اغنيتا حنين عند ضفاف دجلة الحزين

عبدالوهاب محمد الجبوري

أتراها دمعة سقطت من عيونها كي تتعلق الأخرى بأحداقها ، أم تراها دمعة تعلقت فجرى الصمت حزنا وكبرياء في آفاقها ...
هو كالقدر معلق في روحها ، هي الحراب تتزاحم في أفلاكها وإذا مرت في موكبها ترى لمع الأشعة يصهل في الفضاء الأوسع .. تمر الجهات الأربع على متن السحاب كأنها نار تشبّ في جنبات العراق ، وخاصرة الموصل على كثيب اسفع ، وإذا نظرت إليها فدمعها يتوهج في غيث الدماء كإعصار يرنو إليك من السماء الأرفع ..
جبين مضمّخ بغار دائب يتسلق الأعالي ، جبين يُساط كلَّ نهار ، كل ليل ... يعب صحو فجر ، هكذا يعبر زمانها ... زوال ٌ ، ثم يشتد ثم أي مال قبل ميلاده توحد أشتاتا يجر الدروب نحو كمالها ...
كان محمد في دروب سنينها يصوغ حياتها حرفا وعمرا يطوف الدنا ، يلملم منها كل أشياءها .. يرسم أبناءها قتادا وزهرا وكل أطوارها ظلالا وجمرا ... كانت ترتشفه وتعبّ هواه فكان نُهلة قريبا مداها وكان زهرة أتيّا نداها وكان رحلة أنيسا سُراها ...
لم يكن محمد سكرة إذا ما تولّت ريحها غاض لونها وشذاها .. لم يكن نُهزة يطل ضحاها ثم تمتصه شفاه الغيوب .. لم يكن ...... فنحن كل سواء ، لم يكن ، نحن كاس وماء .. يوم أن غاب ما نسيتْ هواه ، ما تعلقتْ ، ما عشقتْ سواه ..
يوم أن مات ما سفحتْ عليه لوعة الحزن رغم عصف اشتياقها ... ما توارت خلف ثوب الحداد ، ما توسلت دمعة في المآقي .. ربما كانت قد بكت غير أنها صنعته من جديد ، فهو عندها ، عندها بكل وريد ...
هذه حكايتها ، هذا حصادها بعد كدح السنين .. أغنيتا حنين ، مريم والجنين(*) .. وتكر السنون سبعا عجافا وها هو علي (**)سبعُ الجَنى السخيّ الأمين .. وإذا ما اجدب الحقل فالبيادر غيث من ال جبر(***) سنابل تسلخ عمرها بجرح دفين ، وهي تعطي في كل يوم شكاة وهي تجنى نزا ورجع أنين .. وهي تجري بين الشرايين شوكا ألف جرح يضم كل وتين ..
***
(*) طيبة الطفلة الثانية للشهيد ولدت بعد ستة أشهر من استشهاده فلم ترى والدها ولن تراه في الدنيا ..
(**) علي شقيق الشهيد محمد
(***) قبيلة الجبور كبرى قبائل العراق والعرب ومواقفها مشهودة في مقاومة الاحتلال ومقارعة الظلم والعدوان
العراق في 14 / 10 / 2010