مأساة من صنع القادة الفلسطينيين
بقلم أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب مستقل – 18 – 2 – 2012 م
عندما تقترب الانتخابات الفلسطينية سيرقص القادة الفلسطينيون على كل الحبال ، وسيفصحون عن توددهم للمواطنين الفلسطينيين ؛ حبا بأصواتهم وليس حبا بهم ، فاليوم يهتف الفلسطينيون بعبارات قد تكون رسائل لقادتهم لو فهموها أو تفهموها قائلين : وإنها لثورة حتى تحرير الكهرباء ...والشعب يريد الوقود ، فلقد اشتركت القوى الفلسطينية مجتمعة في معاناة الفلسطينيين ، بدءا من الصواريخ الارتدادية من قبل ، والتي هدمت البيوت فوق ساكنيها ، ومرورا بالانقسام والحصار ، وانتهاءً بشح غاز الطعام والوقود ، وشبه انعدام الكهرباء ، وما بين هذا وذاك عشرات ألوف الخريجين ، والعمال العاطلين عن العمل ، وارتفاع مستوى خط الفقر ، وانتشار الأمراض النفسية والعصبية ، وانتشار عمالة الطفولة ، وبات الوطن جريحا مقطعاً الأوصال بكانتونات وحواجز الاحتلال ، بالإضافة إلى القتل والاعتقال ومصادرة الممتلكات أو تدميرها على أيدي الاحتلال ، وتهويد القدس ، وهجمة الاستيطان ...
لقد عشنا أخيرا في الظلام نتيجة لتفكير وسلوك قادتنا ، فهنيئا لانجاز قادتنا العظام ، وقتلت الأنفاق على حدود رفح العشرات من أبنائنا بسبب مواقف قادتنا ؛ لتزداد انجازات قادتنا المغاوير ، كما قتلت مولدات الكهرباء الكثيرين من المساكين الأبرياء وشوهت العشرات حرقا ، ولوثت البيئة ... المياه ملوثة ، والتربة ملوثة ، والهواء ملوث ، والسياسة ملوثة ، والنفوس ملوثة ، المياه تنقطع كثيرا عن البيوت ، والبنوك وشركات الاتصالات تستغلنا ، والضرائب باهظة ، والغلاء فاحش ، وخدمات الصحة والتعليم حدث عنها ولا حرج ، فكيف ستنفذون برامجكم التي وعدتم من انتخبكم من أجلها ، وانتم لا تستطيعوا توفير فرص العمل ، ولا إشباع الأسر ولا توفير مأوى لها من بعد الحرب والدمار على غزة ، وتعجزون عن تعليم ناشئتنا في جامعاتنا ، حيث العدد الكبير من أبنائنا الذين تركوا مقاعدهم الجامعية بسبب الرسوم ... وانتقلت قياداتنا بنا من طابور الكابونات إلى طابور البنوك ، إلى طابور الوقود ، إلى طابور غاز الطهي ، إلى طابور المخابز ... إلى طابور وكالة غوث اللاجئين ، إلى طابور سفارات الدول المانحة ، هكذا من طابور ذل إل طابور ذل آخر ، بدلا من مرحلة تحرر إلى مرحلة تحرر أخرى ، لتسقط في طوابير الذل جميع شعارات وأطروحات قادتنا ، وبات العجز واضحا في كل شيء ، باستثناء قمع الإنسان الفلسطيني ، وإدارة الظهر له وليذهب إلى الجحيم .
لقد انشققتم في نظامكم السياسي ، ونشك في إمكانية تصالحكم وإن كنا نتمنى المصالحة الحقيقية ، وتحول التناقض بينكم من ثانوي إلى مركزي تناحري ، وصار الأخ عدوا والعدو صديقا ، وبات التشظي في كل شيء ، وكان الحصار بسببكم وعلى أيديكم ، وفقدنا الأمل بكم . وأُغلق الأفق السياسي ، وفشل مشروع التسوية كما فشل مشروع المقاومة ، ونشرت قياداتنا بيننا ثقافة تسول الكابونة بدلا من ثقافة بناء الوطن وقبول الآخر .
تراكمت معاناتنا على أيدي قادتنا ... لقد تعبنا بسببكم ... وسئمنا منكم ... وضاقت بنا السبل بفعلكم ... ولا زلنا نعاني على أيديكم أشد المعاناة ، ولا زلنا نموت على أيديكم ، ولا زلنا نجوع على أيديكم ، ولا زلنا نتحمل الصعاب المتعاقبات والمصائب المتتاليات بسبب تفكيركم .
نعلم أن صيحتنا هذه قد لا تلامس آذانكم ، وإن لامست فسترجموننا وستقذفوننا بما حلا وطاب لكم ، لا نريد أن نقول لكم ارحموا المواطن الذي هو مادة وجودكم ، والذي هو الدماء التي تجري في شرايين تنظيماتكم ، بل نقول لكم لا تستخفوا بساعة الاقتراع فهي قريبة مهما بعدت ...
فهل تعنيكم عذاباتنا بشيء ؟ إن كان نعم فتلك مصيبة ، وإن كان لا فالمصيبة أعظم .
وهل نخاطبكم من دين الله عز وجل ونقول لكم : في رواية مسلم: (( ما من أمير يلي أمور المسلمين ، ثم لا يجهد لهم ، وينصح لهم ، إلا لم يدخل معهم الجنة )) . رواه مسلم
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي هذا يقول : (( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به ، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه)). رواه مسلم .
وقالت : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (( من ولاه الله شيئاً من أمور المسلمين ، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم ؛ احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة)). رواه أبو داود والترمذي.أم نخاطبكم بالوطنية فنقول لكم : إن أكثر من ستمائة شاب من غزة حصل على الجنسية المصرية ، وإن المئات منهم هاجروا من غزة لكي يتحرروا من معاناة الضغط وغياب الأمل ، وإن الألوف من شبابنا يتمنون عودة الاحتلال – مع الأسف الشديد - وإن الكثيرين ضجروا من سياستكم فلجأوا إلى المخدرات بأنواعها .
صحيح أن للوطن ضريبة ، وان للكرامة ثمن ، ولكن كما قال الشاعر :
ألقاه في اليم مكبلا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء ، فلا تلقوا شعبكم بجهنم ثم تقولوا له : اصبر ... اصمد ... اثبت ... جاهد ... قاتل ... ناضل ... فأنت البطل ! .
وعلى الرغم من تضحيات قيادات الشعب الفلسطيني في مشوارها النضالي الطويل ، والتي لا يقدر احد أن يتجاهلها ، إلا أننا نعيش مأساة أنجزتها لنا تلك القيادات مجتمعة ، فلم تُعد لنا حقا ولا كرامة ، ولم تحترم آدميتنا كبشر ، فالمصداقية الوطنية يجب أن تتجسد من خلال استمرارية عملية نقد الأداء وإعادة التقييم الشاملة ، لا من خلال تراكم الأخطاء واستمرار المعاناة واللامبالاة ، ورحم الله عشرات الألوف من شهدائنا ...
لابد من قول الحق أمامكم معشر قادتنا ، خاصة أنكم تفتخرون أمام العالم بأن شعبكم الفلسطيني من أكثر شعوب الأرض ثقافة وعلما وخبرة ووعيا ، فهل سنجد لهذا النقد آذانا صاغية ؟ لا نعتقد ذلك ... فلا خير فينا إن لم نقلها ، ولا خير فيكم إن لم تسمعوها ، فأن تصحو قادتنا الآن أفضل من أن تصحو في الانتخابات القادمة ، فعندئذ ستكون صحوة قاسية .

للمراجعة
من داخل فلسطين 0599421664من خارج فلسطين 00970599421664إميل :
tahsen-aboase@hotmail.com