هلا ومرحب أختي فاتن:
«صدى القدس» في مهرجان الأغنية الفلسطينية على امتداد أيام عدة، واعتباراً من السبت الخامس عشر من تشرين الأول لعام 2011 شهد مركز ثقافي اليرموك «مهرجان الأغنية الوطنية الفلسطينية» حيث تم الحشد لهذا المهرجان الإبداعي خلال فترة تزيد عن العام، ورصدت له إمكانيات هائلة تقنية، وفنية وبشرية، وساهمت فيه غالبية الفرق الفنية الفلسطينية، بحيث يعتبر بحق:«مهرجان الأغنية الوطنية الفلسطينية الأول.. بامتياز» عبر الصعد كافة، ومن خلال الاستعدادات التي رافقت المهرجان قبل وبعد، وأيام تقديمه على مسرح ثقافي اليرموك، هذا المركز غدا دلالة وطنية استثنائية مهمة للدور الذي يلعبه في دفع الحراك الثقافي والفني الوطني إلى حيث يجب أن يكون ذلك الحراك فوق ساحة تتم فعلها المقاوم بالكلمة الهادفة، والفن الملتزم جنباً إلى جنب مع فعل المقاومة الأشمل، والأعمّ والذي يؤديه الإعلام الوطني عبر فضائيات وضعت لخدمة قضايا الأمة، وخاصة قضية فلسطين، باعتبارها جزءاً مكملاً، وحيوياً مهماً من تلك الخنادق العدة، والتي تصب جميعها في إطار تشكلها الهادف والمصيري في خندق تحرير فلسطين من النهر للبحر، واستكمال مسار العودة طريقاً واحداً لاخيار ثاني له وهدفه فلسطين كلها، حيث تربت الأجيال على ذلك، وعلى هذا المبدأ عاشت، وتوارثته في رحلة نضالها المريرة عشرات السنين، وكان ثمن الرحلة غالياً ، ودامياً ، ومن أجل فلسطين يهون.
كان المسار الفلسطيني المقاوم وقد اعتمد خندق تحريره ليس على الجانب الكفاحي بالطلقة فقط، بل ذهب باتجاه الكلمة المقاومة، وكذلك الفن المقاوم، وبذا تكاملت عناصر المقاومة بأقانيمها الثلاثة: الطلقة والكلمة والفن الملتزم، وعنصرا الكلمة المقاومة، والفن الوطني الملتزم في أغانيه الجماهيرية لايقلان أهمية عن خيارالطلقة/ المقاومة خاصة وأن المجابهة الآن تعتمد على تقنيات إعلامية هائلة وليس على المجابهة بالرصاص وحده، ولما كان هذا الأمر قد وعته الجهات الثقافية الوطنية الفلسطينية وركزت عليه تركيزاً حيوياً وشاملاً كعامل مهم من عوامل التحرير والعودة، فإن الدفع الثقافي الفلسطيني شعراً وقصة ورواية، وإعلاماً موجهاً صاحبه دفع فني رائع بمغناه الوطني الملتزم، فرأينا عشرات الفرق الفنية الفلسطينية تكتسح ساحة المغنى الثوري المقاوم، بطاقات وإمكانيات رائعة ومتقدمة، إن كان على صعيد الفعل الشخصي أو على صعيد المؤسسات الثقافية الفلسطينية، فكانت فرقة الوعد وفرقة بيسان وفرقة العاشقين وفرقة صدى القدس، وفرق أخرى كثيرة غدت مدلولاً هاماً يعبر عن مغناه العربي الفلسطيني بقوة ذلك المدلول الذي اكتسح أسماع العالم، وترك صداه في أرجاء الدنيا: إن فلسطين.. هذا شعبها، وذاك مغناها وتراثها، وتلك أصالتها التي تخص أبناءها الأوفياء، وأن شتات بابل.. شتات مؤقت عابر، مهما حاول سرقة التراث والتاريخ الفلسطيني الحضاري، فإنه لن يفلح في ذلك أبداً لأن هذه الأبديات معجونة بلحم الأرض وإنسانها، بالشعر والدم والمصير المشترك بين هذه المشتركات الخالدة، وما من قوة عابرة في الأرض تفصل هذا عن ذاك في تاريخياته الأزلية.
فنيات عالية للفرق، وأداء وجداني يذهب إلى أبعد من الأداء، إلى صبوة خارقة ووجد موجع انطلق من حناجر وصدور الفنانين الذين عبروا بالمغنى ماعبر عنه الشعراء بالكلمة، وكان لفرقة صدى القدس، ولمغناها الشجي ماهزّ مشاعر الجماهير، وحرّك وجدانها بمتعة السماع من خلال تلك النشوة التي انسحبت على جمهور الحاضرين كباراً وصغاراً، وأجيالاً عدة رأت في هذ الفرقة وبقية الفرق المشاركة المتنفس الحار جداً والذي يبث في روح الحضور العربي والفلسطيني حماساً هادراً وشجياً: لحناً وأداء وكلمةً ثوريةً معبرةً بشكلي الشعر: التفعيلي والمحكي:
لبيك يا قدس
يا درة الدنيا يا رمز الإباء يا قدس يا أيقونةً للكبرياء
لبيك يا أختاه إنا قادمون نحمي ترابك بالنفيس من الدماء
هذا أوان للتحدي
لمي دموعك واستعدي
وغداً تباشير النهار تطل من وجع الحصار
تزهو فلسطين الحبيبة في ثياب الانتصار
ويا محتل:
يا محتل الزمن تحول جاك اليوم اللازم ترحل
أرض بلادي نار وهبت تحمّل إن كنت بتتحمّل
هذي أرضي وأرض أجدادي حقي وحق ولاد ولادي
ويلك.. يا ويلك يا العادي ارحل عنها ولاتتمهّل
تلال بلادي النار الحمرة لمّ جنودك واطلع بره
احنا أعلنّاها ثورة وتحتك جمر النار بيشعل
هذان النموذجان من النماذج التي قدمتها فرقة صدى القدس، فرقة أثبتت حضورها الفني الوطني الفاعل على ساحة المغنى الوطني الفلسطيني، رغم قصر المدة التي انطلقت من خلالها، وهي جزء من فعل ثقافي واسع تبنت استنهاضه الراهن مؤسسة القدس للثقافة والتراث ضمن حراك ثقافي واعٍ وملتزم، وكما تميز أفراد الفرق الأخرى بخصوصياتهم، فإن أفراد وفناني صدى القدس أضافوا ياقوتة أخرى لعقد المغنى الثوري الرائع، وهم تشكيلة من مجموعة فنانين مثقفين حملوا على عاتقهم مسؤولية المغني المقاوم إلى جانب الشعر المقاوم وطلقة الكفاح المقاومة .
لقد أثبت هذا المغنى عمق العلاقة الخالدة بين الفن والوطن، بين القصيدة والوطن، بين الجماهير والوطن، فمن عاش ليالي العرس الفلسطيني في مغناه.. أحس بتلك الدمعة الشجية التي امتزجت بالنغمة الشجية وخلقت جوها الحميمي الخاص بها، فإذا بالنشيد يسري على الأفواه فيوحد صداها، ويسري في الصدور فيلهبها، ويسري في الأعماق فيشعلها، كم نحن بحاجة لمثل هذا الفن المثير، والقصائد المدوية والألحان الموجعة لكي تظل مشاعرنا على انتباهتها، وجوارحنا على أهبة استعدادها، وأجيال العودة على أهبة انبثاقها، نحن من بين أمم الأرض.. نحمل مشاعر مختلفة، وعواطف مختلفة، والتزامات أخلاقية مختلفة ومغناة شجية مختلفة، ونقول: لو فهمنا الآخرون وقاسمونا خبز وملح حياتنا لعاشوا بيننا، وتحت مظلة عواطفنا بخير وبركة وسعادة للأبد.. ولكن عقلية أولئك لاتملك إلا الأذى والشر لعباد الله، ونحن لانملك إلا حب الأوطان والغناء والدم المنذور للمجد والشهادة.
لثقافي اليرموك تحية أبناء فلسطين للدور الرائع الذي يؤديه على المستوى الثقافي والفني الوطني والقومي من خلال اللحمة الواحدة المصيرية المشتركة، ولفرقة صدى القدس تحية الجماهير التي انتشت على صدى إنشادها ومغناها الرائع، ولبقية الفرق تحية من الأعماق لما قدمت وبذلت وأمتعت بإنشادها المثير والذي حرك الحجر في همود الرماد، فإذا بجذوة الحماس على حالها، وعمق الرابطة بين فلسطين وأبنائها على حاله المشتعل، ووجد الانسان للأرض وجد التراب للجذور، الشعر والمغنى الوطني والكفاح وهبّة المقاومة المستمرة، وفلسطين بذكرياتها الخالدة، وإعلامنا الواعي، وحدّة الوجد الفلسطيني مثيرات دائمة تشارك دم الشهداء رسم طريق التحرير والعودة من هذا الخندق المتقدم المطل على اليرموك وحطين وفلسطين.
نكهة مغنى بنكهة مختلطة متمازجة ماتلاحمة بنكهة التين والزيتون والزيزفون والزعتر والياسمين والحور، والكباد .. خلطة سحرية خالدة.. فهل نكهة في الدهر توازيها أو تساويها أو تقاربها!!؟ لله در تراب هذي الأرض ما أبدع مبدعه، وما أنتج إلهامه، وما استنهض الوجد في أحبابه من سيمفونيات حقول الله الشاسعة يتردد صداها بين النبض والدهر ما شاء لها المبدع أن تغني وتبدع، وتصدح وتطرب الزمان بشجوها الندي.