الهاموند ولعنة الهنود الحمر...بقلم آرا سوفاليان
لي صديق يدعى فؤاد عوض هاجر الى كندا مع اولاده الأربعة قبل عقد من الزمان، ولا زال على صلة مع كل اصدقاءه واصحابه الذين تركهم في الشام وأنا منهم حتى اليوم، وكان في البدايات مثلي عازف اورغ، دفعني أعضاء فرقتي المبتدئة في العام 1970 الى زيارته لعله يعلمني طريقة وضع الكوردات على الكيبورد، وكنت متفائلاً أكثر فلقد صممت على أن اطلب منه الكوردات المتعلقة ببعض الأغاني الغربية الشهيرة التي كانت متداولة وقتذاك.
ذهبت الى منزل الرجل لزيارته دون سابق معرفة في القصاع منطقة الغساني حيث بحثت عن منزله وقرعت الجرس ففتح لي الباب...وعرفته عن نفسي فرحب بي وطلب مني الدخول وشرحت له سبب الزيارة بدماثتي المعهودة، فدخل الى غرفته وعاد وهو يحمل دفتر وقلم وطلب مني التوجه الى ناحية أخرى من الصالون حيث يوجد بيانو قديم يحوي شمعدانين من النحاس فربما كان هذا البيانو يعود لفترة ما قبل دخول الكهرباء الى سوريا... وأجلسني أمامه وعلمني طريقة اشتقاق الكوردات انطلاقاً من علامة معينة من نوطة الدو الى نوطة السي فيما يتعلق بالماجور دو مي صول صفر اربعة ثلاثة...ثم أعاد الكرة للمينور دو ريدييز صول صفر ثلاثة أربعة...وعلمني السيتييم والسيتييم ناقص والسيتييم زائد والكاترييم ثم الديمينيتش ولم يتركني حتى تأكد أنني استوعبت كل ما قاله وطلبت منه كوردات بعض الأغاني فكتبها لي بكل رحابة صدر وودعني الى الباب...وبالطبع فلقد كانت مساعدته قيمة حيث وضعني على السكة ودفعني الى الأمام. كنت أحضر معظم حفلاته واستمرت صداقتنا وكان بارعاً في تبديل الأورغات وامبليات الصوت المرفقة والليزلييات الضوئية الدوّارة في الوقت الذي كنت فيه طالب مدرسة لا دخل لي وكنت لم أشتري بعد الأورغ الأول الخاص بي.
ولأنه لا يمكن لعازفيّ اورغ ان يجتمعا في فريق واحد...فإنا لم نلتق في فرقة واحدة على الاطلاق...وهجر فؤاد العمل في الفرق الموسيقية بعد الزواج وأدرك ان هذه المسألة لا تعيل أسرة...فالتقيت ببعض الأشخاص الذين كانوا يعملون معه وعزفت معهم ومنهم بسام أيوب ليد غيتار وزهير الخطيب بيس غيتار وطوني إغو ساكسوفونيست وهو من حلب وفريد قردوح عازف درامز وهو من حمص...اجتمعنا في العام 1977 وعزفنا في شاطئ الأحلام في طرطوس...وجئت مع هذا الفريق كعازف اورغ بدلاً من فؤاد عوض الذي كان يعزف مع نفس الفريق قبل عام واحد وفي نفس المكان مع رسلان حواصلي عازف الكيتار البارع وقتذاك...وتم في سنين لاحقة العزف مع زهير الخطيب وانضم رسلان حواصلي الى فرقتنا وعملنا معاً في الحديقة الخضراء الجسر الخامس ـ طريق المطار...ثم شكلنا فريق ثلاثي وعملنا في الميريديان سنة كاملة انا ومسلم شطي ورياض صالومة.
كنت أسأل عن فؤاد ويأتيني الجواب بأنه تفرغ لأعمال الألومنيوم والمطابخ الأميركية والواجهات والديكورات...وفجأة تبين ان فؤاد عوض يقطن مع عائلته في البناية التي اشتريت فيها بيتي الحالي في جرمانا...وكانت ايام جميلة مضت بسرعة تخللتها مشاوير وسيارين الى زرزر والى الغوطة وحفلات عشاء وموائد على العشب الغازون في منزل فؤاد الأرضي حيث تم لم الشمل واجتمعنا انا ومسلم شطي وماجد حواصلي شقيق رسلان في سهرة رائعة أكتشفت فيها ان لمسلّم شطي عازف البيس غيتار اسم حركي هو "زلوخ" وزلوخ كلمة تركية معناها النبع ولا أعرف كيف تم اختيار هذه الكلمة واطلاقها على مسلم شطي وهو متزن ودون جوان وثقيل وراكز...وكانت زوجة فؤاد تنادي مسلّم بإسم زلوخ وتهدر الضحكات حول المائدة.
وشاء الله ان يبقى فؤاد وحيداً مع أطفاله وحزنت من أجله كثيراً ورافقته في الجنازة وعدنا معاً تكوينا المرارة ويلفنا الحزن وصرت اذهب لزيارته في المحل الذي تحوّل الى مطعم...ونعود معاً نصبّ ونعبّ...واقداح تصعد وكؤوس تنزل وصحون تذهب ملآنة وتعود فارغة...وكان يترك لي مصباح البيت مضاءاً ومعنى ذلك عندما تعود اقرع الباب فأنا بانتظارك...وقرر فؤاد الهجرة الى كندا وودعته بعينين مبتلتين فلقد كان مخلصاً الى آخر الدرجات وصاحب لهفة.
اشترينا الكومبيوتر معاً وخضع لنفس الدورة التي أخضعني لها في الموسيقى ولكن على الكومبيوتر ووضعت له كل البرامج المطلوبة والذكريات على أقراص مدمجة واشترى كيبورد عربي وسافر...وكان في مساء اليوم الثالث يكلمني من غرفة محادثة.
وكانت لدي ثلاثة امنيات لم تتحقق واحدة منهن وكنت اتحدث مع فؤاد في نطاق الكاس والطاس وكمشة الموالح عن أي شيء إلا هنَّ، وهنَّ على التوالي:
1 ـ تمنيت ان اكون طياراً حربياً وذهبت مع رفاقي وتقدمنا للإمتحان في نادي الضباط القديم في الصالحية ونجح من نجح منا... وانا والشهيد الطيار محمود الحلاق من الناجحين...وكان في اللجنة مساعد أول يعرف والدي...وكنت قد تقدمت للامتحان بدون علمه...فعلم والدي وضاع مصنفي وبالطبع فشلت الأمنية.
2 ـ تطوعت سيدة تنتمي للحزب الشيوعي الأرمني بالسعي لتقديم منحة دراسية لي من جمهورية ارمينيا السوفياتية لدراسة الموسيقى فعلم أبي وكان يحب الشيوعية لدرجة العبادة، فنسف المشروع من اساسه على الرغم من وصول المنحة فضاعت الأمنية الثانية.
3 ـ كنا نتدرب في قبو دير الفرنسيسكان انا وأيمن فحام وسمير فحام وباسل شحادة وعلي جمعة واسامة زعرور من أجل عقد عمل في مطعم نداف في بلودان يتلوه عقد عمل شتوي في الكاف دو روا وبعد انتهاء التدريب ذهبنا انا وأيمن فحام الى محل شاهين للموسيقى الواقع قبل مدرسة دار السلام، فلقد أوصى ايمن فحام على اسطوانة جديدة صدرت لفرقة Deep Purple واسمها Deep Purple in Rock وتولى محل شاهين احضارها من بيروت وصعدنا انا وايمن الى الملحق فوق دار اهله الكائن في ساحة النجمة لسماع الاسطوانة...وفقدت صوابي وانا استمع لأغنية Child in Time وكنا انا وأيمن نستخرج الكوردات ونحفظ الصولو وشعرت أني في وادي عبقر والموسيقى تلفحني من جميع الاتجاهات، لقد كان شيء من المجون ينطلق من مكبر الصوت المتصل بقارئ الاسطوانات...كان هناك جهاز اورغ رهيب يصدر موجات دوارة من السحر الغير مألوف المصاحب للبيركشن، كان الأورغ هو من طراز Hammond ويعمل على مكبر صوت يحوي سبيكر ووفر وميدل رينج وتويترات دوارة ويعرف بإسم جهاز Leslie لتكبير الصوت وهو مخصص للأورغ...ولم يكن للأورغ وكيل في سوريا وفي لبنان طلب منا ان ندفع ثمنه سلفاً ليتم استيراده، وكان الثمن مرهقاً وخيالياً وأجور الشحن خيالية أيضاً فالأورغ والليزلي التابع له ثقيلان جداً...وصرفت النظر عن الموضوع...وضاع الحلم الثالث وبقيت لي الاسطوانة البديعة التي اطارد فيها في كل مرة أصوات الهموند...ولا أعرف كيف حدثت الصدفة فلقد تخلت احدى الفرق التي زارت سوريا عن اورغها الهاموند القديم، والليزلي المتعلق به...واسرعت لشرائه فسبقني البدليسي اليه...وباعه البدليسي فاشتراه سيروب ماتوسيان وحدث لي ما حدث من قبل وباعه سيروب ماتوسيان فاشتراه ديميتري خريستو بأقل مما بيع في المرة الأولى والثانية والثالثة...وفي عزيمة على الغذاء في دار ديمتري أخذني ديميتري الى غرفة منفصلة يجلس فيها الهاموند كالملك على العرش...وداعبت مفاتيحه وسمعت أصواته وخبئت وجهي لكي لا يراني ديمتري وانا أبكي.
وبالعودة لحبيبنا فؤاد عوض عازف الأورغ المقيم في كندا والمغرم بالمزادات فلقد نقل إلي عبر الايميل الرسالة الآتية مرفقة بالصور.
آرا ذهبنا اليوم لحضور مزاد لبيع الأشياء المستعملة وانتظرت طويلاً حتى جاء دور هذا الأورغ الهاموند وافتتحت المزاد بخمسون دولار فلم يواجهني أحد...50 دولار لهذا الأورغ الهاموند الرائع فهل من يزيد...لا أحد طيب على اونا على دويت على تري مبروك عليك الهاموند ايها السيد...ودفع فؤاد 50 دولار كندي "والدولار الكندي كان أرخص من الدولار الأميركي" وحمل الهاموند الى بيته.
واضعت عمري خلف هذه الامنيات الثلاثة ولم اتمكن من تحقيق أي واحدة منها...واليوم ذهب فؤاد عوض الى قاعة المزادات ووضع صورة له تشبه الكابتن هادوك باللحية البيضاء ودار تحت الخبر الحوار الآتي:
Tony Abajian
Where is your pipe professor Awad ? نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي...nice pic, you should make it your profile pic
Fouad Awad اي مبين فيها شب
Tony Abajian مبين فيها بروفيسور بس كان لاازمك غليون
Tony Abajian برأيي لازم تسااويها صورة البروفيل
Fouad Awad الخميس الماضي كان في بالأوكشن لوحة عليها 22 غليون مشكلين و في تنين عاج وصلت للثلاثميت دولار و وقفت و بالأخير انباعوا بستمية و خمس و عشرين كان بدي اياهم للصمد بس لآني تارك التدخين من زمان
وتدخلت انا في الحوار...ووالله العظيم لا حسد ولا ديقة عين لأنو ماحدا قدي ولا قد فؤاد بيتمنى كل واحد فينا الخير للتاني ...بس حلم خاص فيني وضاع مني وفؤاد ما بيعرفو ابداً...فكتبت لفؤاد...
Ara Souvalian بيكفيك المزاد تبع الهاموند اما مزاد الغلايين فيذكرني بخدمة الهنود الحمر للانسان الأبيض بحيث الانسان الأبيض قتل 50 مليون هندي أحمر بعد ما فتح قارة اميركا والهنود الحمر عرّفوا الانسان الأبيض على الدخان وخدموه خدمة العمر...واليوم بالسنة الواحدة بيموت 50 مليون انسان من الدخان...فمولانا خليك عل مزاداتك يللي متل تبع الهاموند وعرفلنا أي طراز هاموند عزفوا جماعة الـ Deep Purple عليه أغنية Child In Time واذا صحلك انت او طوني عبجيان تحطولنا صورتو لهادا الهاموند المتعلق بهذه الفرقة وهذه الأغنية ويمكن طوني عبجيان من أميركا بيجيبها أسرع ...اشتقنالكون يا فؤاد ويا طوني وبي بي الغربة الوطن حنونا بس لا تجوا اليوم...خلوكن هنيك في البلد الذي يحفظ كرامة الحيوان ويمنع كلب شيان لو من التشاجر مع قطة آمنة وجالسة في حضن حبيبنا أبو الفوف كما في الصورة...خليكون هنيك.
آرا سوفاليان
كاتب في الشأن الانساني وباحث في الشأن الأرمني
دمشق 27 10 2012
arasouvalian@gmail.com