كيماوي الناتو أو سرطان السلطان؟!


د. فايز أبو شمالة

لا خيار أمام الشعوب العربية، فإما أن يقضى عليها سرطان السلطان، أو أن تستعين بكيماوي الناتو، وإذا كان لا مفاضلة بين أمرين أحلاهما مر! فإن الظروف العربية الاستثنائية تسوّغ مرارة حلف الناتو التي تمس الجسد العربي الخارجي، على عكس مرارة فجور السلطان التي تصفع الروح، وتنخر العظم، وتحرق الأعصاب.
مرارة الناتو ستزول بالمضمضة الثورية، وتتلاشي مع قراءة سورة الفاتحة على أول شهيد، مرارة الناتو نتجرعها مؤقتاً علاجاً لسرطان السلطان الذي جمع بين يديه أطماع الناتو وفساد الحكم. وهنا لا يخالفني عاقل الرأي في أن السلطان العربي الذي يشبه السرطان قد نهش الخلايا الحية في الجسد العربي، حتى صار الكيماوي هو العلاج الوحيد لهذا الداء!.
السلطان العربي لم يعتمد الديمقراطية طريقاً للوصول إلى السلطة لنقول: كان ديمقراطياً؟ ولم يأخذ بالشريعة الإسلامية منهجاً للحكم، لنقول: كان إسلامياً. ولم نر السلطان العربي يقود ثورة تهدف إلى التغيير والنهوض بالأمة، لنقول: كان تحررياً ثورياً. ولم نر سلطاناً عربياً يتزعم حراكاً وطنياً يهدف إلى بناء الإنسان القادر على مواجهة تحديات العصر، لنقول: كان عصرياً متطوراً، ولم نر الحاكم على رأس جيش الفاتحين الزاحفين إلى تحرير فلسطين من قبضة الغاصبين، كي نهتف بحياة السلطان الذي حرر الأوطان!.
الحاكم العربي مخلوقٌ نزقٌٌ، تمكن من السلطة في غفلة من الشعب، وبدعم مطلق من قوى خارجية، الحاكم العربي سلطانٌ ثريٌ مستبدٌ بوحشيةٍ، له حاشيةٌ يتجمل في عيونهم القبيح، ويقبح سلوكهم في عين المواطن، حتى صار الحاكم العربي صنو الموت، والسجن، والفساد، والسطوة المطلقة، والخيانة، والتآمر، والتخاذل، والصراعات الطائفية والعشائرية، والاختلاسات المالية، والفقر، والبطالة، والعجز، والضعف، والتخلف، وهو مفتاح الناتو للسيطرة، وهو سبب النكبة سنة 1948، وهو سبب الهزيمة سنة 1967، وهو الذي يحمي حدود إسرائيل، ويطمئن الصهاينة على مستقبلهم! فكيف نبكي على مرض نهش جسد العرب؟ وكيف ندافع عن وباء سوّد عيشتهم؟ وكيف نتهم كل من يطلب حماية دولية ضد سفاح سفاك، كيف نتهمه بالتآمر مع الناتو؟ في الوقت الذي يمارس فيه السلطان العربي الحكم برضا حلف الناتو، وبدعمه، بل السلطان العربي أسوأ في ممارسة الحكم من حلف الناتو نفسه!.
لا نرجو علاج الكيماوي؛ ولكن الجسد العربي مضطر لعلاج يتساقط معه الشعر، وتلتهب فيه العينان، على أمل الشفاء من الوباء، فوجع الكيماوي أهون شراً من السرطان، وإمكانية التحرر من بلاء الناتو أكثر سهولة من مغالبة بلاء السلطان!.
لما سبق؛ ما هي مصلحة الناتو في دعم الثوار العرب؟ ألا يهدف الناتو إلى استبدال الحاكم العربي المستبد الذي انتهت صلاحيته بحاكم عربي جديد يسير على النهج نفسه؟
لا شك أن للناتو أهدافه الخبيثة بعيدة الأجل، ولكن حلف الناتو أمام خيارين:
أولاً: أن يترك الثورة العربية على عواهنها، ولتأخذ مجراها الثوري العنيف الذي سيصير مسلحاً، وقد يمتد مكاناً وزماناً حتى يصيب مصالح حلف الناتو في مقتل.
ثانياً: أن يسعى من خلال المساعدة العسكرية إلى الحسم السريع حفاظاً على مصالحه، وكي لا تكبر غابة البنادق في يد الشعب العربي، وتتطور إلى قذائف تجتاز الحدود، وتفرض حقائق جديدة لا يتمناها الناتو، ولا تخدم مصالح إسرائيل التي تضمر وتضمحل بمقدار ما تتوسع مساحة الأرض التي تدوي فيها قذائف الثوار.
إن في النداء الذي وجهه الناتو لقيادة الثورة الليبية بضرورة جمع السلاح الذي انتشر بين يدي الشباب، وصار يبشر بغد يرفض الخنوع. في النداء جوابٌ على السؤال.