الأقليات الإسلاميّة في أوروبا.. تاريخ مشرف
تضم القارة الأوروبية العديد من الدول .. التي تقع في نطاقها أقليات مسلمة .. بلغ تعدادها أكثر من (35) مليون نسمة .. وقد استطاعت هذه الأقليات الحفاظ على هويتها العقديّة .. كما تأسس في أوروبا أول اتحاد إسلامي للأقليات المسلمة لتنسيق الجهود المبذولة في مجالات الدعوة والتعليم والإعلام والتصدي للافتراءات المعادية.
ونسلط دوائر الضوء على تاريخ نشوء الأقليات المسلمة في أوروبا .. بعد أن سلطت الضوء على نشوء الأقليات المسلمة في إفريقية وآسيا.
أول أقلية مسلمة
تأسست أول أقلية مسلمة في أوروبا منذ عام 81 هجرية ( 700 ميلادية ) .. أي قبل الفتح الإسلامي للأندلس الذي تم منذ عام 93 هجرية .. وذلك عندما هاجر عدد من مسلمي تونس إلى جزيرة "قوصرة" التي تقع في جنوب إيطاليا .. ونجحوا في نشر الإسلام واللغة العربية بين سكان هذه الجزيرة .. كما أسسوا العديد من المساجد ودور التعليم .. حتى أصبحت هذه الجزيرة من الجزر الإسلامية الخالصة في البحر الأبيض المتوسط وفي النطاق الأوروبي كله.
كما تدفقت الهجرات الإسلامية إلى جزيرة صقلية بجنوب إيطاليا .. والتي خُصصت للحكم الإسلامي منذ عام 212 هجرية .. وقامت هناك حضارة إسلامية راقية .. كما انتشرت اللغة العربية في جنوب إيطاليا حتى أصبحت لغة تخاطب يومي.. ويضم المعجم اللغوي الإيطالي كثيراً من المفردات اللغوية العربية .. وقد انتعشت مسيرة المدّ الإسلامي حتى بلغت مدينة "روما" عاصمة إيطاليا.
الهوية الإسلامية في إيطاليا
وقد برزت هوية المجتمع الإسلامي في إيطاليا .. بعد أن تدفقت الهجرات الإسلامية المعاصرة – منذ الحرب العالمية الثانية – حيث بلغ حجم الأقلية الإسلامية في إيطاليا – اليوم – أكثر من مليون نسمة .. لهم مؤسساتهم الدعوية والتعليمية .. إذ أنجزت هذه المؤسسات ترجمة حديثة لمعاني القرآن الكريم باللغة الإيطالية .. وقامت بطبع المصحف الشريف والكتب الدينية .. كما اعتنق عدد لا بأس به من الإيطاليين الإسلام طواعية.
الأقلية المسلمة بفرنسا
كما تأسست أول أقلية مسلمة في فرنسا منذ عام 96 هجرية .. حيث هاجر إليها عدد من مسلمي الأندلس – بعد الفتح الإسلامي للأندلس بثلاث سنوات تقريباً – كما وفدت إلى فرنسا أقليات مسلمة أخرى استقرت منذ عام 101 هجرية في مدن "ليون" و "ولوز" و "الرون" .. ثم أعقبتها هجرات إسلامية مماثلة في عام 107 هجرية .. استقرت في مدن "نيم" و "أوتان" و "سانس" بالقرب من مدينة "باريس" العاصمة.
كما تعزز الوجود الإسلامي في فرنسا .. عندما فتح المسلمون جزيرة "كورسيكا" – التي وُلد بها نابليون بونابرت – وبدأ ذلك في عام 191 هجرية، واستمر الحكم الإسلامي لهذه الجزيرة لمدة (124) عاماً .. كما تأسست في فرنسا دولة إسلامية منذ عام 321 هجرية استمرت لمدة (82) عاماً.
واستمرت الهجرات الإسلامية إلى فرنسا من دول شمال إفريقية في الحرب العالمية الأولى حتى بلغ عدد الأقلية الإسلامية في هذا الوقت مائة ألف مسلم .. وتزايدت هذه الهجرات إلى فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية حتى أصبحت الأقلية المسلمة هناك من أكبر الأقليات المسلمة في القارة الأوروبية.
تضم الأقلية الإسلامية المعاصرة في فرنسا .. نحو خمسة ملايين نسمة .. من بينهم مليون مسلم فرنسي .. وأصبح الإسلام هو الديانة الثانية في المجتمع الفرنسي.. وقد أسست الأقلية المسلمة هناك أكثر من (300) مسجد ومركز إسلامي من أشهرها مسجد باريس الذي شيد منذ (70) عاماً.
الأقلية الإسلامية باليونان
وتأسست أول أقلية إسلامية في اليونان .. قبل نهاية القرن الهجري الأول .. عندما هاجر عدد من مسلمي شمال إفريقية إلى جزيرتي "كريت" و "رودس"، وقد تم تدعيم هذه الأقليات المسلمة بهجرات مماثلة منذ عام 212 هجرية .. كما خٌصّصت "كريت" للحكم الإسلامي .. بينما انتشرت أقليات إسلامية أخرى في "مقدونيا" منذ عام 782 هجرية .. وتأسست أقلية إسلامية في "تساليا" ووسط اليونان وشبه جزيرة " الموره" .. كما تأسست هناك حضارة إسلامية راقية ومؤسسات نشطة للدعوة والتعليم جذبت إليها العلماء وطلاب العالم الإسلامي، وبلغ حجم الأقلية الإسلامية في اليونان 60% من عدد السكان في عام 1913 ميلادية.
أما اليوم .. فقد تناقصت أعداد المسلمين في اليونان .. بسبب هجرة المسلمين منها إلى دول أخرى .. حيث بلغ عدد المسلمين في اليونان حالياً .. نحو (400) ألف نسمة فقط .. وهم في حاجة ماسة إلى دعم كبير من الدول الإسلامية للحفاظ على هويتهم العقائدية .. وترميم مساجدهم الأثرية التي تبلغ (300) مسجد وإحياء دور هذه المساجد لتقوم بنشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة .. وتزويدهم بالمكتبات الدينية وإيفاد قوافل الدعاة إليهم.
الأقلية الإسلامية بالنمسا
وبسبب الهجرات الإسلامية أيضاً .. تأسست بالنمسا أول أقلية إسلامية منذ عام 936 هجرية .. وقد شيدت هذه الأقلية أول مسجد في العاصمة "فيينا" بجهود من مسلمي شبه جزيرة البلقان وتركيا .. وقد عزز الوجود الإسلامي هناك خضوع النمسا للحكم الإسلامي منذ عام 1095 هجرية، وهجرة عدد من التتار والكروات المسلمين إليها .. بينما خضعت البوسنة والهرسك للحكم النمساوي .. وأدى ذلك إلى تعزيز الوجود الإسلامي في النمسا.
بلغت اليوم أعداد الأقلية الإسلامية في النمسا أكثر من (70) ألف نسمة .. لهم مؤسساتهم الدعوية والتعليمية .. وقد حرص إمبراطور النمسا على تشييد مسجد جامع في العاصمة " فيينا " في عام 1295 هجرية .. كما شُيّد المركز الإسلامي في العاصمة منذ عام 1400 ميلادية .. كما أسست الجالية الإسلامية هناك أكاديمية إسلامية بالتعاون مع جامعة الأزهر.
الأقلية الإسلامية في بريطانيا
وعلى الرغم من اتصال الإنجليز المبكر بالدول الإسلامية .. إلاّ أن أول أقلية إسلامية قد تأسست في بريطانيا .. كان في عام 1287 هجرية .. عندما هاجر عدد من اليمنيين إلى مدينة "كارديف"، ونشطت لإبلاغ دعوة الإسلام للشعب الإنجليزي .. كما حدثت هجرات إسلامية معاصرة إلى إنجلترا واسكتلندة وويلز وأيرلندة الشمالية.. وتعتبر الأقلية الإسلامية في بريطانيا من الأقليات الدينية النشطة في قارة أوروبا .. إذ قاموا بترجمة الكتب الدينية إلى اللغة الإنجليزية، وأسسوا الكثير من المراكز والمساجد ومعاهد التعليم الإسلامي.
ويوجد في بريطانيا – اليوم – أقلية إسلامية تضم أكثر من أربعة ملايين نسمة يمثلون قوميات مختلفة .. لكنهم متوحدون عقائدياً على مائدة الإسلام .. وقد شيدوا أكثر من (350) مسجداً.. منها أكثر من (60) مسجداً في "لندن" و (35) مسجداً في "يوركشير".. ومساجد أثرية في كارديف وفي "لندن" العاصمة.
ويُعدّ المركز الإسلامي في " لندن" من أهم المؤسسات الإسلامية في بريطانيا .. وتوجد خطة للتنسيق بين هذا المركز والمراكز الإسلامية الأخرى المنتشرة في المدن الإنجليزية .. كما توجد هناك لجان للإفتاء والقضاء الشرعي .. وتأسست هناك أول كلية إسلامية بالتعاون مع جامعة الأزهر.. لنشر التعليم الإسلامي واللغة العربية بين أبناء الأقلية الإسلامية في بريطانيا.
ذيبان