منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 10 من 10

العرض المتطور

  1. #1
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    العراق -بغداد
    المشاركات
    193
    مقالات المدونة
    1

    حين يبكي القمر ..!

    حين يبكي القمر ..!


    لقطة متوسطة ، زوم الكاميرا يقرب صورة شاب نحيل شاحب اللون ، مهيض الجناح ، واجف القلب

    مكتئبا ،يجلس باضطراب على طرف أريكة حمراء فخمة ، ترتعش قدماه رغم الأمان الذي يوحي به المكان ..

    ، يحاول إلهاء نفسه بالنظر إلى أعلى الغرفة ، فيزوغ بصره في مهرجان من الأضواء المنعكسة المتلألئة ، لم تستقر عيناه عن بحثهما الفضولي ،

    لم يركن لأي شيء يرضي اضطراب نفسه ، حتى استقرت نظراته دون سابق إنذار .. رنا إلى لوحة الغورنيكا *1 ، لبابلوا بيكاسوا ، تملأ نصف جدار الغرفة ،

    والنصف الثاني منه لوحة جويا (الإعدام رميا بالرصاص ) *2، توسطتهما صورة فكتور جارا *3 وقيثارته الممزقة محفورة على خشب الآبنوس ،

    ظل مدير تحرير الصحيفة يتابع زوغان عيني الشاب بين تلك اللوحات فقد يجد ضالته فيهن ،

    كل شيء مبهم فلا يعرف هذا الشاب من أين أتى ..؟! أ و أي شيء يبغي ..؟ !

    انتبه الشاب إلى المدير عرف سر نظراته المصوبة نحوه ، حاول أن يخفي حالة اضطرابه وخوفه ، وضع أضافره في فمه راح يقضمها بأسنانه عله يعيد رباطة جأشه ،

    بحركة متوترة أخرج سيجارة من جيبه وضعها في فمه أشعلها له المدير ، ثم قدم له قدحا من الشاي .استقر على طاولة قريبة منه .

    وكي يقتل لحظات الصمت التي طالت بادره قائلا ..

    _ تكلم ..؟

    _ عن ماذا ..؟

    _ عما أتيت من اجله

    أغمض الشاب عينيه فاختلطت الصور في مخيلته .أحيطت أجفانه بصور الأشلاء الممددة .. ،و السماء المغبرة . وحركة الريح العابثة ، و جياد مقتولة على الثرى ،

    وعالم مخضب بالدماء ،وأعلام سوداء ترفرف ،

    عليه أن يروي مشاهداته ليكون شاهد ا للعصر المذبوح غيلة ..

    يرنو إلى فراغ ، كل شيء يراه محاطا بعتمة المكان ،ارتجفت شفتاه بعد أن لذعت لسانه مرارة دمعة ساخطة .

    عاوده رهاب استرجاع ذكريات لم تفارق مخيلته ، لم يبطل لسانه من اللهج بها كلما أُستفزت ذاكرته للحديث عنها ..

    بدأ بكلام أشبه بهمهمة محموم ..

    _ارتفعت أصوات اللغط ، وكأنها قرع على أجراس نحاسية ،قد يعرف مصدرها ، لكن لا يعرف من أين تأتي ..

    ، سمعت تدافع الأقدام المضطربة تسير نحو مصيرها المجهول مكبلة بالخوف والمفاجئة ، راحت أياد قاسية تضرب

    قفا الرؤوس المحنية والمعصوبة على وقع ألفاظ فظة ،

    ودون سابق إنذار .. أزت رصاصات الرحمة وكأنها زغاريد عرس ، لتعلوا على كل صوت ،

    صراخ مكتوم مع كل اطلاقة انطلقت من فوهة بندقية ، أو مسدس لم تخمد حشرجة مزلاجه حتى أُخمدت أنفاس الجميع ،

    توضأ القوم بالدماء ..و شربوا أنخاب نصرهم في قحاف جماجم مغدورة ، صلوا صلاة الشكر لرب زعموا أنهم تزلفوا إليه فنصرهم ..

    (صياح الله أكبر ، وصوت كل أطلاقه تعاد على مسامعي مرارا وكأنها مقامع حديد تهوي على رأسي )

    في ذات مساء غابت آلاف الأقمار عن سماءنا

    ، سمعت نحيب القمر وهو يبكيهم يلوذ خلف أشباح الغيوم .الخجالى .

    شح الضياء في المكان وانزوا في قبس من نور ،

    بدأت الأجساد تتجذر في الأرض ، تلتصق في منابتها .لتعود إلى أصلها كما بدأ الخلق ..

    _ وكيف نجوت ..؟

    قال المدير وهو ينصت له باهتمام محاولا تسجيل كل كلمة عبر جهاز التسجيل المحمول ..

    فأجاب مسترسلا بعد أن ارتشف قليلا من الشاي ..

    ( الغريب إن تلك الرصاصات لم تخترق رأسي .. عبرت كوته إلى الفراغ القريب ، الثقوب كانت براحة يدي عميقة ، كأن مسامير قد اخترقتها

    .خلتها كجراح المسيح المصلوب ، خلتها فم سيتكلم عني إذا ما خلفت على الطوى هنا قتيلا بين أضراس الصحراء ..

    امتلأ أنفي بتراب معفر برائحة البارود ، خفت أن ينتبه إلي رقيب مرابط ، كتمت أنفاسي ، ،

    رائحة عطن الدماء ونتانة الموت تزكم خياشيمي ..

    (الكلاب تقطع الأشلاء في وليمة مجانية لم تحفل بها من قبل.. متمنية لمن أقاموها مزيدا من الظفر والنصر )

    حملت رأسي ببطء نظرت في كل الأتجاهات لا أحد قربنا إلا الكلاب المحتفلة بوليمتها ،

    رفعت جثة سعد العاشق المخضبة بالدماء من على جسدي ، سعد الذي قاسمته وقاسمني رغيف الخبز قبل ساعات

    ، فداني بجسده المضرج بدمائه، فحجب زائر الموت عني ، نظرت إليه فرغم الموت لازال وسيما في وجهه وضاءة الحياة ..

    رأيت على فمه يطفو عتاب شفيف ..

    (ألم أقل لك إن هؤلاء سيغدرون بنا .؟؟)

    (نعم قلتها .. ولم أصدقك .)

    . كان ردي ساذجا (. هؤلاء جاءوا لنجدتنا )

    (ثم استطرد سعد قائلا ليغير الحديث حتى لا أكون ملوما .وكأنه كان يشعر إني سأعيش بعده .؟)

    كل شيء بأمر الله ..ولكن ..!

    أذا ما نجوت ووصلت إلى أهلي سالما ، سوف أعلن زواجي لن أنتظر أبدا بعد ، فالانتظار قاتل ..

    سأعمل أجمل حفلة عرس سنرقص حتى الصباح.. ستكون أنت أول المدعوين )

    ولكن كيف لي أن أوصل آخر أمانيه لخطيبته التي سيقتلها الأنتظار ؟

    كيف سأقول لأمه أن سعد زف إلى الأرض ..وإن صواني الحلوى ومناديل العرس نذرك في هذا اليوم ، ما عاد لها لزوم ..

    لا أعرف في هذه اللحظة وأنا بين هذه الأشلاء الخامدة ، لم تذكرتهما ونسيت ولدي وامرأتي الحامل .وحلمي الجميل بولد يحمل أسمي .؟ ،

    صدقني بكيت سعد ولم أبك حالي ..عند الغروب ،

    كنا حين نختلي في ثكنتنا ندعوا انا وأياه ..

    عل وأن يستمع الله لنا ويستجيب، فيعم السلام .وتعود زقزقة العصافير للحقول

    ، .وتخضر الأرض بأذرع الفلاحين ،

    الذين القوا مناجلهم وابتاعوا أسلحة نشر الموت المقيت

    ،ليبذروا الأرض قمحا لا أشلاء .. ويسقوها ماء لا دماء ..

    قادتني أفكاري إلى أن الموت واقع لا محال ، الأمل بالنجاة مستحيل ..

    أغمضت عينيّ التي انزاحت العصابة عنهما ، لا أريد أن أرى بصيص من نور حتى أطمع فيه ،

    لأزيد ن من عتمة المكان أجرب ظلمة الموت عل وأن أؤالفها وتؤالفني ،

    لكن كل ما دار في ذهني لم يحدث رغم إيقاني به ،

    رأيت زملائي راقدين بلا حراك ، تعبث بملابسهم الرياح ،

    ما عادوا يأبهون لصفير الريح ، ولا دمدمة الرعود ولا تلك الكلاب التي راحت تنهش لحومهم الطرية ،

    لن يهمهم جوع ولا عطش بعد ،

    ولن يسمعوا تراتيل حب مغناة ، ولا قصائد عن وطن ما أظلهم بظله منذ أن صارت الحروب مهنة المهووسين بها ،

    ولا شفعت لهم صلاتهم من أجل البقاء . ، .كنت أرى كرنفالات احتفالية الموت التي أقيمت في أماكن عدة

    رغم أنهم بعيدون عني ، كأني أراهم بأم عيني ..رجال يلقون في النهر بعد أن تخترق هاماتهم إطلاقة واحدة ،

    وآخرون جثوا على ركابهم ليرمون أحياء بحفرة عميقة ثم يهال التراب عليهم ،

    رهبة الموت المفاجئة أذهلتهم أخرستهم ،منعتهم من الصراخ .

    (يا رب ، يا الهي ، .. الدموع تنهمر بلا أصوات ، ينتظرون مصيرهم المحتوم )

    _ أنجديني يا أمي ، أين أنت يا أبي ، بني ..من لك بعدي.؟.

    فوجه الموت دميم ، وطري الورد يخشي الذبول ..

    . شعرت باختلاط الأصوات وكأنها دوي نحل .. ربما هي حالة هذيان ،

    ربما توقعات خلتها حقيقة ..لكن أؤكد أن هذا ما كان يدور في تلك الرؤوس قبل أن تفجر .. أو تلقى من شاهق .. أو تدفن بالحياة .

    . تشعبت فرص النجاة أمامي ، فراسخ من الفضاءات تمتد وامتداد البصر حتى أصل أملا ليس بعده خيبة

    ..لكن ثمة هاجس دار بذهني .. أيمكن أن أكون أنا من عالم الأحياء ..؟ .من غير المعقول أن أكون حيا بين هؤلاء .؟

    ما أنا إلا روح هائمة ، وهؤلاء يهيمون مثلي في فضاء أثيري ، يتلمسون طريقا يجهلون مسالكه ،

    .رأيت ذلك كله بأم عيني صدقني ...!!رأيت السباع ترقد هناك بلاحراك ، ولاظل إلا لهوام الأرض وضباعها ..

    ألا تصدق إني

    كنت معهم هناك .. وإني واحد من أولئك الجنود في س...ب ...ا. ..ي.. .ك. ..ر ..*4

    مسح مدير التحرير الدموع من عينيه وآثر الصمت وتجنب النظر إليه حتى لا ينقطع عن الحديث

    ولكن الشاب مضى .

    وكأنه طيف خيال . ترك المكان ليغذ طريقه نحو المجهول .

    . حاول المدير البحث عنه نظر من النافذة إلى الشار ع المعتم لم يجد أثرا له

    ، فتح جهاز التسجيل لم يسمع سوى وشوشة بلا صوت ،انتابته أفكار شتى ،

    خاف أن يكون الأمر ذلك الصرع الذي يداهمه بين حين وآخر ..

    (لكن كل شيء يوحي أن ثمة إنسان كان هنا يجلس ..فهذا تراب قدميه ، وهذا قدح الشاي ، وهذه بقايا سيجارته .وهذا دم جرحه النازف دليل )



    1* الغرنيكا لوحة للرسام العالمي بابلوا بيكاسو استوحاها من قصف الطائرات الألمانية مدينة غرينكا الإسانية ..

    عام 1937

    *2لوحة الإعدام بالرصاص لوحة الفنان الإسباني فرانشيسكو غويا عام 1914 في ميدان مونكلوا وهو أحد الميادين الإسبانية التي شهدت قسوة الاحتلال .

    *3شاعر وملحن ومغني شيلي قتله الفاشيست بعد الانقلاب في شيلي على حكم سلفادور الليندي في ملعب سنتياغو ومعه أكثر من 3100 من خيرة شباب شيلي ..


    · *4 . مجزرة سبايكر الجرح النازف .عام 2014 .. قتل فيها أكثر من 1700 شاب بعمر الورود من طلاب مدرسة سبايكر الجوية في العراق حيث

    وقعوا أسرى في أيادي أعداء الحياة تنظيم داعش ومن لف لفهم .

  2. #2
    يالله... هذا ليس نصا هذه قنبلة الحقيقة تضعها امامنا. .. لتقول لنا :
    مازلت اشعر بكم يا اخوتي...
    كان فيها كما من القهر حشدت فيها كل صرخة ضمير مازالت حية وسط تلك الغوغاء الخائنة...
    دعني أصفق لك طويلا..
    أتحفتنا أيها الفارس العربي.. الكبير.
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  3. #3
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    العراق -بغداد
    المشاركات
    193
    مقالات المدونة
    1

    رد: حين يبكي القمر ..!

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أسامه الحموي مشاهدة المشاركة
    يالله... هذا ليس نصا هذه قنبلة الحقيقة تضعها امامنا. .. لتقول لنا :
    مازلت اشعر بكم يا اخوتي...
    كان فيها كما من القهر حشدت فيها كل صرخة ضمير مازالت حية وسط تلك الغوغاء الخائنة...
    دعني أصفق لك طويلا..
    أتحفتنا أيها الفارس العربي.. الكبير.
    شكرا لك أستاذي الفاضل أسامة الحموي كنت ولازلت سباقا
    في تقييم القيم الجمالية والانسانية في النصوص . بذائقة مميزة وروح نقدية مثابرة .. تقديري واحترامي الكبير

  4. #4
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    العراق -بغداد
    المشاركات
    193
    مقالات المدونة
    1
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سالم وريوش الحميد مشاهدة المشاركة
    . حين يبكي القمر ..!

    قصة قصيرة

    لقطة متوسطة ، زوم الكاميرا يقرب صورة شاب نحيل شاحب اللون ، مهيض الجناح ، واجف القلب
    مكتئبا ،يجلس باضطراب على طرف أريكة حمراء فخمة ، ترتعش قدماه رغم الأمان الذي يوحي به المكان ..
    ، يحاول إلهاء نفسه بالنظر إلى أعلى الغرفة ، فيزوغ بصره في مهرجان من الأضواء المنعكسة المتلألئة ، لم تستقر عيناه عن بحثهما الفضولي ، لم يركن لأي شيء يرضي اضطراب نفسه ، حتى استقرت نظراته دون سابق إنذار ، رنا إلى لوحة الغورنيكا *1 ، لبابلوا بيكاسوا ، تملأ نصف جدار الغرفة ، والنصف الثاني منه لوحة جويا (الإعدام رميا بالرصاص ) *2، توسطتهما صورة فكتور جارا *3 وقيثارته الممزقة محفورة على خشب الآبنوس ،
    ظل مدير تحرير الصحيفة يتابع زوغان عيني الشاب بين تلك اللوحات فقد يجد ضالته فيهن ، كل شيء مبهم فلا يعرف هذا الشاب من أين أتى ..؟! أ و أي شيء يبغي ..؟ !
    انتبه الشاب إلى المدير عرف سر نظراته المصوبة نحوه ، حاول أن يخفي حالة اضطرابه وخوفه ، وضع أضافره في فمه راح يقضمها بأسنانه عله يعيد رباطة جأشه ، بحركة متوترة أخرج سيجارة من جيبه وضعها في فمه ، أشعلها لها المدير ، ثم قدم له قدحا من الشاي ..
    وليقتل لحظات الصمت التي طالت بادره قائلا ..
    _ تكلم ..؟
    _ عن ماذا ..؟
    _ عما أتيت من اجله ..؟
    أغمض الشاب عينيه فاختلطت الصور في مخيلته .أحيطت أجفانه بصور الأشلاء الممددة .. ،و السماء المغبرة . وحركة الريح العابثة ، و جياد مقتولة على الثرى ، وعالم مخضب بالدماء ،وأعلام سوداء ترفرف ،
    عليه أن يروي مشاهداته ليكون شاهد ا للعصر المذبوح غيلة ..
    يرنو إلى فراغ ، كل شيء يراه محاطا بعتمة المكان ،ارتجفت شفتاه بعد أن لذعت لسانه مرارة دمعة ساخطة .عاوده رهاب استرجاع ذكريات لم تفارق مخيلته ، لم يبطل لسانه من اللهج بها كلما استفزت ذاكرته للحديث عنها ..
    بدأ بكلام أشبه بهمهمة محموم ..
    ارتفعت أصوات اللغط ، وكأنها قرع على أجراس نحاسية ،قد يعرف مصدرها ، لكن لا يعرف من أين تأتي .. ، سمعت تدافع الأقدام المضطربة تسير نحو مصيرها المجهول مكبلة بالخوف والمفاجئة ، راحت أياد قاسية تضرب قفا الرؤوس المحنية والمعصوبة على وقع ألفاظ بذيئة ،
    ودون سابق إنذار أزت رصاصات الرحمة وكأنها زغاريد عرس ، لتعلوا على كل صوت ، صراخ مكتوم مع كل إطلاقة انطلقت من فوهة بندقية ، أو مسدس لم تخمد حشرجة متاريسه حتى أخمدت أنفاس الجميع ،رقص الجميع رقصة المذبوح ، توضأ القوم بالدماء ..و شربوا أنخاب نصرهم في قحاف الجماجم المغدورة ، صلوا صلاة الشكر لرب زعموا أنهم تزلفوا إليه فنصرهم ..
    (صياح الله أكبر ، وصوت كل أطلاقه تعاد على مسامعي مرارا وكأنها مقامع من حديد تهوي على رأسي )
    في ذات مساء غابت آلاف الأقمار عن سماءنا ، سمعت نحيب القمر وهو يبكيهم يلوذ خلف أشباح الغيوم الخجالى . شح الضياء في المكان وانزوا في قبس من نور ، بدأت الأجساد تتجذر في الأرض ، تلتصق في منابتها .لتعود إلى أصلها كما بدأ الخلق ..
    _ وكيف نجوت ..؟
    قال المدير وهو ينصت له باهتمام محاولا تسجيل كل كلمة عبر جهاز التسجيل المحمول .. فأجاب مسترسلا بعد أن ارتشف قليلا من الشاي ..
    ( الغريب إن تلك الرصاصات لم تخترق رأسي .. عبرت كوته إلى الفراغ القريب ، الثقوب كانت براحة يدي عميقة ، كأن مسامير قد اخترقتها .خلتها كجراح المسيح المصلوب ، خلتها فم سوف يتكلم عني إذا ما خلفت على الطوى هنا قتيلا بين اضراس الصحراء ..
    امتلأ أنفي بتراب معفر برائحة البارود ، خفت أن ينتبه إلي رقيب مرابط ، كتمت أنفاسي ، ، رائحة عطن الدماء ونتانة الموت تزكم خياشيمي ..
    (الكلاب تقطع الأشلاء في وليمة مجانية لم تحفل بها من قبل.. متمنية لمن أقاموها بالمزيد من الظفر والنصر )
    حملت رأسي ببطء نظرت في كل الاتجاهات لا أحد قربنا إلا الكلاب المحتفلة بوليمتها ،
    رفعت جثة سعد العاشق المخضبة بالدماء من على جسدي ، سعد الذي قاسمته وقاسمني رغيف الخبز قبل ساعات ، فداني بجسده المضرج بدمائه فحجب زائر الموت عني ، نظرت إليه فرغم الموت لازال وسيما وجهه وضاء ، رأيت على فمه يطفو عتاب شفيف ..
    (ألم أقل لك إن هؤلاء سيغدرون بنا .؟؟)
    (نعم قلتها .. ولم أصدقك .. كان ردي ساذجا .. هؤلاء جاءوا لنجدتنا )
    (ثم استطرد سعد قائلا ليغير الحديث حتى لا ألوم نفسي .وكأنه كان يشعر إني سأعيش .؟)
    كل شيء بأمر الله لكن ..!
    أذا ما نجوت ووصلت إلى أهلي سالما ، سوف أعلن زواجي لن أنتظر أبدا بعد ، فالانتظار قاتل ..
    سأعمل أجمل حفلة عرس سنرقص حتى الصباح.. ستكون أنت أول المدعوين )
    ولكن كيف لي أن أوصل آخر أمانيه لخطيبته التي سيقتلها الانتظار ؟ كيف سأقول لأمه أن سعد زف إلى الأرض ..وإن صواني الحلوى ومناديل العرس نذرك ما عاد لها لزوم ..
    لا أعرف في هذه اللحظة وأنا بين هذه الأشلاء الخامدة ، لم تذكرتهما ونسيت ولدي وامرأتي الحامل .وحلمي الجميل بولد يحمل أسمي .؟ ،
    صدقني بكيت سعد ولم أبك حالي ..عند الغروب ، كنا حين نختلي في ثكنتنا ندعوا أنا وأياه .. عل وأن يستمع الله لنا ويستجيب، فيعم السلام .وتعود زقزقة العصافير للحقول ، .وتخضر الأرض بأذرع الفلاحين ، الذين القوا مناجلهم وابتاعوا أسلحة نشر الموت المقيت ،ليبذروا الأرض قمحا لا أشلاء .. ويسقوها ماء لا دماء ..
    قادتني أفكاري إلى أن الموت واقع لا محال ، الأمل بالنجاة مستحيل ..
    أغمضت عينيّ التي انزاحت العصابة عنهما ، لا أريد أن أرى بصيص من نور حتى أطمع فيه ، لأزيد ن من عتمة المكان أجرب ظلمة الموت عل وان أؤالفها وتؤالفني ،
    لكن كل ما دار في ذهني لم يحدث رغم إيقاني به ،
    رأيت زملائي راقدين بلا حراك ، تعبث بملابسهم الرياح ، ما عادوا يأبهون لصفير الريح ، ولا دمدمة الرعود ولا تلك الكلاب التي راحت تنهش لحومهم الطرية ، لن يهمهم جوع ولا عطش بعد ، ولن يسمعوا تراتيل حب مغناة ، ولا قصائد عن وطن ما أظلهم بظله منذ أن صارت الحروب مهنة المهووسين بها ،
    ولا شفعت لهم صلاتهم من أجل البقاء . ، .كنت أرى كرنفالات احتفالية الموت التي أقيمت في أماكن عدة رغم أنهم بعيدون عني ، كأني أراهم بأم عيني ..رجال يلقون في النهر بعد أن تخترق رؤوسهم إطلاقة واحدة ، وآخرون جثوا على ركابهم ليرموهم أحياء بحفرة عميقة ثم يهال التراب عليهم ، رهبة الموت المفاجئة أذهلتهم أخرستهم ،منعتهم من الصراخ .
    (يا رب ، يا الهي ، .. الدموع تنهمر بلا اصوات ، ينتظرون مصيرهم المحتوم )
    _ أنجديني يا أمي ، أين أنت يا أبي ، من لك بعدي يا بني .؟.
    فوجه الموت دميم ، وطري الورد يخشي الذبول ..
    . شعرت باختلاط الأصوات وكأنها دوي نحل .. ربما هي حالة هذيان ، ربما توقعات خلتها حقيقة ..لكن أؤكد أن هذا ما كان يدور في تلك الرؤوس قبل أن تفجر .. أو تلقى من شاهق .. أو تدفن بالحياة .
    . تشعبت فرص النجاة أمامي ، فراسخ من الفضاءات تمتد وامتداد البصر حتى أصل أملا ليس بعده خيبة ..لكن ثمة هاجس دار بذهني .. أيمكن أن أكون أنا من عالم الأحياء ..؟ .من غير المعقول أن أكون حيا بين هؤلاء .؟ ما أنا إلا روح هائمة ، وهؤلاء يهيمون مثلي في فضاء أثيري ، يتلمسون طريقا يجهلون مسالكه ،
    .رأيت ذلك بأم عيني صدقني ...!!
    ألا تصدق إني كنت معهم هناك في س...ب ...ا. ..ي.. .ك. ..ر ..*4
    مسح مدير التحرير الدموع من عينيه وآثر الصمت وتجنب النظر إليه حتى لا ينقطع عن الحديث
    ولكن الشاب مضى .وكأنه طيف خيال . ترك المكان ليغذ طريقه نحو المجهول .
    . حاول المدير البحث عنه نظر من النافذة إلى الشار ع المعتم ، ، فتح جهاز التسجيل لم يسمع سوى وشوشة بلا صوت ،انتابته أفكار شتى ، خاف أن يكون الأمر ذلك ، الصرع الذي يداهمه بين حين وآخر ..
    (لكن كل شيء يوحي أن ثمة إنسان كان هنا يجلس ..فهذا تراب قدميه ، وهذا قدح الشاي ، وهذه بقايا سيجارته .)



    * الغرنيكا لوحة للرسام العالمي بابلوا بيكاسو استوحاها من قصف الطائرات الألمانية مدينة غرينكا الإسانية ..

    عام 1937
    *2لوحة الإعدام بالرصاص لوحة الفنان الإسباني فرانشيسكو غويا عام 1914 في ميدان مونكلوا وهو أحد الميادين الإسبانية التي شهدت قسوة الاحتلال .
    *3شاعر وملحن ومغني شيلي قتله الفاشيست بعد الانقلاب في شيلي على حكم سلفادور الليندي في ملعب سنتياغو ومعه أكثر من 3100 من خيرة شباب شيلي ..

    · . مجزرة سبايكر الجرح النازف .عام 2014 .. قتل فيها أكثر من 1700 شاب بعمر الورود من طلاب مدرسة سبايكر الجوية في العراق ..

    ملاحظة نم التعديل من قبلي لكوني لا أعرف كيف يتم تعديل المشاركة

  5. #5
    عندما يغتال الأخيار من أمتي..اعرف لماذا يجود القلم المعطاء هنا..
    ككنت رائعا أيكيتني وأنا في قمة القهر:
    http://omferas.com/vb/t60950/

  6. #6
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    العراق -بغداد
    المشاركات
    193
    مقالات المدونة
    1

    رد: حين يبكي القمر ..!

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جريح فلسطين مشاهدة المشاركة
    عندما يغتال الأخيار من أمتي..اعرف لماذا يجود القلم المعطاء هنا..
    ككنت رائعا أيكيتني وأنا في قمة القهر:
    http://omferas.com/vb/t60950/
    الأستاذ الرائع الأديب الأريب جريح فلسطين ما عاد للجراح
    من بلسم فكل يوم ننكأ بجراح جديدة وننزف دماء أولادنا وأنفسنا ،
    في آتون حرب الكل فيها خاسر ..
    وكأن الجراح ملهاة علينا ان نتجرعها
    وأن نجملها حتى تليق بنا .شكرا للمرور الراقي
    عطر تحياتي

  7. #7
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    العراق -بغداد
    المشاركات
    193
    مقالات المدونة
    1

    رد: حين يبكي القمر ..!

    الأستاذة الفاضلة ريمة الخاني ..
    حاولت الاتصال بك لتصحيح النص لكن ما منعني امتلاء صندوق بريدك بالرسائل
    أرجو منك أعتماد النص في ادناه بديلا .. لكون النص المنشور جاء على عجالة ولم استطع ان أصوب أخطاءه .. وإلا أرجوك أحذفي النص باكمله وأكون شاكرا لك ..
    ملاحظة // يجب أن تكون هناك فقرة لتصويب النص من قبل الكاتب لأن ذلك سيشكل له إحراج أذا ماوجد إن هناك أخطاء لايمكن تصويبها .. تقديري واحترامي الكبير

    . حين يبكي القمر ..!
    لقطة متوسطة ، زوم الكاميرا يقرب صورة شاب نحيل شاحب اللون ، مهيض الجناح ، واجف القلب
    مكتئبا ،يجلس باضطراب على طرف أريكة حمراء فخمة ، ترتعش قدماه رغم الأمان الذي يوحي به المكان ..
    ، يحاول إلهاء نفسه بالنظر إلى أعلى الغرفة ، فيزوغ بصره في مهرجان من الأضواء المنعكسة المتلألئة ، لم تستقر عيناه عن بحثهما الفضولي ،
    لم يركن لأي شيء يرضي اضطراب نفسه ، حتى استقرت نظراته دون سابق إنذار .. رنا إلى لوحة الغورنيكا *1 ، لبابلوا بيكاسوا ، تملأ نصف جدار الغرفة ،
    والنصف الثاني منه لوحة جويا (الإعدام رميا بالرصاص ) *2، توسطتهما صورة فكتور جارا *3 وقيثارته الممزقة محفورة على خشب الآبنوس ،
    ظل مدير تحرير الصحيفة يتابع زوغان عيني الشاب بين تلك اللوحات فقد يجد ضالته فيهن ،
    كل شيء مبهم فلا يعرف هذا الشاب من أين أتى ..؟! أ و أي شيء يبغي ..؟ !
    انتبه الشاب إلى المدير عرف سر نظراته المصوبة نحوه ، حاول أن يخفي حالة اضطرابه وخوفه ، وضع أضافره في فمه راح يقضمها بأسنانه عله يعيد رباطة جأشه ،
    بحركة متوترة أخرج سيجارة من جيبه وضعها في فمه أشعلها له المدير ، ثم قدم له قدحا من الشاي .استقر على طاولة قريبة منه .
    وكي يقتل لحظات الصمت التي طالت بادره قائلا ..
    _ تكلم ..؟
    _ عن ماذا ..؟
    _ عما أتيت من اجله
    أغمض الشاب عينيه فاختلطت الصور في مخيلته .أحيطت أجفانه بصور الأشلاء الممددة .. ،و السماء المغبرة . وحركة الريح العابثة ، و جياد مقتولة على الثرى ،
    وعالم مخضب بالدماء ،وأعلام سوداء ترفرف ،
    عليه أن يروي مشاهداته ليكون شاهد ا للعصر المذبوح غيلة ..
    يرنو إلى فراغ ، كل شيء يراه محاطا بعتمة المكان ،ارتجفت شفتاه بعد أن لذعت لسانه مرارة دمعة ساخطة .
    عاوده رهاب استرجاع ذكريات لم تفارق مخيلته ، لم يبطل لسانه من اللهج بها كلما أُستفزت ذاكرته للحديث عنها ..
    بدأ بكلام أشبه بهمهمة محموم ..
    _ارتفعت أصوات اللغط ، وكأنها قرع على أجراس نحاسية ،قد يعرف مصدرها ، لكن لا يعرف من أين تأتي ..
    ، سمعت تدافع الأقدام المضطربة تسير نحو مصيرها المجهول مكبلة بالخوف والمفاجئة ، راحت أياد قاسية تضرب
    قفا الرؤوس المحنية والمعصوبة على وقع ألفاظ فظة ،
    ودون سابق إنذار .. أزت رصاصات الرحمة وكأنها زغاريد عرس ، لتعلوا على كل صوت ،
    صراخ مكتوم مع كل اطلاقة انطلقت من فوهة بندقية ، أو مسدس لم تخمد حشرجة مزلاجه حتى أُخمدت أنفاس الجميع ،
    توضأ القوم بالدماء ..و شربوا أنخاب نصرهم في قحاف جماجم مغدورة ، صلوا صلاة الشكر لرب زعموا أنهم تزلفوا إليه فنصرهم ..
    (صياح الله أكبر ، وصوت كل أطلاقه تعاد على مسامعي مرارا وكأنها مقامع حديد تهوي على رأسي )
    في ذات مساء غابت آلاف الأقمار عن سماءنا
    ، سمعت نحيب القمر وهو يبكيهم يلوذ خلف أشباح الغيوم .الخجالى .
    شح الضياء في المكان وانزوا في قبس من نور ،
    بدأت الأجساد تتجذر في الأرض ، تلتصق في منابتها .لتعود إلى أصلها كما بدأ الخلق ..
    _ وكيف نجوت ..؟
    قال المدير وهو ينصت له باهتمام محاولا تسجيل كل كلمة عبر جهاز التسجيل المحمول ..
    فأجاب مسترسلا بعد أن ارتشف قليلا من الشاي ..
    ( الغريب إن تلك الرصاصات لم تخترق رأسي .. عبرت كوته إلى الفراغ القريب ، الثقوب كانت براحة يدي عميقة ، كأن مسامير قد اخترقتها
    .خلتها كجراح المسيح المصلوب ، خلتها فم سيتكلم عني إذا ما خلفت على الطوى هنا قتيلا بين أضراس الصحراء ..
    امتلأ أنفي بتراب معفر برائحة البارود ، خفت أن ينتبه إلي رقيب مرابط ، كتمت أنفاسي ، ،
    رائحة عطن الدماء ونتانة الموت تزكم خياشيمي ..
    (الكلاب تقطع الأشلاء في وليمة مجانية لم تحفل بها من قبل.. متمنية لمن أقاموها مزيدا من الظفر والنصر )
    حملت رأسي ببطء نظرت في كل الأتجاهات لا أحد قربنا إلا الكلاب المحتفلة بوليمتها ،
    رفعت جثة سعد العاشق المخضبة بالدماء من على جسدي ، سعد الذي قاسمته وقاسمني رغيف الخبز قبل ساعات
    ، فداني بجسده المضرج بدمائه، فحجب زائر الموت عني ، نظرت إليه فرغم الموت لازال وسيما في وجهه وضاءة الحياة ..
    رأيت على فمه يطفو عتاب شفيف ..
    (ألم أقل لك إن هؤلاء سيغدرون بنا .؟؟)
    (نعم قلتها .. ولم أصدقك .)
    . كان ردي ساذجا (. هؤلاء جاءوا لنجدتنا )
    (ثم استطرد سعد قائلا ليغير الحديث حتى لا أكون ملوما .وكأنه كان يشعر إني سأعيش بعده .؟)
    كل شيء بأمر الله ..ولكن ..!
    أذا ما نجوت ووصلت إلى أهلي سالما ، سوف أعلن زواجي لن أنتظر أبدا بعد ، فالانتظار قاتل ..
    سأعمل أجمل حفلة عرس سنرقص حتى الصباح.. ستكون أنت أول المدعوين )
    ولكن كيف لي أن أوصل آخر أمانيه لخطيبته التي سيقتلها الأنتظار ؟
    كيف سأقول لأمه أن سعد زف إلى الأرض ..وإن صواني الحلوى ومناديل العرس نذرك في هذا اليوم ، ما عاد لها لزوم ..
    لا أعرف في هذه اللحظة وأنا بين هذه الأشلاء الخامدة ، لم تذكرتهما ونسيت ولدي وامرأتي الحامل .وحلمي الجميل بولد يحمل أسمي .؟ ،
    صدقني بكيت سعد ولم أبك حالي ..عند الغروب ،
    كنا حين نختلي في ثكنتنا ندعوا انا وأياه ..
    عل وأن يستمع الله لنا ويستجيب، فيعم السلام .وتعود زقزقة العصافير للحقول
    ، .وتخضر الأرض بأذرع الفلاحين ،
    الذين القوا مناجلهم وابتاعوا أسلحة نشر الموت المقيت
    ،ليبذروا الأرض قمحا لا أشلاء .. ويسقوها ماء لا دماء ..
    قادتني أفكاري إلى أن الموت واقع لا محال ، الأمل بالنجاة مستحيل ..
    أغمضت عينيّ التي انزاحت العصابة عنهما ، لا أريد أن أرى بصيص من نور حتى أطمع فيه ،
    لأزيد ن من عتمة المكان أجرب ظلمة الموت عل وأن أؤالفها وتؤالفني ،
    لكن كل ما دار في ذهني لم يحدث رغم إيقاني به ،
    رأيت زملائي راقدين بلا حراك ، تعبث بملابسهم الرياح ،
    ما عادوا يأبهون لصفير الريح ، ولا دمدمة الرعود ولا تلك الكلاب التي راحت تنهش لحومهم الطرية ،
    لن يهمهم جوع ولا عطش بعد ،
    ولن يسمعوا تراتيل حب مغناة ، ولا قصائد عن وطن ما أظلهم بظله منذ أن صارت الحروب مهنة المهووسين بها ،
    ولا شفعت لهم صلاتهم من أجل البقاء . ، .كنت أرى كرنفالات احتفالية الموت التي أقيمت في أماكن عدة
    رغم أنهم بعيدون عني ، كأني أراهم بأم عيني ..رجال يلقون في النهر بعد أن تخترق هاماتهم إطلاقة واحدة ،
    وآخرون جثوا على ركابهم ليرمون أحياء بحفرة عميقة ثم يهال التراب عليهم ،
    رهبة الموت المفاجئة أذهلتهم أخرستهم ،منعتهم من الصراخ .
    (يا رب ، يا الهي ، .. الدموع تنهمر بلا أصوات ، ينتظرون مصيرهم المحتوم )
    _ أنجديني يا أمي ، أين أنت يا أبي ، بني ..من لك بعدي.؟.
    فوجه الموت دميم ، وطري الورد يخشي الذبول ..
    . شعرت باختلاط الأصوات وكأنها دوي نحل .. ربما هي حالة هذيان ،
    ربما توقعات خلتها حقيقة ..لكن أؤكد أن هذا ما كان يدور في تلك الرؤوس قبل أن تفجر .. أو تلقى من شاهق .. أو تدفن بالحياة .
    . تشعبت فرص النجاة أمامي ، فراسخ من الفضاءات تمتد وامتداد البصر حتى أصل أملا ليس بعده خيبة
    ..لكن ثمة هاجس دار بذهني .. أيمكن أن أكون أنا من عالم الأحياء ..؟ .من غير المعقول أن أكون حيا بين هؤلاء .؟
    ما أنا إلا روح هائمة ، وهؤلاء يهيمون مثلي في فضاء أثيري ، يتلمسون طريقا يجهلون مسالكه ،
    .رأيت ذلك كله بأم عيني صدقني ...!!رأيت السباع ترقد هناك بلاحراك ، ولاظل إلا لهوام الأرض وضباعها ..
    ألا تصدق إني
    كنت معهم هناك .. وإني واحد من أولئك الجنود في س...ب ...ا. ..ي.. .ك. ..ر ..*4
    مسح مدير التحرير الدموع من عينيه وآثر الصمت وتجنب النظر إليه حتى لا ينقطع عن الحديث
    ولكن الشاب مضى .
    وكأنه طيف خيال . ترك المكان ليغذ طريقه نحو المجهول .
    . حاول المدير البحث عنه نظر من النافذة إلى الشار ع المعتم لم يجد أثرا له
    ، فتح جهاز التسجيل لم يسمع سوى وشوشة بلا صوت ،انتابته أفكار شتى ،
    خاف أن يكون الأمر ذلك الصرع الذي يداهمه بين حين وآخر ..
    (لكن كل شيء يوحي أن ثمة إنسان كان هنا يجلس ..فهذا تراب قدميه ، وهذا قدح الشاي ، وهذه بقايا سيجارته .وهذا دم جرحه النازف دليل )


    1* الغرنيكا لوحة للرسام العالمي بابلوا بيكاسو استوحاها من قصف الطائرات الألمانية مدينة غرينكا الإسانية ..
    عام 1937
    *2لوحة الإعدام بالرصاص لوحة الفنان الإسباني فرانشيسكو غويا عام 1914 في ميدان مونكلوا وهو أحد الميادين الإسبانية التي شهدت قسوة الاحتلال .
    *3شاعر وملحن ومغني شيلي قتله الفاشيست بعد الانقلاب في شيلي على حكم سلفادور الليندي في ملعب سنتياغو ومعه أكثر من 3100 من خيرة شباب شيلي ..

    · *4 . مجزرة سبايكر الجرح النازف .عام 2014 .. قتل فيها أكثر من 1700 شاب بعمر الورود من طلاب مدرسة سبايكر الجوية في العراق حيث
    وقعوا أسرى في أيادي أعداء الحياة تنظيم داعش ومن لف لفهم .

  8. #8

    رد: حين يبكي القمر ..!

    أخي سالم , أشكرك على هذه القصة بلغتها ومعانيها ورصانة سردها و لك التحية وبارك الله بك , وبكل الإخوة المعلقين عليها والأخوات .

  9. #9
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    العراق -بغداد
    المشاركات
    193
    مقالات المدونة
    1

    رد: حين يبكي القمر ..!

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غالب الغول مشاهدة المشاركة
    أخي سالم , أشكرك على هذه القصة بلغتها ومعانيها ورصانة سردها و لك التحية وبارك الله بك , وبكل الإخوة المعلقين عليها والأخوات .
    الشاعر الكبير والأديب الرائع غالب الغول .. كل التقدير والأحترام لجليل عطاءك ، ولهذا المرور الكريم ، شرفت بحضورك ، وأسعدني ان يسبغ مثلك على من مثلي بهذا الاطراء الجميل .. بارك الله فيك .. تقديري واحترامي الكبير

  10. #10
    ميساء حلواني
    Guest

    رد: حين يبكي القمر ..!

    قصة معبرة عن مدى الحيف الذي أصاب امة لم تدر الكنز الذي لديها، فتشرذمت بسرعة.
    ولكن العنوان كان لافتا ورومانسيا: على غرار المضمون،لك تقديري ومباركاتي

المواضيع المتشابهه

  1. سيدنا أنس بن مالك كان يبكى
    بواسطة أسامه الحموي في المنتدى فرسان السيرة النبوية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-21-2017, 12:38 PM
  2. ابنك يبكي
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان الأم والطفل.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-12-2015, 11:19 PM
  3. عندما يبكي الرجال..
    بواسطة د.إيهاب الدالي في المنتدى فرسان الأخبار.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-08-2012, 06:54 PM
  4. عندما يبكي الياسمين
    بواسطة رنوة في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-17-2012, 12:55 AM
  5. عندما يبكي الخطيب
    بواسطة ملده شويكاني في المنتدى فرسان الفلاشات والصوتيات
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 04-22-2009, 06:59 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •