مظاهر العنصرية في المجتمع السعودي
عبدالعزيز السماري
نحتاج إلى التوقف قليلاً ونسأل عن العنصرية وهل لها وجود في حياتنا؟ وهل نمجد أحياناً بعض ممارساتها بلا وعي؟ أو أننا ندرك خطورتها لكن نهرب من مواجهتها بشجاعة! وهل تدخل فيها تلك النعرة القبلية التي يّدعى بعض متشدقيها انتماءهم لعروق أو جينات نقية؟ أو حين يظهر أحدهم في قناة تلفزيونية يفخر بقبيلته وإنها صاحبة الفضل الرفيع في تميزه بصفات الجود والشجاعة والمروءة والنجاح، وفي ناحية أخرى يشد انتباهي كثيراً كلمة لأحد الفائزين بجائزة نوبل في الإنجاز العلمي عندما يتحدث فيها عن إنجازه وتقديره للذين شاركوا في البحث العلمي، ثم لا يذكر شيئا عن أصله ونقاوة عرقه.
المسافة الحضارية بين هذين المشهدين هي الفرق بين حاضرنا وحاضرهم، وهي الدليل على أننا متخلفون في فهم أسس الحضارة الإنسانية، فالفخر القبلي ودعاوى النقاء العرقي يدخلان في العنصرية من أوسع أبوابها، ولا يجب أن يُفهم مما أصرح به بشفافية أنني ضد أن يعرف الإنسان انتماءه الأسري، لكني أقصد أن اعتقاد المرء في أن أصله نقي وغيره غير نقي يدخل في باب العنصرية، وذلك لأن الله - عز وجل - لم يخلق أصنافاً بشرية ممتازة وأخرى رديئة، بل خلقهم جميعاً في أحسن تقويم، وكم أستغرب ما يصدر عن الوعظ والفتاوى الدينية في هذا الأمر، إذ لم تتخذ المؤسسة الدينية موقفاً محدداً من هذه الفوقية العنصرية، بل تجدها أحياناً تعزز مثل هذه المفاهيم، والدليل قضايا زواج التكافؤ وقرار طلاق زوجين تزوجا بطريقة شرعية.
أيضاً تظهر تلك الممارسات العنصرية في بعض المؤسسات التي تفرق في المعاملة والمكافأة والرواتب بين المواطنين والأجانب، فالأجنبي له كادر خاص، ويُسمح له بأن يتجاوز الأنظمة وضربها بالحائط بلا عقاب، ويحظى بالتميز والرواتب العالية، بينما يتم فصل المواطن ومعاقبته لأسباب أحياناً غير موضوعية، بينما تكتفي المؤسسة في أقصى أحكامها بغض النظر عنه أو تنحية أو ترحيل الخبير الأجنبي وهو من يستحق السجن حسب قوانين المملكة، وأعني بذلك أن هذه الصورة تدخل بامتياز في العنصرية المضادة، ومنها أيضاً أن تصبح بيئة العمل مسرحا للفئوية، حيث تبرز بعض الأقليات الأجنبية النافذة في سوق العمل في هذا التنظيم غير القانوني، وذلك عندما يتحدون داخل المجتمع أو في المؤسسة ضد أبناء الوطن، ويزود الأمر سوءاً حين تغض العين التنفيذية عن تلك الممارسات المخالفة، مع العلم أنها حركة منظمة ضد مواطنين.
من مظاهرها أيضاً التفرقة في فرص التوظيف لأسباب ليس لها علاقة بالكفاءة الذاتية، مثل أن يكون من نفس العائلة أو القبيلة، أو يحمل نفس الاتجاه الأيديولوجي، وقد تدخل مثل هذه الممارسات في حكم الشائع، فهي منتشرة بشكل كبير، ومثال ذلك أن يتم حصر قبول طلبه كلية الطب في الذين تظهر عليهم مظاهر التدين، والعكس أيضاً يصح عندما يتم رفض المتقدم لحجة أنه متدين، ومنها أن يهتم مدير المؤسسة بتوظيف أبناء عائلته وقبيلته على الرغم من تدني مستوياتهم عند المقارنة بزملائهم المتقدمين للحصول على الوظيفة.
كذلك يدخل الموقف من المرأة ومطاردتها في الأسواق والشوارع في باب العنصرية، فالمرأة تختزل الخطيئة، وتتحمل شرف العائلة بينما يتحرر الرجل من العيب على طريقة (الرجل ما يلحقه عيب)، وفي ذلك ظلم وتحيز واضح ضد المرأة، وهو ما يخالف الموقف القرآني من الخطيئة التي لا يُفرق فيها بين المرأة والرجل في العقوبة عند ارتكاب الإثم، وتظهر تلك الرؤية الدونية في إلزام المرأة بارتداء العباءة السوداء، واختيار اللون الأسود لم يأتِ عبثاً، فهو يعتبر رمزاً ولوناً للعنصرية في المجتمع، وكأنهم بطريقة غير مباشرة يشيرون إلى مكانة المرأة في المجتمع، وفي جملتي الأخيرة هذه تكمن أقصى درجات العنصرية في المجتمع.
كذلك تزخر اللغة العربية واستخداماتها بالتلوث العنصري كما هو الحال غيرها من اللغات الأخرى، وذلك عندما يكون الأبيض رمزاً للنقاء والخير، ويكون الشر بمثابة النقطة السوداء على الرداء الأبيض، بينما لا يستخدم المجاز وجود بقعة بيضاء على اللباس الأسود كناية عن الشر أو الدنس كما هو حال النقطة السوداء على الرداء الأبيض، وفي نهاية المقال سأطلب من زميلي الكاتب والإعلامي المعروف سعد الدوسري أن يغير عنوان زاويته باتجاه الأبيض إلى باتجاه الخير، وذلك لئلا يقع في المحظور من المجاز العنصري، وأيضاً كإعلان ثقافي يفتح باب التفتيش عن مظاهر العنصرية في المجتمع السعودي والمطالبة بتأسيس قوانين وعقوبات وهيئة قضائية متخصصة في الحكم في قضاياها.
http://www.al-jazirah.com/20110910/ar5d.htm