الرحيم
وحيث قرأت في الكتاب المنزل اسم الله ربنا ﴿الرحيم﴾ فاعلم أنه بنعمته عليك قد صرف عنك شرّا مستطيرا لا طاقة لك بصرفه عن نفسك ويعني قوله ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَحِيمٍ﴾ يس، أن ربّنا الرحيم قد صرف عن أهل الجنة عذاب النار، ويعني قوله ﴿لِيُخْرِجَكُم مّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ الأحزاب، أنهم لا يقدرون على إخراج أنفسهم من الظلمات وإنما أخرجهم منها اللهُ الرحيمُ إذ أرسل إليهم رسولا، ويعني قوله ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ النساء، أن الله الرحيم قد حرّم قتلَ النفس وأن من قتل نفسَه فقد أخرجها من رحمة الرحيم أي لن يدخل الجنة أبدا، وإنه لحَرِيٌ إذن إن كان من المؤمنين أن يصبح بعد الأحقاب من وقود النار كالحجارة، ويعني قوله ﴿رَبُّكُمُ الذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ الإسراء، أن الفلك تجري في البحر فلا تستقر ولا تغرق برحمة ربنا الرحيم، ولا خصوصية اختص بها المؤمنون دون غيرهم في هذا الحرف برحمة الرحيم كما توهمه البعض.
وتعني دلالة الاسمين ﴿الرحمان الرحيم﴾ حيث اقترنا استغراق رحمته التي شملت قارئ القرآن طاعة لله الذي كلّفه به وشملت الحامدين اللهَ ربَّ العالمين وشملت الـمُقِرّين أن إلــههم هو إلــه واحد لا إلــه إلا هو وشملت المؤمنين بتنزيل القرآن من الرحمان الرحيم وبينته في مادة التنزيل.
وتعدد اقتران الاسمين ﴿الغفور الرحيم﴾ وتأصيلُه كما استنبطت هو تقديمُ الموعودِ المتأخر أو الأعظم في خطاب المؤمنين بالغيب وهو هنا مغفرة الغفور ومحلها وموعدها هو يوم الدين يومُ يعرض من الخطايا والذنوب ما لم يغفره الغفور فيحاسب به صاحبه، وتأخير الموعود المتقدم وهو رحمةُ الرحيم ولا تختص باليوم الآخر بل تشمل الدنيا.
وسأل النبيون والرسل وأتباعهم المغفرة قبل الرحمة لما عظم في أنفسهم من افتضاح غير المغفور له أمام جميع الملائكة وجميع بني آدم وجميع الجن، ولدلالة المغفرة على الرحمة، وقد رحم الله في الدنيا الكافرين وإنهم لمعذبون في اليوم الآخر.
وإنما تقدمت الرحمة على المغفرة في دعاء طائفة بني إسرائيل عبدت العجل وخافوا العذاب في الدنيا أكثر من خوفهم عذاب الآخرة.
ومن المفردات اقتران الاسمين ﴿الرحيم الغفور﴾ بتقديم الرحمة على المغفرة في قوله ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾ سبإ، ويعني تقديم الأغلبية وتأخير الأقلية إذ يخفى اختصاص المكلفين بالمغفرة وهم أقل عددا من سائر العالمين ومنهم الملائكة والطير والزواحف والدواب، أي تقدم الأغلب وتأخر الأقل.
وتعدد اقتران الاسمين ﴿التواب الرحيم﴾ وفصّلته في بيان اسم الله ﴿التواب﴾ ويعني جملة أن المكلف سيُعانِي من البلاء والتمحيص في الدنيا توبة عليه من الله ينال بها رحمة الرحيم في اليوم الآخر، كما لا يخفى في الثلاثة الذين خلّفوا، وفي أبويْنا بعد أكلهم الشجرة، وفي اللذيْن يأتيان الفاحشة ويتوبان ويصلحان.
وتعدد اقتران الاسمين ﴿الرؤوف الرحيم﴾ في سياق التذكير بنعم الله التي قصر المكلفون عن شكرها ولم يقع عليهم العذاب الذي استحقوه بجحودهم رأفة ورحمة من الله بهم، وبينته مفصلا في مادة اسم الله ﴿الرؤوف﴾.
وتعدد اقتران الاسمين ﴿العزيز الرحيم﴾ للدلالة على أن جهود المؤمنين القاصرة لم تُبَلِّغْهم النصرَ على عدوِّهم وسينصرُهم الله بعزّته رحمة من ربهم الرحيم بهم وجميعه من الوعد الحسن ومواضعها في سورة الشعراء في الأمم المكذبة المهلكة في الدنيا تعني أن الرسل قد وعَدُوا القلّةَ المؤمنةَ معهم بنصر من العزيز الرحيم وبينته مفصلا في اسم الله ﴿العزيز﴾.
ومن المفردات اقتران الاسمين ﴿البر الرحيم﴾ في قوله ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ الطور، ويعني أن الله البرّ الرحيم وعد في الكتاب المنزل أن يمنّ على المشفقين في الدنيا بالوقاية من عذاب السموم وأن يدخلهم الجنة، وبينته مفصلا في اسم الله ﴿البرّ﴾.
ومن المفردات اقتران الاسمين﴿الرحيم الودود﴾ في قوله ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ هود، من كلام شعيب يخاطب قومه مدين وبيّنه النبيّ الأمّيّ صلى الله عليه وسلم بالحديث القدسي أنه من تقرب إلى الله شِبْرًا تقرب الله إليه ذراعا، وبينته في اسم الله ﴿الودود﴾.