حوار مع جائزة أفنان القاسم 2009 لأسوأ صحفي جاك خزمو


قدم للحوار:د. أفنان القاسم

أجرى الحوار: د. أفنان القاسم

التوعين هو تحويل التربة إلى وعنة، والوعنة هي التربة الصلبة الحمراء اللون، وهذه هي كل كتابات الصحيفي المقدسي جاك خزمو، نوع من التوعين الإعلامي، الأحمر شكلها، ومضمونها قاس كالحجر، يدق به رأس المستقبِل إلى أن يسيل الدم منه، وهي لهذا السبب حمراء بلون الجريمة، وعلى جثة الفكر يسوّق لما يسعى النظامان الإسرائيلي والأوسلوي إلى تسويقه. إنه القلم السخيف وقد غدا سيفا والفضاء السفيه (مجلته البيادر) وقد غدا ساحة تُرفع فيها المقاصل، ومن هنا جاءت أهمية التافه في عصرنا وعظمة شأن الدنيء. فالتفاهة والدناءة كعاملين من عوامل مؤوِّلة لتركيب جماعة الصحفيين المقدسيين الأشاوس تحت الاحتلالين الفلسطيني والإسرائيلي التي ينتمي إليها واحد نكرة مثل جاك خزمو تعودان إلى البنية الكمونية في هذه الجماعة، إنهما ليسا اكتسابا، وهما في وضع "التَّكَسُّبِ" الدائم، لهذا جاءني خزمو في بداية تأسيسه لمجلة كنا نعتبرها وطنية وثورية عن حماسة وبراءة، وهي ما كانت إلا بدعم الموساد وتحت غطاء عرفات، لأكتب في أعمدتها، وكتبت في أعمدتها دون أن أعلم وقتها أنه يرمي إلى التغطي باسمي وبسمعتي، واليوم وقد وصل إلى ما أراد الوصول إليه لدى القارئ، وصل إلى "توعينه"، لم يعد بحاجة إليّ ولا إلى أي شخص آخر غيري، فحاجته اليوم أن يواصل عملية التوعين، وهي على كل حال متواصلة، من أجل "تَكَسُّبِ" أرباب قلمه، وفقط أرباب قلمه، وإلا ما فائدة الكتابة إذا لم تدر عليه بالربح المادي، وفي الوقت نفسه إذا لم تُصِبِ القارئ بالإفلاس الفكري، إنه صوت الشيكل الذي يرن من وراء كل كلمة يكتبها، في اللسانيات ندعوه بالصوت الحافّيّ، الصوت الذي يخرج عليك من الحافة، حافة اللسان أو حافة الفؤاد أو حافة الأرداف، فهو، لأنه جانبي، يجانب كل شيء، وأهم الأشياء الحقيقة، ولكن حتى الحقيقة هي عامل من العوامل المؤوِّلة في بنيته الكمونية، بمعنى أنها ليست حقيقة على الإطلاق بينما هي في اعتقاده كل الحقيقة، ولنعط مثلا على ذلك كل نصائحه التي تصل إلى حد الوعظ حول تغير الوضع بين 67 واليوم، وعلى السلطة "الوطنية" (الوطنية كمرادف للعميلة وعامل من العوامل المؤوِّلة في بنيتي الكمونية) أن تغير كل مشروعها "الوطني" ليتماشى مع الوضع الجديد، والتغيير باختصار هو التخلي عن كل الحقوق الحياتية للشعب الفلسطيني والرضوخ لأوامر المحتل...


التقيناه على صحن حمص وكاس عرق في أحد مطاعم شارع صلاح الدين...


* أستاذ جاك كنا نتوقع أن تدعونا على صحن كباب وكاس ويسكي؟

. والله الأمور تعبانة أموال الدعم لم تعد كما كانت أيام أبو عمار رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

* قل لنا أستاذ جاك لماذا وافق عرفات على إغلاق كل رموز شخصية القدس العربية الشرقية من أماكن كبيت الشرق والعديد من الدوائر الثقافية والمؤسسات الدينية والمسارح ما عدا مجلتك مجلة البيادر؟

. (يجرع كأس عرقه دفعة واحدة) بكل بساطة لأن البيادر لا هي رمز ولا غيره، هل فهمت؟

* لا لم أفهم أوضح رجاء.

. (يجرف نصف صحن الحمص في لقمة ضخمة ويلقيها في جوفه ثم يحاول الكلام كالمختنق) بكل بساطة لأن البيادر لا هي مجلة ولا غيره، هل فهمت؟

* (نظرت إليه جائرا)...

. (يقهقه وهو ينثر بعض لقمته الضخمة التي لم يبلعها كلها بعد على الطاولة وعليّ) بكل بساطة لأن البيادر لا تختص بالسياسة ولا علاقة لها على الإطلاق بالسياسة، لأن البيادر هي بالأحرى مجلة سياحة.

* ولكن... اسمها البيادر السياسي!

. (يجرع كأس عرق أخرى دفعة واحدة) بالإسم، فقط بالإسم، فالسياسة فيها ليست سياسة، السياسة فيها مثل جاك خزمو، أونطة (يقهقه وهو يجرف نصف صحن الحمص الثاني في لقمة ثانية ضخمة ويلقيها في جوفه ثم يحاول الكلام فلا يمكنه ذلك، يجرع كأس عرق ثالثة تساعده على الكلام، ويقول) لكنها أونطة جادة. كان علينا أن نماشي زمننا، وكان علينا أن نقول ما يراد لنا قوله أو ما نتخيل أن ذلك ما يراد قوله، أونطة، والحمد لله نجحنا.

* نجحت في ماذا؟

. في كل شيء، الاحتلال لم يزل مستمرا، والقدس الشرقية أصبحت يهودية، ونحن لم نزل نمارس مهنتنا بشرف... ولأجل ذلك تعرضنا لإطلاق الرصاص من طرف عملاء الموساد...

* تقصد من طرف أعداء الأونطة؟

. ما كله واحد (أشار إلى النادل فأحضر له صحن حمص آخر) أصابونا وأصبنا.

* أصابونا وأصبنا!

. يا أخي ما تدقش... كانت شهادة لوطنية حصلنا عليها لأجل استمرار الأونطة (يضع النادل صحن الحمص الثاني أمامه وفي الحال يجرف جاك نصفه في لقمة ضخمة ويلقيها في جوفه، يلوكها ويتكلم بصعوبة، ويتفتف عل الطاولة وحمدا لله ليس عليّ بعد أن ابتعدت عنه مترا) أراد لنا أبو عمار أن نلعب اللعبة التي كان يلعبها في السياسة الأونطة تاعه صحفيا، فلعبناها كما يجب... إلى اليوم، وكسبنا رضاء الإسرائيليين.

* هذا توضيح مذهل.

. تلخيص وليس توضيحا تلخيص لكل العمل الصحفي تحت الاحتلال (يجرع كأس عرق أخرى وأخرى دون أن يبدو عليه أنه سكر) لكله، ولهذا السبب صمدنا.

* صمدتم؟

. (يقهقه) يا أخي قلت لك ما تدقش وخلينا ناكل حمص ( يعود إلى القهقهة من جديد وهو يجرف نصف صحن الحمص الثاني في لقمة ضخمة، وقبل أن يلقيها في فمه، يقهقه ثانية).

* شكرا لك أستاذ جاك على هذه الصراحة وهذه الشجاعة.

. لم تأكل شيئا من صحنك دكتور أفنان.

* إني أقدمه لك.

(ودفعته من أمامه).


www.parisjerusalem.net

ramus105@yahoo.fr