رؤية جورج فريدمان لحروب أمريكا والعالم الإسلامى
بقلم د. إبراهيم البحراوى ٢٢ /٦ /٢٠١٠
جورج فريدمان هو باحث أمريكى فى مجال التكهن بالمستقبل، وهو صاحب شرآة متخصصة
فى هذا المجال. آخر مؤلفاته آتاب يحمل عنوان «المائة عام القادمة.. تكهنات للقرن الحادى
والعشرين». وقد أهدانى نسخة منه الدبلوماسى المصرى السابق محمد قاسم، منسق
نادى الكتاب، تمهيداً لمناقشته هذا الأسبوع.
ينطلق فريدمان فى تكهناته حول المستقبل من فرضية تبدو نهائية وغير قابلة للنقاش
بالنسبة له، وهى أن القرن الحادى والعشرين يمثل فجر العصر الأمريكى بعد أن آان القرن
العشرون قرناً أوروبياً بدأ مع سيطرة الإمبراطوريات الأوروبية على العالم وفى مقدمتها
الإمبراطورية البريطانية.
يدعونا فريدمان إلى عدم استبعاد وقوع المستحيل غير المنطقى فى العلاقات الدولية فى
القرن الجديد، منبهاً إلى أن انهيار الإمبراطوريات الأوروبية آان أمراً يستحيل تصديقه أو قبوله
إذا تكهن به أحد فى بداية القرن العشرين.
نقطة البداية فى فجر العصر الأمريكى عند فريدمان لا تتمثل فى انهيار الاتحاد السوفيتى فى
بداية التسعينيات فى القرن العشرين، بل فى الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١ ،وهو يوم
هجوم تنظيم القاعدة على نيويورك وواشنطن.
هذا اليوم يؤرخ، طبقاً لسياق التحليل، لحرب نشأت بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامى،
ويبدو أنها ستصل إلى ذروتها فى الحرب العالمية الثالثة التى يتكهن فريدمان بأنها ستنشب
عام ٢٠٥٠ ،أى فى منتصف القرن الحالى بين الولايات المتحدة من جانب وبين ترآيا وبولندا
واليابان من جانب ثان.
يتكهن فريدمان بأن هذه الحرب العالمية ستتم بأسلحة مذهلة فى التقدم التكنولوجى
تنتمى اليوم إلى عالم روايات الخيال العلمى، وسيكون الفضاء المحيط بالكرة الأرضية قاعدتها،
حيث ستزرع الدول- والولايات المتحدة فى مقدمتها بالطبع- هذا الفضاء بقواعد إطلاق
الصواريخ الجاهزة للانطلاق لتصيب أهدافها على الأرض فى دقائق بدقة بالغة وبطاقة تدمير
هائلة.
لكن قبل أن يصل العالم إلى الخطة التى يعتقد فيها فريدمان أن جزءاً من العالم الإسلامى،
وهو ترآيا، سيكون قادراً على تحدى الولايات المتحدة عسكرياً وتوجيه ضربة مبكرة مفاجئة
واستباقية لها دعونا نر تفسير المؤلف لما يحدث الآن.
يقول المؤلف فى صفحة ٥» :إذا ما استعرضنا بداية القرن الحادى والعشرين باعتباره فجر
العصر الأمريكى سنجد أنه قد بدأ بقيام مجموعة من المسلمين بالسعى إلى إعادة إحياء
الخلافة، وهى الإمبراطورية الإسلامية العظيمة التى امتدت فى وقت ما من المحيط
الأطلنطى إلى المحيط الهادى، وآان على هذه المجموعة بالضرورة وعلى نحو حتمى أن
توجه ضربة إلى الولايات المتحدة فى محاولة لجرها إلى الحرب وفى محاولة لإظهار ضعفها
بقصد تفجير ثورة إسلامية، ولقد استجابت الولايات المتحدة بغزو العالم الإسلامى غير أن
هدفها لم يكن إحراز النصر».
هنا أرجو أن يلتفت القارئ بشدة إلى الهدف، آما يراه فريدمان، فهو هدف يفسر آثيراً من
المظاهر التى نراها فى المجتمعات العربية والإسلامية.
يقول فريدمان فى نفس الصفحة: «إن هدف الولايات المتحدة ببساطة هو تمزيق العالم
الإسلامى وزرع الفوضى فيه وتأليب أطرافه بعضها ضد بعض، ذلك أنه يمكن منع بزوغ
الإمبراطورية الإسلامية بهذه الطريقة».
ويؤآد فريدمان فهمه للهدف الأمريكى بقوله: «إن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى أن تكسب
الحروب. إنها تحتاج ببساطة لزرع الفوضى والتمزق، وبهذا لا يتمكن الطرف الآخر من بناء القوة
اللازمة لإشهار التحدى فى وجهها».
إننى أعتقد أن فريدمان يضعنا بصراحة أمام استراتيجية الإمبراطورية الوحيدة حالياً فى العالم،
وهى استراتيجية لا يعمل بها ضد القاعدة والعالم الإسلامى فحسب بل ضد أى دولة أو قوة
تظهر المؤشرات أنها فى طريق الصعود الذى يُمكّنها من إشهار التحدى. يشير فريدمان هنا
إلى توقعات بعض الباحثين بأن المتحدى الثانى للولايات المتحدة هو الصين، غير أنه يرفض
هذا التكهن لأسباب يحددها، تخص الترآيبة الصينية، ويؤآد أن المتحدى الثانى سيكون
روسيا.
هنا يقول إن روسيا تعمل حالياً على إعادة خلق مجال نفوذها القديم، وإن هذا المجال
بالضرورة سيظهر التحدى للولايات المتحدة وإن هذا سيؤدى إلى خلق حرب باردة جديدة،
ولكن بعد أن تنتهى الحرب الأمريكية الإسلامية الراهنة.
أما لماذا يستبعد فريدمان الصين آمتحد للولايات المتحدة فإنه يسوق ثلاثة أسباب: الأول أنها
بلد معزول جغرافياً، حيث تحدها سيبريا من الشمال وجبال الهملايا والغابات من الجنوب فى
حين يترآز معظم سكان الصين فى الجزء الشرقى، وهو ما يجعل تمدد الصين أمراً غير
ميسور.
أما السبب الثانى فهو أن الصين لم تكن قوة بحرية آبرى خلال القرون الماضية، وهو أمر
صعب ومكلف بالنسبة لها حالياً.
أما السبب الثالث الذى يقدمه فريدمان، لتبرير عدم قلقه من الصين فهو أنها معرضة لعدم
الاستقرار فكلما فتحت حدودها للعالم الخارجى حظيت الأقاليم الساحلية بالرفاهية، بينما
تبقى الأغلبية الجارفة داخل البلاد فى حالة فقر، وهو ما يؤدى إلى التوتر والصراع وعدم
الاستقرار وإلى قرارات اقتصادية تصدر لأسباب سياسية.
ويتوقع فريدمان أن يظهر شخص مثل «ماو» فى الصين ليعيد البلاد إلى سياسة الانغلاق
وبالتالى الضعف. ويرى المؤلف أن الولايات المتحدة ستدعم الصين لتكون شريكاً لها فى
احتواء روسيا وبالتالى يستبعدها آمتحد لبلاده.
أما عن مبررات صعود ترآيا وتحولها إلى قوة ستتحدى الولايات المتحدة فى منتصف القرن
وبالتحديد فى ٢٠٥٠ فيرى المؤلف أن ترآيا حالياً تحتل المرآز السابع عشر بين أقوى
الاقتصادات فى العالم، آما أنه يضع فى الحسبان أن الإمبراطورية الإسلامية آما يسميها
آانت تاريخياً محكومة من جانب الأتراك.
آذلك يرى أن ترآيا حالياً تمثل منصة مستقرة وسط أمواج من الفوضى، فالبلقان والقوقاز
وآذلك العالم العربى فى الجنوب آلهم يعانون حالة عدم استقرار، فضلاً عن آل هذا فهو يرى
أن قوة ترآيا تنمو، وأن اقتصادها وجيشها قد أصبحا بالفعل الأقوى فى الإقليم وآذلك النفوذ
والتأثير الترآى.
إذا عدنا إلى المساحة التى نعيش فيها زمنياً فسنجد أن المؤلف يبدو متأآداً أن الحرب بين
الولايات المتحدة والجهاديين- على حد تعبيره- تقترب من نهايتها، وأن خط الدفاع الأول ضد
الأصوليين الإسلاميين سيكون مكوناً من الدول الإسلامية ذاتها التى يرى أنها ستستخدم
قواها الوطنية، أى المخابرات وقوات الأمن والجيوش وسائر القدرات، من أجل سحق القاعدة.
ويعود المؤلف فى موقع آخر من آتابه للتأآيد على أن الولايات المتحدة تكسب طالما أن
القاعدة تخسر، وواضعاً تأآيداً خاصاً على معنى العبارة التالية الواردة فى ص ٤٩ من الكتاب:
«إن عالماً إسلامياً تدب فيه الفوضى وغير قادر على التوحد يعنى أن الولايات المتحدة قد
حققت هدفها الاستراتيجى».
إننى قد توافقت على الفور مع الدبلوماسى محمد قاسم على أن هذا المعنى يوحى بشدة
باستعادة مقولة وزيرة الخارجية آوندوليزا رايس حول أهمية الفوضى الخلاقة. إننى على ثقة
أن أى قارئ عربى أو أمريكى سيجد فى عبارات جورج فريدمان تفسيراً واضحاً لعبارة رايس
بما لا يدع مجالاً للغموض أو لافتراض أنها تعنى التحول إلى الديمقراطية، فالعبارة بوضوح
تعنى زرع الفوضى والتمزق آهدف أمريكى آما يشرحه فريدمان.
السؤال الذى يبقى حائراً فى ذهنى هو: آيف ستسمح الولايات المتحدة لترآيا بالنمو والقوة
إلى درجة أن تشن عليها حرباً عام ٢٠٥٠ بصورة مفاجئة؟ وأين ستكون استراتيجية الإجهاض
المبكر وزرع الفوضى والتمزق إذن تجاه ترآيا آوسيلة لمنع هذا الهجوم الذى يتكهن به فريدمان