في الانتخابات البرلمانية: من هو الآخر؟

لو حدث وأن سقطت امرأةٌ فجأةً في طائرةٍ محلقة، فإن إحدى المضيفات ستنادي: لطفاً، هل يوجد طبيب من بين الركاب؟ وإن كان هناك أكثر من طبيب، ورغم اعتداد كل واحدٍ منهم في مهنيته، فإن نهوضه الفوري، سيترافق مع التفاتة، عسى أن يكون هناك من هو أكثر حِرفية منه. وفي جميع الحالات لن يتطوع من هو غير طبيب للقيام بمهمة طبية استثنائية.

وإذا تعطلت إحدى الحافلات في طريقٍ صحراوي، ولم يكن هناك من طاقمها من يحترف تصليح السيارات، وبنفس الوقت لم يكن من بين الركاب من لديه مهارات كافية لتقديمها لإصلاح العطل، فإن الكثيرين من الركاب سيتجمهر حول السائق والمحرك المكشوف غطائه، ويبدي ملاحظاته، أو يقوم بمحاولات لم يكن هو ولا من يراقبه على يقينٍ من أنه سيفلح في مهمته، ومع ذلك فإن الجميع سيعطيه فرصة عله يخلصهم من التوقف الموحش، فإن لم ينجح ـ وتلك الحالة الغالبة ـ فإنه سيتنحى دون أن يترك أثراً جيداً في نفوس من أعطاه الفرصة.

في الانتخابات البرلمانية، وبالذات في البلدان التي تفتقد الحالة الحزبية الحقيقية، لا يفاجأ أحدٌ في بروز مرشحين كثيرين، ليس في رصيد كفاءتهم سوى المطابقة الدستورية (عاقل وعمره فوق خمسة وعشرين عاما).

معركة الانتخابات البرلمانية

يحلو للبعض أن يُطلق اسم معركة على الانتخابات البرلمانية، وقد يكون محقاً من ابتكر تلك التسمية في بعض المسائل، حيث أنها تحتاج تعبئة وإدارة وجمع معلومات واختراق صفوف الخصم، وإثارة الهمم الطيبة لدى الناخبين وأحياناً شراء بعض الذمم، ونقل الناخبين أثناء الاقتراع الخ.

لكن الخصم أو الآخر في بلادنا، يختلف عن الخصم أو الآخر في البلدان التي لها تقاليد تم تطويرها على مر الأجيال، حتى أصبحت كما هي عليه الآن. ففي الغرب مثلاً، تكون هناك أحزاب وهيئات مجتمع مدني لها دورها اليومي في المراقبة والانتقاد لحكومة الحزب الحاكم، والحريات متاحة للجميع، لكي يكتبوا وينتقدوا ويعرضوا ما يعتقدون أنه انحراف عن المصلحة العامة، فيطلِّع الناخب على عموميات السياسة وتفصيلات ما يصب في شأنه الخاص، فيحدد موقفه على ضوء ما وصل إليه من فهمٍ وقناعات. فالآخر في تلك الحالة: سيكون الحزب الحاكم.

في اليابان، تشترط الأحزاب النشطة على المرشحين لانتخابات البرلمان، أن يكون له خبرة في العمل العام، مثلاً، أن يكون قد مر خمس مرات على الأقل على عضوية في منظمات المجتمع المدني (نقابات، جمعيات، بلديات الخ).

من هو الآخر في بلادنا؟

حتى ندخل في الإجابة على هذا السؤال، دعنا نمر على شكلٍ واقعي وليس افتراضي للخطوات التي تدفع بعض الأشخاص لترشيح أنفسهم للانتخابات البرلمانية.

قد يجلس أحدهم مع نفسه، متأملاً حالته المادية أو متأملاً مكانته الاجتماعية بين أفراد عشيرته، ويتفحص حجم عشيرته فيجده قابلاً للتطويع في إكمال مسيرته لترشيح نفسه للانتخابات البرلمانية. وقد لا يكون هذا في العشائر وحده، بل قد يُعجب أحدهم بنفسه من خلال إحساسه بأنه شخصٌ محبوب في الحي أو المهنة أو السوق الخ.

هنا، سيبدأ هذا الشخص بتسويق نفسه أمام دائرة ضيقة، قد يكون أعضائها من أفراد أسرته أو أصدقائه أو زملائه، أو حتى من يسهر معهم ليلياً. ويعرض الفكرة بصورة فجائية أو بشكل مازح ثم يقلبها بشكلٍ جاد، فيما لو بادر أحد المستعجلين الذي يبارك تلك الخطوة..

الآخر في المجتمع العشائري

لن يتطرق المرشحون في المجتمع العشائري، لا للدولة ولا للأحوال الاقتصادية ولا للهموم السياسية، ولن يفكر حتى في وضع برنامجٍ انتخابي، فهذه برأي الكثير من المرشحين (تقليعة سخيفة!). لكنه يعلم أنه لن تكون مهمته سهلة، إلا إذا اصطنع آخراً، تستوجب هزيمته وسحقه!

من الأمور التي تسهل مهمة المرشح في صناعة آخر لمعركته الانتخابية، أن يكون هناك من أعلن ترشيحه قبله، وحتى هذه النقطة، فإنها ستأتي تِباعاً من خلال الدعايات وأخبار المرشحين التي يتناقلها الجمهور بعفوية في معظم الأحيان. وبذلك ستسهل مهمة المرشح والمريدين له، والذين يروا بأنها فرصة لهم لأن يشتهروا ويصبحوا شخصيات يُنسب لها بعض الأقوال والمواقف!

تبدأ خطوات صناعة خطاب التعبئة العامة، باستنكار استحواذ بعض العشائر لمواقع التراتب الاجتماعي والإداري في المجتمع. فتظهر البداية بشكل تساؤلات بها مسحة استهجانية: الى متى ستبقى تلك العشيرة متسيدة على المجتمع؟ وماذا قدم النائب السابق منهم؟ وكم عدد الناخبين في تلك العشيرة؟ ولماذا لا يتجمع الآخرون من أجل إزاحة مرشح تلك العشيرة؟ الخ

وفي الخطاب الداخلي لأبناء عشيرة المرشح، يستعرض المرشح ومن يسانده بأعداد حملة الدكتوراه والماجستير وغيرهم في عشيرته، وحجم امتلاك العشيرة للعقارات والمحلات التجارية، وغيرها من المميزات التي سترفع من شأن العشيرة. ثم يستعرض مستنكراً، كم مدير عام أو وزير أو محافظ خرج من عشيرته؟ لا أحد.. لماذا، لأننا سمحنا لأنفسنا أن نكون (مصفقين) لغيرنا.. يقول ذلك ويتفقد ردود الأفعال عند من يستمع إليه.

فخطاب المرشح بالمجتمع العشائري، يكون ذا شعبتين: الأولى لتحريض أبناء عشيرته ليكثفوا من أدائهم من أجل رفع شأنهم، والثاني للعشائر الأقل حظاً لتحريضهم ضد مرشحي العشائر الأكثر حظوظاً..

يتبع