلم نموذجًا جيدًا للشخص المتفتح ذهنيًا في كافة المجالات، وأيضًا عن طريق إعطاء التلاميذ الحق في التساؤل والتفكير الحر.
وهناك سمة حب الاستطلاع التي تشير إلى الميل إلى البحث عن الجديد أو الميل إلى الاقتراب من المواقف والمنبهات الجديدة أو غير المتجانسة نسبيًا والاستكشاف وإثارة التساؤل حولها، ويمكن لمعلم اللغة العربية تنميتها عن طريق احترام الاتجاه الخيالي للتلاميذ ومساعدتهم لكي يصبحوا أكثر حساسية لوصف المثيرات، وتنمو ثقتهم بأنفسهم.
٭ تحفيز السلوك الإبداعي:
تعد المهمة التي ترتكز على التحفيز والدافع مكونًا أساسيًا للإبداع، وهذا يدعونا إلى إدراك أهمية إثارة المعلم لانتباه تلاميذه واستثارة دافعيتهم وتعزيز التواصل بينه وبينهم. أيضًا لابد للمعلم أن يحترم أفكار التلاميذ مهما كان مستواها، ويشجعهم على تقديم المقترحات والآراء ولا يسخر أو يوحي إليهم بالنفور. كذلك فإن استخدام المعلم لأساليب متنوعة ومرنة في تعزيز إجابات التلاميذ وتجنب التقويم المتكرر أثناء تنفيذ الأنشطة اللغوية، تعد من الأساليب الفعالة في تحفيز السلوك الإبداعي لدى التلاميذ.
٭ توفير بيئة إبداعية:
لكي ينمو الإبداع يجب أن تسمح الظروف البيئية بشيء من الحرية والأمن النفسي والاجتماعي، ولا تتم الإبداعية إلا في غياب الكبت، ثم السماح للشخص المبدع بحرية الخطأ والتعبير عن أفكاره وخبراته.
وقد أثبت العديد من الدراسات أن البيئة المدرسية تؤثر تأثيرًا مباشرًا في نمو الإبداع لدى التلاميذ. والخبرات التي يتعرض لها التلاميذ في المدرسة لا تؤثر فقط في تحصيلهم في المواد الدراسية، بل تؤثر أيضًا في سلوكهم الإبداعي واتجاهاتهم نحو المواقف الجديدة للتعلم.
ويتسم المناخ المدرسي المشجع للإبداع بتوفير فرص التعلم التلقائي، حيث يكون للمبادرة الذاتية دور حيوي يساعد التلميذ على التعلم بنفسه وبطريقته، ولا يكون المناخ المدرسي العام إبداعيًا ما لم تستجب البيئة المدرسية لأعمال الفرد وأفعاله.والحقيقة أن مثل هذا الأمر يستلزم تغيير الاتجاهات داخل المدرسة نحو إبداع التلاميذ، وفهمهم، والعمل على زيادة عمليات التشجيع لإبداعاتهم.
والمعلمون قادرون على أن يخلقوا داخل فصولهم بيئات قد تثري الإبداع وقد تقتله، فالمدرسون الذين يقودون الفصول بطريقة غير رسمية تسمح للتلاميذ بالاختيار والحرية في التعبير والتساؤل ويكافئون التلاميذ المبدعين ويعبرون عن حماستهم ويتفاعلون مع الطلاب داخل وخارج حجرة الدراسة، كذلك الذين يؤدون دور النموذج المبدع والذين هم متسامحون في تقبل آراء وأفكار تلاميذهم والذين لايتسلطون، كل أولئك يشجعون على تنمية الإبداع لدى تلاميذهم.
http://www.almarefh.org/news.php?action=show&id=973