التشطير مراجعة شعرية عروضية نحوية بلاغية ثقافية/خشان خشان


الرابط أفضل تنسيقا : https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/tashteer

قالت تعودنا في الرقمي أن نجد شرحا لكليات الأمور وتفاصيلها سواء بسواء، فهلا شرحت لنا التشطير.
لم أكن أتبين ملامح محددة للتشطير تعينني على شرحه، كنت أعتبره شعرا للمشطّر فيه من أصل نصه معالم تقيد خطاه من جهة وتعينه على وجهته من جهة أخرى. هل المحصلة معينة أم مصعبة ؟
لا يبدو أن هناك جوابا واحدا ولكن الأمر يتحدد على ضوء المعطيات الكلية التالية
1- بما أن التشطير شعر والشعر من الشعور أساسا فكلما كان تأثر المشطر بالنص وتفاعله معه أكبر كانت احتمالات التيسير أكبر
2- الحرص على التماهي مع أصل النص يتطلب تركيزا وجهدا أكبر والتساهل في ذلك يسهل الأمر ولكنه يهبط بمستوى الناتج
3- يتطلب التشطير أحيانا إعادة صياغة بعض التراكيب في النص الأصلي وهذا يؤثر على العملية في الاتجاهين.
4- ناتج النص المشطّر مولود أدبي للمشطر والمشطَّر له، وقد يقصد المشطر أحيانا تغيير وجهة النص الأصلي على نحو أو آخر، وهنا يكون الأمر عسيرا، كاستيلاد مولود بين نوعين مختلفين.
وأيا ما يكن الأمر فإن قولها ذاك لي هو ما جعلني أتبصر ما أقوم به أثناء عملية التشطير، لأخرج بالتوصيف الذي سأقدمه، وهو مقاربة لا تتناول إلا بعض الجانب الآلي الأدائي في الموضوع لا كله، علما بأن الجانب الآلي الأدائي ليس منفصلا عن المضمون والعملية أثناء التشطير شأنها في ذلك كما هي في الشعر تسير دواما في الاتجاهين الرئيسين الشكل والمضمون وتلج ما بينهما من دروب فرعية متداخلة دوما وملتوية أحيانا، بعضها منير وبعضها أقل إنارة.
وعليه فإن ما سأقدمه هنا بالنسبة لعملية التشطير يناظر في نظم الشعر تبسيطا وغاية ما قدمته في الدرس السابع تحت عنوان ( هيا ننظم ) في الدورة الأولى من دورات العروض الرقمي، ولا يخفى ما في ذلك من بساطة متناهية تجعله يتسم بالسذاجة البالغة إذا ما قيس بالعملية الشعرية التي يبقى للموهبة فيها الدور الأول مع عدم إهمال دور الأدوات اللغوية عامة.


مع أخذ كل ما تقدم من محددات وتحفظات، إليك أفضل ما أستطيع من توصيف في هذا المجال. ولنبدأ بالنثر، فالشعر مضمون وشكل منتظم، والنثر مضمون وشكل حر، وهو بذلك أسهل.
لنأخذ هذه العبارة وندرس ما ندخله عليها:
1- أصل النص قالت له :" يحفظك الله "
2- نضعها العبارة على شكل شطرين صدر وعجز
قالت له ................يحفظك الله


3- نضيف بعد نظير الصدر ( قالت له ) ما يناسبه من تفصيل يكون نظيرا للعجز



قالت له ............ وهي تضمه



4- نضيف قبل نظير العجز ما يتناسب معه ويكون نظيرا للصدر:



يا ولدي الحبيب ...... يحفظك الله



فيصبح النص المناظر لبيتي شعر من أصل بيت واحد:



قالت له ............ وهي تضمه



يا ولدي الحبيب ...... يحفظك الله



ولمعرفة دور كل من المشطر والمشطر له في التشطير أنظر للنص التالي:



قالت له ...........وهي تستشعر مرارة غدره



لن أودعك كما عودتك دوما بعبارة ......يحفظك الله



بين التشطيرين الأول والثاني ما يوحي بتصور النص الأصلي كأسا يملؤه المشطر بما يشاء ومن الطريف أن نتصور محبرة مملوءة بالشاي أحيانا. بل ما يجعلنا نتصور الفارق بين نسل أختين توأمين متطابقتين إذ تتزوج كل منهما رجلين مختلفي الصفات واللون.



نلاحظ في التشطير أعلاه أربعة أمور
1- أهمية المعنى الذي يرمي إليه المشطر


2- التناسب في البيت الأول بين الصدر الأول وعجزه المضاف:



قالت له ...........وهي تستشعر مرارة غدره


3- التناسب في البيت الثاني بين العجز المضاف والصدر



لن أودعك كما عودتك دوما بعبارة ......يحفظك الله



4- التناسب وسلاسة الانتقال بين العجز المضاف في البيت الأول والصدر المضاف في البيت الثاني لأن صدر البيت الثاني هو صلة الوصل بين عجزي البيتين
أ‌- في النص الأول :


قالت له ............ وهي تضمه



يا ولدي الحبيب ...... يحفظك الله



ب‌-في النص الثاني :



قالت له ...........وهي تستشعر مرارة غدره



لن أودعك كما عودتك دوما بعبارة ......يحفظك الله



************************


والآن إلى تطبيق ما تقدم على بيت شعر مع أخذ أحكام الوزن والقافية بعين الاعتبار وملاحظة اختلاف الترقيم:


وليس قولك من هذا بضائره .....العُرْب تعرف من أنكرت والعجمُ


بدء فإن توجهنا سيكون زيادة تكريم الممدوح وتقريع المخاطب


أ - نضع الصدر ونحاول إيجاد عجز مناسب له ضمن التوجه المذكور وينتهي بكلمة أو عبارة تحتوي القافية بل ( ممنطقة الضرب = 3 1 3 ) ويكون آخر حرف فيها الميم ويكون هناك من ناحية نحوية ما يجعله مضموما وإن كان مبنيا تكون الضمة .


1 والألمُ = ( 1 ولْ = 1 1 ه ) – ( أ = 1 ) – (لمو = 3) = 3 1 3
أ‌- وليس قولك من هذا بضائره........ ( .....................1 والألمُ )
ب‌-وليس قولك من هذا بضائره........ (ولا بملْحقه ضرا ولا ألما )


هنا جاء ( ألما ) وحركة الميم فيها الفتحة واختلاف حركة الروي لا تصح
فنغير النص:


جـ- وليس قولك من هذا بضائره........ (فليس يلحقه ضرٌّ ولا ألمُ)


هنا يستوفي البيت الشكل الصحيح، ولكن العجز لم يضف أي معنى للصدر، فهو مجرد حشو يكرر المعنى الذي تقدم في الصدر، وهذا يعيب قائله. ويكون المعنى موفقا لو جعلناه ( إنما يضيرك أنت )،


( فليس يلحق الألم إلا القائل ) هنا معنى معقول باعتبار أن المخاطب هو القائل، ولكن صياغته تقتضي تقديم المفعول وتأخير الفاعل :


وليس قولك من هذا بضائره........ (فليس يلحق إلا القائلَ الألمُ)


المعنى هنا معقول أكثر من ذي قبل، ولكن كلمة (الألم) لا تبدو موفقة فالمتسائل تجاهلا لا يتألم في هذا المجال، وإنما يكون المعنى موفقا لو قلنا له (إن سؤالك يلحق بك العار ) فالعار هنا هي التي تعبر تعبيرا جيدا عن المعنى المناسب.
كلمة ( وصَمَ ) ذات علاقة ومنها تأتي ( الوَصَمُ ) بديلة معادلة في الوزن والقافية والروي لكلمة ( الألمُ ) فلنرجع للقاموس لنرى إن كانت واردة كاسم أم لا


وصم(لسان العرب)
الوَصْمُ:الصَّدْعُ في العُود من غير بَيْنونةٍ. يقال: بهذه القَناة وَصْمٌ.
وقد وَصَمْتُ الشيءَ إذا شَدَدته بسرعة.
وَصَمه وَصْماً: صَدَعه.
والوَصْمُ العيب في الحَسَب، وجمعه وُصومٌ؛ قال: أرى المالَ يَغْشى ذا الوُصومِ فلا تُرى، ويُدْعى من الأَشْراف أن كان غانيا ورجل مَوْصومُ الحسَبِ إذا كان مَعيباً.
ووَصَمَ الشيء: عابه.
والوَصْمةُ العيب في الكلام؛ ومنه قول خالد بن صفوان لرجل: رَحِم اللهُ أَباك فما رأَيت رجلاً أَسْكَنَ فَوْراً، ولا أَبعَد غَوْراً، ولا آخَذَ بذَنَبِ حُجّةٍ، ولا أَعلمَ بوَصمْةٍ ولا أُبْنةٍ في كلام منه؛ الأُبْنة: العيب في الكلام كالوَصْمة، وهو مذكور في موضعه.
والوَصَمُ المرَضُ. أَبو عبيد: الوَصْمُ العيب يكون في الإنسان وفي كل شيء والوَصْمُ: العيب والعار، يقال: ما في فلانٍ وَصمْة أي عيبٌ؛ قال الشاعر: فإنْ تكُ جَرْمٌ ذاتَ وَصْمٍ، فإنما دَلَفْنا إلى جَرْمٍ بأَلأَمَ مِن جَرْمِ الفراء: الوَصْم العيب.


وقَناةٌ فيها وَصْمٌ أي صَدع في أُنبوبها.

</span></span>
إذن فإن ( الوصَمُ ) هو المرض والوصْمُ العيب والعار والوصْمة العيب في الكلام، وهذا يجعل لنا بعض رخصة في استعمال كلمة ( الوَصَمُ ) مع توقع أن يجيزها القارئ على أنها (الوصْمُ ) وقد حركت الصاد فيه للضرورة، وهذا مجال آخر نتوقف عنده، وقد يجد بعض المشاركين كلمة أفضل.
د- يصبح البيت الأول :

وليس قولك من هذا بضائره........ (فليس يلحق إلا القائلَ الوصَمُ)

مع ملاحظة الحدة الزائدة في كلمة الوصم إذا أخذنا في عين الاعتبار أن الفرزدق أو الحزين الكناني كان يخاطب هشام بن عبد الملك أوابنه عبدالله على اختلاف في الروايات، وقيل إن الذي نظمها ونسبها للفرزدق هو الشريف الرضي.
هـ - نأتي الآن للعجز :

(.......................... ).......العُرْب تعرف من أنكرت والعجمُ


فلنبحث في هذا الصدر الذي يصل بين عجز البيت الأول وعجز البيت الثاني عن معنى يناسب العجزين، وفي الخروج عن هحرفية المعنى واللجوء للاستعارة والكناية وضروب البلاغة متسع يزيد المعنى جمالا، فالقول " لا يعيب الشمس من ينكرها " معنى مناسب

(يا منكر الشمس في رأد الضحى 1 3 ).......العُرْب تعرف من أنكرت والعجمُ

المعنى جيد وينقص الصدر الرقم1 3 ليكتمل ، هل ثمة كلمة تناسب الوزن والمعنى ؟
لو قلنا ( أبدا) تفي بالوزن ولا تفي بالمعنى . ( سفَهاً ) تفي بالمعنى والوزن، ولئن وردت كلمة (الوصم ) بحدتها على مضض فلا يسع ( سفها) ما وسعها في هذا المقام إذا حاولنا في جو التشطير التناغم مع جو أصل خطاب الفرزدق للخليفة.
علينا إذْ لم نجد كلمة مناسبة أن نعيد الصياغة :
( من ينكر الشمس لا يلحقْ بها ضررا )
المعنى والوزن مناسبان خاصة مع تناسب ضرر في هذا البيت مع ( ضائره في البيت السابق ) ، ولكن جزم (يلحقْ ) شرط لاستقامة الوزن ولا يصح ذلك بحال من الأحوال رمن ناحية نحوية بل قل لغوية.
( لا ضير للشمس من إنكار منكرها ) ....... العُرْب تعرف من أنكرت والعجمُ

وهنا تعبير يجمع الوزن والمعنى والنحو وتناسب ( ضائره ) و ( وضير )
ويصبح البيتان الناجمان من تشطير البيت الأصلي :


وليس قولك من هذا بضائره........ (فليس يلحق إلا القائلَ الوصَمُ)


( لا ضير للشمس من إنكار منكرها ) ....... العُرْب تعرف من أنكرت والعجمُ

والمطلوب من كل مشارك أن يتكرم بتشطير بيت أو بيتين. مع محاولة توصيف تجربته في البيت الأول على الأقل ( شعريا وعروضيا ونحويا وبلاغيا وثقافيا) ما وجد لذلك سبيلا، ليلمس المشارك والقارئ جدوى وإثراء ومتعة التشطير .