المايــكروويف Microwave أو الموجـات المايكرويــة .. تقنيــة غزت منازلنـــا ونرددها كثيرا قبل الطعـام وبعـده فطـورا وغـذاء وعشــاء .. والكثير منــا لايعلم معناه أوأصلـه

إعــــداد: هشــام الخــاني

إن تسمية الأمور تبعا لمزاياها هو حق وإنصاف. وهذه الحقيقية لم يخرج عن سياقها مصطلحنا الهام الذي سنناقشه باختصار، ولعل حديثي عن الموجات المايكروية ربما يعكس فكرة طيبة عن هذا الموضوع الذي أصبح يردده جميعنا دون أن يعلم معناه.

إن الموجات المايكروية حصلت على اسمها من حقيقتها الفيزيائية. ذلك أن تلك الموجات ذات طول موجي صغير جدا يصل في مرتبته إلى مرتبة المايكرومتر (جزء من مليون من المتر أو جزء من الألف من الميليمتر). ولايخفى المهندسين أو الفيزيائيين أو أيا ممن درسوا العلـوم أو حتى عموم الناس (في أحيان كثيرة) بأن طول الموجة يتناسب عكسا مع ترددها. بمعنى أن تردد الموجة (وهو عدد الهزات في وحدة الزمن .. وهي الثانية في الجملة الدولية للوحدات) يزداد كلما قصر طولها، هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى فكثير منا يعلم بأن الموجات ذات التردد العالي (بكلام آخر ذات الطول القصير) تكون ذات طاقة عالية .. وبالتالي فهي ذات مقدرة تساعد على انتشارها وقطعها للمسافات بشكل يفوق التصور.

إن هذه الحقيقة الصغيرة التي لاتعدو عن كونها ناموسا من نواميس الكون مما خلق الله وأوجد وقدر .. هي حقيقة آلت بعالمنا إلى مالم يكن لبشر أن يتصوره قبل منتصف القرن الماضي بالنسبة لبعض التطبيقات، وقبل سنوات قليلة فقط بالنسبة لتطبيقات حديثة أخرى .. والله أعلم بما ستحمل لنا الموجات المايكروية فيما بعد.

ورغم أني لا أرغب في الخوض في فرضية إعجازية كونية تشير إلى أن جميع الاهتزازات على الأرض نتجت عن الكيفية التي تشكل بموجبها كوكب الأرض، وأن هذه الاهتزازات مازالت مستمرة غير متفانية نظرا لقوتها الشديدة الناتجة عن صدم افتراضي هائل وعن وجود عوامل في الأرض ومايحيط بها من أغلفة تساعد على عكس الموجات وحصرها ... إلى ماهنالك، إلا أنه لابد لنـا في مناسبة قادمة من التعرض لذلك.

تعتبر الموجات المايكروية غالبا موجات ذات تردد من مرتبة الجيجاهرتز أو مايزيد (أي أن الموجة المايكروية تهتز وفق معدل يبتدىء من بليون هزة في الثانية) وهذا يساعدها على الانتشار بقوة شديدة وفق مسارات مستقيمة لاتتأثر إلا قليلا جدا بطبقة التروبوسفير (وهي الطبقة السفلى من الغلاف الجوي)، وهي كذلك لاتنعكس أو تنكسر أمام البيئة الأيونية لطبقة الأتموسفير (الغلاف الجوي). وأمام طاقتها العالية فهي لاتتأثر بالعوائق المتمثلة بالتضاريس الأرضية كالجبال أو التلال أو الكتـل الإنشائية على اختلاف أنواعها مما صنع الإنسان على الأرض إلا بشكل قليل لايكاد يذكــر بخلاف الموجات المتوسطة MW=Medium Wave أو الطويلــة Long Wave التي تتأثر بشكل أكبر بتلك العوائق.

ينبىء البث الإذاعي التقليدي الذي يعتمد على الموجات الطويلة أوالمتوسطة .. وحتى القصيرة كلا منا بأثر الطول الموجي (وبالتالي طاقة الموجة) على وضوح الإشارة الصوتية أو ضعفها. فعندما نستمع إلى إذاعة على الموجة الطويلة يزداد التشويش كلما ابتعدنا عن مصدر البث، أما المتوسطة فيكون ثباتها أكبر ثم القصيرة، وهكذا. ولعل معظمنا يتذكر الرموز التي مابرحنا نجدها مكتوبة إلى يسار أو يمين لوحة الراديو مما يستعمل في المنازل والسيارات .. مثل: MW أو LW أو SW. وهي جميعها تشير إلى مختصرات الموجات الطويلة والمتوسطة والقصيرة ..ولكن ليس المايكروية بالطبع.

إن البث اللاسلكي هو بمثابة الجسم الذي تتشكل كريات دمه من الموجات المايكروية، وإن حرصي على الكتابة في هذا الأمر يتعدى النطاق العلمي. فالموجات المايكروية هي التي أفرزت الهواتف المحمولة، وهي التي أدت إلى ظهور القنوات الفضائية، ووسائل الاتصال المتطورة جدا حتى بات أحدنا يرى الحدث لحظة وقوعه ليس في أقصى الأرض فحسب .. بل على الكواكب. كذلك فإن التطبيقات المتعلقة بالطاقة فيما يخص الموجات المايكروية هي تطبيقات أكثر من أن تحصى في كل المجالات المدنية أو العسكرية، وإن أفران التسخين والطهو (وهي أبسط الأمثلة) ليست إلا تطبيقا مباشرا للأثر الطاقي الذي تمتلكه الموجات المايكروية.

ونظرا لأن منتدانا يتزين بالسيدات الفاضلات، وجميعهن ربات منازل، رغم كونهن أديبات أو صحفيات أو مفكرات، فدعوني أشرح قليلا عن المايكرويف .. هذا المصطلح الذي يمكن أن نقول عنه بأنه أصبح مصطلحا علميا عاميا يتعلق مباشرة في أذهان سيداتنا الأفاضل بجهاز التسخين أو الطهو (أو الفرن إن صح التعبير) الذي تستعمله جميع السيدات تقريبا في هذه الأيام، والذي بات أحد قطع جهاز العروس الذي تأبى والدة الزوجة (الحماية) أن تمضي عقد زواج ابنتها قبل أن يوفره العريس المسكين داخل بيته حتى لو تواضع البيت لدرجة أن جدرانه لم تطل بعد .. لكن المايكرويف اساسي (انتبهن .. فلا تجد أحداكن علي .. فأنا اقول ذلك من باب الفكاهة ليس إلا ).

تعتبر أفران المايكرويف إحدى أدوات المطبخ التي تستند إلى الموجات المايكروية مستفيدة من طاقتها العالية لتسخين أو طهو الأطعمة أو السوائل ضمن حيز معزول تماما هو الحيز الذي يشكل غرفة التسخين أو الطهو. ويتم انجاز هذه المهمة من الناحية الفيزيائية من خلال الاستفادة من الإشعاع الذي تنشره الموجات المايكروية ذات الطاقة العالية لينتشر ضمن جزيئات الطعام أو السائل. ولعله من المفيد أن نشرح لماذا يحذر الجميع بعضهم البعض من عدم استعمال المعادن في أفران المايكرويف.

باختصار .. يعتمد مبدأ التسخين بالموجات المايكروية على تفنية دخول الإشعاع المحمل بالطاقة إلى بينة ذرة الطعام أو الشراب ليخترقها ويهيج بنيتها ليزيد من حرارتها. ومعلوم فيزيائيا بأن المواد التي تتمتع بنيتها بوجود بعد كاف بين ذراتها والكتروناتها هي مواد تساعد على عبور الإشعاعات المايكروية إلى داخل الذرة وخروجها ثم معاودة دخولها وخروجها .. وهكذا .. بحيث تهيجها دون أن يكون لهذا التهييج رد فعل من جزيء الطعام أو السائل. في حين أن المعادن وبعض العناصر الأخرى تنتج رد فعل هائل نتيجة عبور الإشعاعات الموجية المايكروية من خلال بينة الجزيء أو الذرة .. وهذا ينتج بدوره صدور طاقة هائلة في بعض الأحيان يمكن أن تؤدي إلى حريق .. وهذا ينأى بنا تماما عن تطبيقات المطبخ.

أما في الأحوال العامة، فإن تعريض المواد ذات الترابط الجزيئي العالي إلى الموجات المايكروية يؤدي إلى نتائج ذات أثر طاقي هائل، ولربما كان لهذا الأمر تطبيقات فيزيائية عديدة على مستويات أخرى (وهو ليس موضوعنا الآن). الجدير بالذكر أن فكرة استخدام الموجات المايكروية في التسخين أو الطهو ضمن المنزل نشأت من خلال شركة أمريكية مشهورة في صنع الأدوات المنزلية عام 1967 م هي شركة (أمانا). إلا أن الفكرة كفكرة كانت معروفة قبل ذلك بعقد أو أكثر.