منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 13

العرض المتطور

  1. #1

    قتل الرحمة في ميزان الأخلاق والقانون

    قتل الرحمة في ميزان الأخلاق والقانون
    محمد بن محـمود الهواري
    06/08/2003
    معارضة هولندية للقتل الرحيم
    أمكن للتقدم العلمي في السنوات الأخيرة وخاصة في مجال صحة الحياة وكذلك التطور المذهل للتقنية الطبية أن يؤدي إلى أن تطول الأعمار بصورة واضحة جدًّا. ويلاحظ كذلك أن التقدم الطبي، خاصة في البلاد المتطورة، استطاع أن يحافظ على الحياة الاصطناعية للمرضى الواقعين تحت تأثير الغيبوبة، لفترة طويلة من الزمن قد تستمر في بعض الأحيان لعدة سنوات.
    ومع التطور الاجتماعي وتفكك الروابط الأسرية وارتفاع نفقات العلاج الطبي اختلفت النظرة الطبية لمثل هؤلاء المرضى اختلافا بيّنا. فقد يصادف أن يصاب بعض المرضى بآفات لا يرجى شفاؤها، كبعض آفات السرطان أو الإيدز وغيرها، وقد تتصاحب هذه الآفات بآلام شديدة غير محتملة مما يدفع الهيئة الطبية المعالجة أو المريض نفسه أو من يتولى أمره إلى أن يبحث عن طريقة تنتهي بواسطتها حياة المريض رحمة به وشفقة عليه. وأدى هذا الموقف إلى نشوء ما يسمى بقتل الرحمة أو تيسير الموت أو ما يعرف باللغات الأوربية باسم (الأوتانازيا Euthanasia ). وهو وسيلة أثارت جدلاً عنيفاً بين الأوساط الطبية والقانونية والأخلاقية والدينية لم تنتهِ آثارها حتى يومنا هذا.
    تعريف قتل الرحمة أو الأوتانازيا:
    كلمة الـ (Euthanasia) كلمة إغريقية الأصل وتتألف من مقطعين:
    - السابقة EU وتعني الحَسَن أو الطيب أو الرحيم أو الميسر.
    - واللاحقة THANASIA وتعني الموت أو القتل.
    وعليه فإن كلمة الأوتانازيا تعني لغويًّا الموت أو القتل الرحيم أو الموت الحسَن أو الموت الميسر.
    أما في التعبير العلمي المعاصر فتعني كلمة الأوتانازيا: "تسهيل موت الشخص المريض الميئوس من شفائه بناء على طلب مُلِحٍّ منه مقدم للطبيب المعالج".
    ومع الزمن نشأت صور تطبيقية مختلفة للأوتانازيا نلخصها فيما يلي:
    1- القتل الفعَّال Euthanasia Directe أو القتل المباشر أو المتعمد:
    ويتم بإعطاء المريض جرعة قاتلة من دواء كالمورفين أو الكورار Curare أو الباربيتوريات Barbiturates أو غيرها من مشتقات السيانيد Cyanide بنيّة القتل.
    وهو على ثلاثة أحوال:
    الحالة الأولى: الحالة الاختيارية أو الإرادية، حيث تتم العملية بناء على طلب ملحٍّ من المريض الراغب في الموت وهو في حالة الوعي أو بناء على وصية مكتوبة مسبقاً.
    الحالة الثانية: الحالة اللاإرادية وهي حالة المريض البالغ العاقل الذي فقد الوعي، حينئذ تتم العملية بتقدير الطبيب الذي يعتقد بأن القتل في صالح المريض، أو بناء على قرار من ولي أمر المريض أو أقربائه الذين يرون أن القتل في صالح المريض.
    الحالة الثالثة: وهي حالة لاإرادية يكون فيها المريض غير عاقل، صبيًّا كان أو معتوهاً، وتتم بناء على قرار من الطبيب المعالج.
    2- المساعدة على الانتحار: Aide au suicide
    وفي هذه الحالة يقوم المريض بعملية القتل بنفسه بناء على توجيهات قُدمت له من شخص يوفر له المعلومات أو الوسائل التي تساعده على الموت.
    3- القتل غير المباشر: Euthanasie Indirecte
    ويتم بإعطاء المريض جرعات من عقاقير مسكنة لتهدئة الآلام المبرحة، وبمرور الوقت يضطر الطبيب المعالج إلى مضاعفة الجرعات للسيطرة على الآلام، وهو عمل يستحسنه القائمون على العلاج الطبي، إلا أن الجرعات الكبيرة قد تؤدي إلى إحباط التنفس وتراجع عمل عضلة القلب فتفضي إلى الموت الذي لم يكن مقصوداً بذاته وإن كان متوقعا مسبقاً.
    4- القتل غير الفعال أو المنفعل: Euthanasia Passive
    ويتم برفض أو إيقاف العلاج اللازم للمحافظة على الحياة، ويلحق به رفع أجهزة التنفس الاصطناعي عن المريض الموجود في غرفة الإنعاش والذي حُكِمَ بموت دماغه، ولا أمل في أن يستعيد وعيه.
    للمزيد من الاطلاع
    تابع الرابط
    http/www.islamonline.net/Arabic/contemporary/2003/08/article01d.shtml
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2
    مواضيع ذات صلة
    --------------------------------------------------------------------------------
    قتل الرحمة في ميزان الأخلاق والقانون
    رأي بعض فقهاء المسلمين في القتل الرحيم
    محمد بن محـمود الهواري
    06/08/2003
    رفض الدكتور محمد سيد طنطاوي -شيخ الأزهر- في لقاء جمعه بأطباء وقضاة في القاهرة كل ما يثار عن قتل الرحمة مؤكدًا أن قتل المريض الميئوس من شفائه ليس قرارًا متاحًا من الناحية الشرعية للطبيب أو لأسرة المريض أو للمريض نفسه، غير أن شيخ الأزهر أكَّد إلى جانب ذلك أن الأمر قد يختلف فيما يتعلَّق بحالات الوفاة المخية، حيث يجوز للطبيب أن يفصل الأجهزة الطبية عن المريض ليتوقَّف قلبه إذا تأكَّد أن عودته للحياة مستحيلة.
    رأي شيخ الأزهر
    وأضاف شيخ الأزهر في الجلسة التي عُقدت خلال المؤتمر الدولي السنوي الثالث والعشرين لكلية طب عين شمس تحت عنوان "الطب المتكامل"، والذي عُقد في الفترة من 21-24 فبراير 2000م.. أن حياة الإنسان أمانة يجب أن يحافظ عليها، وأن يحافظ على بدنه ولا يلقي بنفسه إلى التهلكة لقوله تعالى: (وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ)، وحرَّم الإسلام قتل النفس لقوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)، ونهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن أن يقتل الإنسان نفسه نهيًا شديدًا، وتوعَّد من يفعلون ذلك بسوء المصير في الدنيا والآخرة؛ فقد أكَّدت شريعة الإسلام على التداوي من أجل أن يحيا الإنسان حياة طيبة، كما أمرت الشريعة الإسلامية الأطباء بأن يهتموا بالمريض، وأن يبذلوا نهاية جهدهم للعناية به، وعلى الطبيب والمريض أن يتركا النتيجة على الله -سبحانه وتعالى-، وعلى الطبيب ألا يستجيب لطلب المريض في إنهاء حياته، وإذا استجاب يكون خائنًا للأمانة؛ سواء بطلب المريض أو بغير طلبه، والعقاب للطبيب في هذه الحالة يكون حسبما يراه القاضي لكل حالة على حدةٍ.
    وطرح الأطباء على شيخ الأزهر خلال الجلسة عدة حالات يحتار فيها الطبيب؛ منها رفض مريض السرطان أخذ العلاج لإدراكه أن أيامه قليلة، وطلب الأسر في بعض الحالات المتأخرة خروج المريض من المستشفى الموجود به الأجهزة التي تساعده على الحياة لعدم استطاعتها سدَّ نفقات العلاج بالمستشفى، وحالة المرضى الذين ماتوا مُخيًّا لكن قلبهم ما زال ينبض، في حين أن فرص عودتهم للحياة معدومة، فهل من حق الطبيب أو الأهل أن يطالبوا بمنع هذه الأجهزة عن المريض؛ إما لحاجة مريض آخر فرصته في الشفاء أعلى من المريض الأول، أو للتقليل من النفقات التي قد لا تؤدي إلى نتيجة؟!
    وكان ردّ شيخ الأزهر على هذه الأسئلة هو أن "الموت هو مفارقة الحياة، ومن يحكم بمفارقة الحياة هم الأطباء، وليس علماء الدين، فإذا رأى الطبيب أن المريض الذي ينبض قلبه ومات مخّه ميتًا فهذا شأن الطبيب، لكن لا يجوز للأسرة إخراج المريض من المستشفى لتحرمه من الشفاء، أما في حالة أن بقاء قلب المريض ينبض مرتبط بوجوده على الأجهزة ومخه قد مات أصلا فلا بأس من أن تطلب الأسرة منع الأجهزة عنه؛ لعدم استطاعتهم الوفاء بمصروفات هذه الأجهزة، ويرضون بقضاء الله، أما المريض الذي يطلب موت الشفقة أو موت الرحمة أو غير ذلك من المسميات لينتهي من عذاب الآلام.. فلا يجوز له ذلك".
    فتوى دار الإفتاء بالكويت
    وفي سؤال حول قتل المريض الميئوس من حياته وجّه إلى دار الإفتاء بالكويت بتاريخ 13/8/2001م، هذا نصه:
    "هل يجوز إيقاف العلاج في الحالات الميئوس منها، أو يجب مواصلته إلى أن يموت المريض أو يتم إنقاذه؟ وهل يجوز القتل بدافع الرحمة الإنسانية، وقياس ذلك على قتل الحصان الذي بلغ سنا معينة؟".
    كان نص الإجابة كما يلي:
    بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
    "التخلص من المريض بأية وسيلة محرم قطعاً، ومن يقوم بذلك يكون قاتلاً عمداً؛ لأنه لا يباح دم امرئ مسلم صغيراً أو مريضاً إلا بإحدى ثلاث حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا يحلّ دمُ امرئ مسلم شهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفسُ بالنفس، والثيّبُ الزاني، والمارقُ من الدين التارك للجماعة" (أخرجه البخاري). وهذا القتل ليس من هؤلاء الثلاثة، والنص القرآني قاطع في الدلالة على أن قتل النفس محرم قطعاً لقوله تعالى: {ولا تقتلوا النفسَ التي حرّم الله إلا بالحق}، ويشترك في الإثم والعقوبة من أمر بهذا أو حرص عليه، وقياس هذا القتل على قتل الحصان الميئوس من شفائه فيه امتهان لكرامة الإنسان؛ إذ الحصان يجوز ذبحه حتى ولو كان صحيحاً، بخلاف الإنسان فإنه معصوم الدم، ووصف الرصاصة القاتلة للحصان برصاصة الرحمة وصف لم يقم عليه دليل شرعي؛ فكيف نسمي الحقنة القاتلة للإنسان بهذا الاسم؟
    وأما بالنسبة للمريض بمرض ميئوس منه إذا طرأ عليه مرض آخر قابل للعلاج ويؤدي للوفاة إذا أهمل فإنه يطبق عليه الحكم الأصلي للتداوي، وهو عدم الوجوب من جهة الشرع؛ لأن حصول الشفاء بالتداوي أمر ظني، وهو مطلوب على سبيل الترغيب لا على سبيل الوجوب، أما من جهة التعليمات الطبية والقرارات الرسمية المنظمة للمهنة فينبغي شرعاً العمل بما تقضي به فيما لا يتنافى مع الشرع". والله أعلم.
    فتوى الشيخ عطية صقر
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    وجوابا على سؤال حول جواز قتل المريض المصاب بفقد المناعة (الإيدز) أجاب الشيخ عطية صقر بما يلي:
    "من المقرّر شرعًا وعقلاً أن قتْل النفس جريمة من كبرى الجرائم ما دام لا يوجد مبرِّر لذلك، والنصوص في ذلك أشهر من أن تُذكَر، يكفي منها قوله تعالى عن الشرائع السابقة {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} (سورة المائدة: 32)، وقوله تعالى {ولا تَقْتُلوا النَّفْسَ التِي حَرَّم اللهُ إِلا بِالحَقِّ} (سورة الأنعام: 151، والإسراء: 33)، وقوله تعالى: {ومَنْ يَقتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُه جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (سورة النساء: 93).
    والقتل الجائِز هو ما كان بالحقّ، كالدفاع عن النفس والمال والعِرض والدِّين والجهاد في سبيل الله، وما نصَّ عليه الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما بألفاظ متقارِبة "لا يَحِلُّ دَمُ امرئ مُسلم إلا بإحدى ثلاث: الثَّيِّبُ الزّاني، والنَّفْس بالنَّفْس، والتّارِك لدِينِه المُفارِق للجَماعَةِ"، وهناك مسائلُ أخرى يجوز فيها القتل تُطْلب من مَظانِّها.
    والمريض أيًّا كان مرضُه وكيف كانت حالة مرضِه لا يجوز قتله لليأس من شفائِه أو لمنع انتقال مرضِه إلى غيره؛ ففي حالة اليأس من الشّفاء -مع أن الآجال بيد الله، وهو سبحانه قادر على شفائه- يحرُم على المريض أن يقتُل نفسَه، ويحرُم على غيره أن يقتلَه حتى لو أُذِنَ له في قتلِه؛ فالأول انتحار، والثاني عدوان على الغير بالقتل، وإذنه لا يحلِّل الحرام؛ فهو لا يملِك رُوحَه حتّى يأذَنَ لغيره أو أن يقضيَ عليها. والحديث معروف في تحريم الانتحار عامّة؛ فالمُنتحِر يُعذَّب في النار بالصّورة التي انتحر بها خالدًا مخلَّدًا فيها أبدًا، إن استحلّ ذلك فقد كفر وجزاؤه الخلود في العذاب، وإن لم يستحلّه عُذِّب عذابًا شديدًا، جاء التعبير عنه بهذه الصورة للتنفير منه.
    روى البخاري ومسلم أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "كان فيمن قبلَكم رجل به جُرح فجَزِع فأخذ سكِّينًا فحزَّ به يده، فما رَقَأ الدّم حتى ماتَ" قال الله تعالى: "بادَرني عبدي بنفسِه، حَرَّمْتُ عليه الجَنَّة"، وفي رواية لهما أن رجلا مسلمًا قاتَل في خيبر قتالا شديدًا ومات، فلما أُخبر به الرسولُ قال: "إنّه من أهل النار" فعجِب الصّحابة لذلك، ثم عَرَفوا أنّه كان به جُرح شديد فلم يصبِرْ عليه، فوضَع نصلَ سيفِه بالأرض وجعل ذُبابَه -أي طرفَه- بين ثديَيه ثم تحامَل على نفسه حتّى مات، وتقول الرواية إن الرسول أمر بلالا أن ينادِيَ في النّاس أنّه لا يدخل الجنّة إلا نفس مُسلمة، وأنّ الله يؤيِّد هذا الدّين بالرجل الفاجر.
    وقد أُلِّفت في إنجلترا جمعيّة باسم "القتل بدافع الرّحمة" طالبت السلطات سنة 1936م بإباحة الإجهاز على المريض الميئوس من شفائه، وتكرّر الطلب فرُفِضَ، كما تكونت جمعيّة لهذا الغرض في أمريكا، وباءَ مشروعُها بالفشل سنة 1938، وما زالت هذه الدعوة تكسِب أنصارًا في هذه البلاد.
    فالخُلاصة أن قتل المريض الميئوس من شفائه حرام شرعًا حتّى لو كان بإذنه، فهو انتحار بطريق مباشر أو غير مباشر، أو عُدوان على الغير إن كان بدون إذنِه، والرُّوح مِلك لله لا يُضحَّى بها إلا فيما شرعه الله من الجهاد ونحوه ممّا سبق ذكره.
    أما المريض الذي يخشى انتقال مرضِه إلى غيره بالعدوى حتى لو كان ميئوسا من شفائه؛ فلا يجوز قتله من أجل منع ضررِه؛ ذلك لأنّ هناك وسائل أخرى لمنع الضّرر أخفّ من القتل ومنها العزل، ومنع الاختلاط به على وجه يَنقل المرض؛ فوسائل انتقال المرض متنوعة، وتختلف من مرض إلى مرض، وليس كل اختلاط بالمريض بفَقد المناعة "الإيدز" محقِّقًا للعدوى؛ فهي لا تكون إلا باختلاط معيَّن، كما ذكره المختصُّون؛ فالإجراء الذي يُتَّخذ معه هو منع هذه الاتصالات الخاصة، مع المحافظة على حياته كآدمي يقدّم إليه الغِذاء حتّى يَقضِيَ الله أمرًا كان مفعولا.
    وعدم الاختلاط بالمريض مرضًا مُعْدِيًا (أي العزل أو الحجر الصِّحِّي) مبدأ إسلامي، جاء فيه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "فِرّ من المجذوم فِرارَك مِنَ الأسَدَ" (رواه البخاري)، وقوله "إذا سمِعْتُم بالطّاعون في أرض فلا تدخُلُوها، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرُجوا منها"، والله سبحانه يقول {خُذُوا حِذْرَكُمْ} ( سورة النساء: 71)، وفي الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجة بإسناد حسن "لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ".
    فالمريض بالإيدز على فرض اليأس من شفائه.. لا يجوز قتله منعًا لضرره عن الغير؛ فمنع الضّرر له وسائلُ أخرى غير القتل، ولا يقال إنه يَستحِقُّ القتلَ؛ لأنه ارتكب مُنكرًا نَقَل إليه هذا المرض، فليس كل مُنكر حتى لو كان اتِّصالاً محرَّمًا يوجِب القتل؛ فهناك شروط موضوعة لإقامة حدِّ الرَّجم "القتل" على مرتكب الفاحِشة، كما أن هناك وسائل لانتقال المرض إليه ليست مُحرَّمة وربما لا يكون له فيها اختيار، كنقل دَمِ مريض به دون عِلم، أو غير ذلك.
    وعلى العموم لا يصِحُّ قتل المريض بالإيدز أو بغيره، لا لليأس من شفائه، ولا لمنع انتقال المرض منه إلى غيره، فالله على كل شيء قدير، ووسائل الوقاية متعدِّدة، وقد يكون بريئًا من ارتكاب ما سبَّب له المرضَ، فهو يستحِق العطفَ والرحمةَ، ومداوَمة العِلاج بالقدر المُستطاع، جاء في الحديث الذي رواه الترمذي "يا عبادَ الله تداوَوْا، فإنّ الله لم يضَعْ داء إلا وَضَع له دواءً"، وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم "ما أنزلَ الله من داءٍ إلا أنزلَ له شفاءً"، وفي الحديث الذي رواه أحمد "إنّ الله لم يُنزل داءً إلا أنزل له شفاءً، عَلِمَه مَن عَلِمَه وجهِله مَن جهِله"، وجاء في بعض روايات أحمد استثناء "الهَرَم" فإنه ليس له شفاءٌ.
    وهذه الأحاديث تُعطينا أملا في اكتشاف دواء لهذا المرض، كما اكتشفت أدوية لأمراض ظنَّ الناس أن شفاءَها ميئوس منه، فلا يصِحُّ قتل حامله لليأس من شفائه، ولا لمنع الضّرر عن الأصِحّاء؛ حيث لم يتعيّن القتل وسيلة له؛ فالوسائِل المُباحة موجودة، وعليه فليست هناك ضرورة أو حاجة مُلِحّة حتّى يُباح لها المحظور، ولا محلّ أيضًا لقياس قتلِه على إلقاء أحد رُكّاب السفينة في البحر لإنقاذ حياة الباقين؛ تقديمًا لحقِّ الجَماعة على حقّ الفرد، أو على قتل المُسلِم الذي تَترَّسَ به العدو للتوصُّل إلى قتله. فذلك وأمثالُه تحتّم الإغراقُ والقتلُ وسيلة، فأُبيحَ للّضرورة، والأمر في منع العَدْوى ليس كذلك.
    فتوى الدكتور يوسف القرضاوي
    ومن الفتاوى الجامعة في هذا الموضوع فتوى للعلامة الأستاذ الشيخ يوسف القرضاوي حول أسئلة وجهت إليه من قبل منظمة الطب الإسلامي بجنوب أفريقيا، ضمن أسئلة عن الطب الإسلامي وأحكامه وآدابه، جاء في السؤال الأول منها ما يلي:
    قتل الرحمة (تيسير الموت):
    التعريف: تسهيل موت الشخص بدون ألم بسبب الرحمة لتخفيف معاناة المريض سواء بطرق فعالة أو منفعلة.
    تيسير الموت الفعال: يتخذ الطبيب إجراءات فعالة لإنهاء حياة المريض.
    أمثلة:
    1- مريض مصاب بالسرطان يعاني من الألم والإغماء، ويعتقد الطبيب بأنه سيموت بأي حال من الأحوال ويعطيه جرعة عالية من علاج قاتل للألم الذي يوقف تنفسه.
    2- مريض في حالة إغماء لفترة طويلة مثلا بعد إصابته بالتهاب السحايا أو بإصابة شديدة في رأسه، ومن الممكن أن يبقى حيًّا باستعمال منفِّسة (جهاز إنعاش)، ويعتقد الطبيب بعدم وجود أي أمل بشفائه، والمنفِّسة تضخّ الهواء للرئتين، وتديم تنفسه "أوتوماتيكيا". فإذا ما أوقف المنفسة فلن يتمكن المريض من إدامة تنفسه، فمن الممكن إبقاء هذا المريض حيًّا بواسطة هذه المنفسة الصناعية التي تديم فعالياته الحيوية، ولكن لكل الاعتبارات الأخرى يعتبر مثل هذا المريض "ميتًا" وغير قادر على السيطرة على وظائفه وإيقاف هذه المنفسة يعتبر تيسيرًا فعالاً للموت.
    تيسير الموت المنفعل:
    هنا لا تتخذ خطوات فعالة لإنهاء حياة المريض بل يترك للمرض أن يأخذ أدواره بدون إعطاء المريض أي علاج لإطالة حياته.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #4
    للمتابعة
    اتبع الرابط

    http://www.ghostclick.com/proxy.cgi/...=1122528600944
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  5. #5
    احب اضافة للمشاركة

    تيسير الموت للمريض "قتل الرحمة"
    بين الحكم الشرعي والموقف الطبي



    الدكتور موسى البسيط
    رئيس قسم الدعوة – كلية الدعوة وأصول الدين – جامعة القدس


    16 آب 2004

  6. #6
    بسم الله الرحمن الرحيم



    تيسير الموت للمريض "قتل الرحمة"
    بين الحكم الشرعي والموقف الطبي



    الحمد لله الذي هدانا إلى صراطه المستقيم, ووضع لنا المنهاج القويم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين, وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد,

    فإن الإسلام دين شامل متكامل, لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا جعل فيها السبيل واضحاً بيِّناً, فأنزل الكتاب تبياناً لكل شيء, وقال: ] مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ [ [1]

    ولقد كرم الله الإنسان وفضله, وشرع له ما يُصلح معاشه ومعاده, فحرص بذلك على تحقيق السعادة له في روحه وبدنه.

    وإن من مزايا الشريعة الإسلامية, مسايرتها للمستجدات ومرونتها, وصلاحيتها للتطبيق في مختلف البيئات والظروف, وما من مسألة مستجدة إلا وفي الإسلام حُكْمُها, وباب الاجتهاد مفتوح على مصراعيه لتحقيق ذلك.

    ومن المسائل المطروحة في ضوء التطور العلمي الهائل في مجال الطب مسألة (موت الرحمة) أو (تيسير الموت), ومسألة (موت الدماغ), و(استعمال أجهزة الإنعاش) للمحافظة على نوع من الحياة في جسم الإنسان, هي مسائل لابد فيها من حكم واضح جلي لما ينبني عليها من أحكام أخرى مثل حكم استقطاع أعضاء بشرية للحاجة إلى زرعها فيمن هو بأمَسّ الحاجة إليها.

    وقد رأيت أن أشارك في بيان الحكم الشرعي معزَّزاً بالأدلة لما يسمى: -بموت الرحمة-, معرّجاً على ما يسمى بموت الدماغ.

    ورأيت أن أبدأ بذكر مزايا الشريعة الغراء، ثم حُكم التداول فيها, مبيناًً أنواع الحياة ومستوياتها, وماهية الموت وحقيقته, وصولاً إلى بيان الحكم في المسائل المطروحة.



    واللهَ أسأل أن يوفق إلى ما يحقق الخير والنفع

  7. #7
    مبادئ في الشريعة الغراء:

    إن المحافظة على حياة الناس وسلامة أبدانهم, من المقاصد الكلية الضرورية في الشريعة الإسلامية, ويقتضي ذلك, اتخاذ كافة الوسائل والتدابير الممكنة للعلا ج و التداوي وحفظ حياة الإنسان, إذن, الوسائل وأصناف العلاج والتداوي, كل ذلك مشروع في سبيل الوصول إلى المقاصد الضرورية الكلية, فللوسائل حكم المقاصد الشريعة[2], ثم إن أحكام الإسلام مبنية على قواعد تُيسِّر وتُسِّهل, وتدعو إلى كل ما من شأنه أن يدفع المشقة ويزيل الحرج لقوله تعالى: ]يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر [ [3] . ولقول الرسول r " يسّروا ولا تعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا "[4].

    وحين يصل الأمر إلى حد الضرورة والاضطرار, يتسع الأمر فيباح المحظور, فـ " الضرورات تبيح المحظورات", "والضرورة تقدر بقدرها","وإذا ضاق الأمر اتسع", وكلها قواعد فقهية.

    حكم التداوي:

    لقد أمر رسول الله r بالتداوي والأخذ بأسباب الشفاء فقال:" تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داءاً إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم "[5] . وقد أجمع العلماء على جواز التداوي, وذهب بعضهم إلى القول بأن التداوي أفضل, لعموم قول النبيr :" تداووا.... ", ولأن النبي r كان يديم التطبب في صحته ومرضه.[6]

    ولا ينافي التداوي التوكل -كما يعتقد البعض- لأن التوكل هو اعتماد القلب على الله, والتطبب ملازم للتوكل والرسول r يقول " اعقل, وتوكل ".[7]

    والحق أن التداوي تعتريه الأحكام الخمسة, فهو تارة يكون واجباً, وأخرى يكون مندوباً, وقد يكون مكروهاً, وقد يكون حراماً, وذلك بالنظر إلى خطورة المرض ونجاعة العلاج.[8]

    يقول الإمام ابن تيمية:" التحقيق أن من التداوي ما هو محرم, ومنه ما هو مكروه, ومنه ما هو مباح, ومنه ما هو مستحب, ومنه ما هو واجب: وهو ما يُعلم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره, ليس التداوي بضرورة بخلاف أكل الميتة[9] ," وقال أيضاً:" أما التداوي فلا يجب عند أكثر العلماء "[10].

    ويمكن تقسيم الأمراض إلى قسمين:

    - ما يغلب على الظن أنها تَذْهَب بالنفس, أو بمنفعة عضو من الأعضاء.

    - أمراض هي دون ذلك.

    وكذلك ضروب العلاج:

    منها ما يُقطع بحصول ثمرته, ومنها علاج مظنون بحصول ثمرته, ومنها علاج موهوم بحصول ثمرته. وعليه فيكون للتداوي حكم الوجوب في حالة المرض الشديد, الذي يذهب بالنفس, أو بمنفعة العضو, والعلاج يكون مقطوع بحصول الفائدة منه, وإذا علم المريض يقيناً بحصول الشفاء, وجزم له الأطباء بذلك, فإن إقدامه على المداواة يعتبر واجباً, ويأثم بتركه, وهو محل اتفاق العلماء.[11]

    كما يجب التداوي من المرض المعدي إذا توفر الدواء, وكذلك يجب التداوي من الأمراض غير المعدية متى كان لها دواء أو علاج ناجع, وليس للمريض أن يرفض التداوي, لأن هلاكه متحقق بهذا المرض, ولا يتوقف العلاج في هذه الحالة على إذن المريض أو وليه, إذن يجب التداوي في الحالات التالية:

    - الأمراض المعدية لأن المرض سيتعدى إلى الآخرين, والرسول r يقول " لا ضرر ولا ضرار "[12].

    - الأمراض المخوفة التي قد تؤدي الى التهلكة, ومنها الحوادث الخطيرة, والامتناع عن التداوي محرم، لقوله تعالى: ]وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة [ [13]

    - إذا كان المرض غير معدٍ ولا مخوف, ولكن يؤدي إلى الإعاقة الدائمة, والدواء متوفر, ويغلب على الظن نجاعة العلاج.

    - مرض غير معدٍ ولا مخوف, ولا يسبب إعاقة, ولكن يطول إذا لم يتداوَ, ويَشُقُّ على أهل المريض تمريضه, والتداوي ممكن ومتوفر[14].

    "وإذا ظن المريض بحصول الشفاء بالدواء, فاتفق العلماء على التداوي واستحبابه, أما إذا كان الحصول على ثمرة الدواء موهوماً فترك الدواء أفضل, لكن إذا كان يحصل من التداوي ضرر أشد من النفع المرجو, فإنه يحرم في هذه الحالة تعاطي الدواء, لأن درئ المفاسد أولى من جلب المصالح "[15]. وعلى ذلك فمن الممكن القول, إن المريض بالخيار في التداوي أو عدمه في بعض الحالات الخاصة, فقد يكون عدم التداوي أفضل بالنسبة للمريض وأهله, عندما يكون مشكوكاً في فائدته, أو يغلب على الظن عدم جدواها, بينما يترجّح ضرره، مثل حالات السرطان المستشري في البدن , فإن التداوي بصنوف العلاج لا يؤدي في الغالب إلى الشفاء, بل وربما أدى إلى زيادة ألم المريض ومعاناة أهله.[16]

    الحياة الإنسانية ومستوياتها:

    ولعل من الضروري التعرض إلى مستويات الحياة وأنواعها من حيث استمرارها وأنواعها, ليسهل الوصول إلى إصدار حكم شرعي في انتهاء الحياة أو بقائها, إذ أن الحكم على الشيء فرع من تصوره, فللحياة الإنسانية مستويات وهي:

    أولاً: حياة الجسد الكاملة, وهي الحياة الكاملة المعروفة التي تعمل فيها أجهزة الجسد كلها في تناسق, مع وجود الوعي والإدراك.

    ثانياً: الحياة النباتية المستمرة, وتكون عندما يتلف قشر المخ بشكل دائم, فتتلف مراكز الوعي كلها إلا أن جذع الدماغ يبقى سليماً, ومع أن المريض في هذه الحياة يدخل في غيبوبة عميقة, إلا أنه يستطيع أن يتنفس وحده. وقد يبقى المصاب في هذه الحالة عدة أشهر بل سنوات قبل مفارقة الحياة.

    ثالثاً: حياة الأعضاء بعد أن يتلف جذع الدماغ, ويبقى المصاب تحت أجهزة الإنعاش, والحياة هنا لا تكون للإنسان بل لأعضائه.[17]

    ولقد ذكر العلماء أنواعاً ثلاثة للحياة هي:

    - حياة مستمرة, وهي الحياة الطبيعية, وأطلقوا على من أُصيب بجناية وغلب على الظن أنه لن تستمر حياته أكثر من أيام بأنها حياة مستقرة, أما من أصيب بجناية ولم يبق له نطق, ولا إبصار, ولا حركة, ولا اختيار, فحياته غير مستقرة وتسمى حالة "المذبوح".[18]

    ويقودنا الحديث عن الحياة وأنواعها إلى الموت, فما هو الموت؟ ما تعريفه؟ وما علاماته؟ ومتى يُقطع بحصوله؟

    إن حياة الجسد تعني نفخ الروح فيه قال تعالى: ]فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا[ [19], والموت هو توفّي الأنفس, يعني قبض الأرواح ,قال تعالى: ]اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا[ [20],وهو مفارقة الروح للجسد, والروح خالدة بعد ذلك, وتؤكد الآيات الكريمة, أن الموت خروج الروح من الجسد بواسطة الملائكة ]الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِين[ [21] , وقال تعالى: ]قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ[ [22] .

    إن مفارقة الروح للجسد لا نستطيع إدراكها بحواسنا إلا بعلامة تدل عليها كشخوص البصر, وقد ذكر الفقهاء قديماً بعض هذه العلامات, مثل انقطاع النفس واسترخاء القدمين وميل الأنف...., إن الاعتماد في تشخيص المصاب والحكم عليه بالوفاة, إنما يعود إلى أهل الاختصاص "الأطباء", خاصة بعد ما شهده الطب من تقدم هائل, وكذلك بعد أن أكد الطب أن موت الدماغ هو الموت الحقيقي, وأن الدماغ هو الأساس في الفصل بين الحياة والموت لا القلب,[23] وقد أكد الطب أن "موت الدماغ" يُشكِّل نقطة اللاعودة, وأن كل من أصيب بموت الدماغ انتهى به الأمر إلى توقف القلب بعد فترة قصيرة.[24] لكن حين يحكم الأطباء على مريض بأن جذع دماغه قد مات, مع أن قلبه لا يزال ينبض, وهو تحت أجهزة الإنعاش, فهل يمكن إزالة هذه الأجهزة؟ أم تبقى إلى أن يتوقف قلبه عن النبض؟.

    إن حكم من مات دماغه هو حكم الميئوس من حياته, والحياة المتوقفة على جهاز غير طبيعي ليست حياة حقيقية, ثم إن التداوي -كما تقدم- إنما يجب أو يسن, عندما يتيقن الشفاء به فيترجح, أما إذا لم يكن هذا أو ذاك, فلا يُشرع.[25]

  8. #8
    قرار المجمع الفقهي:

    لقد عُرضت هذه المسألة على مجمع الفقه الإسلامي في دورته المنعقدة في عمان عام (1986م), واعتبر: "أن الشخص قد مات, وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعا للوفاة إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:

    - إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً, وحكم الأطباء أن هذا التوقف لا رجعة عنه.

    - إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً, وحَكَم الأطباء الاختصاصيون الخبراء, بأن هذا التعطل لا رجعة فيه, وأخذ دماغه في التحلل.

    وفي هذه الحالة يجوز رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص, وإن كان بعض الأعضاء لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة المركبة[26]." وقد اعتبر المجمع الفقهي فيما بعد -في جلسة تالية- الشخص ميتاً بعد توقف قلبه عن النبض, ولكنه أجاز في جلسة تالية رفع الأجهزة عنه.[27]



    تيسير الموت أو " قتل الرحمة " Euthanasia

    قتل الرحمة هو تسهيل موت الشخص المريض الميؤوس من شفائه, بناءً على طلب ملح منه, مقدم للطبيب المعالج، ويقسم الأطباء ما يسمى بالموت الرحيم إلى قسمين:

    · قتل الرحمة الإيجابي, تيسير الموت الفعال, وهو أن يقوم الطبيب المعالج بإجراء فعال يودي بحياة المريض المصاب مثلاً (بالسرطان), والذي يعاني من الألم..., وذلك بإعطاء المريض جرعة عالية من دواء قاتل يوقف تنفسه وينهي حياته.

    · قتل الرحمة السلبي أو تيسير الموت المنفعل, وهو عملية تسهيل وفاة المريض الميؤوس من شفائه, وذلك بإيقاف أو عدم إعطاء العلاج, مثل إيقاف جهاز التنفس أو عدم وضعه عندما يحتاج إليه المريض, بناءً على طلب المريض, أو عدم إعطائه العقاقير التي تُعالج الأمراض الأخرى [28].

    فما حكم تيسير الموت بنوعيه؟

    وبداية نقول إن تيسير الموت الفعال هو قتل, ولا نشك في حرمته, قال تعالى: ]وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ[ [29]،.ووردت الأحاديث الصحيحة تنهى عن القتل, "فإن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا "[30].

    كما نهى الإسلام عن الانتحار بشتى صوره وأشكاله, وتوعّد عليه بالوعيد الشديد, فقال r "من تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردّى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً, ومن تحسّى سماً فقتل نفسه, فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها....الحديث "[31]

    إن من واجب الطبيب أن يبعث الأمل في نفس المريض بالشفاء, فيواسيه ويصبّره, وإن على المريض أن يثق بالله تعالى, وأن ينظر إلى المرض بمنظور الإيمان, فيصبر على البلاء, ويرضى بالقضاء, ويتطلع ويسأل الله الشفاء, ولا ييأس من رحمة الله.

    إن لجوء المريض إلى الطلب من طبيبه, أن يسارع في حقنه بعقار يعجل بوفاته, ليسكن بذلك من ألمه, ويخلصه من معاناته, هو انتحار, فقد أصيب أحد المقاتلين وكان يقاتل في صف النبي r وصحابته, فاتكأ على رمحه من شدة الألم فقتل نفسه, فقال رسول الله r "هو في النار" [32].

    وإقدام الطبيب على تيسير الموت الفعال, جريمة قتل سواء كان بإذن المريض أو بغير إذنه, فكلا القاتل والمقتول مرتكبان للإثم العظيم؛ القاتل لتنفيذه الجريمة, والمقتول لطلبه تنفيذها, وهو كبيرة من الكبائر, ولو فعل ذلك الطبيب بغير إذن المريض لاستحق القصاص.

    قال النووي:" ولو قَتَلَ مريضاً في النزع, وعيشه عيش المذبوح, وجب القصاص "[33], إذ لم ينقطع الأمل بشفائه بالنسبة لقدر الله, ولأن حياته لا زالت مستمرة. إن الطبيب الذي يشارك في إعطاء هذه الجرعة لمريضه أو يؤخر عنه علاجه, ويقطع عنه فعل المَنفَسَه, يشارك في جريمة الانتحار, وثمة قاعدة تقول:"مَن أعان على معصية, ولو بشطر كلمة, كان شريكاً لصاحبها فيها "[34] . ولكن ماذا عن تيسير الموت المنفعل؟ وصورته, منع الدواء عن المريض الذي لا يرجى بُرؤه, وقد تيقن أن العلاج الذي يُعطى له غير مجدٍ, وجزم بذلك الأطباء. وهنا نقول: إن على الطبيب أن يستمر في إعطاء الدواء ما دام الدواء متوفراً, ولكن للمريض بناءً على ما تقرر من عدم وجوب التداوي في مثل هذه الحالة, للمريض أن يمتنع عن أخذ الدواء متى تحقق عدم جدواه وجَزَمَ الأطباء بذلك.

  9. #9
    الخاتمة والتوصيات:

    ونختم ورقتنا هذه بما يلي:

    1. إننا نجد في الشريعة الإسلامية الغَرّاء حكماً وحّلاً لكل ما يستجد في حياة الإنسان من مسائل في كل مصر وكل عصر.

    2. اتفق الفقهاء على جواز التداوي لما فيه من حفظ النفس, وإن التداوي تعتوره الأحكام التكليفية بالنظر إلى مستوى المرض من حيث الخطورة أو مدى نجاعة العلاج.

    3. توصل المجمع الفقهي إلى أن موت الدماغ موت. ويُعمل بذلك إذا توفرت شروط ومعايير موت الدماغ, بعد توفّر العلم والعدالة في الأطباء المشرفين على ذلك.

    4. اتفق الفقهاء في حالة ثبوت موت الدماغ على جواز إيقاف أجهزة الإنعاش.

    5. إن المرض والشفاء بيد الله تعالى, والعلاج والتداوي أخذ بالأسباب فلا يأس من روح الله, وعلى الأطباء وذوي المرضى تقوية معنويات المريض.

    6. ما يسمى (موت الرحمة) هو نوع من أنواع القتل, سواءً مارسه الطبيب بإذن المريض أو بغير إذنه.

    7. على المريض الاستمرار في تناول الدواء مادام يظن ويأمل بالشفاء, وليس له ترك التداوي, وإن ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأنه إذا جزم الأطباء أنه لا يرجى من تناول العلاج لهذه الحالة أمل في الشفاء، فلا يجب على المريض الاستمرار في تناول العلاج.



    والله ولي التوفيق

  10. #10
    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] سورة الأنعام آية 38.

    [2] "الاجتهاد الفقهي حول زرع الأعضاء" مقال, مناع القطان ص479, وانظر, ندى محمد, موت الدماغ (ص195).

    [3] سورة البقرة: آية 185

    [4] البخاري في كتاب العلم رقم(67), مسلم في كتاب الجهاد والسير رقم(3264).

    [5] أبو داوود, كتاب الطب, رقم 3357, والترمذي كتاب الطب 1961, وابن ماجة, الطب, 3427.

    [6] انظر أحكام التداوي والحالات الميؤوس منها... محمد علي البار, دار المنار للنشر ص29-30.

    [7] الترمذي في صفة القيامة حديث رقم (2517) وقال حديث غريب.

    [8] موت الدماغ بيت الطب والإسلام, ندى محمد نعيم, دار الفكر ص197.

    [9] الفتاوى الكبرى لابن تيمية ج18ص13 و ج24 ص357.

    [10] المصدر السابق (24/272-276).

    ([11]) التداوي والمسؤولية الطبية في الشريعة الإسلامية, ص99, ط1.

    ([12]) ابن ماجة في الأحكام 2340, 2341, 2342 وفي الموطأ أقضية(31) وأحمد (5/237).

    [13] سورة البقرة: آية 195.

    ([14]) أحكام التداوي والحالات الميؤوس منها...محمد علي البار ص20-ص22.

    ([15]) موت الدماغ بين الطب والإسلام, ندى محمد نعيم, ص198.

    ([16]) أحكام التداوي, البار ص43.

    ([17]) موت الدماغ, ندى محمد, ص52, وانظر ,موت القلب أو موت الدماغ, محمد علي البار ص92, وانظر نهاية حياة الإنسان, للمهدي المختار,ضمن اعمال ندوة الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي, ص344-ص345.

    ([18]) موت الدماغ, ندى محمد, بتصرف ص144-ص147.

    [19] سورة التحريم: آية 12

    [20] سورة الزمر: آية 42

    [21] سورة النحل: آية 42

    [22] سورة السجدة: آية 11

    ([23]) انظر (علامات الموت عند الفقهاء وعلامات الموت عند الأطباء) من كتاب الموقف الفقهي والأخلاقي من قضية زرع الأعضاء, محمد علي البار ص23- ص32.

    ([24]) الموقف الفقهي الأخلاقي من قضية زرع الأعضاء, محمد علي البار, ص31- ص32.

    ([25]) عبد الله العماري, نهاية الحياة, من أعمال ندوة الحياة الإنسانية ص486, وانظر القرضاوي, فتاوى معاصره, 2/526.

    ([26]) مجلة المجمع الفقهي, (القرار رقم (5) (د-3/7/86) العدد(3) الجزء(2) ص89).

    ([27]) انظر موت الدماغ بين الطب والإسلام, ندى نعيم, 175, 158.

    ( [28]) أحكام التداوي والحالات الميؤوس منها, محمد علي البار, ص68.

    [29] سورة الأنعام: آية 151

    ([30]) البخاري الأرقام(1655, 4141, 4144, 5230) .

    ([31]) البخاري طب,(56) مسلم, إيمان(175), أحمد (2/254).

    ([32]) صحيح البخاري الأرقام (1298, 2742).

    ([33]) المنهاج ومعه شرحه مغني المحتاج(4: 13).

    ([34]) أحكام التداوي, محمد علي البار ص101 .

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. المزاعم الصهيونية والقانون الدولي
    بواسطة د.غازي حسين في المنتدى الدراسات الاسرائيلية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-23-2012, 08:55 AM
  2. العشائرية والقانون
    بواسطة مصطفى عبد الحسين اسمر في المنتدى فرسان العائلات العربية والتراث.
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-23-2012, 07:54 AM
  3. البيع بالتقسيط بين الشريعه والقانون
    بواسطة السيد الحسيسى في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-01-2010, 09:23 PM
  4. المحافظة رقم 17 في دولة الشعر والقانون
    بواسطة خشان محمد خشان في المنتدى العرُوضِ الرَّقمِيِّ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-07-2010, 10:08 PM
  5. لم ترحل الرحمة مع رحيل رسول الرحمة
    بواسطة نهاد الزركاني في المنتدى فرسان الحديث
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 07-14-2009, 07:32 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •