مصادر تومبوكتو المخطوطة
ألقى الباحث الفرنسي جورج بوهاس، محاضرة بعنوان " مصادر تومبوكتو المخطوطة " في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق .
وجورج بوهاس، لغوي متخصص في المجال العربي، وهو يدرّس حالياً في دار المعلمين العليا في ليون.. من بين ما نشره، التحقيق الكامل لكتاب سيرة الملك الظاهر بيبرس، وفق مخطوطة دمشق في مطابع المعهد الفرنسي للشرق الأدنى (نُشر منها حتى اليوم ٩ أجزاء).
يهدف برنامج دار المعلمين العليا في ليون « تقييم مخطوطات جنوبي الصحراء الكبرى وتحقيقها النقدي » الذي أطلقه جورج بوهاس، إلى الحفاظ على جزء من التراث الهائل باللغة العربية في مكتبات تومبوكتو، وتوثيقه رقمياً وتحقيقه، علماً أنّ عدد هذه المخطوطات يبلغ نحو ٣٠٠ ألف مخطوطة، تتوزع ضمن ٦٠ إلى ٨٠ مجموعة خاصة، ١٠ بالمئة منها فقط مصنّفة، وينبغي أن يخضع إنقاذ هذه الكنوز الثقافية إلى بروتوكولات بحثٍ دقيقة وإجراءاتٍ علميةٍ متطورة.
بدأ جورج بوهاس محاضرته بالإشارة لنقاط تاريخية عن «تومبوكتو»، المدينة التي تأسست في القرن الحادي عشر على يد الطوارق في العام 1325، وقام الإمبراطور موسى منسا ببناء مسجد عام 1423، وزارها ابن بطوطة، وهذا هو العصر الذهبي لها، وعندما قام سلطان تومبوكتو بالحج، مرّ بالقاهرة مصطحباً معه من الذهب ما جعل سعر الذهب ينكسر لمدة عشر سنوات، ثم كانت للمدينة علاقة مع إمبراطورية صونداي، وبعدها أتى هجوم المغاربة بتاريخ 1806، حيث استقدموا إلى مراكش أهم أساتذتها الكبار، وفي عام 1823 نقترب من عهد الاستعمار والغزوات الأجنبية للمدينة، وفي عام 1988 أعلنت اليونيسكو المدينة جزءاً من التراث الإنساني العالمي .
ويعرض المحاضر للجمهور شرائح ضوئية تبيّن معالم من المدينة مثل نصب السلام بين المتمردين الطوارق والإدارة المركزية، وفيه مساند بنادق كليشنكوف مدفونة بالإسمنت، وأيضاً جامعة سانكوري التي رممت، واللافت للزوار هنا هو العمل على الخشب، فكل باب وكل نافذة تستحق صورة، كما يعرض صوراً لبعض المخطوطات العربية التي عمل على حفظها بخزائن في مكتبة ماما حيدرة ضمن مشروع يديره .
وبعد المقدمة التاريخية، انتقل المحاضر إلى مضمون المحاضرة : دخل "رينيه كاليه " تومبوكتو في نيسان عام 1828 وتركها على عجل بعد أسبوعين . وقد كتب يومها " البيوت للوهلة الأولى لا تقدم إلا تراكماً من البيوت الترابية سيئة البناء، في كل الاتجاهات لا ترى إلا سهولاً من الرمال المتحركة، والسماء في الأفق باهتة حزينة ويخيّم عليها صمت مروع ".
في عصره، لم يكن في المدينة شيء من عظمتها التي عاشتها بالقرن الرابع عشر، فالمخطوطات كانت مخبأة في صناديق، وفي منطقة تومبوكتو وحدها 180 ألف مخطوط من الأعمال والوثائق من مجمل الأعمال العربية ما تحت الصحراء، ونجد هذه المخطوطات في 25 مكتبة في تومبوكتو وبعض هذه المكتبات مفتوحة رسمياً للجمهور مثل معهد أحمد بابا للدراسات الإسلامية، وهو المكتبة الوطنية ويضم 25 مخطوطاً، ومكتبة ماما حيدرة للمخطوطات وتضم 9 آلاف مخطوط ومكتبة ألوان غاري ومكتبة أسرة بني السيوطي .
وعن الفحوى الموجودة في هذه المخطوطات يقول المحاضر : نجد في هاتين المكتبتين " أحمد بابا " و " ماما حيدرة " عدداً كبيراً من الوثائق الفقهية وأعمالاً حول التاريخ والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية في تلك المنطقة، وثائق أدبية وتاريخية ذات أهمية محلية، على سبيل المثال قصائد شعرية مكتوبة تلك الأيام، ووثائق حول فقهاء ذاك الزمن، إضافة لكتب عن تاريخ الأسر، وفتاوى حول أهم الموضوعات المثيرة لاهتمام الناس بما فيها أمور اقتصادية وإدارية، وتاريخ سير الأعلام، وهذه الوثائق تسمح بإضاءات جديدة على تاريخ المنطقة، ومعرفة المزيد عن تومبوكتو بين القرن الخامس عشر والقرن الثامن عشر، مما يسمح لنا بوضع تاريخ لهذه المنطقة ومعرفة خصائص الفترة الاستعمارية، ورؤية المقهورين، أي كتابة تاريخ آخر لم يعرف حتى الآن إلا من الأرشيف الاستعماري .
وهناك المخطوطات العربية المكتوبة باللغات الأفريقية المحلية، وهذا يضيء لنا إمكانية معرفتنا ببعض المناطق المعزولة بالجنوب، حيث نجد نصوصاً تخص غينيا ونيجيريا بلغاتها الأفريقية، وهي تعرفنا على ثقافات غائبة، مما يجسر المسافة بين الثقافة الإسلامية والثقافات المحلية، ويطور المعارف بمجال الفلسفة والمنطق والطب ويختلط بالسحر والأدب والفقه. النصوص الأدبية بالمخطوطات عددها هائل وهي قيّمة بحسب وقعها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وهذا رد على الذين قالوا: ليس في أفريقيا إلا تراث شفوي فقط .
ثم يسرد المحاضر الكتب والمؤلفات التي نشرت حديثاً عن مخطوطات تومبوكتو، وفي إحداها تم نشر قوائم حول أهم المخطوطات العامة الأفريقية مع سلسلة الأدب العربي في أفريقيا مع تركيز على منطقة تومبوكتو، وهناك المشروع الذي بدأته اليونيسكو للحفظ الرقمي، وانقطع بعد انسحاب لوكسمبورغ من تمويله .


جازية سليماني

http://www.albaath.news.sy/user/?id=1174&a=104876