ذكر وأنثى
***
شعر
صبري الصبري

***


ذكر وأنثى بالخضوع تقبَّلا= أمرا من الله الكريم مُنَزَّلا
هبطا من الجنات للأرض التي= فيها على الله الوكيل توكلا
واختلَّت الأشياء ... كانا قبلها= بالرغْد في بسط المعالي والعلا
تأتيهما الأرزاق دون تَجَشُّمٍ= لعناء سعي في معاشٍ قد حلا
حتى تبدَّل كل شيء عندما= عصيا الإلهَ .. تجاوزا ما حَلَّلا
والماكرُ الملعون غرَّهما بما= ألقى وزيَّن بالغرور وهَلَّلا !
بوعود خلد في الجنان فصدقا= زعم الكذوب ونحوه قد أقبلا
بالأكل منها غصنها بمرارة= بالحلق يسري شوكها متخللا
جسما تعرَّى بالعراء بسوءَةٍ= لاحت فأقبل ذو الدَّها وتأملا !
والخصف بالأوراق خبأ عورة= عانت ثيابا للنبات مهلهلا
هي منية الشيطان يخلع عنهما= سترا طهور بالحياء مُجَمَّلا
يا للمساوئ إن تبدَّت جهرة= إبليس ينهل من حماها منهلا
وتفرَّقا في الأرض كانا بالثرى= جسمين بالهجر الشنيع .. تململا
حتى تلاقى آدمٌ بحبيبة= فيحاء يلقى في سناها الموئلا
ذكر وأنثى بالحياة تقابلا = والأرض ترقب من لقائهما الملا
والناس تأتي للبسيطة كلما = بالحب قبَّل آدمٌ ما قَبَّلا !
وانساب يرتع في الحبيبة وحده = يحيا وحوا في مسارات الخلا
يستعمر الأرجاء يبذل جهده = يمضي بأرض وحده مسترسلا
يرعى الدواب بهمة وعزيمة= ويصول صولته بمُخْضَرِّ الكلا
ويعيش عيشة مُتْعَبٍ مستغرقٍ= في الفكر يرقب بالحياة تحوُّلا
معه الرفيقة بالدروب صبورة= بالخير كان أو الشدائد والبلا
حواء تعشق آدما بشقائه= يحيا دءوبا بالهموم مُحَمَّلا
والحب يشدو شدوه بفؤادها= غضا بأشواق الوداد مجلجلا
يا آدمُ : الأحشاءُ تهفو كلها= للوصل فاترك للوصال تَمهُّلا
إني عشقتكَ من ضلوعك نشأتي= فاجعل لعاشقة إليك تَعَقُّلا
أهواك أهوى آدما من طينة= ستظل تسقي بالحقول تسلسلا
ما جف نبع من حماك وما غفا= قلبي عن الحب الشغوف وما خلى
أجيال نشأ من خلايانا ترى= يا روح قلبي من لدنك تأصلا
بالحب آدم لا يزال يؤمها= بين المروج وبين كلاَّ أو بلى !
يغشى الحبيبة والحبيبة حرثه= تلقى الوصال مُقَصَّرا ومطولا
تزهو تقول بروحها وبجسمها= مرحى بآدم في جسارته .. هلا !
وهو الشغوف بزوجة مبرورة=ما غاب عنها أو تجاهل أو سلى
فالوصل أزكى لحظة وطريقة= لتناسل الطين الذي قد جُمِّلا
أجيال أجيال توالت كلما= جيل وجيل بالتراب تَحَلَّلا
فالأرض واسعة وفيها يرتقي= أعلى الجبال مبطئا ومعجلا
قد كان في الجنات يلقى رزقه= فيها له بالمعطيات مُسَهَّلا
ويؤم فيها ما يشاء ممتعا= بنعيمها يأتي إليه مُشَكَّلا
من كل لون بالعذوبة يرتدي= ثوب الضياء مع البهاء مُظَلَّلا
يحيا بها بين الملائك ناعما= عذبا بهيا بالنعيم مبجلا
فإذاه ينزل من علاه بعيشة= تحوي بأصناف الأمور تقلقلا
يا ليت حواء أطاعت ربها= أيضا وآدم .. ليته ما أهملا
يا ضلع آدم قد سكنت بقلبه= شوقا وحبا بالهيام معللا
بالزيجة العصماء تحلو ألفة= ومودة تحثو الغرام مجللا
بمقاصد الإعمار للأرض التي= ستكون قرصا كالنقيِّ مُبَدَّلا
سبحان من يرث الخلائق كلها= يقضي عليهم ذو المشيئة بالبلى
يُحي يميت بأمره وقضاءه= بالخلد يُدْخِل من يشاء المدخلا
إما بقعر للجحيم مُعَذِّبَا= فيها كفورا بالقيود مسلسلا
قد كان في الدنيا جهولا جاحدا=فظا عنيدا بالظلام مغفلا
أو بالسلام محييا في جنة= عبدا خشوعا ذا ضياء مقبلا
تلقاه حور بالخيام بحسنها= يلقى الجمال السرمدي الأكملا
فالكل يدخله المهمين حسبما= كانت صحائفه لديه المنزلا
هذا مآل الناس يوم قيامة= من بعد أن يلقى الأنام تزلزلا
بالحشر ميزانٌ بقسط كله= عدلٌ نلاقي ذا الجلال الأعدلا
ذكر وأنثى بالعناء بموقف= مهما يكونا بالحساب سَيُسْأَلا !