الأيام الجميلة تمضي دون أن نشعر.. تراودنا فجأةً وسرعان ما نأسف لرحيلها. وهكذا حال الإجازة التي تقضيها السيدة إيمان التقي مع عائلتها في سورية.. كأنها لحن رقيق تسعدنا أوتاره ومضة وتختفي.. وتعود لتجمع حقائبها وتسافر إلى مكان إقامتها في مدينة لونك دي في شمال فرنسا، وهي مدينة صغيرة جبلية مرتفعة قريبة من إمارة لوكسمبورغ التي يقطنها كثير من الأتراك، تتسم بطبيعة جميلة جداً، كونها جبلية مغطاة بخمائل الأشجار الخضراء الكثيفة، وهي على تماس مع حدود بلجيكا وتبعد عن نانسي المدينة الكبرى مسافة ساعة زمنية..
وتتعرض في الشتاء لبرد قارس وعاصفة ثلجية متكررة وأمطار غزيرة لدرجة لا يمكن لأحد أن يمشي في الشارع أو يتنقل دون سيارة..وعلى الرغم من صغر هذه المدينة.. إلا أنها تتصف بكل مظاهر الحضارة والرفاهية، منازلها على صورة فلل صغيرة ولا يوجد ازدحام بالسيارات وتمتاز أسواقها الكبيرة بوجود سوبر ماركات ضخمة وماركات عالمية مثل ( كارفور - وآسوشان وكورا) وتخضع هذه المدينة الصغيرة للتطور المستمر، تعتمد في اقتصادها على وجود المناجم والمعامل، وتوجد فيها أحدث المخابر العلمية ومراكز البحث العلمي التي يواصل فيها الخبراء الطلاب أبحاثهم ودراساتهم العليا.. لا سيما أفراد الجالية العربية الذين حضروا عن طريق بعثة علمية، أو متابعة للدراسة، منها مركز تنقية المياه، ومعهد دراسة إدارة الأعمال والاقتصاد.. وعن حياتها الخاصة تقول إيمان: سافرت من سورية بعدما حصلت على إجازة في الآداب - قسم أدب فرنسي، وهذا ساعدني كثيراً على التواصل مع الآخرين، وفهم لغة السوق وإقامة صداقات مع الجيران ومن ثم شغلت نفسي أكثر فقدمت أوراقي لمتابعة دراستي بعد تعديلها فحصلت على دبلوم تقنية التجارة مما ساعدني على التواصل مع المجتمع الفرنسي..
وحينما كبر الأولاد دخلوا إلى المدرسة تفرغت لمتابعة دراستهم لاسيما أن نظام التعليم هنا يختلف إذ يداوم الطلاب على فترتين صباحاً وبعد الظهر... ومتابعة الأولاد في المدرسة جعلها تتواصل مع الأمهات لا سيما القادمات من بلدان عربية مثل ( تونس - الجزائر- مصر - لبنان- الأردن - سورية) فتعمقت أواصر الصداقة بينهن وغدون على موعد دائم يتبادلن الأحاديث حول شؤون الوطن ومتابعة أخباره وحرصن جميعاً على متابعة تدريس أطفالهن اللغة العربية، وأخذت كل أم تزرع حب الوطن في قلوب أطفالها، الذي يتجذر ويقوى في السفر كل عام لزيارته والتشبث بجذوره عن كثب.. وعن العلاقات الفرنسية، تقول: إنها ترتبط بصداقة قوية مع الفرنسيات ويتصفن بالإخلاص وتقديم المساعدة واحترام الغرباء، وكذلك الأتراك إذ توجد جالية تركية كبيرة والنساء التركيات يتميزن بتقديس الوقت واتقانهن فن الطبخ... أما عن عمل أفراد الجالية العربية والسورية فمعظمهم يعملون بالتجارة العامة في متاجرهم الخاصة وإنشاء معامل صغيرة يعمل فيها عدد كبير من الأيدي العاملة.. إضافةً إلى قسم كبير يتابع دراساتهم العليا، وهناك قسم يعمل في الوظائف الإدارية والثقافية ويوجد مركز ثقافي يرتاده الجميع.
وما يلفت الانتباه ويسعد أفراد الجالية العربية اجتماعهم في الأعياد وفي بعض أيام رمضان اذ يحضرون الأطعمة العربية، ويجتمعون في صالة كبيرة يتبادلون التهاني .. أما الرابطة فموجودة في نانسي تنظم أمور التواصل والاجتماعات.. ويبقون على تماس مباشر مع أخبار الوطن عن طريق الاتصالات بكل وسائلها، والشيء الملفت للنظر أن الحكومة تحارب السمنة لدى الأطفال فمنعت في المدارس كل الحلوى واستبدلتها بقطع الفواكه الصغيرة وأكياس الحليب.. وتابعت السيدة إيمان: إن الأمور تمضي بوتيرة واحدة فيها الشيء الجميل والشيء الممل والشيء الحزين.. لكن قلبها يهفو دائماً للوطن وتشعر بالغربة والحنين إلى الأهل رغم مرور السنوات وتعيش على هاجس الأمل... ريثما يحين موعد الزيارة في كل عام.. فتبقى على موعد مع الأمل والحلم..
مِلده شويكاني