منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 4 من 4

العرض المتطور

  1. #1

    تأملات في الإنسان

    تأملات في الإنسان
    سهى بطرس قوجا
    لنتأمل قليلا في تلك الشجرة الشامخة على الأرض، أغصانها ترتفع بما يسكنها من ثمار أو زهر وأوراق في فضاء الحياة، وجذورها تمدها في باطن الأرض مُتمسكة فيها بكل قوتها. تعيش فصول الحياة الأربعة، تتحمل برد الشتاء القارص والمطر الهابط والثلج النازل بثقلهِ على أغصانها فتعيش محنتهِ بقسوة وتتحمل، ثم يأتيها الربيع بما يحملهُ من جمال خلاب ليعيد الحياة إليها وينعشها من جديد لتجدد وتُعطي وتهب ما لديها من خيرات، بعد الربيع أنهُ الصيف وشمسهِ الحارة والعطش والذبول النسبي تحضيرًا للخريف القادم أخيرًا، فيُجردها من أوراقها ورقةٍ ورقة ذاهبة في مهب الريح، ويُعيشها ما بين الحرّ والبردّ وما بين الصمود والتحدي وما بين الرحيل والبقاء!
    ولحين ذلك وما بين هذه جميعها مُجتمعةٍ، قد يسكنها الطير ويعشش فيها وقد يزورها الغراب ليحل على غصنها، وقد يؤلمها نقار الخشب بمنقارهِ بنقرهِ المُتواصل عليها، أو تصبح طعامًا للدود الزاحف إليها رويدًا رويدا، وربما الإنسان نفسهُ يمد يده عليها بفأسهِ ليرميها أرضًا، مُنهيًا بفعلتهِ دورة حياة الحياة ذاتها، وتنتهي الحياة وتقطع الأنفاس!
    الإنسان كتلك الشجرة أيضًا يعيش فصول الحياة بكل عواصفها وزوابعها المحملة على اختلافها، وبقوة إرادتهِ وتصميمهِ قادر على أن يثبت نفسهُ ووجوده بكل قوة وجدارة ويتخطاها إلى ما هو باقي من الموجود، وأيضا قادر على أن يتجاوزها من داخلهِ لكي لا تبقى وتأخذ مكانها وتحتلهُ وتستوطنهُ كما يحتل العدو والغريب الأوطان!
    سنقوم برحلة وجولة لمدة زمنية قصيرة إلى داخل الإنسان لنجول فيهِ ونعرف ونتعرف ونتأمل في كل ما يجول في مكنوناتهِ وأعماقهِ، أنها رحلة صغيرة بدقائق معدودة نبدأها من القلب وما يتولد فيهِ وما يخرج منهُ، ثم نزور العقل لنستكشف كيف يفكر ويعطي الإيعاز لكل ما مكنون ومضمور في أوراق الإنسان للحياة وللآخر.
    هذا الكيان الحيّ يتدفق الدم في شرايينهِ وأوردتهِ، واصلاً إلى جميع مناطق جسدهِ وهو مُحمل بالكثير من المعاني الثمينة عن النفس وعن الآخر من:" الاحترام، الحبّ، المشاعر، الأحاسيس، الألم، الحزن، البسمة، الشجون، كلمات جميلة، السعادة، الصمت، الشفافية، الحنين، النقاء، الضيق .... وغيرها الكثير مما يجول في الخاطر، قد تستأنس النفس لها أو ترفضها حسب ما يلائمها ويناسبها وأحيانًا ما يفرض عليها، فهي مرات لا تكون حرة أمام إرادتها! فالحياة إذن تكون بما تحملهُ والإنسان بما يتلقاه ويمارسهُ على نفسهِ وعلى غيره من فنون كثيرة وتحمل من الألوان والأدوار الأكثر.
    وحينما نتأمل في الإنسان هذا الكائن المُميز والمُختلف عن باقي الخلائق والمميز بعقلهِ عنهم، نجدهُ حينما يغيب عقلهُ عن المنطق والإرشاد وعن الحضور الحاضر يُوعزّ لنفسهِ للقيام بالكثير من الأمور المُخالفة لطبيعتهِ كإنسان إنساني! يكون مسلوب الإرادة، هو من يسلبها حينما يسخر ذاتهُ إلى كل ما هو ضد النفس.
    أنها عبثية الإنسان ومشكلة زمانهِ الحاضر التي غابّ فيها المعنى والجوهر، مما يدفعهُ بما يحملهُ في قلبهِ من شعور وما يختزنهُ عقلهِ من نظرة مُغايرة لواقعهِ لا يستسيغها بسبب واقع عاشه أو غيره ذاقهُ أثر في نفسيتهِ في الحالتين وغير من ملامح الحياة والإنسان في عينيهِ! دافعًا به بعد حين إلى التصادم والركون عند المشكلة التي تكون كتلك العاصفة الشتوية الباردة الهابة، تُبرد كيانهِ وتجعلهُ يجد صعوبة في التوافق الداخلي النفسي والحياتي مُستقبلاً! يفكر بما يسكنهُ وينظر لواقعهِ فيحتار ويتردد، وما يكون من العقل سوى إلقاء ظلالهِ بقوة على كل ما يُخالج القلب ويلمسُّ الشعور.
    كثير من الأمور والأشياء يرغبها القلب ولكن العقل يرفضها، والكثير الآخر يسكن القلب والعقل يغلق الأبواب عليها! وهناك الأكثر مما يختزن في العقل ويضمر في القلب واللسان يترجمهُ بكلمات وجمل قد تسعد أو تحزن أو تعيش في الأيام كما تعيش الثواني والدقائق في الساعات. أو ربما قد يحدث العكس بنسبةٍ والقلب هو الذي يرفض ويتمردّ!
    التأمل في هذا الكيان العظيم لا ينتهي، هذا الكيان الذي يحمل بين جنباتهِ: الذكر والأنثى، الأسود والأبيض، الخير والشر، الفكر والشعور، الحياة والموت، الضحك والبكاء، الزهر والأشواك، الحروف والأرقام، الشهيق والزفير، الحقيقة والخيال، الظاهر والمكنون، النور والظلام، الدفء والبرد، القصة والرواية، وأخيرًا وليس آخرًا الوطن والغربة! وتبقى نفوس تحيا في دنيا الحياة.

  2. #2
    حقيقة مررت مرور الكرام بنصك المثالي وأنك تقصدين الفطرة بكلامك واتمنى أن أكون قد فهمت قصدك تماما.
    لك التحية.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    ولله في خلقه شؤون أيها الأخت الكريمه , هذه هي الحياة مملوءة بالمتناقضات خيرها وشرها , ولو استقامت لما دامت , أشكرك على هذه المقالة الرائدة

  4. #4
    الأخت سهى , ما أجل تفكيرك , وما أحسن ألفاظك , وما أبدع قلمك , أنت أبدعت بهذه المقارنة بين الإنسان كإنسان , وبين الشجرة التي تعيش في عالم آخر , الشجرة والإنسان , الشجرة تعطي الثمار بعد كد وتعب , لتسعد غيرها من الكائنات , والإنسان الصابر هو كالشجرة تماماً الذي يحرق نفسه لإسعاد الآخرين , فثمة عوامل مشتركة بينهما , ولكن ليس كل البشر على درجة واحدة من التحدي لمكافحة الطبيعة , أو مكافحة الشر , بل تجدين الإنسان قد يحرق نفسه ويحرق الشجرة التي تمده بالطعام نتيجة تخلفه وقصر نظره , أشكرك أيتها الفاضلة , مع الاحترام

المواضيع المتشابهه

  1. تأملات قرآنية
    بواسطة عبادة الخطيب في المنتدى فرسان التفاسير
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 08-20-2017, 09:48 PM
  2. تأملات قرآنية
    بواسطة أسامه الحموي في المنتدى فرسان التفاسير
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 01-09-2017, 07:34 AM
  3. تقتل الإنسان .. في الإنسان :أو العيش مع"القطيع"​مع الشعور بالحرية!!
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان الأبحاث الفكرية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-21-2013, 10:20 AM
  4. تأملات في آية
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان التفاسير
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-22-2010, 06:05 AM
  5. تأملات
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الشعر الشعبي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-03-2010, 07:48 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •