الإلحاد اليهودي .. الشيوعي!!

مدخلان لهذه الكُليمة التي تمنيت ألا أكتبها،لولا وعد بأن أفعل.
المدخل الأول : امرأة كانت تنتمي لجماعة إسلامية ،وحين رأت موقف او موافقة"شيوخ"على ضرب بلدها ... تغير موقفها .. ثم بدأت تسأل : كيف نعرف أن القرآن لم يبدل؟
المدخل الثاني : مقالة – ربما من جزأين – كلها قدح في الإسلام ،وتوجيه رسالة لـ(عزيزي الله) ... وكلام فاحش عن الجنة،والحور العين،والخمور .. إلخ.
عطفا على المدخلين .. نحن أمام نوعين من الملحدين :
ملحد يعترف بوجود "الله" – سبحانه وتعالى – ولكنه يرفض ما جاء في القرآن الكريم ..في تحد سافر .. فهذا،وخصوصا حين يأتي دون "اسم صاحب الرأي"فهذا لا مجال للحوار معه .. وإن كانت الكاتبة تقول إنها ترفض الجنة بسبب كذا وكذا .. فلعلها – إن لم يهدها الله سبحانه وتعالى – تطلب "نارا"دون زقوم أو مع الزقوم!! ولا ذكر للنار في المقالة ... رغم وجود ما يدل على الاطلاع على القرآن الكريم وتتبع بعض آياته،التي تتحدث عن الحور العين .. إلخ.
أخبرنا الحليم العليم – سبحانه وتعالى – في القرآن الكريم عن قوم وصفوه – جل وعلا – بالبخل .. وبأنه اتخذ ولدا .. سبحانه وتعالى .. ورد عن الفرية الأولى"بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء" المائدة 64
وهذا النوع هو الذي جعلني أتمنى عدم الكتابة،أو عدم القراءة أصلا ... متذكرا قول الحق سبحانه وتعالى : "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره "الأنعام 68
فالمقام ليس مقام "حوار"وبحث عن الحقيقة .. وإنما مقال "شتم" .. إلخ. ويبدو الأمر أحيانا ليس أكثر من سعي لهدف واحد،هو زرع أسئلة الشك في ذهن القارئ ... ليغذيها الشيطان بعد ذلك.
بينما يعطينها الله – سبحانه وتعالى – بحلمه عن المفترين عليه ،درسا .. بأن الوعد هناك .. يوم القيامة.
مثل تلك السيدة المتحولة .. والتي يفترض أن تقف مع نفسها لتسأل : هل الله – سبحانه وتعالى – موجود أم لا؟
الله سبحانه وتعالى موجد .. وقد خلق هذا الكون .. ودبره ... ووعد بحفظ كتابه . . فالكتاب محفوظ .. بحفظ القادر على كل شيء سبحانه وتعالى،وبما أنها تنتمي إلى جماعة إسلامية ،فيفترض أنها تعلم أن القرآن الكريم نقل بالتواتر .. حتى أنها لا زالت تقرأ "بالسكتات"كما سكت عندها النبي صلى الله عليه وسلم .. إلخ.
أما إذا كانت تؤمن بعدم وجود الله .. سبحانه وتعالى .. فعن أي قرآن تسأل ؟
النوع الثاني من الملحدين : ملحدون يصمتون عن مسألة وجود الله – سبحانه وتعالى – ويكتفون بالحديث عن الشبهات .. أو الأسئلة التي يديرونها .. و قصدت من جاء في العنوان الذي يتربع على رأس هذه الأسطر .. "الإلحاد اليهودي" .. يقول بيجوفيتش :
( ولم يعرف كافكا إلى أي عالم أو أية جنة سينتهي؟ كما يقول عنه أندرز معبرا بذلك،عن النمط العام للتيه الداخلي لليهود عامة.الإلحاد اليهودي غريب فهو لا ينكر الله،ولكنه يرفض أن يعترف به ويعبده. (..) كل ديانة تؤمن بأن هذا العالم ليس جائزة،وإنما هو ابتلاء. ولكن اليهود لا يشعرون بذلك،وهنا يكمن إلحادهم.){ ص 253 ( هروبي إلى الحرية ) / علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : إسماعيل أبو البندورة / دمشق / دار الفكر / الطبعة الثالثة 1429هـ = 2008م }.
هذا الإلحاد اليهودي،أما الشيوعي فقصدت به :
(أنشئ في الاتحاد السوفيتي عام 1925م "اتحاد الملحدين المقاتلين"الذي أصدر عام 1922 – 1941 م صحيفة الملحد ،,عام 1925م مجلة بالاسم نفسه وخلال ذلك الوقت صدرت أيضا صحيفة الملحد المقاتل. (..) ثم في عام 1964م تأسس معهد خاص بالإلحاد العلمي ){ ص 350 (هروبي ..}.
وبعد .. سأكتفي بنقل بعض النصوص عن المفكر الإسلامي علي عزت بيجوفيتش ...
1 - (إذا لم يوجد الله فلا وجود للإنسان. وإذا لم يكن الإنسان موجودا فلا وجود للمسؤولية،وإذا لم توجد المسؤولية فلا توجد جريمة،إذا لم يكن الله موجودا فلا وجود للجريمة. إذا لم يكن الله موجودا فكل شيء مباح.){ ص 99 ( هروبي ...)}.
2 - (دافع عن "حق الضحية"في أوربة والغرب عامة اليمينيون،بينما دافع اليساريون بهذه الطريقة أو تلك عن المتهم. ولمدة قرنين تقريبا منذ العقلانيين وإلى الآن،فإن ضحية المجرم كانت منسية بشكل رئيسي. (..) الإلحاد والدين انقسما هاهنا. بقي الإلحاد إلى جانب المجرمين،والدين إلى جانب الضحايا){ ص 258 ( هروبي .. )}
3 - ( الاعتقاد البسيط بالمسؤولية بعد الموت،وأن الناس مسؤولون عن أعمالهم،أو بالأحرى كيف يتصرفون بحريتهم،تعني لي فكرة حقيقية أو فكرة تجعل لهذا العالم معنى. كل الحقائق الفيزيائية النيوتونية أو الأينشتانية وكل المعارف عن الفضاء والبيولوجيا والبسيكولوجيا يمكنها أن تبقينا بلا مبالاة. لكن فكرة المسؤولية مثيرة وحقيقية.){ص 264 ( هروبي ....)}.
4 - ("التصفية والعقوبة" التصفية هي علاقة تجاه الأشياء،والعقوبة علاقة تجاه الإنسان. وحتى نقوم بتنفيذ التصفيات يجب على الإنسان قبلا أن يتوقف عن كونه إنسانا،يجب أن يصبح شيئا أو حيوانا. وبهذا القدر كانت الداروينية شرطا للستالينية،اختلاف التصفيات وتطورها بانتظام لا يمكن إلا في عالم ليس فيه إله،وليس فيه بالطبع وجود لبشر.){ ص 328 ( هروبي ..)}.
5 - ( في أقاصيص من الكوليما "كتاب عن معسكرات الاعتقال الستالينية" قد "فارلام شالاموف" وصفا لحياة وموت سجناء سيبيريا. (..) يقول صفحة 251 :"كنتُ جثة طبيعية وعشت في حالة نفسية مشابهة للجيفة"){ ص 338 – 339 ( هروبي ..)}.
("فارلام شالاموف "الكاتب الروسي (..) ولد عام 1907م،وتوفي في عام 1982م،قضى في المعسكر من أعوام 1929 – 1934م ومن أعوام 1937 – 1957م أي ما يقارب الخمسة وعشرين عاما. هذا الكاتب المعذب،يكتب أن الحصان يفقد القدرة أسرع من الإنسان,لا يوجد حصان "ما عدا الياقوتي"يمكنه احتمال ما يمكن أن يحتمله البشر في معتقلات سيبيريا الستالينية. (..) ربما يكون الأمل هو الذي أبقي الإنسان في أصعب الظروف. هكذا يكمل "شالاموف"تأملاته،لأن الحيوان،لا يعرف الأمل والإنسان وبفضل بعض الجنون وفي بعض الحالات يواصل الأمل فيبقى على قيد الحياة){ص 244 (هروبي ..}.
6 - (سئل ألان بوسكيه أي فلسفة تختار؟ فأجاب :"السلام الداخلي المملوء بالشهوات"){ ص 299 ( هروبي..)}.
وأخيرا :
7 - (تبدو لي أحيانا تلك الحقائق القديمة و الكبيرة عن الله وكأنها جبال كبيرة راسخة سامقة،وفي هدأتها لا تعبأ بالاضطراب العام والمشاحنات،أو بسبب أن مبشرا رمى عليها حجرا! أحيانا تظهر الغيوم وتزيلها،ويلمع البرق والرعد،ثم يهدأ بعدها كل شيء،وهذه الجبال بقممها المغطاة بالثلج الأبيض ترتسم بوضوح في السماء الزرقاء){ ص 89 ( هروبي..)}.
هذه العذابات .. والجرائم التي ارتكبها البشر،إذا لم يكن ثمة يوم آخر ... وإله - قادر سبحانه وتعالى – على الاقتصاص لأهلها من المجرمين .. فعلى الملحد .. الصادق مع نفسه .. الغارق في آلام المرض .. والمعاناة .. والمخرج للفضلات،والمتقيئ – أعزكم الله – عند المرض .. والمكبل بقيود المجتمعات أيا كان نوعها .. إن كان صادقا مع نفسه عليه أن ينتحر

أبو شرف : محمود المختار الشنقيطي المدني