أخي المؤمن .. أخي المسلم .. ما أكتبه في هذا المقال إنّما هو امتداد لما نشر في المقال السابق ( المؤمن ما بين ذاكر وشاكر . ) نتلمّس هنا معالم الطريق لنعرف كيف نكون ذاكرين شاكرين لله عزّ وجل , فمن أراد أن يصلي الله عليه , يغمره برحمته وييسر له سبل الهداية والتوفيق , فليشمّر عن ساعد العزم . وليلحق بقافلة المشمرين , وليحرص على المضي في الطريق التي سلكها السلف الصالح فكانوا ذاكرين شاكرين .
القرآن الكريم والسنة المطهّرة تجوّل في رياضهما تتعلّم كيف تصبح ذاكراً شاكراً : ربّك الّذي أمرك يعلّمك كيف تنفذ أمره من حيث كلّف رسوله صلى الله عليه وسلم بمهمّة البيان والتعليم فقال : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ .) النحل (44) . إذاً الأمر من الله والبيان وتمثل الحال من الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد ورد أمره تعالى بالذكر في القرآن الكريم في عدة مواضع نذكر بعضاً منها :
1- بلفظ اذكروا (9) تسع مرات منها :
أ- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ . (11) المائدة .
ب- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا .(42) الأحزاب . والآيات الأوامر السبع البواقي موجهة إلى بني إسرائيل وقوم موسى صلى الله عليه وسلم 2- بلفظ اذكروني : 1مرة واحدة فقط في قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ . ) (152) البقرة .
كما ورد أمره سبحانه وتعالى بالشكر في مواضع عدّة من كاتبه العزيز نذكرها لك :
1- بلفظ اشكر موجهاً لكل فرد بعينه من المؤمنين : (2) مرتين وهما :
أ- وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ . (12) لقمان .
ب- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ .
(14) .
2- بلفظ واشكروا موجهاً للجميع : (5) مرّات هي التالية :
أ- فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ . (152) البقرة .
ب- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ .(172) البقرة .
ج- فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ . (114) النحل .
د- إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . (17) البقرة .
هـ - لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ. (15) سبأ . هذه هي الأوامر الواردة بالشكر في القرآن وهي كما ترى سبعة أوامر وإذا أضفنا إليها ما ورد بالأمر بالذكر وهو عشر مرات , أصبح المجموع كله (17) سبعة عشر مرة .
ها هو القرآن حدد لنا المعالم فلنعرفها جيداً , وذلك من خلال محورين :
الأول : موجبات الذكر كما وردت في الآيات الكريمة : أ- النعم الوافدة من الله . ب- ذكره سبحانه وتعالى لأنه من حقه سبحانه وتعالى على عباده .
الثاني : موجبات الشكر , كما وردت في الآيات الكريمة : أ- حق الله على عباده . ب- تكرّمه سبحانه وتعالى على عباده بالزرق الحلال الطيب . والّذي يبدو هنا واضحاً من خلال التأمل في سياق الآيات الكريمة أنّ القرآن لم يبيّن كيفية الذكر والشكر , فلابد من الرجوع إلى السنة النبوية الشريفة للتعرف على ذلك , ولكن قبل أن نعبر إلى رحاب السنّة ونتجول في رياضها المونقات , أرى أنّه من النافع أن أقف عند آيتين أحدهما في الأمر بالذكر والأخرى من الأمر بالشكر , لنعرف ما ورد في موضوعنا عند أئمة التفسير .
أ- نختار من أوامر الذكر قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا .) في تفسير البغوي رحمه الله تعالى , بيان وجيز معبّر لهذه الآية الكريمة , قال رحمه الله : (قال ابن عباس: لم يفرض الله تعالى فريضة إلا جعل لها حدًا معلومًا، ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر، فإنه لم يجعل له حدًا يُنتهى إليه، ولم يعذر أحدًا في تركه إلا مغلوبًا على عقله وأمرهم به في كل الأحوال، فقال: "فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم" (النساء-103) . وقال: { اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا } أي: بالليل والنهار، في البر والبحر وفي الصحة والسقم، وفي السر والعلانية. وقال مجاهد: الذكر الكثير أن لا تنساه أبدًا. ) وفي تفسير سيد طنطاوي قرأت كلاما جميلاً في هذه الآية , حيث قال : (والمقصود بذكر الله - تعالى - فى قوله : { يا أيها الذين آمَنُواْ اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً } ما يشمل التهليل والتحميد والتكبير وغير ذلك من القوال والأفعال التى ترضيه - عز وجل - . أى : يا من آمنتم بالله حق الإِيمان اكثروا من التقرب إلى الله - تعالى - بما يرضيه ، فى كل أوقاتكم وأحوالكم ، فإن ذكر الله - تعالى - هو طب النفوس ودواؤها ، وهو عافية الأبدان وشفاؤها ، به تطمئن القلوب ، وتنشرح الصدور . . والتعبير بقوله : { اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً } يشعر بأن من شأن المؤمن الصادق فى إيمانه ، أن يواظب على هذه الطاعة مواظبة تامة .
ب- ومن الأوامر بالشكر , نختار قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ . (172) البقرة . قال صاحب التفسير الميسر حول هذه الآية : ( يا أيها المؤمنون كلوا من الأطعمة المستلَذَّة الحلال التي رزقناكم، ولا تكونوا كالكفار الذين يحرمون الطيبات ، ويستحِلُّون الخبائث ، واشكروا لله نعمه العظيمة عليكم بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم ، إن كنتم حقًا منقادين لأمره، سامعين مطيعين له، تعبدونه وحده لا شريك له . ) وفي تفسير القشيري وجدت هذه الكلمات الراقية المعبّرة عن المعنى الدقيق للآية الكريمة : (الحلال ما لا تَبِعَه عليه ، والطيب الذي ليس لمخلوقٍ فيه مِنَّة ، وإذا وجد العبد طعاماً يجتمع فيه الوصفان فهو الحلال الطيب . وحقيقة الشكر عليه ألا تتنفس في غير رضاء الحق ما دام تبقى فيك القوة لذلك الطعام . ) لعلنا بهذا الّذي عرضنا من قرائح العلماء أئمة التفسير , نكون قد أمتلكنا مفتاح الدخول إلى عالم النبوة الراقي لنعرف أكثر ونتعلّم المزيد , فإلى أحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في الذكر والشكر لمزيد البيان : ومن الأحاديث التى وردت فى الحض على الإِكثار من ذكر الله :
1- ما رواه الإِمام أحمد عن أبى الدرداء . . رضى الله عنه . . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها فى درجاتكم ، وخير لكم من إعطاء الذهب والوَرِقِ - أى : الفضة ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقكم ، قالوا : وما هو يا رسول الله؟ قال : ذكر الله - عز وجل - "
2- وعن عمرو بن قيس قال : " سمعت عبد الله بن بسر يقول : جاء اعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما : يا رسول الله ، أى الناس خير؟ قال : " من طال عمره وحسن عمله " . وقال الآخر : يا رسول الله ، إن شرائع الإِسلام قد كثرت علينا ، فمرنى بأمر أتشبت به . قال : " لا يزال لسانك رطبا بذكر الله . "
3- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ قَعَدَ مَقْعَدَاً لَمْ يَذْكُرِ الله تَعَالَى فِيهِ ، كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تَعَالَى تِرَةٌ ، وَمَنِ اضْطَجَعَ مَضجَعاً لاَ يَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى فِيهِ ، كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تِرَةٌ.)) رواه أَبُو داود بإسنادٍ حسن. والترة : التبعة.
- وعن أبي هريرة – رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي( مَنْ قَعَدَ مَقْعَداً لَمْ يَذْكُر الله تَعَالَى فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تِرَةٌ ، وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعَاً لاَ يَذْكُرُ الله تَعَالَى فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تِرَةٌ . ))
4- وعن عبدِ الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أنّه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: (( إِذَا سَمِعْتُمُ النداء فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ ؛ فَإنَّه مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً ، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الوَسِيلَةَ ؛ فَإنَّهَا مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ وَأرْجُو أنْ أكونَ أنَا هُوَ،فَمَنْ سَألَ لِيَ الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ. ))
5- وعن أَبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ . )) .
6- وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها ، قالت : كَانَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ . رواهُ مسلم .
7- عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ عَلِّمْنِي كَلاَمًا أَقُولُهُ قَالَ : قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ». قَالَ فَهَؤُلاَءِ لِرَبِّى فَمَا لِي قَالَ « قُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِى وَارْزُقْنِي.
8- عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ رَجُلاً إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ أَنْ يَقُولَ « اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِى إِلَيْكَ وَوَجَّهْتُ وَجْهِى إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِى إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِى أَنْزَلْتَ وَبِرَسُولِكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ. فَإِنْ مَاتَ , مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ».
9- عن أبي يحيى سليم بن عامر قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يوم حجة الوداع : اعبدوا ربكم و صلوا خمسكم و صوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم و أطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم .
10- عن أبي أيوب الانصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أكل أو شرب قال الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا .
11- عن عمر بن أبي سلمة – رضي الله عنه – قال : " كنت غلاماً وكانت يدي تطيش في الصحفة , فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا غلام سمّ وكل بيمينك وكل مما يليك .
12- عن حذيفة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من منامه قال الحمد لله الذي بعثنا من بعد موتنا وإليه النشور .
هذه طائفة من الأحاديث النبوية الشريفة , بالتأمل فيها نستطيع أن نكوّن تصوراً جامعاً عن البيان العملي للذكر كالآتي :
1- الذكر هو الطريق الّذي لابد من سلوكه لعبادة الله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . ) (56) الذاريات .
2- الذكر القولي , تهليلاً وتحميداً وتسبيحاً , استغفاراً وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتلاوة القرآن .
3- ملأ المجالس بذكر الله على نحو ما ذكنا أعلاه , وإلاّ تحمل الجلساء تبعة ذلك . ومثل ذلك عند الاضطجاع ولو للراحة .
4- إجابة المؤذن ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
5- الذاكر حي القلب والّي أهمل الذكر ميت القلب . أي كالحي والميت .
6- ذكر عملي حركي ينضم للذكر اللساني : الصوات الخمس والصوم والزكاة وطاعة الحاكم المسلم فيما يرضي الله .
7- عند النوم والاستقاظ وتناول الطعام والشراب , وكذا عند دخول البيت والخروج منه وعند اللباس .....
8- تعلم طائفة من الأذكار المأثورة والمواظبة عليها في كل الأحوال , وأفضل ما ألّف في هذا الباب ( كتاب الأذكار – للإمام النووي رحمه الله تعالى ) فهو كتاب جامع أنصح كل مسلم باقتنائه واتخاذه مرجعاً للأذكار التي تهمه في جوانب حياته .
9- ولنتقدِ برسول الله فقد كان يذكر الله في أحيانه كلّها , قائماً وقاعداً وعلى جنب , ليلاً ونهاراً في السلم والحرب , في العسر واليسر , في الشدة والرخاء .... هكذا تكون ذاكراً , وبقي أن تعرف كيف تكون شاكراً .
ونبقى في رحاب النبي صلى الله عليه وسلم , لنتعلم منه عليه الصلاة والسلام كيف نكون شاكرين :
هذه طائفة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الشكر , إذاً فلنعرف أكثر , ولنتعلم جديداً في هذا الموضوع الهام :
أ - عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان رسول الله يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ، فقلت له : لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : أفلا أكون عبداً شكوراً ) . وهنا ثمّة فوائد تستفاد من الحديث :
1- فضيلة قيام الليل .
2- فضيلة طول القيام . وقد قال ( : ( أفضل الصلاة طول القنوت ) .
وقد أثنى الله على من يقومون الليل ويطيلون , قال تعالى : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون . . . ) . وقال تعالى : ( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ) .
3- كثرة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في عبادة ربه .
4- دليل على أن الشكر هو القيام بطاعة الله ، وأن الإنسان كلما ازداد في طاعة الله فقد ازداد شكراً لله ، وليس الشكر بأن يقول الإنسان بلسانه : أشكر الله .
5- أن النبي صلى الله عليه وسلم ( غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وهذا خاص به ) . وعليه : كل حديث فيه أن من فعل كذا وكذا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كلمة ( تأخر ) لا تصح ، كما قال ابن القيم .
6- يجب أن تكون النعمة سبباً لزيادة الشكر .
ب- عن الأشعث بن قيصر ، رضي الله عنه ، عن النبي صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم قال : إن أشكر الناس لله أشكرهم للناس. وهذا الحديث فيه فائدتان :
1- كلما أكثرت من شكرك للناس على إحسانهم كلّما كنت أكثر شكراً لله تعالى .
2- شكرك للناس أمّا بالقول : شكراً لك , جزاك الله خيراً . أو بردّ المعروف بمثله أو بأكثر منه , وهذا هو الجانب العملي .
ت- عن عائشة قالت : ما من عبد يشرب الماء القراح فيدخل بغير أذى ويخرج بغير أذى إلا وجب عليه الشكر . في الحديث فائدتان هما : 1- الماء هو الحياة وبه تحفظ الأبدان . 2- شربة الماء هي حياتك التي وهبها لك مولاك فعليك شكره , فلوغاض الماء فلا حياة .
ث- عبد الله بن غنام البياضي - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال : مَنْ قال حين يُصبحُ : اللَّهمَّ ما أصبحَ بي من نعْمَةٍ ، أو بأحدٍ من خَلْقِكَ ، فَإِنَّها مِنْكَ وحدَكَ ، لا شَريكَ لَكَ ، لَكَ الحمدُ ، ولك الشُّكْرُ ، فقد أدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ ، وَمَنْ قال مِثلَ ذلك حين يُمسْي ، فقد أدَّى شُكْرَ لَيلَتِهِ . فائدة : واظب على هذا الدعاء صباح مساء تكن من الشاكرين .
ج- عن أبي بكرة - رضي الله عنه - :قال : كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- إذا جاءه أمر سُرورا ، أو بُشِّرَ به ، خرَّ ساجداً ، شاكرا لله تعالى . فائدة : هذا تعليم من الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة كيفية الشكر العملي عند حصول نعمة أو اندفاع نقمة .
ح - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ؛ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. من فوائد هذا الحديث :
1- يرسم فيه النبي صلى الله عليه وسلم معالم الطريق لأداء فريضة الشكر, أن تنظر إلى من هو دونك من الناس , فترى فضل الله عليك فتنهض بواجب الشكر . 2- حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من النظر إلى من هو أعلى منك فذلك صارف عن الشكر لازدراء ما يحف بك من النعم .
3- ونلحظ أيضاً هنا منزلق الوقوع في الحسد بدل الشكر .
خ- عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْحَمْدُ رَأْسُ الشُّكْرِ ، مَا شَكَرَ اللَّهَ عَبْدٌ لا يَحْمَدُهُ . واضح أن الشكر اللساني هو بالحمد والثناء على الله بحصول نعمة أو صرف نقمة ومن لم يحمد الله لم يشكره .
د- عن عطية بن قيس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيّما عبد جاءته موعظة من الله في دينه فإنّها نعمة من الله سيقت إليه , فإن قبلها بشكر وإلاّ كانت حجة من الله ليزداد بها إثماً ويزداد الله عليه بها سخطاً . )
ذ- عن ابن شهاب قال: "اجتمع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ابن الخطاب , وعلي , وجعفر ابنا أبي طالب , والعباس بن عبد المطلب . فذكروا المعروف فقال علي: المعروف حصن من الحصون وكنز من الكنوز فلا يزهدنك فيه كفر من كفره فقد يشكرك عليه من لم ينتفع منه بشيء وقد تدرك بشكرالشاكر ما أضاع الكفور الجاحد .
بعبارة قصيرة وسريعة ندرك أن صنع المعروف هو المجال العملي الرحب للشكر .
* - عرضنا طائفة من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في فضيلة الشكر ومنها عرفنا كيفيته والطريق الموصلة إليه , وهذا هو البيان :
1- الشكر لا سبيل لتحصيله إلاّ بطاعة الله عزّ وجلّ . وهذا هو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم . حيث كان يقوم الليل حتى تفطّرت قدماه الشريفتان .
2- إسداء المعروف للعباد دون انتظار مدح أو ثناء أو مكافأة عليه فذاك كنز ثمين ينبغي الحرص عليه . ولا تزهد فيه وإن جحده الناس .
3- السجود شكراً لله عند حصول نعمة أو اندفاع نقمة .
4- الحمد رأس الشكر وهو الثناء على المنعم بأكمل الأوصاف وأرقاها , وشكر الناس على الإحسان بالدعاء لهم والثناء عليهم بـ جزاك الله خيراً وهو أبلغ الثناء.
5- النظر إلى من هم دونك لا إلى من هم فوقك لتتقي منزلق السقوط في مستنقع الحسد وتعرف قدر النعم المتواردة من مولاك عليك فتهبّ لشكره .
6- الدعاء الّذي يكفي شكر يومك وليلتك واظب عليه بصدق وإخلاص لله تكن شاكراً . ( اللهم ما بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد والشكر . )
7- نعم الله تستعمل في طاعته لا في معصيته وذلك هو شكرك لواهبها سبحانه .
وأخيراً : لعل ما كتبته يكون خطوة على الطريق لك ولي ولنا ولهم ولكل المؤمنين والمؤمنات لنكون ذكرين شاكرين طالبين لرضا رب العالمين .