الإخوة الكرام
عندما تضيق الدنيا على المرء دون سبب معروف عليه بالصبر على ابتلاء الله له ، ولكن البوعزيزي الذي كان صابرا على ابتلاء الله له وتلمس الطرق البديلة للرزق ، كان هدفا للظالمين ، فصادروا عربته التي حاول الارتزاق بها ، وضربوه وبصقوا بوجهه ، وضيقوا عليه حياته ، فهو لم يكن ينوي الانتحار ولكنه كان ينوي الاحتجاج ، ولم تتح وسيلة إلا نفسه .
وهذا الأمر يخرج الرجل من دائرة الانتحار ويدخله في محاولة تغيير الحال الظالمة ، هو لم يخطط للانتحار ولكنه أغلق على عقله القهر فاحتار كيف يفعل ففعل ما تيسر له .
وردت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حالة أشد منها ، وكان الموقف من النبي صلى الله عليه وسلم أرأف من موقف علمائنا المسير غالبيتهم بخيوط خفية مربوطة بيد الحكام ، فقد روى مسلم ما يلي :
1 - يا رسول الله ! هل لك في حصن حصين ومنعة ؟ 0 قال ( حصن كان لدوس في الجاهلية ) فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم . للذي ذخر الله للأنصار . فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . هاجر إليه الطفيل بن عمرو . وهاجر معه رجل من قومه . فاجتووا المدينة . فمرض ، فجزع ، فأخذ مشاقص له ، فقطع بها براجمه ، فشخبت يداه حتى مات . فرآه الطفيل ابن عمرو في منامه . فرآه وهيئته حسنة . ورآه مغطيا يديه . فقال له : ما صنع بك ربك ؟ فقال : غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم . فقال : ما لي أراك مغطيا يديك ؟ قال قيل لي : لن نصلح منك ما أفسدت . فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم ! وليديه فاغفر " .
الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 116
والرأي الذي ترتاح له نفسي ما يؤول به الحديث ما جاء بشرح النووي رحمه الله على صحيح مسلم قال :
مستدلين أيضا بحديث جابر عند مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم « لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ فَقَالَ غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ قَالَ قِيلَ لِي لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ»، ولذلك بوّب عليه النووي بقوله: "باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر" ، ثم قال في شرح الحديث: "فيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة: أن من قتل نفسه، أو ارتكب معصية غيرها، ومات من غير توبة، فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة... وهذا الحديث شرح للأحاديث التي قبله الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس وغيره من أصحاب الكبائر في النار".
والله سبحانه أعلى وأعلم .