يقال بأن ابن ماجد من أرشد القائد الصليبي البرتغالي (فاسكو داجاما) في الفترة
(1497 – 1499م) إلى الطريق البحري الآمن ما بين السواحل الشرقية
لأفريقيا والهند ، وذلك إبان المشروع التوسعي الصليبي البرتغالي الرامي إلى تطويق المسلمين وخنقهم اقتصادياً ، وهو المشروع الذي ازدهر في أعقاب سقوط غرناطة
في 21 محرم 897 هـ /25 نوفمبر 1491م .


فما صحة هذا القول ..؟
و من هو فاسكو دا جاما ..؟



... فاسكو داجاما هو الرحالة البرتغالي الذي اكتشف الطريق المباشر من أوروبا إلى الهند بالإبحار حول أفريقيا و ذلك عندما كلفه ملك البرتغال أن يرأس بعثة جديدة للبحث
عن طريق الهند , و فاسكو هذا من النبلاء المتوسطي الحال في البرتغال و قد ولد سنة 1460 م في سينس بالبرتغال , فأبحر دا جاما في 8 يوليو سنة 1497 م بأربـــع سفن
تحت قيادته 170 بحارا ً , و كان من بينهم مترجمون يعرفون اللغة العربية .

.... وصل فاسكو في يوم 20 مايو سنة 1498م إلى كلكتا الهندية أي بعد عشرة شهور من رحلته من البرتغال , و قد ثار عليه المسلمون العرب و الهنود أيضا ً و لكنه
عاد من رحلته هذه محملا ً بأطنان من التوابل ليقدمها للملك , كما احتفظ بعدد من الهنود أيضا ً , كدليل على أنه وصل إلى بلاد الهند , و قد اتسمت رحلة دا جاما بالعنف
و القسوة ففي بحر العرب استولى على سفينة عربية , و أحرقها بعدما أخذ منها التوابل , و بعد وصوله إلى كلكتا طلب إبعاد كل المسلحين من الميناء , فرفض الهنود
فأحرق و أغرق و قتل 83 بحارا ً و صيادا ً هنديا ً ثم أطلق قنابله على الميناء .

.... خلاصة الأمر أنه بسبب اكتشاف فاسكو للهند أنشأت البرتغال عددا ً كبيرا ً من المستعمرات على شواطئ المحيط الهندي و أصبحت من بعدها البرتغال دولة غنية بعدما
كانت دولة فقيرة .




...و يرى المؤرخ قطب الدين النهروالي في كتابه بعنوان ( البرق اليماني في الفتح العثماني ) الذي يرجع تاريخه إلى عام (985هـ - 1577 م ) يذكر فيها النهروالي أن
أحمد بن ماجد دل كبير الفرنج حتى توغل في المحيط الهندي , كما أشار النهروالي إلى أن ابن ماجد دل داجاما في حالة سكر ....

إذ يقول النهروالي " فلا زالوا يتوصلون إلى معرفة هذا البحر ، إلى أن دلهم شخص ماهر من أهل البحر ، يقال له أحمد بن ماجد ، صاحَبه كبير الفرنج ، وكان يقال له
الملندي [ يقصد فاسكو داجاما ] وعاشره في السّكر ، فعلمه الطريق في حال سكره ، وقال لهم : لا تقربوا الساحل من ذلك المكان ، وتوغلوا في البحر ثم عودوا ، فلا
تنالكم الأمواج .."


:: أولا ً هذا الكلام غير مقبول لما عُرف عن ابن ماجد من الاستقامة والورع مما ورد في كثير من اراجيزه فكيف يكون سكيرا ً ، إضافة إلى أن الملاح البرتغالي لن يقبل
رأياً بحرياً من رجل في حالة سكر


.... على أية حال فقد تصدى لهذه الفرية التي ألصقت بالبحار أحمد بن ماجد ، سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة ، حيث قام بمناقشة هذه
التهمة نقاشاً علمياً هادئاً ، التزم فيه الموضوعية والإنصاف والأدب الجم- وهي بضاعة عزيزة في هذه الأيام - بعد ذلك نـشر هذا الـجهد العلمي في رسالة لطيفة أسمـــــاها
(بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد) ، وقد بين في مقدمتها السبب الذي دفعه إلى بحث هذه القضية فقال : ( في العام الدراسي المنصرم 1999-2000م ، وبينما كنت
ألقي محاضراتي كأستاذ لتاريخ الخليج العربي الحديث في جامعة الشارقة ، ذكرت أن الذي أوصل "فاسكو داجاما" من الساحل الشرقي الأفريقي إلى الهند ، هو غجراتي من
الهند ، وليس البحار العربي أحمد بن ماجد



د. سلطان القاسمي


هذا وقد ناقش الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ، هذه القضية عبر ثلاثة محاور
الأول : قام فيه باستقراء كتابات المؤرخين البرتغاليين في القرن السادس عشر الميلادي الذين عاصروا (فاسكو داجاما) فلم يجد أي ذكر أو أي اتهام للبحار ابن ماجد في إرشاد فاسكو دا جاما , بل وجد أولئك المؤرخين يشيرون إلى أن الذي أرشد (فاسكو داجاما) شخص غجراتي من الهند اسمه (كانا) أو (كاناكا )


المحور الثاني : قام فيه باستعراض جذور هذه التهمة من خلال عرضه لجهود أحد المؤرخين المعاصرين في هذا الباب فقال : ( لم يقتنع كثير من المؤرخين العرب بتلك الحقائق السالفة الذكر وأصروا على اتهام أحمد بن ماجد بإيصال البرتغاليين إلى الهند... وقد تصدى لهم الأستاذ الدكتور إبراهيم خوري في كتابه " أحمد بن ماجد" ودحض كل تلك الاتهامات )



بعد ذلك ذكر الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ، أهم المآخذ التي أوردها الدكتور إبراهيم خوري ، حول كلام المؤرخ النهروالي ، ومن ذلك ما يلي :
أن وثيقة النهروالي قد كتبت بعد مرور ثمانين عاماً تقريباً من وصول البرتغاليين إلى الهند .
أن وثيقة النهروالي تتعارض مع ثناء أمير البحر العثماني علي بن الحسين الملقب (بعلي شلبي) على البحار أحمد بن ماجد ، ولا يتهمه بإرشاد الفرنج. وقد كان الأميرال علي شلبي هو قائد الحملة العثمانية ضد البرتغاليين في خليج عمان ، وهو الذي أمر بترجمة كتاب (المحيط) لأحمد بن ماجد ، وقد كان ذلك قبل تأليف النهروالي كتابه (البرق اليماني) بربع قرن .

وهذه النقطة قد أضافها الدكتور القاسمي : ( هناك كتاب ربما لـم يطلع عليه الأستاذ إبراهيم خوري , وهو " تـحفة المجاهدين في ذكر أحوال البرتغال الملاعين " لزين الدين المعبري الـمليباري المتوفى بعد سنة 991هـ ، وهو مـعاصر للنهروالي ؛ فلم يذكر المليباري أي شيء عن أحمد بن ماجد ؛ ولـكن للأسف عندما قــام ... ( محقق الكتاب ) بتحقيقه والتعليق عليه، زج باسم أحمد بن ماجد في التعليقات والشروح .

المحور الثالث : وفي هذا المحور قام الدكتور سلطان القاسمي ، بنسف هذه التهمة بالكلية ، حيث تمكن بعد جهود مضنية ، من الحصول على يوميات الرحلة التي قام بها ( فاسكو دا جاما ) ومخطوطة هذه اليوميات كانت في الأصل تخص الدير( سانتا كروز ) في مدينة ( كويمبرا ) في البرتغال , وقد نقلت مع مخطوطات ثمينة أخرى إلى المكتبة العامة في مدينة (أوبورتو) في البرتغال أيضا ً .

.... بعد ذلك قام الدكتور سلطان القاسمي ، بذكر دليل براءة أحمد بن ماجد ، بإيراده للفقرة الخاصة بالشخص الذي أرشد "فاسكو داجاما" من خلال تلك اليوميات. وفيما يلي
النص المترجم لتلك الفقرة :

" في يوم الأحد التالي , و الذي صادف 22 أبريل صعد أمين سر الملك ( أي الحاكم المسلم في مدينة مالندي ) من السفينة ظافرة إلى ظهر السفينة التي يوجد بها فاسكو
داجاما ، ولأنه لم يكن أحد قد اقترب من سفننا خلال اليومين السابقين ، فقد قام القائد [ أي فاسكو داجاما ] باعتقاله ، وأرسل إلى الملك طالباً منه إرسال المرشدين الذين
وعد بإرسالهم إليه. وفور تسلم الملك الرسالة أرسل له مرشداً مسيحياً ، فأطلق القائد بعدئذ سراح الرجل النبيل الذي كان قد احتجزه في سفينته ولقد سررنا كثيراً بالمرشد
المسيحي الذي أرسله الملك لنا "


وقد ختم الدكتور سلطان بن محمد القاسمي بحثه بقوله : (وبذلك يكون مرشد "فاسكو داجاما" في رحلته من الساحل الأفريقي إلى الهند، مسيحياً غجراتياً ).
منقو ل من ايميلي