فرنسا رائدة الحرب الصليبية ضد الإسلام ..؟! (2)
مصطفى إنشاصي
استكمالا لحديثنا الذي انتهى عند رسالتي لصديق بتاريخ 4/4/1999، أقتطف بعضاً منها:
... وهناك أجزاء من الوطن وبعضاً من الأمة لم يعرف معنى للعيد ولا البهجة أو السعادة، وقد لا يكون تذكر أن هناك عيد هذا العام، أو أضحية، وهم يُضحى بهم في موسم الحج والتضحية والفداء، يُضحى بهم بأبشع الصور على مذابح السياسة والصراعات السياسية والعرقية والدينية والمصالح والمكاسب الاقتصادية، كل ذلك يتم والأمة الإسلامية لا تحرك ساكناً ضد ما يجري لإخوانهم وكأنهم ليسوا مسلمين ولا يذبحون ويطردون لأنهم مسلمون! لقد قضينا العيد ولازلنا في رحاب الشهر الحرام نتابع طوال الليل والنهار مناظر إخواننا المشردين وهم يقضون ايامهم ولياليهم في العراء وعلى الحدود وفي الجبال ووسط الوديان، ونتابع أخبار تهجيرهم وجوعهم وإبادتهم ... ومع تلك الصور والمناظر والأحداث كأننا نعيش أحداث النكبة والهجرة والشتات التي حدثت في وطننا عام 1948 ولم نشاهدها ولكننا نراها في أبشع صورها في (كوسوفو) وذلك لكثرة أوجه الشبه بين الحالتين.
ففلسطين (أرض الميعاد) ووطن الأجداد عند اليهود دينياً وتاريخياً، وكوسوفو هي موطن الصرب الأصلي وأرض أجدادهم، وموطن أساطيرهم وملاحمهم التاريخية ولا يمكن لهم التفريط فيها، وهؤلاء المسلمين الألبان دخلاء يجب طردهم وتطهيرها منهم! وفلسطين ابتليت بعدو ماكر غادر يعيش على إثارة الفتن وسفك الدماء معتبراً ذلك عبادة وطاعة وقربة للرب، وكوسوفو ابتليت بعدو هو مصدر الحروب والفتن في تلك المنطقة فضلاً عن تعصبه الديني الأعمى وكراهيته لغير الأرثوذكس! فلسطين ابتليت باليهود الذين يريدون تصفية حسابات ألاف السنين من التشرد والعذاب المزعوم في الأرض مع شعوب المنطقة والعالم، والصرب يريدون تصفية حسابات هزائم وذل وصراعات وثأرات قديمة بينهم وبين المسلمين منذ قرون مضت.
فلسطين تكمن أهميتها في موقعها الإستراتيجي والجغرافي الوسط الذي يتحكم في طرق الاتصال والمنافذ البحرية والبرية التي تربط أطراف العلم الأربعة ببعضها، فضلاً عن أنها تشكل الجسر الأرضي الذي يربط شرق الوطن الإسلامي بغربه، وكوسوفو إلى جانب البوسنة والهرسك تتحكم في الطريق الدولي الذي يربط بين شرق أوروبا وغربها، كما أنها تتوسط التجمع الإسلامي في تلك المنطقة التي يخشى الغرب في المستقبل من ترابط أجزائه وتشكيل وحدة جغرافية وسياسية في قلب وشرق أوروبا قد تؤثر على شكل الخريطة الجغرافية والسياسية في تلك المنطقة! انتهى النقل.
فالخطورة في البوسنة والهرسك وكوسوفو لم تكن على ضياع السيطرة على الثروة النفطية أو الغاز أو اليورانيوم والذهب ولكن تكمن في شعب مسلم وموقع إستراتيجي وجغرافي يجعلان الغرب يخشى من قيام أي دولة إسلامية قد تقوى في المستقبل وتشكل خطراً على استقراره وتعيد أمجاد الإسلام في وسط أوروبا، فعداء الغرب العلماني لم يكن دافعه الثروة ولكن الدين فهو عداء للإسلام بغض النظر عن مدى تدين الغرب أو علمانيته! والمتأمل لِما حدث بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1990 سيجد أنه كل الجماعات الاثنية والطائفية مهما قل عددها من غير المسلمين ورغبت في الاستقلال حصلت على دول لها، إلا المسلمون هم الوحيدون الذين اجتمعت دول الغرب على تناقضاتها السياسية والدينية والمصلحية على حرمانهم من الحصول على دول لهم! ترى هل ذلك أمر عفوي أو عبثي يا مَنْ ترفضون صليبية الهجمة الغربية؟!
ونفس الأمر في التدخل الفرنسي السريع ..
في مالي الذي لم يكن حرصاً على حقوق الإنسان وأمن وحياة سكان مالي ولكن حرصاً على ثروة مالي من اليورانيوم والذهب التي هي سبب غنى الشركات الفرنسية والغربية على حساب جوع أصحاب الثروة أنفسهم، وخوفاً من أن تقع تلك الثروة في أيدي إسلاميين في المفهوم الغربي المنحرف أنهم (متطرفون وإرهابيون) وليسوا معتدلين كحكام إمارات النفط التي تسخر كل ثروة الأمة لخدمة مشاريع الغرب وتنفيذ مخططاته ضد الأمة والوطن وتوفير أرقى حد من الرفاه لسكانه على حساب جوع ومعاناة وحروب أصحاب الثروة أنفسهم من المسلمين!
فالغرب يخشى في مالي الثروة والموقع الجغرافي الذي يتوسط بحر من الشعوب الإسلامية وسط الصحراء الإفريقية، وطبعاً ذلك موجود منذ عقود طويلة لم يقلق فيها الغرب على مصالحه لأن حكام مالي وغيرها من الأقطار الإسلامية في إفريقية ضعفاء وموالين له وليس لديهم طموحات يمكن أن تشكل خطراً أو تهديداً لسيطرته على ثروات أوطانهم، أما جماعة أنصار الدين فهي ليست معتدلة ولكنها في المفهوم الغربي أصولية راديكالية ولديها طموحات يمكنها أن تشكل خطر كبير على مستقبل الهيمنة الغربية في إفريقيا، إن نجحت في إقامة دولة إسلامية قوية واستثمرت تلك الثروة في توحيد شعوب محيطها الإفريقي في دولة تعيد أمجاد دولة مالي الإسلامية وتشكل عمقاُ ودعماً لكل الإسلاميين في العالم المناهضين للغرب والداعين إلى نهضة إسلامية جديدة وإلى وحدة الأمة التي مزقها الغرب!
نعم فالوحدة والدولة القوية هي التي أرهبت الغرب ودفعت طليعته فرنسا إلى سرعة التدخل في مالي؛ فهم ظنوا أن جماعة انصار الدين بعد سيطرتها على شمال مالي بداية العام الماضي أنها جزء من تنظيم القاعدة وستكتفي بإمارة إسلامية في الشمال وينفصلوا عن الجنوب ولم يأخذوا مأخذ الجد ما أعلنته وقتها من أنها ستبقى جزء من مالي ولن تنفصل عنها، ولكنهم عندما تحركت باتجاه الجنوب لتحافظ على الوحدة الجغرافي لمالي كدولة واحدة أدركوا خطأ تقديراتهم وخطر وحدة مالي في دولة قوية معادية للغرب ومصالحه في مالي ومحيطها الإفريقي خاصة وأنها جماعة لا تفكر ولا تنتهج أسلوب تنظيم القاعدة في العمل!
لذلك تحرك الحقد الغربي الصليبي على الإسلام والخوف من قوته بغض النظر إن كان الغرب علماني ملحد أو يحمل الصليب وحرك رأس الحربة الغربية (فرنسا) لتسارع إلى التدخل في مالي قبل أن يتمكن المسلمين فيها من توحيد شمالها وجنوبها وحرمان شركاتها والشركات الغربية من نهب ثرواتها وترك أهلها للموت جوعاً، ولم يتوانى الغرب في دعمها وفي تحريك مجلس الأمن والدول العميلة له في القارة للقضاء على تلك المحاولة للاستقلال الحقيقي عنه، وللأسف أن القوى العلمانية في مالي ومن الطوارق أنفسهم اصطفت إلى جانب أعداء مالي والأمة وذلك نتيجة ما زرعته فرنسا والغرب من أفكار مزقت الأمة منذ قرنين من الزمن وهي التي كانت جوهر المقالة قبل أن نقرر مناقشة هذا الرأي الذي يجرد سياسة الغرب ضد الأمة والوطن من بُعدها الديني، والذي أيضاً سيجعلنا نُتبع هذه المقالة بعدة مقالات عن خطأ القراءة العلمانية لكثير من جولات الغرب ضد الأمة والوطن وتفسيرها تفسيرات تخرجها عن حقيقتها!
... يُتبع