الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

فلقد اصطفى الله جل وعلا ولد إسماعيل من ذرية آدم، واختار كنانة من ولد إسماعيل، واختار قريشاً من كنانة، واختار بني هاشم من قريش، واصطفى محمداً من بني هاشم ليكون خير البرية وأزكى البشرية..

وخاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولين والآخرين..

واصطفى الله جل وعلا جبريل عليه السلام ليكون الروح الأمين، والمبلغ عن رب العالمين، قال تعالى: اللهُ يَصطَفِى مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيع بَصِيرٌ [الحج:75].

واصطفى الله تعالى دين الإسلام ليكون الدين عنده، ولن يقبل من أحد ديناً سواه.. إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسلامُ [آل عمران:19].. وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإسلامِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ [آل عمران:85].

واصطفى الله تعالى القرآن ليكون أفضل كتبه وأكملها، والمهيمن عليها: وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَينَ يَدَيهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيمِناً عَلَيهِ [المائدة:48].

وهكذا.. يصطفي الله تعالى ما يشاء مما يشاء لحِكَمٍ يعلمها سبحانه..

وأما في دين الإسلام فقد فضلت الصلاة على سائر العبادات خلا التوحيد..

واصطفاها الله تعالى لتكون الفيصل بين الإيمان والكفر.. { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر } [رواه الترمذي وغيره].. و { بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة } [رواه مسلم].

ولذا فلم تكن الكيفية التي فرضت بها الصلاة كسائر العبادات؛ بل عرج بالنبي إلى السماء وفرضت عليه بلا واسطة؛ لتعلم الأمة منزلتها ولتقدر هذه العبادة قدرها.

وخُصت صلاة الفجر بمزيد من الفضل، وحُفّت بجزيل الثواب والأجر..

فهي محك الإيمان، وعلامة التسليم والإذعان..

يتمايز فيها المؤمن من المنافق، قال ابن عمر رضي الله عنهما: ( كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا الظن به ) [رواه الطبراني وابن خزيمة].

رتب الشارع الحكيم على المحافظة عليها أجوراً لم ينلها غيرها..

فصاحب صلاة الفجر محاط بالفضائل، ومبشر بعظيم البشائر..

فمنذ خروجه من بيته لأداء الصلاة والبشائر تنهال عليه من كل جانب.. قال عليه الصلاة والسلام: { بشّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة } [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني].

وإذا أدى سنة الفجر فهي خير من الدنيا وما فيها. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : { ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها } [رواه مسلم].. يعني سنة الفجر.

وحين يجلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة مادامت الصلاة تحبسه، { ومن جلس ينتظر الصلاة صلّت عليه الملائكة، وصلاتهم اللهم اغفر له اللهم ارحمه } [رواه أحمد].

حتى إذا ما أقيمت الصلاة وشرع في أدائها فيا للفوز والأجر، ويا لعظيم الفضل وجليل البُشر..

هاهو يقف بين يدي الله وتشهد له ملائكة الله، قال تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إِلَى غَسَقِ الَّيلِ وَقُرءَانَ الفَجرِ إِنَّ قُرءَانَ الفَجرِ كَانَ مَشهُوداً [الإسراء:78].