أيها الطفل السوري... أيتها المعنّفة... أيها المعاق... عذراً
د. محمود نديم نحاس
مرّت بنا للتو ثلاثة أيام احتفل بها العالم كله. فيوم الطفل العالمي في الخامس من نوفمبر، واليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في الخامس والعشرين من نوفمبر، واليوم العالمي للمعاقين في الثالث من ديسمبر. لكن سوريا الجريحة كانت لها طريقتها الخاصة بالاحتفال بهذه الأيام.
ربما الهدف من يوم الطفل أن نشعر الأطفال بأنهم يحتلون موقعاً مهماً في حياتنا، وأنهم، وأنهم... لكن هل سيصدقنا أطفال سوريا الذين مرَّت عليهم المناسبة وهم محاصرون جائعون في مدنهم، أو نازحون من ديارهم، في المخيمات، أو في العراء، أو متفرقون في القارات الست؟ وهل نستطيع أن ندبّج الخطب والمقالات لنبيعهم الكلام، وهم لا يجدون ما يأكلون؟ وكيف نقول لهم نحن نهتم بكم وقد رأوا قتل ذويهم بأعينهم، أو حضروا اغتصاب محارمهم وهم يشهدون، أو تهدمت بيوتهم فوق رؤوسهم بعد أن كانوا آمنين، أو تم تغييب آبائهم وأصدقائهم خلف القضبان؟ والإحصائيات تقول إنه منذ بداية الثورة يُقتل طفل كل ثلاث ساعات. ثم ها هو البرد القارس يدهمهم، فقد هربوا من بيوتهم وهم لا يحملون إلا القليل من لباسهم ومتاعهم. ومازالت وسائل الإعلام تردد: العالم كله معكم، لكن جرائم كبرى مثل إحراقهم بالسلاح الكيماوي لم تستجلب سوى إدانة!.
مئات الآلاف من الأطفال النازحين فقدوا فرص التعليم ووجدوا أنفسهم أمام مسؤولية العمل لإعالة أسرهم في ظروف خطرة واستغلالية. وأطفال يولدون نازحين فلا يحصلون على شهادات ميلاد تثبت هوياتهم.
انتابني شعور غريب وأنا أقرأ لكاتب سويدي يسأل: ما الدافع ليقوم أطفال في السويد ببيع ملابسهم وألعابهم والتعاون مع آبائهم وأمهاتهم لطبخ وجبات طعام وبيعها في الأسواق العامة والشوارع وتخصيص ريعها للأطفال السوريين؟ وما الدافع كي تتبارى المدارس الابتدائية بالتبرعات للأطفال السوريين؟ وما الدافع ليخرج الأطفال إلى الشوارع وهم يحملون صناديق خاصة ويحثون المارة على التبرع للأطفال السوريين؟
أما يوم مناهضة العنف ضد المرأة فهل تحتفل فيه السوريات بإعلان مقتل أكثر من اثني عشر ألف من النساء (قتلاً مباشراً أو تعذيباً حتى الموت أو من جراء القصف العشوائي)؟ أم يحتفلن باغتصاب أكثر من ثمانية آلاف امرأة، سواء في مداهمات قوات الأمن لبيوتهن أو في المعتقلات. وهذا الرقم هو الحد الأدنى لأن قضايا الشرف تمنع كثيرات من البوح بأنهن تعرضن للاغتصاب. أم يحتفلن بفقدان المعيل في ظروف حياة قاسية حيث بلغ عدد النازحات في الداخل أكثر من مليوني امرأة يفترشن الأرض ويلتحفن السماء، وعدد اللاجئات أكثر من مليون امرأة خارج الحدود، حيث يشكل العنف الجنسي وفقدان المعيل السبب الرئيسي لنزوحهن؟ أم يحتفلن باعتقال أكثر من خمسة آلاف امرأة واختطاف أخريات للضغط على أقربائهن من أجل تسليم أنفسهم تحت التهديد باغتصاب المختطفات أو تعذيبهن؟ أم يحتفلن باستخدامهن كدروع بشرية لتنفيذ عمليات اقتحام المنازل أو للهروب من نيران الاشتباكات؟ أم يحتفلن بحالات التحرش بهن في بعض دول اللجوء؟ أليست هذه جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب؟
أما أنتم أيها المعاقون الذي جاء اليوم العالمي للمعاقين ليعزز فهم القضايا المرتبطة بكم، وليحشد الدعم لكرامتكم ورفاهكم، وليؤسس لتدابير تحسن من حالتكم، وتوفر فرص التكافؤ لكم، فأقول لكم أبشروا فإن أعدادكم بين السوريين ارتفعت ارتفاعاً ملحوظاً من جراء القصف العشوائي للمدن والقرى السورية، ومن خلال منع الإسعاف عن المصابين، ومن خلال ضرب المستشفيات الميدانية، ومن خلال منع المنظمات الإنسانية من تقديم خدماتها العاجلة، فيضطر الأطباء إلى بتر الأعضاء بعد أن تتعفن بسبب وصول المصابين متأخرين إلى المستشفيات الميدانية أو خارج الحدود. فالمؤسسات الدولية تقدر حالات الإعاقة الدائمة بأكثر من 270 ألف منذ انطلاق الثورة، من بينها بتر الأطراف، والتشوهات الخطرة، والشلل، وتعطّل الوظائف الحيوية، والإصابات الدماغية. ويتساءل أحد المعوقين: إذا كان العالم غير قادر على وقف المجازر بحق الشعب السوري، أفلا توجد منظمة قادرة على تقديم أطراف اصطناعية ومساعدات طبية ومالية للمعوقين؟