الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.. وبعد:



فما أن تنتهي الامتحانات في المدارس والجامعات، وتبدأ الإجازة الصيفية، حتى تبدأ الشكوى من الطلاب والآباء من أوقات الفراغ التي تمثل عند الشباب مشكلة حقيقية.

ومن أعراض هذه المشكلة: الملل، والحيرة، كما تعني الإجازة عند الآباء هاجساً آخر يجسده الخوف على الأبناء من أصحاب السوء.


أيها الشباب:

إن حقكم في الترويح عن نفوسكم بعد إرهاق العام الدراسي أمر لا نزاع فيه، وإنما الكلام في أوجه النشاط الترفيهي غير الضارة التي يمكن أن تعين على تحقيق التوازن أو الاسترخاء للإنسان في ضوء القيم والمبادئ الإسلامية.



ففي ديننا العظيم، وفي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فسحة من الترويح، تمثلها حياة النبي مع أهله وأصحابه وأطفالهم، فقد حفظت لنا السنة في هذا الجانب سجلاً مشرقاً من التربية المتزنة، وإنك تجد فيها مزاحه صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه، فقد كان يمزح ولا يقول إلا صدقاً، كما ترى مداعبته لبعض الأطفال، ومسابقته لعائشة -رضي الله عنها- ومشاهدته الحبشة يلعبون بحرابهم في مسجده، وإذنه للجواري أن يغنين بكلام حسن معبرين عن ابتهاجهن بالعيد.



وإذا أقبل الشاب المسلم على الترفيه بنية صالحة، ليحقق الاستجمام الذي يعيد إليه نشاطه، ويهيئه لاستقبال عمله بهمة ونشاط، فإنه بهذا يحقق عبوديته لله حتى وهو يلهو لهواً مباحاً بضوابطه الشرعية، ومن هذه الضوابط أن يدرك أن الترويح عن النفس إنما هو وسيلة لا غاية، وأن الأصل هو الجد، والفرع هو الترويح، فلا يطغى اهتمامه بالترفيه على همه، ويستولي على معظم وقته، أو يعطله عن أعماله الجادة أو يشغله عن الصلاة أو غيرها من واجبات الدين، أو يخالطه محرم كسماع المعازف والغناء، أو تصوير ما له روح، أو كثرة الضحك التي تميت القلب.



أو السخرية على سبيل المزاح، والتي قد تجلب العداوة والخصام، أو اختلاط الرجال مع النساء الأجانب، والذي يفضي في الغالب إلى النظر المحرم، وتعلق القلب بما لا يحل، وما يسببه من القلق والتوتر، أو غير ذلك مما ألفه كثير من الناس في مرحهم ورحلاتهم، حيث تمتلئ الأجواء بالميوعة والترف والغفلة، وهي الأجواء التي يجد فيها الشيطان فرصته الكبيرة في الإغواء والإفساد.



إن الشباب الصالح يشتهون غداً أفضل ومستقبلاً أجمل لأنفسهم وأمتهم وأوطانهم، والأمة التي يدرك شبابها قيمة العمل، فيقبلون عليه بجد وإخلاص وإتقان لن تجني بفضل الله تعالى إلا مجداً باهراً، ونجاحاً يرفع رأسها بين الأمم.



إن الترويح عند الشاب المسلم الواعي يعني استرخاء عارضاً مباحاً، ومثاقفة ماتعة مع صحبة خيرة عاقلة تتبسط بغير إسفاف، وتمرح بغير كذب أو استخفاف، بل تلهو في أدب وحياء ومودة صادقة، وتتبادل من الأفكار والمعارف ما يفتح لها أبواباً من النجاح والإبداع والأمل.



والمنهج التربوي في الإسلام يتميز بأنه يرعى سائر الجوانب في النمو الإنساني: الروحية منها، والأخلاقية، والطبيعية، والعلمية.

إن هناك ألواناً من النشاط، وأنواعاً من التعاون على البر والتقوى تشيع في جوها المحبة والأنس والبركة، فليس الترفيه عند الأخيار انفلاتاً من الفضيلة، وابتعاداً عن ضوابط الأخلاق، والإسراف في الضحك، والتوسع في حكايات سخيفة، أو عبث طائش.



إن الشبان الجادين يفهمون أن جو الترفيه إنما هو استمرار لأوقات الجد والنفع، واستكمال لساعات البذل والعطاء، فينبغي أن يكون جو نصح، وفرصة لتداول الرأي فيما يمكن أن يعين على بناء الشخصية المسلمة، أو يفتح الذهن على خطة رشد تعين فيها أخاً لك على الخلاص من أزمة طاحنة، أو تقدم فيها دوراً نافعاً في قضية من قضايا أمتك، فإن مجرد المباحثة في مثل تلك المعاني حريّ أن يباركه الله، ويسلك صاحبه في الصالحين.


الصحبة الصالحة:

وهذه أيها الشاب المسلم وصايا تعينك على الانتفاع من وقت الفراغ، أولها: لا تصحبْ إلا صالحاً؛ يحافظ على الصلاة، ويتخلق بأخلاق الإسلام، ويتحلى بصفات الرجولة من الصدق والعفاف والأمانة، واعلم أن صديقاً من هذا الطراز كنز نفيس، فإن يسّره الله لصحبتك فاحمد الله وحافظ عليه، واجتهد في تنمية أُخوتك معه بالصدق والوضوح والمروءة والنصح، فإنه لا خير في صحبة الغافلين المفرطين المضيعين للصلاة، الغارقين في اللهو، الشاردين عن الجد، وإن كان لك رفقة من هذا النوع الأخير، فابذل لهم النصح وانسحب من عالمهم بحزم وعزم، واصنع لنفسك جو النجاح، فإن الأجواء الموبوءة تصيب بالأمراض، وتنهك القوى وتعرض من يعيش فيها للخطر.



جدد حياتك:

إن حياة الشاب الغافل، راكدة آسنة، وتحتاج أن تتجدد، فجددْ حياتك بإيمان واعٍ، وثقافة أصيلة، واهتمام صادق بقضايا أمتك، فاقرأ وتعلم وتابع، وتلمَّس قلبك عند الفرح بانتصارات الأمة، والهم والحزن لمصابها وجراحها، فإن وجدت قلبك على هذا فأبشر بالخير، واعلم أنك على الجادة، واسأل ربك المزيد، وشد العزم على المضي، فإن الطريق طويل، ولابد له من همم الرجال.



أخي الشاب المسلم.

لتكن الإجازة الصيفية لك فرصة ذهبية في تحقيق نقلة كبيرة في عالم الإيمان والعمل، لا تدع الشيطان أو وساوس النفس تقنعك أن الأمر مستحيل، بل عليك أن تفعم نفسك بالأمل في الله، وبالثقة في نفسك، فكم من العلماء والنابهين كانت بداية الصعود والتفوق عندهم عزيمة ناهضة واستعانة بالله صادقة.



الإخلاص:

للنية الصالحة، والصحبة الطيبة أحسن الأثر في الاستفادة من الوقت، وإليك بعض الأفكار التي تساعدك على تفعيل نشاطك بالنافع المفيد.



حفظ القرآن:

إن الحياة مع القرآن الكريم تلاوة وتدبراً وحفظاً نعمة عظيمة، فلا يفوتنك هذا الخير في إجازتك الصيفية، وإن المراكز التي تقوم على هذا العمل الرائع كثيرة، ومتواجدة في كل حي، وستجد من المشرفين والمعلمين والزملاء من الطلاب خير عون لك على النجاح والتقدم.



دروس العلم:

حلقات العلم هي رياض الجنة، والعاقل الموفق يحرص على حظه الوفير منها، فليس أضر على الإنسان من الجهل، لا سيما الجهل بما لا يسع المسلم جهله، من مسائل التوحيد ومعرفة صور الشرك، وتعلم العبادات على السنة الصحيحة، ومنهج السلف الصالح، وتعلم أحكام الشرع، عسى أن يشرح الله صدرك، ويحبب إليك العلم وييسر لك طلبه، فتكون من الدعاة إلى الله على بصيرة، وتنتفع بك أمتك.



الدورات العلمية والمهارات الفنية:

من الأمور التي يمكن أن تنفق فيها جزءاً من وقتك في الإجازة الصيفية اكتساب مهارات فنية علمية كدورات الحاسوب التخصصية التي يحتاج إليها المسلمون في وسائل التعليم والإعلام، وتوسيع طرائق الدعوة إلى الله، وكذلك كل علم تحتاجه في الدراسة التي ترغب أن تتخصص فيها، على أن تكون أوقاتك مشغولة ببرامج متّزنة تراعي الأولويات، فالأهم قبل المهم.



الأعمال الخيرية:

يكتشف الإنسان في نفسه استعدادات عقلية ونفسية لم تكن في حسبانه، وذلك حين ينهمك في عمل جماعي خيري، فيختار من الأدوار ما يميل إليه، فربما آنس في نفسه مقدرة على الإبداع في هذا المجال الخيري، فينجح وينفع الله به، ويكون قد حقق قول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى).



فاقترب من إخوانك الذين وقفوا أوقات فراغهم على العمل الخيري، في خدمة دورات القرآن أو الدروس والمحاضرات، أو العمل الدعوي والإعلامي، أو العمل الإغاثي في جمع التبرعات لمشروع تتبناه جمعية خيرية، أو هيئة من الهيئات الإسلامية.



الأنشطة الرياضية:

من المفيد كذلك أن تحرص على بناء جسمك بالرياضة المباحة في جو مناسب مع إخوانك، وأن يكون ذلك النشاط الرياضي بمثابة الترفيه من جانب، والمحافظة على النشاط والحيوية واللياقة البدنية من جانب آخر، ودع عنك ألوان الرياضة الفارغة التي لا فائدة منها ككرة القدم والسلة وما شابهها، واختر من الرياضة ما يليق بالشاب العاقل الطموح، كالفروسية، وألعاب القوى البدنية.



واحذر أن تُستخف إلى التعصب الرياضي، فإن الفارغين هم الذين يغلب عليهم اللهو، فيفرحون ويحزنون ويملؤون الدنيا ضجيجاً وصخباً لفوز فريق وهزيمة آخر، فكن مع العقلاء الذين ترجو أمتهم فيهم الخير والصلاح.



المخيمات الشبابية والطلابية:

تحرص الجمعيات الخيرية الدعوية على إقامة المخيمات الشبابية والطلابية في الصيف؛ وتتبنى هذه المخيمات برامج جيدة وأنشطة نافعة، وقد تأكد دورها الكبير في إيجاد المحاضن التربوية التي تربي الشباب على الصالح النافع من الأخلاق، وتنشر الوعي الإسلامي في صفوفهم، من خلال الدروس الشرعية والمحاضرات التي يُدعى إليها أهل العلم والدعاة، وتُوزّع فيها الأشرطة النافعة، والكتيبات والرسائل المفيدة.



كما تجد في برامجها من وسائل الترفيه المباح من قضاء أوقات في برك السباحة، وركوب الخيل، وساعات من السمر الهادف التي تُلقى فيها بعض النماذج من الإنتاج الأدبي الشعري والنثري، لبعض الناشئة من شباب المخيم، وكذا التدرب على الخطابة والوعظ، فتكون فرصة لاكتشاف مواهب كانت مخبأة، فتظهر في تلك الأجواء الطيبة.



كما سيجد في تلك المخيمات التربوية وسائل ممتعة لعرض بعض المواد المعرفية الهادفة من أفلام وثائقية علمية تعرفه بقضايا المسلمين، فينمو لديه الشعور الطبيعي بحب أمته والاهتمام بشؤونها، وسيجد فيها أيضاً فرصة للمنافسة على الخير في صورة مسابقات علمية مناسبة، ومساجلات ثقافية نافعة، ومباريات رياضية ممتعة، وبإمكان الشاب الصالح أن يشترك في تلك المخيمات، التي تملأ وقته بالبهجة والمرح، وتزود عقله بالمعرفة والخبرة، وتمكنه من تكوين علاقات أخوية طيبة.



احذر الفراغ.. فإنه خطر:

يتفق الحكماء على أن الفراغ يدمر الكفايات والمواهب، ويهدر أغلى ما يملك الإنسان وهو الوقت، ولقد نبه النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته لأهمية الوقت فقال: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ " رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك".



ومن أقوال الحكماء: من أمضى يوماً من عمره في غير حقٍ قضاه، أو فرضٍ أدّاه، أو مجد أثّله، أو حمد حصّله، أو خير أسّسه، أو علم اقتبسه، فقد عقّ يومَه، وظلَم نفسَه!.



ونذكّرك بأمور هامة.. قد تنساها:

وذلك أن الشاب قد ينشغل ببرامج علمية وعملية وترفيهية في الإجازة فيغفل عن بعض الواجبات، فاحرص أخي على أن تكون باراً بوالديك قائماً بما يجب عليك تجاههما في البيت وخارج البيت، وحسِّن خلقك للناس، وعسى أن تكون هذه الإجازة نقطة تحوّل في حياتك نحو الأصلح والأرشد، وبالله توفيقنا وتوفيقك، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
لقد اعجبني فنقلته للافادة و خاصة اننا على أبواب الصيفية فلنجد و للنعمل بما يرضي الله و الله ولي التوفيق
اللهم وفق الجميع .