عندما تدخل العالم القرآني لتتعلم شيئاً تنتفع به في أمر دينك أو دنياك أو بهما معاً تجد في رياض القرآن المونقة ما تصبو إليه نفسك , وأنت هنا , يجب أن تراقب حاجة النفس وتكون من العارفين بها وتقطف من رياض القرآن ما أنت حقاً بحاجة نفسية ماسة إليه , تنظر إن كانت نفسك راضية مرضية , وقلبك راحل إلى مولاه يغذ المسير بلا توان فلتقطف من الروض المنيف ما يرسخ فيك الخوف والرجاء , فهما جناحاك بهما تحلّق , واستصحب التوبة والاستغفار وليكونا صديقين لك فهما بحق نعم الصديقين , يمد كل منهما إليك يداً طيّبة سخية فينفضا عنك درن الذنوب وتجد الاستغفار نوراً يبرق في صحيفتك يوم القيامة وتدرك عظيم فضل الله عليك بقبوله توبتك وغسله حوباتك . وكثيراً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء بقلب واجف قائلاً : ( اللهم اقبل توبتي واغسل حوبتي . ) وأنت امض على الخطى الواثقة الراسخة , وهو القائل أيضاً : ( إنّ الاستغفار ليتلألأ نوراً في الصحيفة يوم القيامة .) وأي نور هذا يا أخي ؟! إنه نور من نور على نور . وإن كنت من أولي النفوس المدخولة , هنا عليك أن تعرف نفسك , إن أدركت أنها تميل إلى الطاعات فابحث عن المرغبات , كقوله تعالى : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ..) وقوله سبحانه: ( فاذكروني أذكركم واشكروا لي ..) ونحو ذلك . وإن أدركت أن نفسك تميل إلى المعاصي-وأعوذ بالله منها–فابحث عن المرهبات كقوله تعالى : (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ )الآية113من سورة هود. وهذه الآية الكريمة لبّ الموضوع الّذي آثرت طرحه عليك وما أريد لك إلاّ الخير . تعال معي نستظل بظل هذه الآية الكريمة والتي تمس واقعنا مباشرة فما أكثر الظلمة في عصرعمّ فيه الظلم وانتشر تجد له آثاراً في البيوت والمؤسسات والمحاكم والسجون , بل وفي أنظمة الحكم , فكم من حكام ظلموا شعوبهم وأهدروا أموالهم وسرقوا كرامتهم , تعال نبحث عن معنى هذه الآية الكريمة نعرفه لندرك أبعاد هذا التحذير . يقول العلامة الإمام محمد متولي الشعراوي نوّر الله قبره , وأنزل عليه الرحمة نزول المطر, وجعله من أهل الجنة , مفسّراً تلكم الآية : ( { وَلاَ تركنوا إِلَى الذين ظَلَمُواْ } [ هود : 113 ]. والركون هو الميل والسكون والمودة والرحمة ، وأنت إذا ركنت للظالم؛ أدخلت في نفسه أن لقوته شأناً في دعوتك . والركون أيضاً يعني : المجاملة ، وإعانة هذا الظالم على ظلمه ، وأن تزِّين للناس ما فعله هذا الظالم .وآفة الدنيا هي الركون للظالمين؛ لأن الركون إليهم إنما يشجعهم على التمادي في الظلم ، والاستشراء فيه . وأدنى مراتب الركون إلى الظالم ألا تمنعه من ظلم غيره وأعلى مراتب الركون إلى الظالم أن تزين له هذا الظلم؛ وأن تزين للناس هذا الظلم وأنت إذا استقرأت وضع الظلم في العالم كله لوجدت آن آفات المجتمعات الإنسانية إنما تنشأ من الركون إلى الظالم؛ لكنك حين تبتعد عن الظالم ، وتقاطعه أنت ومن معك؛ فلسوف يظن أنك لم تُعرْض عنه إلا لأنك واثق بركن شديد آخر؛ فيتزلزل في نفسه؛ حاسباً حساب القوة التي تركن إليها؛ وفي هذا إضعاف لنفوذه؛ وفي هذا عزلة له وردع؛ لعله يرتدع عن ظلمه . والركون للظالم إنما يجعل الإنسان عرضة لأن تمسه النار بقدر آثار هذا الركون؛ لأن الحق سبحانه يقول : { وَلاَ تركنوا إِلَى الذين ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النار وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } [ هود : 113 ] .فأنتم حين تركنون إلى ظالم إنما تقعون في عداء مع منهج الله؛ فيتخلى الله عنكم ولا ينصركم أحد؛ لأنه لا وليَّ ولا ناصر إلا الله تعالى .) ماأشقاها من نتيجة ينتهي إليها أولئك الّذين آثروا مجاملة الظالمين , إنهم أعداء المنهج الالهي وكفى بهذا الوصف الدوني لينتبه أولئك ويقلعوا عن مجاملة الظلمة ويصرخوا في ووجوههم صرخة تزلزل قلوبهم وتثير فيها الرعب . لا للظلم وليخسئ الظالمون . تخلقوا بخلق الله , ( ولا يظلم بّك أحداً . ) وإني أذكر كل ظالم أو ممالئ له بهذه الكلمات : إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكّر قدرة الله عليك . واعلم يا من ركنت إلى الظلمة أنك شريك لهم في ظلمهم وستلقى مصيرهم يوم القيامة عندما ينصب ميزان العدل الربّاني ويتجلّى الله لفصل القضاء , لينصف المظلوم من الظالم . فأين أنصارك ؟ أين الّذين ركنت إليهم ؟ الكل عنك راحوا وأنت قد ألقيت في أودية الشقاء والعذاب . هذا ما اخترت لنفسك , ولا أملك إلاّ أن أقول لك : محروم أنت. ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم .