الوضع الســوري فلسـطينياً
بقلم : صلاح صبحية
قرابة خمسة أشهر مرت على الحراك الجماهيري في سورية ، هذا الحراك الذي يستهدف إسقاط النظام ، وكان ثمة ردة فعل للنظام على هذا الحراك أو ما يسمى بالانتفاضة أو الثورة ، ردة فعل النظام كانت عنيفة من خلال استخدام قوى الأمن ومن ثم قوات الجيش في قمع المتظاهرين ، وإزاء ما حدث وما يحدث في سورية كانت هناك مواقف عربية ودولية ، وبغض النظر عن كل هذه المواقف فالذي يهمنا هنا هو الموقف الفلسطيني عامة وموقف اللاجئين الفلسطينيين في سورية خاصة ، حيث أنّ تعداد اللاجئين الفلسطينيين في سورية يكاد يصل إلى النصف مليون لاجىء فلسطيني يعيشون في مخيمات منتشرة في العديد من المحافظات السورية ، وقد ساهم الفلسطينيون في بناء سورية مساهمة تحسب لهم وخاصة في مصفاة النفط وفي معامل السكر والنسيج ، كما أصبح الفلسطينيون وكأنهم جزء من النسيج السوري وخاصة بعد أن أعطوا حقوقاً تتساوى مع حقوق السوريين من حيث العمل في وزارات الدولة ومعاملها ومؤسساتها وحتى في الخدمة العسكرية الإلزامية حيث كان الفلسطيني يؤدي الخدمة العسكرية في صفوف الجيش العربي السوري قبل تأسيس جيش التحرير الفلسطيني ، بل لا نغالي إذا قلنا بأنّ الفلسطيني تسلم العديد من مواقع الإدارة والمسؤولية في كافة المحافظات السورية ، كما أنّ اللاجىء الفلسطيني في سورية قد أتيحت له فرصة الدراسة في المدارس السورية بكل مراحلها وفي الجامعات بكل اختصاصاتها ومجاناً وما ينطبق على الطالب السوري ينطبق على الطالب الفلسطيني ، كما أنّ اللاجىء الفلسطيني رُغم وجود الإنروا التي كانت تهتم بشؤونه المعيشية والصحية والتعليمية كان يجد مكاناً له في كل مجالات الحياة في سورية ، وعلينا ألآ ننسى آلاف المتقاعدين الفلسطينيين في سورية والذين يتقاضون معاشاتهم التقاعدية كأي مواطن سوري متقاعد وهذا غير موجود في كافة الأقطار العربية ‘ ولكن سورية حجبت عن الفلسطينيين مشاركتهم في الحياة السياسية الداخلية وذلك انطلاقاً من الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية لللاجىء الفلسطيني وحفاظاً على وجود القضية الفلسطينية كقضية شعب يعيش لاجئاً خارج وطنه ، ولا ننسى المصاهرة التي تمت بين العائلات الفلسطينية والسورية على مدى العقود الست الماضية وكل هذا نثمنه لسورية شعباً وحكومات متعاقبة على مدى ثلاثة وستين عاماً من وجودنا الفلسطيني على أرض سورية ، وإننا كفلسطينيين نتأثر بالتطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في سورية كما يتأثر أي مواطن سوري وخاصة بالوضع الراهن لسورية . وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى سنوات خلت حيث دفع الفلسطينيون في العديد من الأقطار العربية فاتورة الأحداث التي اجتاحت تلك الأقطار ، فأبعاد الفلسطينيين من الكويت ، وطرد الفلسطينيين من العراق ، وطردهم من قبل من ليبيا ، كما تسهيل باب الهجرة للفلسطينيين في لبنان ، وكل ذلك نتيجة اتخاذ الفلسطينيين الموقف القومي الصحيح ، فهل يدفع الفلسطينيون دائماً فاتورة الدفاع عن الأمة العربية ، وماذا عن الثورات العربية التي تجتاح اليوم الوطن العربي وهي ثورات تطالب بالعدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية لجماهيرها ، ولكن طريق العدالة الاجتماعية وطريق الحرية وطريق الديمقراطية تمر كلها من بوابة إسقاط النظم العربية التي يعيش الفلسطينيون لاجئون على أرضها ، فهل يندمج الفلسطينيون في هذه الثورات ضد الأنظمة العربية أم يقفون مع الأنظمة ضد شعوبها ، وهل ما زال الفلسطينيون مستعدون لدفع أثماناً باهظة نتيجة تغيرات وتطورات تجري في الأقطار العربية ؟ . إنّ ما يجري في سورية هو حراك جماهيري يومي في إنحاء سورية كلها ، هذا الحراك الجماهيري السوري الذي يطالب بإسقاط النظام ، وإسقاط النظام في سورية يعني إسقاط الرئيس ويعني إسقاط الحكومة ويعني إسقاط مجلس الشعب ويعني إسقاط الحزب الحاكم ويعني إسقاط مجالس الإدارة المحلية ، وكل هذه الأمور تتعلق بالجانب السياسي الداخلي لسورية ، أي أن إسقاط النظام يخص المواطن السوري دون غيره ، وهنا نعني بدون غيره الفلسطيني اللاجىء في سورية ، فإسقاط النظام في سورية وبالأسلوب الذي يراه المواطن السوري يخص المواطن السوري نفسه دون أن يخص اللاجىء الفلسطيني ، لأنه لا يمكن للفلسطيني أن يكون رئيساً للجمهورية العربية السورية كما لا يمكن له أن ينتخب الرئيس ، و لا يمكن للفلسطيني أن يتولى منصباً سياسياً كمنصب رئيس الحكومة أو وزيراً في الحكومة ، كما أن الفلسطيني لا يحق له أن يرشح نفسه لعضوية مجلس الشعب أو أن ينتخب أعضاء مجلس الشعب ، والفلسطيني لا يحق له أن يشارك في مجالس الإدارة المحلية ترشيحاً واقتراعاً ، فمن هنا نقول أنّ الفلسطيني في سورية غير معني بأي شكل من الأشكال بإسقاط النظام السياسي لسورية وهذا يتطلب من الفلسطيني عدم المشاركة في أية فعالية تهدف إلى إسقاط النظام في سورية . وإذا كان المطلوب من الفلسطيني عدم المشاركة في فعاليات إسقاط النظام في سورية ففي المقابل عليه أيضاً عدم المشاركة في فعاليات تأييد النظام ، فإذا كانت مشاركة الفلسطيني في إسقاط النظام ستسبب له استعداء النظام له فإنّ تأييد النظام ستسبب له أيضاً استعداء الحراك الجماهيري السوري ضده ، ومن هنا نقول ليس من حق الفلسطيني أن يضع نفسه في حالة عداء لا لزوم لها مع طرفي الصراع في سورية . كما أننا إذا أردنا أن نضع اللاجئين الفلسطينيين في ميزان الديمقراطية المطلقة في سورية إذا ما كانت موجودة فإنّ وزنهم وثقلهم السياسي يساوي صفراً ، ولنفرض جدلاً أن الشعب السوري أنقسم فيما بينه بنسبة 50% معارض للنظام و50% مؤيد للنظام وإنّ النصف مليون فلسطيني في سورية قد اتفقوا على رأي واحد ووقفوا جميعهم إلى جانب المعارضة ضد النظام فهل يسقط النظام ، النظام لن يسقط لأنّ الوزن الفلسطيني في السياسة السورية الداخلية يساوي صفراً . وللحقيقة نقول بأنّ جميع الإخوة السوريين على اختلاف اتجاهاتهم ومواقعهم يؤكدون بأن يبقى الفلسطينيون بعيداً عما يجري على الساحة السورية ، أي على الفلسطينيين أن يكونوا محايدين ، لقد سمعنا هذا الموقف من الرسميين السوريين سواء كانوا في مواقعهم الحكومية أو السياسية أو الأمنية كما سمعناه من الشارع السوري بكل أطيافه . ولأنّ ما يجري في سورية شأن داخلي يخص الإخوة السوريين أنفسهم فقد سارعت الفصائل الفلسطينية كلها بدون استثناء متعاونة مع الاتحادات الشعبية الفلسطينية ومع الفعاليات الفلسطينية للعمل بشكل يومي ومتواصل على تحييد المخيم الفلسطيني بشكل خاص وتحييد الفلسطينيين بشكل عام مما يجري في سورية ، وعلى هذا الأساس لم يشارك الفلسطينيون في مسيرات التأييد للرئيس الأسد التي تمت في شهر حزيران الماضي ، وقد ثمنت القيادة السياسية والقيادة الأمنية السورية والفعاليات السورية للفلسطينيين موقفهم هذا ، كما أنّ الفلسطينيين وخاصة الفصائل الفلسطينية مجتمعة عملت على عدم السماح بالتظاهر ضد النظام داخل المخيمات انطلاقاً من شعار تحييد المخيم همنا اليومي . ولكن لا ننكر أنّ ثمة ممارسات لأفراد فلسطينيين تمت خارج نطاق المخيمات بالمشاركة في مسيرات التأييد أو في مظاهرات إسقاط النظام وهذا بقي في إطار التصرف الفردي الخارج عن الموقف الفلسطيني العام وهذا لا يمكن السيطرة عليه لأن الالتزام بتحييد المخيم هو موقف أدبي للفلسطينيين أنفسهم ،فموقف اللاجئين الفلسطينيين في سورية هو الالتزام بمبدأ تحييد المخيم وتحييد الفلسطينيين . وإذا كان مبدأ تحييد الفلسطينيين من الأحداث التي تجري في سورية هو الموقف السليم لهم فإنّ موقفاً فلسطينياً عاماً مطلوباً من جميع أبناء الشعب العربي الفلسطيني وهو دعم مبدأ تحييد الفلسطينيين في سورية ، وخاصة من قبل الكتاب والمثقفين والمفكرين والفصائل الفلسطينية في أرض الوطن ، فلا يعقل أن يتحول بعض كتاب المقالات اليومية للكتابة عن الوضع السوري بشكل شبه يومي وهم يتبنون مواقف لا تخدم مبدأ تحييد الفلسطينيين في سورية ، وكأن هناك من يريد من هؤلاء أن يزج بالفلسطينيين داخل أتون الصراع في سورية ، فهل هذا من مصلحة الشعب الفلسطيني ، إن المطلوب من كافة أبناء الشعب الفلسطيني الحكمة في تبني أي موقف ليس بخصوص ما يجري في سورية فقط وإنما ما يجري في عموم الأقطار العربية . إنّ موقفنا كفلسطينيين من ثورات الربيع العربي يختلف عن أي موقف من مواقف الشعوب العربية ، فنحن نعيش كلاجئين في الأقطار العربية أو كضيوف فيها وليس لنا الحق في أن نتدخل في شؤونها الداخلية ، لأنّ هذا التدخل سينعكس سلباً على وجودنا كلاجئين وضيوف في جميع الأقطار العربية ، فلذلك علينا أن نتعامل مع ما يجري في الوطن العربي بالشكل الذي يحافظ على وجودنا في هذه الأقطار بحيث لا نجد أنفسنا وقد أصبحنا نقف على حدود دول العالم لا أحد يريدنا على أرضه وما زالت تجربة اللاجئين الفلسطينيين في العراق نعيش مأساتها .
11/8/2011 صلاح صبحية