منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

العرض المتطور

  1. #1
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355

    إذا دعاكم لما يحييكم 1/2

    إذا دعاكم لما يُحْييكم !
    1/2


    قضت السنـن الإلهيـة والنواميـس الربـانية أن تكـون الأيام بين الناس دولا (وتلك الأيام نداولها بين الناس) [ سورة آل عمران 140] فأنى لمؤمن مُوَحّد ، أو كافر مُلحد أن يجد عنها حولا (فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا) [سورة فاطر 43] فكل يُطرق بها بابُه ومنه يُنال ، وتظل العبرة باختلاف العُقبى والمآل ؛ فبينما يُرَدّ عبادُ الله الموحدون إلى أحسن حال ، في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر ، فإنّ أهل البغي والاستكبار تلفح وجوهَهم النارُ في لظى جحيم مستعِر .
    وعليه : فبالنظر إلى هذه المآلات تهون على المسلمين النازلات ، وان تفاقمت عليهم الجراحات ، وتزاحمت في ساحتهم الغصّات ، فليست هي من قاصمات الظهور ، إنما ابتلاء ممن بيده مقاليد الأمور ، ليتميز المتخاذل الفرور ممن هو مرابط في ساح المبادئ والقيم يدور في رحاها حيث تدور ...
    في ضوء ذلك فإنّ للحياة الهنيئة المعتبرة معاييرَ أخَر ، ومقاييسَ مبرّأة من الغرر ، الذي وقع فيه كثيرٌ من البشر ،ممن سُلِب عمق الفكرة وبُعْد النظر ، فظلوا أسارى نظرتهم السطحية في تفسيرهم لما يجري وجرى ..
    وتفصيل ذلك جاء في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أنّ الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون) [سورة الأنفال24]
    أفادت الآية الكريمة أن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له ، وان كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات؛ فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهرا وباطنا ، فهؤلاء هم الأحياء وان ماتوا ، وغيرهم أموات وان كانوا أحياء الأبدان ، ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول ، فإنّ كلّ ما دعا إليه ففيه الحياة، فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة، وفيه من الحياة بحسب ما استجاب لله وللرسول.
    وثم صورتان من الاستجابة لله وللرسول باعثتان للحياة ، انعقدت عليهما كلمة المفسرين ، وثبتت مصداقيتهما على مرّ السنين ، من هُدي إليهما فقد هُدي إلى صراط مستقيم :
    الصورة الأولى : هي الحياة النابعة من الإذعان للإسلام والانقياد له ظاهرا وباطنا .
    والصورة الثانية : هي الحياة النابعة من الانحياز لخيار الجهاد والاستشهاد كسبيل لحراسة الدين ، وحماية حوزة المؤمنين .
    أما الصورة الأولى فتتبدّى فيما ذهب إليه قتادة – رحمه الله تعالى – من تفسير قوله تعالى: (لما يحييكم) بقوله : ( هو هذا القرآن فيه الحياة والعفة والعصمة في الدنيا والآخرة ) [تفسير الطبري 6/214] وكذا السّدي بقوله (هو الإسلام أحياهم به بعد موتهم بالكفر ) [تفسير الطبري6/213] وعليه : فإذا كان الإنسان لا حياة له حتى ينفخ فيه الملَكُ الذي هو رسول الله من روحه فيصير حيّا بذلك النفخ ، وكان قبل ذلك من جملة الأموات ؛ كما في حديث خلق الإنسان الذي يرويه ابن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه : ( .. ثم يبعث الله إليه الملَك فيؤمر بأربع كلمات : بكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أو سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح ) [متفق عليه].
    فكذلك لا حياة لروحه وقلبه حتى ينفخ فيه الرسولُ صلى الله عليه وسلم من الروح الذي ألقي إليه (ينزل الملائكة بالرّوح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا اله إلا أنا فاتقون) [ سورة النحل 2] فسّر ابن عباس – رضي الله عنهما – قوله تعالى ( بالروح ) أي : (بالوحي) (تفسير الطبري 9/77)
    وكذا قوله تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلنه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا ) [ سورة الشورى52] قال السّدي في قوله تعالى: (روحاً من أمرنا) أي (وحيا من أمرنا ) [تفسير الطبري 13/46] فأخبر تبارك وتعالى أن وحيه روح ونور ، وعليه : فحياة الجسد موقوفة على نفخ الرسول الملكي ، و حياة الروح واستنارتها موقوفة على نفخ الرسول البشري ؛ فمن أصابه نفخ الرسول الملكي ونفخ الرسول البشري حصلت له الحياتان ، ومن حصل له نفخ الملَك دون نفخ الرسول حصلت له إحدى الحياتين وفاتته الأخرى ، قال تعالى: (أو من كان ميتا فاحييناه له نور يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) [ سورة الأنعام 122] فجمع له بين النور والحياة كما جمع لمن أعرض عن كتابه بين الموت والظلمة ... [ أنظر الفوائد لابن القيم ص 87 وما بعدها- بتصرف- ]
    أما الصورة الثانية ؛ صورة الحياة النابعة من الجهاد والاستشهاد فتتجلى فيما ذهب إليه جمع من أئمة التفسير إلى أن المقصود بقوله تعالى (لما يحييكم) أي ( للحرب التي أعزكم بها بعد الذل ، وقوّاكم بها بعد الضعف، ومنعكم بها من عدوّكم بعد القهر منهم لكم )قاله ابن اسحق [الدر المنثور للسيوطي 3/320]
    وقال ابن قتيبة ( هو الجهاد الذي يحيي دينهم ويعليهم )[زاد المسير لابن الجوزي 3/ 339 ] وقال الفراء : ( إذا دعاكم إلى إحياء أمركم بجهاد عدوكم ) [ زاد المسير3/339]؛ يريد أن أمرهم إنما يقوى بالحرب والجهاد ، فلو تركوا الجهاد ضعف أمرهم واجترأ عليهم عدوهم ، ومهما يكن من أمر فان الجهاد ضرب من ضروب الاستجابة لله والرسول ؛ إذ استفاضت التوجيهات الربانية والنبوية التي تأمر بالجهاد وتحض عليه وترغب فيه ، كما أنّ الثمار المتوخاة من الاستجابة لله ورسوله سيظل ( الجهاد وسيلة لتحققها وسياجاً لها بعد حصولها) [ تفسير المنار 9/ 632]
    وفي هذا المقام أثر عن ابن القيم قوله : إن الجهاد من أعظم ما يحييهم به في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة ؛ أما في الدنيا فان قوّتهم وقهرهم لعدوهم بالجهاد (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ، ويذهب غيظ قلوبهم ) [سورة التوبة 14،15] وأما في البرزخ فقد قال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل احياءٌ عند ربهم يرزقون)[ سورة آل عمران169] وأما في الآخرة فان حظ المجاهدين والشهداء من حياتها ونعيمها أعظم من حظ غيرهم .. ويكفي في هذا قوله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا) [سورة النساء69] وحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – وفيه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : (.. وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، قلت وما هي يا رسول الله ؟! قال : الجهاد في سبيل الله ، الجهاد في سبيل الله )[صحيح مسلم رقم1885 ] فمن أمضى هذه الصفقة -صفقة الجهاد والاستشهاد - ارتفع إلى تلك المنـزلة وحظي بحسن الصحبة والرفقة .
    وإذا كان ذلك كذلك فقد عقد الشارع الحكيم في هذا المقام الثناء والمثوبة والأجر الجزيل على حالة مخصوصة من الاستجابة ؛ ألا وهي الاستجابة لله والرسول إذا ما انقشع غبار المعركة عن الساح ، حيث مظنة تخضب الأجساد بالجراح ، ومطاردة المجاهدين وتناثر أشلائهم في الربوع والبطاح، وشروع أهل الإرجاف بالهمز واللمز والتشكيك بهذا الخيار متشدقين بالإفك البَواح ، فقال عز من قائل: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجرٌ عظيم) [سورة آل عمران 172 ]
    في خضمّ ذلك ما على المجاهد في مثل هذا الظرف إلا أن يتجلد رغم القرح ، ويتصلب رغم الجرح ، ويتماسك رغم الترح ، ملازما شرعة ربه مستجيبا لها ممتثلا أحكامها بلا منازعة ولا ممانعة ولا مرافعة ولا مدافعة، حتى وان خذله بعض قومه فلم يبد منهم سوى الوهن والبرْح ؛ البرْح من ميدان المعارك وساحات الوغى في حين تراه مستمسكا بالمبادئ النبيلة ، غير خاضع لضغوطات الواقع الثقيلة (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوءٌ واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم) [ سورة آل عمران 173،174]




  2. #2
    صحيح ويبقى العمل في تنقية الروح والإيمان من اولويات المطالب.
    لك التحية والتقدير دكتور.

  3. #3
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أ . د . محمد جمال صقر مشاهدة المشاركة
    صحيح ويبقى العمل في تنقية الروح والإيمان من اولويات المطالب.
    لك التحية والتقدير دكتور.



    أزجي لك وافر تقديري وجزيل احترامي وتوقيري أخي الأستاذ الدكتور محمد جمال صقر :

    ... أجل دكتورنا الفاضل هو كما قلت (يبقى العمل في تنقية الروح والإيمان من أولويات المطالب ) لأنّ الحياة المنبعثة من الإيمان هي الممهّدة والمُعِدة والمُمِدّة لمن أراد أن يحيى الحياة الثانية التي باعثها الجهاد ، وبقدر ما يكون للمرء قدمٌ راسخة في الحياة الأولى ، يكون لهم توغّلٌ محمود في الحياة الثانية ! لا سيّما وأن الحياة الثانية محطّ اصطفاء الله تعالى للشهداء{ ويتخذ منكم شهداء } ( آل عمران 140) ولا يصطفي عزّ وجل لمنازل الشهادة إلا المخلِصين المُخلَصين !
    أمتعنا مرورُك دكتورَنا وأتحفنا !


المواضيع المتشابهه

  1. إذا دعاكم لما يحييكم ! 2/2
    بواسطة د. عيد دحادحة في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 09-10-2012, 01:05 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •