منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

العرض المتطور

  1. #1

    الحضارة واغتراب المثقف

    وقال البحر.. الحضارة و اغتراب المثقف...

    جريدة الوحدة : 23-9-2020


    الاغتراب كلمة تحمل معاني شديدة الاتساع والتباين و لعل من بين مجمل تلك المعاني التي قد تنطوي عليها ما يُعبر عن حالة دائمة أو وضع ثابت ومحدد للإنسان بما هو إنسان ولكن هذه الكلمة قد تكون معبرة أيضاً عن وضع سلبي يُميز إنساناً يعيش في ظروف معينة وأوضاع استثنائية، ومن المعروف أن هنالك أنواعاً لا حصر لها من صور وأشكال الاغتراب التي يُعاني منها الكثير من ألمع المفكرين المعاصرين الذين تسري عليهم بديهية القول بأن أقلامهم أصوب سلاح يُعبر عن موقفهم في كل ما يُكتب وشرط أساسي للبقاء والازدهار في العالم اليوم كونه يخدم القضايا الاجتماعية والشجون الحياتية والمشاكل المعيشية.

    يتميز كل بلد بتراث قديم يتعلق به الشعب تعلقاً شديداً ويُباهي بملاحمه ويُمثل عند البعض الشيء الوحيد الذي ينبض بالحياة في داخل أعماقهم ومثال ذلك التراث المتأصل بحق الذي يُمثل تزاوج الماضي والحاضر في آن معاً، ولذا فلا بد من أن يُثير زوبعة أزمة فكر حضارية حادة حينما يصطدم بحضارة عصرية ذات طابع علمي وعملي وتنتقل من نجاح إلى نجاح ومن تميز إلى إبداع وتحقق كل يوم مزيداً من الإنجازات وتُكسب أصحابها قوة كبيرة تضمن لهم مكاناً بارزاً في عالم تسوده قيم التنافس الشديد والتصارع القاسي، وهكذا غرق أغلب أهل الفكر في مشكلة المواجهة بين معاني التراث وقيم العصر وهذه المشكلة لم يكن مطلوباً لها أن تنتقل إلى ميدان الممارسة بل أن تبقى حبيسة بين جدران التفاعل النظري وعناوين الوعي الاجتماعي كونه لا يمكن قراءة معاني كل جديد في كل ما هو قديم وإسقاط حروف مفاهيم العصرية على صفحات تراث كانت له مقوماته الخاصة في سير مجرى التاريخ واتجاهاته المحافظة وسط أجواء تقلبات الأحوال الإنسانية.

    يُعتبر الاغتراب السياسي نوعاً من أكثر أنواع الاغتراب الذي يعانيه المرء المثقف قبل غيره لأن الوضع الراهن والواقع الحالي لا يعترف أصلاً بقيمة الفكر وحينما تنهار منظومة القيم من أساسها ويسود شبح الإرهاب المعتمد على القوة المادية الغاشمة وتعم الفوضى فعندها يكون المثقف أمام طريقين أحلاهما مُر فإما أن يغترب سياسياً عن كل ما حوله ويشعر بأنه يعيش في وطن ليست له كلمة فيه أو تنتابه حالة من السلبية وعدم الاكتراث فيُفكر ويكتب لنفسه ولأمثاله فقط و يدع جانباً في يأس وإحباط كل ما يتصل بالمجتمع في تفكيره وهذه فئة يزداد عددها في هذه الأيام ويُمثل أصحابها تعبير خيانة المثقفين بأجلى معانيها، وتحول معظم الظروف السلبية والغيوم الملبدة والتي يمر بها كل بلد دون تحقيق المثقف لذاته على نحو حر ومبدع وخلاق.

    يتمثل الاغتراب الثقافي في الوضع المتأرجح الذي يعيشه أي مثقف أمين بين الثقافة التراثية والثقافة المعاصرة، فعلى الرغم من كل تلك الروابط التي تجمع بينه وبين تراثه وتشده إليه فلا مفر له من الاعتراف بصدق أن هنالك فجوة زمنية كبيرة تفصله عن هذا التراث وأن لغة الفكر التاريخي التي ينطق بها ماضي أمته لغة كانت تخاطب عصراً ومجتمعاً لهما سماتهما التي اختفى الكثير منها في العصر الراهن والمجتمع الحديث، وهكذا فإنه بقدر ما يستمع بإصغاء من أصحاب الفكر المحافظ إلى تمجيد لهذا التراث وتأكيد قدرته على البقاء ومواجهة مشكلات العصر فهو يُحس داخلياً في قرارة نفسه بقدر غير قليل من عدم الألفة مع هذا التراث رغم أنه يُشكل جذوره العميقة ويستشعر قدراً من التباعد خلقه ذلك الحاجز الزمني والاجتماعي الذي يفصل بين ألوان حياته المعاصرة وتلك الحياة التي كان يخاطبها لسان التراث، ولعل المهم في هذا كله أن الاتجاهات الفكرية المعاصرة تفرض على المثقف شيئاً من الإحساس بالاغتراب إزاءها وتحتم عليه بذل الجهد المضاعف لاستخلاص ما يصلح للتعميم منها و ما لا يُعبر عنه إلا في ظل ظروف مجتمع خاص ومحدد بعينه.

    يجد المثقف المعاصر أنه مغترب بمعنى مزدوج فهو مغترب زمنياً عن تراثه ومغترب حضارياً عن الثقافات المختلفة وعليه بذل الجهد المضاعف لكي يصنع لنفسه ذلك المركب الخاص به وحده و الذي يجمع بين هذين المصدرين و سيجد غيره من مثقفي أمته يصنعون لأنفسهم مراكب أخرى قد يغلب عليها هذا العنصر أو ذاك وقد تجمع بينهما في تعايش غير متسق وتكون حصيلة هذا كله اغتراباً ثقافياً بنمط آخر يعانيه حيال المثقفين في محيطه والذين يحملون تركيبتهم الثقافية الفريدة ويسعون لمواجهة كل أصقاع العالم بها.

    د. بشار عيسى
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  2. #2
    اغتراب المثقف حالة قديمة جديدة لم تجد اتفاقية ولامنظمة تحميه بقاعليه، ويبقى الاغتراب عموما من جراء الفردانية التي فرضتها العلوم العصرية فعززت البحث عن الذات، وأخرجته من جغرافية المكان الأول، وتركته غريبا حتى عن نفسه، التي رغم الفردانية لم يجدها ولم تستقر وتهدإ نفسه بها.. كل أمر خرج عن الثوابت التي تجمع المجتمع فهو غريب...
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    أسعد الله صباحك أخي أسامة
    موضوع غاية في الأهمية، فغربة المثقف .. المثقف الحقيقي وليس ادعياء الثقافة .. أمر طبيعي في مجتمع يعاني من أزمة حضارية، كما قال مالك بن نبي: كل مشكلة أو أزمة ثقافية تعبر عن أزمة حضارة، يعبر فيها المجتمع والمثقف عن خلل يحكم العلاقة بين ثقافته وممارسته!
    طوبى للغرباء .. سأقف مع الأفكار الرئيسة في المقالة القيمة لتفكيك واقعنا الثقافي من خلالها، ومحاولة إزاحة اللبس في الفهم حولها:
    العودة للتراث: من سنن حياة المجتمعات في مراحل الضياع أو التحرر من محتل أو أزمة ثقافية اجتماعية، أن ترجع لماضيها تستمد من نماذجه النابغة ورموزه التاريخية، التي حققت إنجازات عظيمة لشعبه قوتها، ويستعين بها على نهضته أو مقاومته أو تغيير واقعه، أو حل أزمته الثقافية الحضارية!
    خطأ البعض في فهم التراث: نحن كأمة مسلمة لو أدركنا وفهمنا إسلامنا جيداً، ما كان حدث لدينا هذه الأزمة في الخلط بين الحفاظ على تراثنا واحترامه، وبين العمل بما لا يناسب واقعنا المعاصر وما يخالف من ذلك التراث! وتراثنا نوعان:
    ثوابت دينية عقائدية لا تتغير بتغير الزمن
    وأحكام فقهية تعالج مستجدات المسلمين بحسب عصرهم، وتلك هي المتغير في ديننا بحسب الزمن، ومن مرونتها والاجتهاد في فهمها واستنباط أحكام شرعية منها تناسب متطلبات المرحلة وتستجيب لتغيرات العصر، يستمد الإسلام صلاحيته لكل زمان زمكان وإلى أن تقوم الساعة ...
    وعليه فإن فقه من سبقنا فيما لا يناسب عصرنا ليس ملزماً لنا ..
    ومن هنا أصبح لدينا أزمة ثقافية (فقهية، فكرية) وأزمة ثقافية (حضارية) ..
    الأولى: تتمثل في النماذج الإسلامية التي تعيش خارج عصرها فقهياً وفكرياً، وتحاول إسقاط أحكام السابقين التي لا تناسب عصرنا على واقعنا!
    والثانية: أزمة ثقافة حقيقية تتمثل في بعض المهزومين والمتغربين الذين هُزموا أمام النموذج الحضاري الغربي، وتنكروا لكل ماضي الأمة ويدعون إلى نقض دينها بزعم أن التراث فيه أمور كثيرة خطأ ولا تصلح لزمننا ودخيلة على الدين، وتحتاج إلى تنقية و...، وهؤلاء ليسوا مخلصين في دعواهم بقدر إخلاصهم للنموذج الحضاري الغربي الذي هو نتاج ثقافة الغرب (عقائده)، أي يريدوا هزيمة الأمة ثقافياً بنقض دينها وتاريخا وتراثها كله، واستبداله بعقائد الثقافة الغربية وقيمها الحضارية المخالفة في معظمها إلى حد التعارض مع عقيدتنا وقيمنا لحضارية الإسلامية ...
    أما الاغتراب السياسي: فهو موجود طوال تاريخ الأمة ومنذ بداية عهدها، بعد انتهاء زمن الخلفاء الراشدين، ونقض أول عُرى الإسلام، الفصل بين السياسة والدين.. تعطيل العمل بالشورى كمبدأ رئيس للحكم واختيار الحاكم، وكل القرارات الخاصة بالأمة، سياسية او اجتماعية أو اقتصادية أو عسكرية أو ...
    ...
    مقالة جميلة بحاجة لعودة في حال تيسر لي وقت لذلك
    تحياتي
    التعديل الأخير تم بواسطة مصطفى إنشاصي ; 10-05-2020 الساعة 07:13 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •