عن روائع الفن التشكيلي






نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




























التّنين

لآلاف السنين، ظل التنّين يأسر عقول البشر، وقد كان الإلهام الذي استوحى منه الكثير من الكتاب والشعراء والموسيقيين أعمالهم وإبداعاتهم.
وهناك أساطير عديدة تروى عن التنّين على مرّ القرون. وأقدمها تشير إلى أن التنّين أتى من البحر، وطوال عهود التاريخ ارتبطت هذه المخلوقات بالماء.
وفي الماضي كانت خرائط العالم تضع على المناطق غير المكتشفة علامة "هنا يسكن التنّين"!
وقصص التنّين المبكّرة كانت تتمحور حول مسألة الخلق أو الحفاظ على الكون من الفوضى. لكن تلك القصص أصبحت تركز في العهود اللاحقة على حكايات البحث عن الكنوز وإنقاذ الأميرات!
أما اليوم فأصبحت قصص التنّين تترواح بين رحلات إلى الفضاء الخارجي أو البحث الفلسفي عن الحقيقة .. الخ.
وأقدم القصص المروية عن التنين وردت في أسطورة سومرية تعود إلى العام 5000 قبل الميلاد وتدور أحداثها حول تنّين يسمى "زو". وقصة التنين "زو" هذا تتضمّن عنصر الإله، وتشرح كيف أن "زو" سرق الألواح التي سجّلت عليها القوانين من الإله "انليل". ويقوم "انليل" بإرسال اله الشمس "نينورتا" لاستعادة الألواح. وينفذ "نينورتا" المهمّة ويقتل "زو" في أثناء المواجهة.
كما تتضمّن الحضارة البابلية قصصا مشابهة عن التنّين.
وثمة قصة حثية (نسبة إلى الحثيين) تتحدث عن الطريقة التي تمكن بها اله العواصف بمساعدة الآلهة "ايناراس" وعشيقها البشري "هوباسيغا" من قتل تنّين يقال له "ايلوغانكا".
وهناك قصة كنعانية من أشعار "بعل" تتحدّث عن كيف أن الإله بعل هزم تنّينا بحريا له سبعة رؤوس يقال له "يامناهار".
وفي مصر راجت أسطورة تتحدث عن تنّين بحري حاول أن يلحق الهزيمة بـ "رع" اله الشمس المصري لكنه قتل على يد اله آخر اسمه "سيث"!
وتعزى فكرة إنقاذ الأميرات من براثن التنّين على يد أبطال شباب إلى الأساطير اليونانية.
وكانت كائنات التنين اليونانية هي مصدر الأسطورة في الآداب الغربية. واقدم قصة إغريقية عن التنّين هي قصة الفروة الذهبية.
وفي القصة أن رجلا يقال له "جيسون" أبحر في سفينة بحثا عن فروة ذهبية بمساعدة أميرة ساحرة تسمى "ميديا" ، وكانت الفروة بعهدة ملك كلوشيس وكان يحرسها تنين صعب المزاج!
وكانت ميديا قد وعدت جيسون بالزواج منها إن هو افلح في استعادة الفروة الذهبية من التنين. وهذا ما حدث في النهاية.
والصورة الشائعة عن التنين ترسم له ملامح مخلوق شرير وقاس ومتعطش للدماء وله جسد ضخم ودائما ما ينفث من فمه النار وله أربع قوائم ومخالب تشبه مخالب الأسد وجناحان هائلان وجلد خشن ومتغضّن.
وبعض أنواع التنّين يملك القدرة على تغيير شكله ولونه. والتنين يأكل ولكن مرة واحدة في الشهر، وهو يتغذّى على لحم خروف أو ثور كما يأكل لحم البشر (الأساطير تقول انه يفضل لحم الفتيات العذارى بشكل خاص)!
وتقول بعض الأساطير إن من يأكل قلب تنين فإنه يصبح قادرا على فهم لغة الطير، أما من يأكل لسانه فإنه يصبح حجّة في النقاش والإقناع!
ومع مجيء المسيحية انتهى التنّين، إذ كان فرسان القرون الخوالي توّاقين إلى إثبات شجاعتهم واكتشفوا بسرعة أن صيد التنّين كان عملية مربحة وسرعان ما انقرض التنين بعد ذلك من العالم!
وكان الفايكنغ ينحتون مقدّمة سفنهم على هيئة تنين إيمانا منهم بان ذلك يجلب لهم الحماية والأمان.
واليوم ما يزال علم ويلز يحمل صورة تنّين احمر على خلفية من اللونين الأخضر والأبيض، وما زال التنين هو الرمز الرسمي لذلك البلد.
ويعتقد أن جسد التنين كان عبارة عن مزيج من الخصائص الفسيولوجية لحيوانات عديدة، فله جسم أفعى ورأس جمل وقرون غزال ضخم وعينا أرنب وأذنا ثور وبطن ضفدع ومخالب نسر!
ويصوّر التنّين في الشرق باعتباره مخلوقا طيّبا ورحيما وذكيا! والصينيون يحتفظون بأقدم تاريخ مكتوب في العالم عن هذه الكائنات يعود إلى آلاف السنين.
وتاريخيا هناك ربط دائم ما بين التنّين وحالة الطقس، إذ يقال بأن أسوأ الفيضانات في آسيا كانت تحدث بسبب موت تنّين!
وفي الصين كان التنّين رمزا لبعض الأباطرة هناك، وكان هناك قانون قديم في الصين ينصّ على أن الإمبراطور وحده هو من يحقّ له ارتداء ملابس عليها نقش تنين كرمز للسلطة والمنعة.
وكان لون التنين الإمبراطوري اصفر وهو أعلى الفصائل مكانة ومقاما. وإذا ما ُقبض على أي إنسان، عدا الإمبراطور، مرتديا رمز التنين الأصفر فإنه ُيحكم عليه بالموت فورا!
وما تزال حيوانات التنّين تظهر في الاستعراضات والاحتفالات العامة في آسيا، واشهرها الاحتفال بعام التنّين في الصين.
لقد عاشت قصص التنين آلاف السنين ويبدو أنها لن تتلاشى قريبا. ومن المؤكد أن العديد من تلك القصص والأساطير عن ذلك الوحش الخرافي سوف تروى لتملأ خيال الأطفال والكبار على حدّ سواء، وسيستمر الفنانون والشعراء والأدباء في استلهام قصص التنّين ورسمه بشتى الأوضاع والصور طالما أطلقوا لمخيلتهم العنان باتجاه عوالم السحر والأساطير!