مع القصيدة الخالدة التي تروي قصة شعب وامة (*)

الجوجي(**) والذبيح(***)

عبدا لوهاب محمد الجبوري

(1)

لو ظنّ الجوجي الزاحف نحونا

أن الذبيح سيغدو سِلالا

وخبزاً تأكل منه الطير

لوجدتني أعصر من ثغرة في دمنا

موتا يمتطي صهوة جواد يصهلْ

ينبش بحوافره أرصفة المغول

يضرب بالسيف

يبني ضريحا من جماجم تسعلْ

وجبّا تحرسه الغربان

فيراه الناس ، وأسمع محمدا (****)

يهمس في أذني :

أبرق لبيروت والشام ..

أبرق لبغداد وبيسان ..

أبرق لحزيران

أن وطني

ما عاد يتعذب

بين ( الثورة والردة والنسيان )

( 2)

لو ظن الجوجي الغارق في مستنقعنا

أن الذبيح تائه في لجة

وأسرار

لعانقتُ الليل

وما يسكب من أقمار

وشتلت غصنَ زيتونٍ

فنارا توشّحه السيوف

والحرائق

والدخان

تستدل به هياكل تذروها الريح

وخيولا تَبعثرَ فرسانها

فلولا تزفّ أكفانها

في صباح غانيةٍ مذعورة

ومدافنَ تتناسل

تؤرّخ للتاريخ

نصوصَا مهجورة

( 3 )

لو ظن الجوجي الساكن في مقابرنا

أن الذبيح صنمٌ

أو رقيب احتلال

سنزفّ له النار

على نجمةٍ

وصليبٍ

وهلالْ

وأطرح على الجنرال ابن الجنرال

ألف سؤالْ

أن الحديث لا يدور

عن طغاةٍ أو لصوص

او حرائقَ غاباتٍ أو فؤوس

أو أشجار في قمم الجبالْ

حديثي عن صبيةٍ

فيها ملامح صدى

تخالط الجمالْ

عيناها صهوة فارسٍ من حطين

يتحرق شوقا

على بساط من الريح والرمالْ

صبية معفرة الجبين

نظراتها بروق

بسمتها رعود

تمحق آلام القرون الطوال

مثل النخيل أناملها

تهتز فتوقظ الشجر الكسول

تغسل بالدموع ندى أسئلتي

وحيثما سقطت

على الذبيح قنبلة

تنبت بين أناملها

ألف سنبلة

( 4)

في هزيع الليل

يتعالى صوتي كالرعود

يُغربل بالنار رماداً

يخنق أطفالنا

يغسل بالنار دخاناً

يكتم أنفاسنا

شهقة سمراء

تحفّ بها وعود من غضبْ

( تبت يدا أبي لهبْ)

شهقةٌ رسمتها مثل زهوي

حبوتُ لها

كطفل يغفو على يديها

فاشتهتْ روحي أرائكها

أُغازل وجنتيها

(ونفسي لا أجاملها

تطاوعني .. أشاكسها )

( 5 )

هنا الشام

تهدر في أعماقنا

بالحب والسلام

من هنا مرت حطين

من منبر حيفا

رأيت مهر صلاح الدين

يصهل ، يزأر

رايات تخفقْ

نارٌ ودخانٌ يتبعها

تشقّ عنان الغضب

والسماء تؤرجحها

لكنها تظل تحلقْ

( 6)

من هنا مرت الخرطوم

والدار البيضاء

من هنا مرت تونس الخضراء

من هنا مرّ المختارْ

يهدر كالبركان

في كل حقل ودارْ

من هنا مر المليون شهيد

من هنا مرت بور سعيد

من هنا مرت بيروت

(سيوفا لآلهة لا تموت )

من هنا مرت بغداد

سنوات عشق

مكللة بأهازيج الحقل والبيدرْ

وجميع حبات المطرْ

مواويل تصهل في شهيقها

قنابل تتفجرْ

تتبادل أشواطها

بالسلالة والجذور

من عهد بابل وأشور

ونبو خذ نصرْ

( 7)

وأمضي بوعدي

أصغي لحبيبتي

التي تُعذبني وتُؤنسني

وأشرعة كنت ألبسها وتلبسني

فاتحاً للصمت

أبواباً من سفرْ

باحثاً عن مقلة ثالثة للبشرْ

في مدينة

تنام في بطون الحوامل

تنتظر استخارة شهر

يتمدّد بين التوابيت

فقيل أن الشهر التاسع

ارتدى أقنعته ورحل

ثم استخرت فاتحة المطر

فعرفت أن الولادة لم تعسرْ

وأن الشهر التاسع لم يرحلْ

كان يسكن بين ( الصلب والترائب)

يحدّثني عن عاصفة

تكنس ارض الشكوك

تمُزّق الورق الأصفر

تغسل الأقذار

من محاجر العيون

تشقّ الصدور توابيتَ

ترجم فيها الظنون

حاملة قنديلَ طفلٍ

سئم نصل العواء

تذوب في غضارة الصحو

تروي ظمأ الصحراء


********************

(*) التسمية اطلقها النقاد والقصيدة محدثة

(**) الجوجي : نسبة إلى يا جوج وما جوج وهنا تأتي كرمز

للمحتل والغاصب والمعتدي ..

(***) الذبيح : هو نبي الله إسماعيل عليه السلام وليس إسحاق

كما تدعي التوراة التي بين أيدينا

(****) محمد الدرة ..