عرب 48 هم لبُّ فلسطين
د. فايز أبو شمالة
هم الذين احتضنوا تراب فلسطين، ولم يتركوه، وذابوا فيه رغم قيام دولة باسم إسرائيل، أخذت هويتهم، وأعطتهم اسمها، فصاروا عرب 48، وصاروا إسرائيليين، هؤلاء هم لب الشعب الفلسطيني، وهم نواة الكرامة العربية، وأزعم أن جميع نسائهم النائبة في الكنيست الإسرائيلي "حنين زعبي"، بإصرارها، وعزمها، وصبرها على اليهوديات أعضاء الكنيست اللائي انفجرن قهراً في وجهها، ولأعضاء الكنيست اليهود الذين رجموها بألفاظ اليهود، وأزعم أن جميع رجال عرب 48، هم حارس القدس الشيخ "رائد صلاح"، وجميعهم تجري في عروقهم الدماء العربية بشكل أكثر سيولة من باقي الفلسطينيين، وذلك لسبب بسيط؛ هو أنهم يعيشون الوجع بشكل يومي مباشر، ويعايشون المهانة والتحقير من اليهودي الذي صار عظم ولحم وشريان الدولة العبرية، وتركهم زوائد، يتوالد لديهم الإحساس بغربة الأقلية وسط محيط يهودي معادٍ في الفعل، لطيف في القول، وهذا الذي أيقظ فيهم التحدي، والمنافسة، وإثبات الذات، فعرب 48، هم الأكثر نظافة لأن اليهودي يعتبر العربي قذراً، وهم الأشد وطنية لأن اليهودي يتهم العربي بالخيانة، وهم الأكثر صدقاً ووفاءً لأن اليهودي يحسب العربي كاذباً وغادراً، وصاروا الأكثر علماُ وثقافة وفكراً كي لا يظهروا أمام الأخر متخلفين.
لقد فرض الواقع على عرب 48 الحياة بالتنافس، والمزاحمة على فرصة العمل، والصراع اليومي لاستنشاق هواء الحياة، وقد أثبتوا ذاتهم، واجتازوا أسوأ المراحل في تاريخهم عندما سعى عدوهم إلى تمزيقهم، وشحذ أطرافهم ضد بعضها، فأدركوا بالغريزة أهمية حياة الجماعة للحفاظ على البقاء، وانتظموا في مجموعات سياسية، واجتماعية، وفكرية، وإبداعية، قادتهم إلى التفوق، والنبوغ، وكظم الغيظ، والصبر، وإعداد النفس لمرحلة قادمة لا يعرف مداها في ظل تنامي التطرف الديني إلا حاخامات اليهود، وحجم ردة الفعل العربية.
لقد مثل الاحتكاك اليومي باليهود حافزاً لتميز عرب 48 في كل الميادين الحياتية، فقد أبدعوا في التعلم، وتحصيل الشهادات العليمة، وأبدعوا في فن البناء، وفي وسائل الإنتاج، وفي إنجاز الأعمال الشاقة، وفي التقدم الزراعي، والصناعي، وفي الثقافة، وفي الفن، وفي حب الحياة، لتسمع أجمل الأغاني، وأعذب الألحان تصدر عن عرب 48، وتقرأ أرق الأشعار، وأعذب الكلمات عندهم، ولديهم أعمق الدراسات والأبحاث الفكرية باللغتين العربية والعبرية، فإن كانت القدس مجال تضحية الشيخ رائد صلاح، فإن انكشاف الرؤيا كان من نصيب الدكتور عزمي بشارة، ليصير الشعر قرين الشاعر محمود درويش، ويصير الأسير "سامي يونس" ابن الثمانين عاماً نموذج الوفاء لفلسطين حتى هذه اللحظة، وما أكثر النماذج!.
قبل أيام تنبه الدكتور فاروق مواسي، كاتب وأديب من عرب 48، تنبه إلى خطأ ـ في همزة القطع ـ وقعت فيه في أحد مقالاتي، فأرسل لي تصويباً! لقد شعرت أن هؤلاء الرجال لا يحرسون الوطن فقط، وإنما يحرسون اللغة العربية، ويراقبون الحاضر، ويحفظون التاريخ، ويرسمون بوقع أقدامه جغرافيا الوطن، قلوبهم الشجن، ويحلمون بانفراجة الزمن!.
--