(حكاية الشاطر نعناع
في مدينة النهار.. )




كان هناك فتى صغير، وجميل اسمه هو الشاطر نعناع؛ فدائما ما يبيع النعناع في السوق، ولأنه شجاع وجرئ على الرغم من صغر سنه؛ سماه الناس بالشاطر وهكذا أصبح اسمه الشاطر نعناع..




نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيهذه الصورة تم تحجيمها. اضغط على الشريط لمعاينة الصورة بالحجم الكامل. ابعاد الصورة الاصلية 595x396.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


كانت والدة الشاطر نعناع مريضة دائما، في الأيام الأخيرة فقط تحسنت صحتها قليلا، لكن في نفس الوقت ساءت صحة بقرتهم الوحيدة؛ صارت تأكل اقل وتجلب لبنا اقل؛ ثم لم تعد تجلب لبنا على الإطلاق، وفي يوم جلس الشاطر نعناع إلى أمه وقال لها في هدوء:
- "لنبيع البقرة، ونرحل يا أمي.."
- "نرحل.. نرحل إلى أين يا بني؟"
- "إلى أي مكان يا أمي؛ أرض الله واسعة..الحقيقة لقد سمعت عن مدينة قريبة اسمها مدينة النهار..يقولون إن التجارة فيها مزدهرة، يمكننا أن نبيع فيها النعناع مؤقتا، وبثمن البقرة نستطيع أن نوسع تجارتنا.."
صمتت الأم قليلا قم قالت:
- "كما ترى يا بني..لنرحل على بركة الله.."
ورحل الشاطر نعناع ووالدته إلى مدينة النهار..



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيهذه الصورة تم تحجيمها. اضغط على الشريط لمعاينة الصورة بالحجم الكامل. ابعاد الصورة الاصلية 1184x888.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



غريب أمر مدينة النهار؛ فالناس فيها لا تخرج فعلا سوى في النهار.أصاب هذا الشاطر نعناع بالحيرة ."ما الذي يحدث في الليل يا ترى؟"..تساءل الشاطر نعناع في نفسه، وعندما وقف ليبيع بضاعته في السوق قرر أن يسأل كل من يقابله:
- "يا عم..يا عم.."
- "ماذا تريد أيها الصبي؟"
- "أريد أن أسألك سؤالا.."
- "تفضل يا بني.."
- "أنا غريب عن هذه المدينة..ومنذ جئت لم أر أحدا يخرج سوى في النهار..هل يمكنك أن تخبرني عن السبب؟"
ابتسم الرجل وقال:
-"ألم تفهم يا فتى؟..لأنها مدينة النهار.."
وابتعد تاركا الشاطر نعناع في حيرته..ولم ييأس الشاطر وقرر أن يسأل شخصا آخر:
- "يا عم..يا عم.."
- "ماذا تريد يا ولد؟"
- "أريد أن أسألك سؤالا.."
- "آه..ليس لدي وقت لأسئلتك.."
- "أرجوك يا سيدي..لن أطيل عليك.."
- "حسنا..ولكن بسرعة.."
- "لمَ لا تخرجون هنا سوى بالنهار؟"
وأجاب الرجل دون اهتمام :
- "وما حاجتنا لليل..إننا ننهي كل أعمالنا بالنهار.."
وابتعد دون أن يعطي الشاطر نعناع إجابة حقيقية..




نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيهذه الصورة تم تحجيمها. اضغط على الشريط لمعاينة الصورة بالحجم الكامل. ابعاد الصورة الاصلية 571x399.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


وأخيرا توسم الشاطر نعناع الطيبة في بائع البخور القريب، برائحته العطرة ولحيته البيضاء الطويلة..فناداه:
- "يا شيخ..يا شيخ.."
- "ماذا تريد يا بني؟"
- "أريد أن أسألك سؤالا..وأرجو أن تجيبني ولا تحيرني أكثر.."
- "سل يا بني.."
- "أريد أن أعرف لمَ لا تخرجون في هذه المدينة سوى بالنهار؟"
صمت الشيخ للحظات ثم قال
- "من الأفضل ألا تعرف يا بني..من الأفضل ألا تعرف.."
ولكن الشاطر نعناع قرر أن يخرج في المساء بنفسه ليعرف ما الذي يحدث بالليل في مدينة النهار..
***
أخبر الشاطر نعناع أمه بما ينوي، كانت تخاف عليه لكنها لم تكن تريده أن يكون جبانا؛ فتغلبت على قلقها عليه وقالت:
- "حسنا..أذهب يا نبي ولكن خذ الحذر.."
ثم صمتت قليلا قبل أن تقول:
- "ولا تنس أن تأخذ معطفك فالجو بارد بالخارج..حفظك الله يا بني.."
شعر الشاطر نعناع بقليل من الخوف، عندما رأى المدينة ساكنة هكذا؛ لا صوت فيها ولا حركة؛ كأنها مدينة أموات، لا أحياء فيها..سار في الشارع المظلم الخاوي فلم يجد شيئا غير عادي سوى هذا السكون الرهيب من حوله ، عندما سمع فجأة صوتا ينادي:
- "إلى أين أنت ذاهب أيها الشاطر نعناع؟"
تلفت حوله فلم ير أحدا؛ فظن أنه يتخيل؛ فهز كتفيه ثم سار مواصلا طريقه؛ عندما سمع الصوت ينادي من جديد:
- "لماذا لا ترد أيها الشاطر نعناع؟..ألم تسمعني؟..أقول لك إلى أين؟"
وهذه المرة التفت الشاطر نعناع ليرى بومة تقف على فرع شجرة قريب..أتكون هي؟..وسرعان ما أجابت البومة:
- "نعم..إنها أنا.




نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيهذه الصورة تم تحجيمها. اضغط على الشريط لمعاينة الصورة بالحجم الكامل. ابعاد الصورة الاصلية 800x531.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


فرد الشاطر نعناع مندهشا:
- "أنت؟..لم أر بومة تتكلم من قبل.."
- "ها قد رأيت..والآن أخبرني إلى أين أنت ذاهب؟.."
- "لست ذاهبا إلى مكان محدد..لقد خرجت لأعرف لماذا لا يخرج سكان مدينة النهار في الليل..هل أنت من يخيفهم؟"
- "أنا؟..كلا بالطبع ..أنا لا أتكلم سوى للضرورة ولا أخيف أحدا على الإطلاق..من المؤكد أنهم يخافون القصر المسحور.."
وردد الشاطر نعناع:
- "القصر المسحور!!"
- "نعم..ألم يخبرك أحد عنه.."
- "في الواقع..لا.."
- "حسنا.. سأخبرك أنا..إنه قصر غريب يختفي بالنهار ولا يظهر سوى في الليل..يقولون أن ساحرا شريرا كان يسكنه..يحكي الناس عن أشياء رهيبة كانت تحدث هناك..لكن لا وقت لسرد كل هذا..والآن هل عرفت سبب خوف سكان المدينة من الخروج ليلا.."




نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيهذه الصورة تم تحجيمها. اضغط على الشريط لمعاينة الصورة بالحجم الكامل. ابعاد الصورة الاصلية 1145x859.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




- "وأنت أيتها البومة ألا تخافين القصر المسحور.."
- "أنا.. أنا لا أخاف شيئا.."
وهنا ابتسم الشاطر نعناع وقال:
- "إذن..لتأتي معي إلى القصر المسحور.."
- "إ..إ..إلى...أين؟"
- "كما سمعتي..إلى القصر المسحور.."
- "أتمزح أيها الفتى؟"
- "وهل ترينني أفعل؟"
- " لو كنت تحاول اختبار شجاعتي؛ فأعلم أنني شجاعة جدا..حسنا..أيها الشاطر نعناع سأصحبك إلى القصر المسحور، وأتمنى ألا تندم على ذلك؟"




نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيهذه الصورة تم تحجيمها. اضغط على الشريط لمعاينة الصورة بالحجم الكامل. ابعاد الصورة الاصلية 1076x807.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


توقف الشاطر نعناع والبومة أمام باب القصر المسحور..كان القصر مضيئا في وسط الظلام، وشعر الشاطر نعناع ببعض الرهبة والخوف لكنه تجاوز شعوره هذا، والتفت إلى البومة قائلا:
- " تفضلي"
- "بعدك طبعا.."
وابتسم الشاطر نعناع قائلا:
- "حسنا.. سأدخل أنا أولا.."
ودفع الباب الثقيل؛ فتحرك مصدرا صوتا خافتا، ودلف الشاطر نعناع إلى الداخل..كان أول ما لفت نظره الأتربة التي غطت كل شيء؛ كأن أحدا لم يدخل إلى المكان منذ سنين..وقالت البومة وهي تنظر من خلفه بحذر:
- "ماذا وجدت؟"
- "لا شيء.."
وعندها طارت البومة داخلة وراءه..
كان القصر مضاء من الداخل بنور أصفر باهت لم يعرف الشاطر نعناع من أين يأتي؟..وتقدم الشاطر نعناع أكثر إلى الداخل، وبدأ يدور باحثا في الحجرات..كل الحجرات كانت خاوية سوى من بعض الأثاث القديم، لكن لم يكن هناك بشر..
حتى فتح الشاطر نعناع باب تلك الحجرة، وتجمد في مكانه؛ فهناك على السرير الوحيد بالحجرة، كانت يجلس ولد صغير ظهره إليهما ووجهه ناحية النافذة؛ وعندما سمعت الولد الباب، التفت، وفي تلك اللحظة شهق الشاطر نعناع؛ وقفزت البومة خارج الحجرة في فزع.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

لم يكن الفتى الصغير صغيرا!!..بالأصح كان له جسد ولد صغير لكن وجهه كان عجوزا جدا، ومليء بالتجاعيد، كأن عمره مئة عام..وقال الولد بصوت بائس متعب:
- "لابد وانك قد خفت منى..الجميع يخافون مني..لا احد يريدني.."
شعر الشاطر نعناع ببعض الشفقة نحوه، وحاول أن يبدو متغلبا على خوفه ونفوره قائلا:
- "لابد وأنني أنا من أخافك..آسف..ولكن هل تعيش هنا وحدك؟"
وابتسمت الفتى في مرارة قائلا::
- "وحدي..نعم وحدي..ودائما وحدي.."
أشار الشاطر نعناع إلى وجهه وقال ببطء:
- "و..ولكن كيف حدث لك هذا؟"
- "ألم أقل أنك تخاف مني؟"
- "آه..لم أقصد ولكن.."
- "تقصد أو لا تقصد..اتركني أخبرك كيف حدث لي هذا..كنت أعيش مع عمي بعد وفاة والدي، ووالدتي..كان الجميع يخافون عمي لأنه كان ساحرا بارعا قوي الحيلة يقولون أنه كان شريرا ..وأنا..أنا ما ذنبي؟..أنا لم أكن أؤذي أحدا لكن الجميع ابتعد عني..لم يكن هناك من يرغب في اللعب معي أو مصادقتي..كنت أجلس الساعات الطوال وحدي..وبدأت أتحول..لم ألحظ الأمر في البداية لكنه فجأة أصبح حقيقة..وعرفت أن سارحا شريرا آخر كان معاديا لعمي كاد له فسحرني.. لكن عمي لم يهتم بي واختفى ومعه خدمه وتركني وحدي بعد أن حبسني في القصر ولم أعد أستطيع الخروج منه، وصار القصر لا يظهر سوى في الليل ولا يقربه أحد أبدا.."


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

ثم صمت قليلا ليمسح دموعه قبل أن تقول:
- "وأنت ماذا تريد مني..هل أرسلوك لتقتلني..حسنا لتفعل..لم يعد يفرق معي كثيرا.."
وجد الشاطر نعناع دموعه تسيل على خده دون أن يشعر..ووجد نفسه يقترب منه ويمسك يده الخشنة المجعدة قائلا:
- "كلا..أنا لا أريد أن أقتلك..أنا أريد أن نصبح أصدقاء.."
هتف الفتى في فرح:
- "أصدفاء..ولكن كيف؟..هل يمكنك أن تصادق عجوز مثلي؟"
- "كلا..أنت لست عجوزا..والآن قولي معي قسم الصداقة.."
ورددت الفتى::
- "قسم الصداقة!!!!"
- "نعم..لأن لي قسم خاص ألفته خصيصا لمن أريدهم أن يصبحوا أصدقائي..هيا قل معي

أصدقاااااااااااااااااااااء..أص دقاء للأبد...
أصدقاااااااااااااااااااااء..أص دقاء في اليوم والغد...
أصدقاااااااااااااااااااااء..أص دقاء في الهزل أو في الجد...
أصدقاااااااااااااااااااااء..أص دقاء ولن يفرقنا أحد...

وقال الفتى معه، وببطء مع الكلمات بدأ وجه الفتى يعود طفلا رويدا رويدا..وفجأة غمر نور الشمس القصر،


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

وأخيرا تكلمت البومة بعد أن أخرسها الموقف قائلة:
- "أمعقول؟..ظهر الصبح سريعا هكذا.."
وفزع الفتى قائلة:
- "ما هذا؟.. بومة تتكلم؟"
وقالت البومة في ملل:
- "آه..ألن ينتهي هذا أبدا..كل من يقابلني يسأل هذا السؤال.."
وضحك الشاطر نعناع قائلا:
- "إنها أيضا صديقتي.. ونحن الثلاثة سنكون أصدقاء.."
وأمسك بيد الفتى، ووقفت البومة على كتفه وخرجوا من القصر وهم يغنون معا..

أصدقاااااااااااااااااااااء..أص دقاء للأبد...
أصدقاااااااااااااااااااااء..أص دقاء في اليوم والغد...
أصدقاااااااااااااااااااااء..أص دقاء في الهزل أو في الجد...
أصدقاااااااااااااااااااااء..أص دقاء ولن يفرقنا أحد...

واندهش الناس من رؤية القصر المسحور في وضح النهار، وانبهروا أكثر بشجاعة الشاطر نعناع ولم يعد احد يخاف الخروج ليلا في مدينة النهار..لكن اسم المدينة ظل كما كان دائما مدينة النهار، لكن الجميع عرف أنها مدينة لا تخاف الليل.

هبة الله محمد حسن




نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيهذه الصورة تم تحجيمها. اضغط على الشريط لمعاينة الصورة بالحجم الكامل. ابعاد الصورة الاصلية 956x717.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي