كتبهاأسامة الكوهجي ، في 26 مارس 2007 الساعة: 01:00 ص
محاضرة "منطلقات الطموح ومقومات الجهود"
تغطية خاصة بالجزيرة توك
د. السويدان: هذه الدولة التي أحلم أن أعيش فيها
أسامة الكوهجي - الجزيرة توك - البحرين
أقام كل من مركز شباب المعالي ونادي الفتيات التابعان لجمعية الإصلاح بالبحرين محاضرة جماهيرية للدكتور الكويتي طارق السويدان، وهي الزيارة الوحيدة له هذه السنة للمملكة. في بداية المحاضرة نوه المحاضر على أن ما سيقدمه لن يجده أحد في شريط أو كتاب واحد، بل هي تصوراته عن الدولة الإسلامية التي يتمناها ويحلم بأن يعيش فيها، لأنه قرر أن يكون جزء من حل مشكلة التخلف. كما أنه لا أريد أن يعيش في أي دولة في العالم حالياً، ولا حتى في الدول التي يصفها السادة العلماء. وذكر أيضاً بأن 2% من الناس في العالم يقودون ال 98% الباقية، وأن كل الأعمال العظيمة تبدأ بحلم، وأن هذا الطموح لن يقوم إلا بالمقومات التالية ..
أولاً- مقومات فكرية:
فجميع جوانب الإصلاح تبدأ بالفكر.
1-هوية إسلامية واضحة، مع احترام لكل الأديان والطوائف.
حيث يكون الحكم فيها إسلامي وليس علماني (إن الحكم إلا لله)، فلا يحق لأحد أن يعاند أو يخالف أوامر الدين الصريحة وما أجمع عليه علماء المسلمين (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).
2-حرية فكرية كاملة، مع الأدب والانضباط الأخلاقي.
بما فيه الفكر الذي يخالف الدين من إلحاد وغيره، فلن يشاد الدين أحد إلا غلبه، وهذا منهج القرآن الكريم، فقد كان يطرح الأفكار المخالفة ويرد عليها ويفندها (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين). ولكن هذه الحرية لا تتيح سوء الأدب والسب والشتم، فحتى أشد البلاد انحلالاً توجد بها قوانين تنظم الحريات، ولكن الرقابة تكون على الأخلاق لا على الأفكار.
3-احترام العقل والمنطق، بلا شعوذة باسم الدين أو جهل أو أمية.
فالدين لا يتناقض مع العقل والمنطق والفلسفة الصحيحة، فالسحر علم وليس قدرة (فسحروا أعين الناس)، ولا تفسير للأحلام إلا ما تنطبق عليه شروط الرؤيا، وتفسير الأشياء على أنها "عين" هو من اختصاص الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه من علم الغيب، وأن أي أحد يلجأ للمشعودين فعنده نقص عقل. وكذلك لا تنخدعوا باسم الدين وتصدقوا ما لا يعقل وما ليس له دليل من القصص التاريخية كمن يصلي ألف ركعة في الليلة أو من يقتل مائة بضربة واحدة.
4-مجتمع منفتح على العالم بلا منع أو انغلاق، ولكنه يؤثر ولا يتأثر.
فجيش الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه كان أربعمائة ألف بالإضافة إلى أربعمائة ألف أخرى كمدد، وتمكن من فتح مصر التي كان بها ألف ألف "مليون" من القادرين على دفع الجزية.
5-الاجتهاد مفتوح والفكر يواجه بالفكر، بلا تكفير أو سجون رأي.
فيسمح للجميع بالاجتهاد في الدين، ومن يخطئ فسيجد من يصحح له ويواجهه، فالذي وضع ألف حديث على الرسول صلى الله عليه وسلم وجد من ينخلها له من علماء السلف الصالح، وليس من واجب العلماء أن يستريحوا. كما يفتح باب الفكر على مصراعيه، ولا ننزعج ممن يطرح فكرة عوجاء، وندع الفكر يواجه الفكر، وضعيف الحجة سينهزم. إن أول إرهاب فكري في التاريخ الإسلامي كانت فتنة خلق الفرآن التي جائت بها المعتزله، أما قبلها فكان حوار الرأي بلا إرغام لأحد.
ثانياً- مقومات روحية وجمالية:
1-مجتمع وأفراد يعبدون الله تعالى بقلوبهم وعقولهم وعطائهم.
فليست العبادة هي صلاة وصوم وحج، فإلقاء هذه المحاضرة عبادة، والطبيب حين يداوي الناس عبادة (لإن تسعى في حاجة أخيك خير لك من صلاة أربعين سنة عند الحجر الأسود) و(الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله). حتى السياسي الذي يشرع أمراً فيه إقامة لأوامر الله أو يقف في وجه ما يخالف أوامر الله أعظم أجراً من العابد.
2-أمة فيها تصوف حق وتزكية صافية، بلا ابتداع ولا خرافة ولا حركات ساذجة.
التصوف مرادف للزهد والروحانية. كانت ردة فعل محاربة التصوف جمود في القلب والروحانيات، الذي أدى إلى حب الدنيا وكراهية الموت. لكن معظم التصوف هذه الأيام أصابته ابتداعات وأمور دخيلة، كالمولد والحضرة والهز والرقص، فعلينا الرجوع إلى تصوف الصحابة والتابعين من زهد وروحانيات وتزكية للنفوس.
3-أمة تعظم حرماتها وترعى مقدساتها، بلا أقصى يحترق ولا قدس تستصرخ.
فنرجع لعزتنا يوم كنا خير أمة (من هارون الرشيد خليفة المسلمين إلى نقفور كلب الروم، الجواب ما تراه لا ما تسمعه).
4-تقدير للجمال واحترام للبيئة، وعناية حتى بالحيوان والنبات بل الجماد.
فاليوم انتهى عندنا حب الجمال وقيمته وتذوقه، فمواد التربية الفنية عندنا صارت لا تربية ولا فنية، وترى الفرق بين زوار المتاحف من العرب والأجانب حين يقفون عند اللوحات الفنية. الفن هو ملخص لتاريخ البشرية، والدين حثنا على الجمال واحترام البئية، كعدم قطع أشجار الحرم وإماطة الأذى عن الطريق.
5-مدنية فخمة ونظام ونظافة، بلاترف ولا إسراف.
فلا مشكلة في بناء العمارات والشوارع والمسارح، فلا أتصور أن نعيش في أكواخ، ولكن ليس كإسراف الدولة العثمانية التي كانت تدفع ديون لمدة عشر سنوات لأوروبا كقيمة إنشاء قصر أحد الخلفاء.
ثالثاً - مقومات سياسية:
حريتي ليست لبيع، وعقلي ليس للبيع، ولا أخاف إلا من الله عز وجل.
1-الحكم للشعب، والحاكم وكيل، لا حكومة إلهية، ولا استئثار بالسلطة.
فالشعب هو الذي يختار الحاكم وهو الذي يعزله.
2-تعددية سياسية مفتوحة للجميع، بلا منع لأحد أن يطالب بحقوقه.
فالمدينة المنورة كانت تسكنها ثلاثة أحزاب رئيسية: المؤمنين والمنافقين واليهود، وكل حزب له حقوق وعليه واجبات، بدون أن تمس أساسيات الدولة التي جائت في الدين بالإجماع، ولكن لا يوجد حكم وإلزام لعقائد الناس، بل دعوة وحوار.
3-حكومة صغيرة وقطاع خاص كبير، فالشعب هو الأساس في إدارة شؤونه.
فالدولة تختص فقط في خمسة جوانب: الأمن وشؤون الدفاع وشؤون الخارجية وإدارة أموال الدولة العامة بالإضافة إلى الرقابة والتنظيم.
4-أمة يحترمها العالم ويقتدي بها، ولا يخاف منها بل يلجأ إليها لرفع الظلمات.
فلا توجد في جميع الفتوحات الإسلامية حالة اغتصاب واحدة، وليس الجهاد للدفاع عن بلاد الإسلام فقط، ولكن لمساعدة الضعفاء أيضاً (ومالكم ألا تقاتلوا في سبيل الله والمستضعفين في الأرض)، وخير مثال هو قصة فتح القائد قتيبة بن مسلم الخرساني لسمرقند.
5-أمة واحدة تحترم خصوصية كل بلد، بلا حدود ولا طبقية ولا عملة خاصة.
رابعاً- مقومات علمية:
1-تعظيم للعلم الشرعي وتقدير للعلماء، بلا رجال دين ولا كهنوت.
فصلاح الدين ويوسف بن تاشفين جائوا من بيوت علم، ولكن ليس عندنا شيء اسمه رجل دين وملابس خاصة به، ولا يتخذ الدين كوظيفة. كما أنه لا سلطة للدولة على الأئمة والخطباء عندما لا يستلمون رواتبهم منها، فيؤم الناس أحفظهم ويخطب فيهم أعلمهم.
2-الاجتهاد مفتوح، والتقليد محدود، والاتباع للدليل.
فكل أئمة الفقه يقولون إذا جائكم دليل مخالف لرأيي فاضربوا برأيي عرض الحائط.
3-تطور علمي وبحث وإبداع وتقنية، بلا ترف مفسد أو لهو مشغل.
فالعرب ينفقون ما نسبته واحد على عشرين مما ينفقه الكيان الصهيوني على البحث العلمي، كما أن بعض البحوث العلمية الآن بها من الترف أكثر مما بها من الفائدة، فالخليفة المأمون كافأ الرامي بالإبر لمهارته وجلده لتضييع وقته فيما لا ينفع المسلمين.
4-تعليم راقي لا يسبقه أحد في الأرض.
فمصيبتنا هذه الأيام هي في التعليم والإعلام الذين هما المصدرين الأساسيين لإصلاح الفكر الذي يصلح به كل شيء، وإن أول بلد عربي في التعليم ترتيبه الخامس والثلاثين على دول العالم.
5-مجتمع مثقف ومحب للقراءة، مع حركة نشر وترجمة واسعة.
ما يترجم للعربية في جميع الدول العربية يعادل واحد على مائة مما يترجم في إسبانيا وحدها للإسبانية، ولا تنهض هذه الأمة بدون علم، ولا علم بدون قراءة.
خامساً- مقومات اجتماعية:
1-أسرة متماسكة وتربية راقية، بلا فردية ولا طغيان على الفرد.
المعدلات الاجتماعية في الدول العربية الآن هي من أحسن المعدلات في العالم، ولكن نحتاج لتعديل بعض المعدلات كالطلاق والعنوسة. والأسرة هي أساس المجتمع الإسلامي، فنحتاج لتعلم أساليب التربية الحديثة، لأن أساليب تربية آبائنا لنا لا تصلح لتربية أبنائنا.
2-شباب متدين ومتعلم ومنتج وقوي، بدون غلو أو تطرف.
3-امرأة راقية مشاركة في البناء الحضاري، حتى في الفن والرياضة والجهاد.
فالصحابية خولة بنت الأزور قتلت تسعة من الكفار، كما أنه توجد امرأة محجبة في اللجنة الأولمبية للسباحة.
4-شعب يهتم بالصحة والرياضة، ولا يهمل المعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة.
فالإسلام حثنا على دمج المعوقين في المجتمع.
5-إعلام راق وفن أصيل، بلا تضييق ولا إثارة للشهوات.
سادساً- مقومات إدارية واقتصادية:
1-عدالة صافية وقضاء ومساواة بين الجميع، بلا واسطة أو تحيز لأحد.
فشريح القاضي طلب من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عزله لا لأن أمره لا ينفذ، ولكن لأنه لم يأت أحد ليحتكم عنده منذ سنتين.
2-أمة غنية واقتصادية، بلا فقراء ولا مشردين.
فالدولة ملزمة بتوفير جميع ضرورات العيش للمحتاجين من غذاء وكساء وسكن، وتوفر حتى الدابة وتزوج كل من يرغب بالزواج ولا يجد المال.
3-أمة تخطط لكل شيء وتبني مؤسسة لكل عمل، فلا اعتماد على الفرد الفذ.
فلا يوجد "سوبرمان"، ولا يوجد شخص يعمل كل شيء ويخطط لكل شيء.
4-مجتمع وأفراد يعملون جماعياً.
فنعمل بعقلية الفريق الأول لا الفرد الأول.
5-احترام للكفاءات والموهوبين ودعم للإبداع، فلا يتقدم إلا من يستحق.
هذه أحلام اليوم.. وهي حقائق الغد.. أراها كما أراكم.
هذه هي منطلقات الطموح، لكنها لن تتحقق إلا بمقومات الجهود.
أضف الى