عرضت في المقالة السابقة الحقائق المرة، أو بالأحرى جانب من الحقائق المرة التي تعاني منها الأمة الإسلامية، ولاسيما الجزء العربي منها، وفي الحقيقة فإن مشكلتنا في فلسطين ليست هي كل مشكلتنا، بل ربما ليست هي المشكلة الأكثر أهمية أو خطورة.
فإن مأزقنا لا يقبع في فلسطين، بل إن المأزق الحقيقي قابع في كل بيت، بل في كل نفس، مشكلتنا هي وجودنا الحضاري برمته، غير أن قضية فلسطين كانت المفتاح الذي نلج منه إلى حقيقة المأزق الذي نعانيه، أو أنها المعيار الذي يذكرنا في كل وقت بما نحن عليه في الواقع. فقضية فلسطين جزء من المأزق الكلي والشامل الذي تعاني منه أمتنا، ومعالجة جزء من المأزق لا يأخذ مداه الحقيقي والفعّال ما لم تمتد يد المعالجة إلى طبيعة المأزق برمته، فما حقيقة المأزق الذي تغلغل إلى كل جزئيات حياتنا؟ من المسؤول عنه؟ كيف السبيل إلى معالجته؟!
ولأن الأمر ليس مسألة طبية مع كثرة الألفاظ (الطبية) المستخدمة في توصيف الحالة التي نعانيها، لذا فإن الأمر لا يمكن معالجته بـ(وصفة) يتم تناول جرعات منها بنظام معين، ثم بعد ذلك يستوي الأمر ونتماثل للشفاء، لنعود إلى المسار الطبيعي لحياتنا، والأفضل أن نستعير التشبيهات اللفظية في التوصيف حتى نكون وجها لوجه أمام الحقائق، حلوها، ومرها، إن كان فيها ما هو حلو! وعلى الرغم من كل هذا أقول: حذار من اليأس، فـ(إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، [يوسف:87].
أين نحن الآن؟
يقال: إن رئيساً من رؤساء الدول صنف الأمم والشعوب، وجعلها في درجات فكان نصيب العرب أن احتلوا الخانة الأخيرة في الترتيب!! ولا ريب في أن ذلك يشكل صدمة حقيقية لنا، غير أن الصدمة الحقيقية ليست في أننا نحتل الخانة الأخيرة هذه! بل وإن الصدمة الحقيقية هل هي أننا فعلاً نسير في ركب الحياة مع الآخرين فاحتللنا الخانة الأخيرة؟!
باستخدام معايير الموت والحياة البشرية، نكتشف أن معنى الحياة عندنا معنى زائف؛ فنحن نفهم الحياة على أنها إشباع بعض الحاجات الغريزية، وبطريقة استهلاكية لا ترقى إلى مستوى الأداء الإنساني الحقيقي، همومنا ذاتية وشخصية إلى أقصى حد، عطاؤنا رتيب وبطئ مثل دولاب الماء الذي ينقل الماء وبطئ وتمهل من النهر إلى الساقية، ثم نمضي في التهام معطيات حضارة الآخرين من غير تمييز حقيقي بين سليمها وسقيمها، ثم نبدو وكأننا متحضرون!!
وكثيرون هم الذين يجترون هذه المعطيات بحماسة، معتقدين أن فيها حبل النجاة، بل إن الغشاوة أعمت أبصار وبصائر هؤلاء، حتى توهموا أننا نعيش في حالة نهضة، أليست سياراتنا فارهة؟ وعماراتنا شاهقة؟، وقرانا مكهربة؟ وشوارعنا نظيفة؟ ومكاتبنا فيها حواسيب؟ بل إن بعض مدننا راح سكانها يرطنون بالإنكليزية كلغة تعامل يومي في الأسواق أو المكاتب الفخمة.
ثم نتجاهل الحقائق المرة الآتية: أن مجموع الدخل القومي لكل الدول العربية، بما فيه الدول النفطية لا يساوي مجموع الدخل القومي لدولة مثل: إسبانيا أو ايطاليا، مع انه هذه ليست من دول الخط الأول في الرقي والتقدم المادي طبعاً، ومع هذا فإن هناك من يرى أننا شعوب غنية والحقيقة خلاف ذلك.
ونسبة الأمية في بلادنا هي الأعلى في العالم، ولدولنا موقع الصدارة في الفساد المالي والإداري, وبلداننا هي الأسوأ في العالم قاطبة في مدى احترام مواطنيها, جامعاتنا لا تحتل ربما أية مكانة بين جامعات العالم، نسب المساهمة في الإبداع العلمي العالمي ليس لنا فيها أية مكانة، بعد كل هذا يأتي من يتحدث عن النهضة الحضارية التي تشهدها بلادنا، متجاهلاً حقيقة إننا سوق رائجة لمنتجات الآخرين.
</b></i>
***********
والحقيقة أذن أتنا لا نسهم في صناعة الحياة، ونجيدُ فقط عملية الاستهلاك، وهنا أيضاً لابد من القول: إن استهلاكنا نفسه ليس حضارياً، بل هو استهلاك عشوائي غير منظم، ولما كنا خارج صناعة الحياة، فنحن إذا خارج حركة التاريخ، فنحن لا نحتل المرتبة الأخيرة بل نحن لا مرتبة لنا، ومهما كان الطعم مراً، ولا يمكن إساغته، إلا انه للمرارة هذه مذاق طيب، وهنا أجد إن التشبيه لا مفر منه.
فثمة فرق بين مريض يعرف علته، وأخر لا يعرف علته، فالأول على الرغم من بلواه لكنه بوسعه إن يفرح قياساً بالثاني الذي لا يعرف علته، الأول بوسعه إن يتلمس بوادر العلاج، غير إن الثاني ليس له أمل بعد، فمهما كان توصيفنا للواقع الذي نعانيه، إلا أن فهم الحقائق يساعد على تلمس الطريق.
من المسؤول؟
قيل: لأحد الخلفاء المسلمين لماذا لا نكون مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ قال:ائتوني بناس مثل الذين كان فيهم عمر فأسير سيرته!! قد يبدو الجواب ذكياً أو فطناً ويخرج المسؤول من المأزق، ولكن لا يعفيه من المسؤولية، هكذا إذن نحن، ليس الحاكم مثل عمر بن الخطاب، وليس الناس مثل الذين كانوا في زمن عمر بن الخطاب، فإذا كان هذا حال الحاكم، وهذا حال المحكوم، أليس ثَمَّ فريق ثالث يحاول إن يؤدي دوره في تغيير هذا الواقع؟ أليس ثمة قوى، وأحزاب وكيانات وتكتلات لها برامج وأهداف، واستراتيجيات وتكتيكيات؟ فأين هذه من العمل اللازم؟ والحقيقة فإن هذه القوى والأحزاب ليست من نوع واحد، ففيها اليمين وفيها اليسار، فيها التقدمي وفيها الرجعي، فيها الاشتراكي وفيها الرأسمالي فيها القومي وفيها الوطني بل وفيها الأممي، كل هذه الألوان، وربما غيرها ينتظمها خيط واحد أنها: فشلت جميعاً في تحقيق أي من أهدافها وبرامجها، وليس الدليل بمعجز لأحد، فنحن على ما نحن عليه منذ أمد بعيد، ودعك عن المظاهر الاستهلاكية الزائفة، فنحن منذ قرون قد خرجنا من مسار التاريخ، أو من ميدان الريادة في الأقل، وأي من هذه القوى لم يعيدنا إليه على أي مستوى من المستويات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، إذ ما زالت أقدامنا تراوح مكانها دون نقطة الصفر.
وأنظمة الحكم حالها، كحال الذي أراد شعباً مثل شعب عمر بن الخطاب فهي عاجزة بمعنى العجز الكلي، عن تحقيق أي تغير حقيقي وجاد في بنية مجتمعاتنا، وربما عاد ذلك إلى جملة أسباب، لعل في مقدمتها: أن معظم هذه الأنظمة لم تصل إلى سدة الحكم بطريقة مشروعة، فما أن أمسكت بزمام السلطة حتى راحت تشغل همها في كيفية البقاء، والبقاء وحده في السلطة، ولأنها تريد هذا وحده وتتمسك به بكل قوة.
</b></i>
**************
فإنها أدركت جيدا أنها (اغتصبت) السلطة، وكل مغتصب يخشى من أن يُسترد منه الحق، لذلك لم يعد لهذه النظم من هَمٍّ سوى حراسة كراسي الحكم، والخطر طبعاً لا يأتي من الخارج! بل انه قابع هنا في الداخل، لذلك أصبحت الشعوب هي العدو الحقيقي لهذه النظم، فنشأت حالة من الارتياب وعدم الثقة بين الطرفين، غير أن النقطة الخطيرة والحرجة في هذه المعادلة: أن طرفيها غير متكافئين، فثم حاكم ومحكوم، قوي وضعيف، سالب ومسلوب، وهكذا قبعت، وأقول قبعت فعلا، هذه الشعوب تحت سطوة القوة، فاستساغت، واستمرأت، وفوضت، وسلمت للأمر الواقع، حتى باتت هذه الشعوب وديعة ومسالمة، ولكنها على الرغم من كل ذلك ليست محل أمان واطمئنان؛ فالخطر على السلطة كامن في داخلها وقد يأتي من يحرك هذا الكامن ويستثيره الأمر الذي اقتضي صرف مجهود إضافي من إدامة عملية الترويض.
والشعوب من جانبها راحت هي الأخرى تتكيف لهذا الأمر وراحت تعد لذلك الأطر النظرية والفكرية لتقنع نفسها بما عليه حالها فـ(التكيف نعمة) لأن التكيف مع الواقع ينسي فيه مذاقه المر المؤلم واللاذع، ثم انه يحفظ سلاسة مسيرة الحياة اليومية، بينما التغيير يربك مسيرة الحياة ويقلقها، ومن هذه الأطر أيضاً (كيفما تكونوا يولى عليكم) فلولا أن الأمة تستحق مثل هؤلاء الولاة لما تمكنوا منها، وهكذا فانك يمكن أن تجد للهزيمة ألف عذر بل أكثر من ذلك، غير أن الانتصار ليس له سوى عذر واحد هو انك عملت من اجله.
هل من خيارات؟.
عندما نستعرض عمليات التحول الكبرى في التاريخ، نجد أن هذه التحولات تماشت مع احد العوامل الآتية:
1. إما أن يستدير التاريخ في حركته ليأخذ اتجاهاً جديداً، فيعطي ظهره للقوى السائدة لتظهر قوى جديدة.
2. وإما أن يظهر البطل التاريخي الذي يقود حركة التاريخ، وينتزع زعامة الأمة التي تنقاد له طائعة لتنفذ (إرادة التاريخ).
3. أو أن تظهر النخبة الفاعلة التي تنجح في تحقيق نهضة شاملة في حياة الأمة.
وشواهد التاريخ على كل واحد من هذه الوجوه عديدة، فما الذي علينا فعله، هل ننتظر أن يعطي التاريخ ظهره للقوى الظالمة في العالم ليقبل علينا بوجهه، فـ(يمنحنا) الفرصة المواتية؟! وهناك غيرنا ممن لا ينتظر ولا سيما من القوى الإقليمية التي تتحين الفرصة بطريقة أفضل منا، وتعمل من أجل انتزاعها بالقوة، فإذا ما تمكنت هذه القوى مثلاً من إشغال الفراغ، فإن ما هو مقبل علينا أسوء مما مضى فعلاً، أو مما نحن فيه الآن، أم ننتظر أن تنجب الأمة زعيمها المخلص (المهدي) لينتشلها من الحطام الذي تراكم فوقها؟!
وهنا أيضاً فإن هذه القوى الإقليمية صنعت لنفسها (مهدياً) أو ربما أكثر، وراحت تعمل تحت جناحه، من أجل انتزاع دور البطل القائد للأمة كلها، والعمل على مصادرة هذا الدور بطريقة زائفة، لكنها قد تنجح في إلغاء دور من لم يتخذ قرار الخطوة الصحيحة الأولى بجد.
أم علينا أن ننتظر ولادة نخبة ممتازة، تعمل الأنظمة جميعاً على إجهاضها، وليس وأدها أصلاً! فالأنظمة تجتهد في الإجهاض وليس الوأد؛ خشية أن لا تنجح عملية الوأد فيفلت الخطر من بين يديها فتقع الكارثة والمأساة طبعاً بالنسبة لها.
لما عاد النبي () من غار حراء كان خائفاً يرتجف من المفاجأة المذهلة التي صادفته، متمثلة بنزول الوحي جبريل عليه السلام، فكان المشهد مفاجئاً ومذهلاً، فعاد مسرعاً إلى بيته، وقال لأهله: دثروني دثروني، فأخذت بيده السيدة خديجة رضي الله عنها حتى اطمأن وسكن، ثم ذهبت معه إلى ورقة بن نوفل، بعد أن قالت له: اطمأن والله إن الله لا يخزيك، فانك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتعين المظلوم.
كانت كلمات لها وقع البلسم في نفس النبي () حتى عاد إلى هدوئه، ثم طمأنه ورقة بعد ذلك حتى سكنت نفسه.
فلو أن هذه (الزوجة) ارتبكت، وتحيرت، وظنت انه المس الذي أصاب النبي () ربما ترك الأمر في نفس النبي شرخاً كبيراً.
ولما أراد الإمام سفيان الثوري الانصراف إلى طلب الحديث النبوي، والاشتغال به، قالت له (أمه): اسمع بني انك إذا حفظت عشرين حديثاً، انظر إلى نفسك هل تجد لها أثرا في عملك، فان وجدت فامضِ، وإلا فأمسك، لقد كانت كلمات هذه (الأم) مدرسة بحد ذاتها تخرج فيها سفيان الثوري إماماً في الحديث، حتى حاز لقب أمير المؤمنين في الحديث.
</b></i>
***********
ولما كان عمر بن الخطاب، وهو مَنْ هُو،َ يسير في احد طرقات المدينة ناداه (احدهم) فقال: اتق الله يا أمير المؤمنين!!، فزجره شخص كان برفقة الخليفة؛ فقال عمر: دعه فانه لا خير فيهم إن لم يقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها.
ولما اعتصم الإمام (العالم) أحمد بعلمه في المحنة التي تعرض لها جعل السلطة بكل جبروتها تركع عند إرادته وهو الأعزل المقيد، غير أن ثباته كان راسخاً.
ولم ينكفيء ابن تيمية على كتبه ليقول هذا شأني، بل إن هذا (العالم) نجح بان يقود معركة (شقحب) ليكون مثالا فذّا للعالم الشجاع الذي يقود القتال ويوجهه عندما يتطلب الأمر.
وعندما تكون في النساء (امرأة) مثل سمية تموت شهيدة ولا يتزلزل كيانها أمام كل أدوات التعذيب، يمكن لنا أن نتلمس الطريق.
وعندما يكون في (الشباب) شاب مثل مصعب بن عمير، يتخلى عن كل مظاهر الترف والنعومة في حياته، ليلتحق بركب الإسلام نكون قد أدركنا جوانب من ملامح ما ينبغي علينا فعله.
وعندما يختار الشاب زوجته لأنها (ذات دين) وتختار الفتاة زوجها من (العاملين) في سبيل الله تكون الخلية الأولى قد ولدت.
وعندما يكون قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء:65] حجر زاوية في تفكيرنا تكون أبصارنا قد اكتشفت منهج السبيل.
وعندما يكون قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة:44] هو خيارنا في الحكم على موضوعات حياتنا، تكون أفكارنا قد بلغت درجة النضج، بحيث تصلح لإنتاج ما ينبغي من أفكار وقرارات لتحقيق النقلة المنشودة في حياتنا.
وأنا بهذه الاستعارات والتمثيلات لا أحاول الهرب من الجواب الواضح والمباشر عن الخيار المنشود، فالأمر مفهوم وجلي، فإنه لا يصلح أخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وذلك عندما ينتصر الإسلام في دواخلنا ليكون منهجاً يوميا للحياة وليس للتعبد وحسب، وعندما يكون منهج الإسلام هو الموجه للجزئيات والكليات على حد سواء، عندما ينتصر الإسلام في داخل الأسرة ليكون الخيار الوحيد لحياتها عندها فقط نكون قد وضعنا أقدامنا على الدرب لنبدأ الخطوة الأولى.
لقد غضب الله على بني إسرائيل لأنهم لم يكونوا يتناهون عن منكر فعلوه، بمعنى أنهم تركوا المنهج الشرعي في التغيير والتطوير فحل عليهم سخط الله، فرماهم بالقوى الوثنية من كل جانب حتى دمروا ممالكهم، لذلك ليس لنا إن نتعجب كيف ينتصر الكافر على المؤمن، فالمؤمن الذي يترك خيار الإيمان يكون قد اختار أن يتساوى مع الكافر في الخيارات.
لقد كان عمر بن الخطاب عظيما عندما كتب إلى سعد بن أبي وقاص يقول له: اعلم أنت ومن معك من الجند، إنما تنتصرون على عدوكم بطاعتكم لله ومعصية عدوكم لله، فإذا عصيتم الله أحيل الأمر إلى الأسباب.
وكتب إلى عمرو بن العاص يتساءل متعجباً كيف مضى عليكم عامان ولم تفتحوا مصر بعد، لابد أنها الذنوب والتطلع إلى الدنيا.
فعندما تخلت الأمة عن الخيار السليم في العمل تخلى الله تعالى عنها فأصبحت نهبا للكافرين من كل حدب وصوب وتداعت عليها الأمم من هنا وهناك يدعون بعضهم للنيل من هذه الأمة.
ولقد كتب أبو بكر () إلى خالد بن الوليد():احرص على الموت توهب لك السلامة، إنه منهج الإقدام، ونبذ التردد والوجل أمام الخيارات الصعبة.
فإذا كان خيارنا هو الإسلام منهجاً للحياة والعمل فان ذلك يعني الخطوة الصعبة الراسخة بتجاه الحل؛ لأن خيار الإسلام ليس خياراً سياسياً فحسب، ولا خياراً اجتماعياً فحسب، ولا خياراً اقتصادياً، بل هو اختيار الانفتاح على الحياة بكل جوانبها من اجل تحقيق النهضة الشاملة.
الإسلام بالذهن المنفتح، والفكر المنفتح، والنفسية المنفتحة، بعيدا عن عقد التعصب والانكفاء والخوف من الآخرين، أن يقرر كل فرد أن يكون مسلماً، مسلماً عاملاً بإسلامه في عمله وأسرته ومحيطه، ثم يضم جهده إلى جهد الآخرين يعاونهم على البر والتقوى والعمل الجماعي المثمر، الذي لا يصادر دور الفرد، ولا يتجه نحو التحزب الذي هو نوع من العصبية العمياء.
وعلى هذا الأساس فان الحل لا يكمن في أن يستدير التاريخ ليمنحنا الفرصة المنشودة، ولا أن ننتظر طلوع المهدي من هنا أو هناك ليأخذ بأيدينا إلى المنهج الصحيح.
الخيار هو أن نبدأ حركة عمل تنطلق من ابسط الجزئيات، فليس بالأعمال الكبيرة فقط نُعَبِّر عن صدق توجهنا، بل لابد من أن نبدأ بالجزئيات الصغيرة نتفاعل معها بوصفنا مسلمين، نتبنى منهج الإسلام في التعامل.
وكشف تاريخنا القريب أن كل الخيارات الأخرى كانت زائفة، ولا تمتلك المصداقية الحقيقية، وأثبتت فشلها العملي في كل ميدان، بل إننا نعاني من نتائج الفشل الذي تجرعنا مرارته لعقود من الزمن.
إن خيار الإسلام هو الخيار الأصعب، قطوفه ليست دانية ولا قريبة، لكن من نشد الرقي فعليه بالخيار الأصعب، من غير أن ينظر إلى بعد الطريق وطول المسافة.
</b></i>