رؤى في تاريخ البربر وحاضرهم تقديم: أبدأبمقدّمة ضروريّةتبيّن علاقتي بهذاالموضوع، وقدرتي على الخوض فيه، فلست أتطفّل عليه كمن يكتفي بالكتب و يتناسى حقائق الأرض التي تتعارض مع مايقولون، وقد يجهلونها!!( عفواً، لاتفهموا أني أغمط حق الباحثين الموضوعيين الذين يجمعون النظر إلى الواقع، فقط أردت أن أنتقد فريقاً من الباحثين وهم ليسوا كثرة!) أكتب هذاالموضوع لأن أحبّتي في الجزائرمن البربروالعرب كثيرون،ويعلمون أني كنت مع البربريّ كماكنت مع العربيّ،الطرفان معي في علاقة متماثلة، فلاأجدأيّ اختلاف في الجانبين. وإذاكنا نختلف فلأسباب أخرى لاصلة لها بهذين الاسمين اللذين لم يعنيا في الحقيقة لنا شيئا!! أولاً: كان لي الزهر(الحظّ )، فعشت حوالي عشرسنوات في جزائري الحبيبة. كانت البداية بُعَيْد الاستقلال. عدت إلى سوريةوبقيت مشاعري تهفوإلى هذاالبلدالكريم،إلى الأحبّةالجزائريين ممّن صاروا سوريين لحبّهم الخالص لسورية وسكناهم الطويل فيها وعِشرتهم الطيّبة للسوريين. ثانياً: والآن أعيش في فرنسة، وكانت البداية منذ عشر سنوات أيضا، وتعرفون أنّ عِشرة الإخوة سكان المغارب (الجزائر وتونس والمغرب) واجبة في فرنسة، يفرضها لساننا الواحد، وعاداتنا المتقاربة... ملحوظات قد تفيدنا في طريق البحث في موضوع البربر: ١ – عليّ أن أشير إلى التباس بين لفظين متقاربين لفظاً، مختلفين أصلاً ومعنى: البربروالبرابرة (بربرفي الفرنسيّة = berbères أصل اللفط عربيّ، أما برابرة = barbares فأصل اللفط لا تينيّ ومعناها المتوحشون).و تقول نظرية: تعودجذورالبربر الأولى (قبل خمسة آلاف الميلاد) إلى كنعان، وعرفوا أو سموابهذا الاسم"البربر"لكثرة بربرتهم في الكلام،( قال ابن خلدون: سُمّوا بربرا لأنهم يسرعون في الكلام فلا يفهمون ) وتفيد بعض المصادر أن البربرية كانت لغة الرعاة من أهل كنعان خلال بداياتها الأولى، حين ظهروا في الفترة السابقة(۵۰۰۰ قبل الميلاد)، لأول مرة في الصحراء ومع مرور الزمن انتشروا منهاإلى سائر الأنحاء ومنها: شمال إفريقية. ومع ذلك تجد في الكتب – بله صحف العامّة – قولهم بربر متوحشون – وأستغفر الله العظيم!! ٢ – جاء في( تاريخ القانون ) للدكتور محمد معروف الدواليبي أن أصل البربر عرب من جنوبي اليمن، وله وثائقه الدامغة. ۳ - نقبل أن يستخدم عامّةألفاظاً أخرى غيرلفظ البربرالفصيح أوأن تحرّف أسماءعربية، أمّاالأبحاث التي تحترم لغتها فلا تقبل كلمات اللغة اليومية كالأمازيغية، قدنقبل لفظاًكالقبائل لاليدلّ على كل البربربعامّة،بل على فريق يعيشون في المنطقةالتي سميت بهذاالاسم،أو كالطوارق الملثمين الذين يعيشون في الصحراء، يتلثمون خوف دخول الشيطان من أفواهم(عقيدة متوارثة،ولكني لاأظن أن الجميع يؤمنون بها ). ٤ - الملحوظة الأبرز:لايعني التحدث بالبربرية بالضرورة أن متكلمها بربري الأصل، والعكس صحيح، فليس كل من تكلم العربية عربي الأصل. لاأحدفي العالم يدعي صفاء العرق،ولا يستطيع أن يقطع بأن أصله عربي أو تركي أو بربري.. لقد امتزجت الأجناس بالتزاوج والمعاشرة!! وبخاصّة في الوطن العربيّ. ۵ – يناقش فريقٌ دعاةتذويب البربربأوربةفي تناقضهم حين يرفضون الإسلام باسم العلمانية ويمجدون القطب المسيحيّ في عصره القديس أوغسطين ورمزكنيستها الذي شرّع تقتيل بربرمسيحيين. أرجوألا ينخدع هذا الفريق بمثل هذه الألاعيب، فهم لايفعلون هذاخدمةللنصرانيةالتي هي منهم براء، وهؤلاء النصارى الذين نسكن معهم في بلاد واحدة يعلمون هذه الحقيقة،فقدثبت من الحروب الصليبيّة صدق مايعتقدون، إنّها مصالح استعمار يستثير الناس باسم الدين للوصول إلى مصالحه،- اقرأكتاب التبشيروالاستعمار- ولا ننس أنّ مثل هذا لا ينجو منه مسلمون!!) ٦ - يقول قوم: لوأن الأنظمةالحاكمة أقرّت غداة الاستقلال بالأمازيغية مقوّماًمن مقوّمات هوية شعوبها، لما أُثيرت المسألة اليوم" وأقول: ليست القضية شكليات تخدع من يتربّص بنا، إنهم يبحثون عن وسائل إضعافنا وتفتيتنا، ونحن نُخدع، فتسيرالعامّة وراءهم سيرالنعاج، لم تكن هناك فرقة بالمعنى الحقيقي- لا قبل الاستقلال ولا بعده - بين بربروعرب وكردوأشوريين، ومسلمين ونصارى، لاننكرعواصف هبّت من قبل لكنهاخمدت، و يريدون الآن أن تهب مرّة أخرى، ولابدّ أن يجدوا بعض النفوس الضعيفة من بني جلدتنا. يقول بعض كتّاب التاريخ: أسلم في عهدبني أمية كثيرمن البربر، وقاوم آخرون منهم الإسلام ثم ارتدمن أسلم منهم حوالي ۱۲أو۱۳مرة، حتى ادعى أحدهم المهدية،(نسبة إلى المهدي المنتظر)فقام معه بعض واستنكف عنه آخرون، وفي فترةمن التاريخ تملكوا الأندلس سنة ٤۰۱- وأقول: هذه مبالغة، فماكان الانقسام بين العرب والبربرفي التاريخ كما يضخمونه اليوم، ولم يكن وضعهم إلا كما كان مع صلاح الدين الأيوبي وأسرته الكرديّة، والمماليك، وليس من مؤرخ يدعي أنهم حكموا انطلاقاً من تميزهم العرقيّ!! ثم لماذا نعدّ ارتدادهم عن الإسلام ثم عودتهم إليه طعناً في دينهم، وقد أثبتوا في التاريخ صدق إسلامهم وثباتهم عليه؟! لكن الخطير اليوم أن الجالية الشرقيّة بتنوعاتها(البربريةوالعربية والتركية والكردية)في الغرب لعبة بيد الساسة، واستغلال ماديّ من الأتباع، المشكلة أن هذا العمل يضعفنا، ويجعلنا أذلاء تبعاً، ولكن لن تغيّر هذه الألاعيب شيئاً من ارتباط هذه الجالية بأصولها، لكن على المدى البعيد!! ٧ - يخوّفنا بعضهم من انتشار"الأسطورة القبائلية" بين البربر في أوربة خصوصاً وربما في المغارب، ثم يتفاءلون ويقولون: كثيرمنهم يعتز بأصولهم المغاربية، وبالإسلام هوية لهم، نعم، إن مظاهر الحياة الماديّة والحاجة إلى المال الغربيّ تخدعنا، فنظنّ أنّ كثيرين انسلخوا من هذا الانتماء والصحيح أن الكثرة مازالت في دواخلها تعتزّ بأصولها، وإن كنّا لانقبل هذا التخاذل!! ليس عندعامّةالبربرالذين عشت بين ظهرانيهم في الجزائر- ومن ألتقي بهم اليوم في فرنسة-هذه المشاعرالتي يؤججهااليوم بعض من يريدون الفرقة وإضعاف الشعوب وإذلالها. كان البربري يقول:أنا عربي لأن لغته الأقدس هي العربية،وماكان يحس بالبربرية أكثرمن أنها لغة يمارسها يوميا، كما يتكلم العربي في مصر باللهجة المصرية، وقل مثل هذا عن سائر الأقطار الأخرى، وماكانت أية لهجة بديلا عن العربية الفصحى. لم يفكرأحد في محاربة البربرية، ولا اقتلاعها من جذورها كما يصوربعضهم الأمر اليوم، وماكانت هناك مشاعرعداء بين العرب والبربر(أوقل بتعبير أدق: بين من يتكلم العربيةومن يتكلم العربيّة والبربرية )،إنهم فقط يريدون أن نعيش في صراع يلهينا عن بناء شخصيتنا، ومستقبلنا. كنا يداًواحداً والاستخراب يعسكربجيوشه في أرضنا، فهل نخضع له اليوم وقدتطهرنامن جيوشه، ونسمح له بأن يدنسها بأعوانه ودسائسه؟! فهل من عاقل يسمع؟! فيصل الملوحي