السلام عليكم
عن مجلة بوهيميا وبالاقتباس عن المقتبس:زياد هواش نقدم موضوعا مهما جدا مع تحياتنا لكل متبني العطاء الثقافي بصدق واخلاص:
http://www.bohemea.com/mag/index.php...d=259&Itemid=1
.
دكتور صليبي، نود أولا أن نشكرك على منحنا مساحة وقتك الصباحي، واستضافتك الكريمة.
س _ هل يمكننا معرفة الاعتراضات الأساسية لعلماء التوراة على كتاب التوراة جاءت من جزيرة العرب ..؟؟
ج _ الاعتراضات الأساسية على النظرية كانت :
أولا, لم آخذ في الاعتبار النظرية السائدة التي تقول بان أحداث التوراة جرت في جغرافية فلسطين كما هو سائد، ولم آخذ بالقراءة التقليدية للتوراة، وهذان هما الاعتراضان الأساسيّان .
ثانيا، الاعتماد الكثيف على أسماء الأماكن، اعتباراً بأن أسماء الأماكن ليست بأساس صحيح ويعتمد عليه لبحث في الجغرافيا التاريخية، على الأقل ليس بالاعتماد على الأسماء لوحدها .
وثالثا , بأنني لم احترم ما يعتبرونه الاكتشافات الأثرية التي تمت في فلسطين .
هذه هي أهم الاعتراضات .
س _ هل هناك هيمنة توراتية ثقافية على المشهد الأكاديمي الغربي، وما هي حدودها ..؟؟
ج _ سيطرة الغرب هو ما لمسته شخصيا. أول كتاب كتبته بالانكليزية، أخذه ناشرون ألمان (ROWOHLT) تابعين لمجلة "دير شبيغل"، ليقوموا بنشره .
وكان هناك اعتراض عليهم لأخذهم هذا الكتاب، لذلك جمعوا علماء توراة في مدينة "كولوني"، ودعوني للذهاب ومقابلتهم. أفهموني بصراحة إني لست أوروبيا، ولذلك لا شأن لي بالموضوع .
وكوني مسيحي لا يبرر تدخلي فيه، لأني كما وصوفوني بالحرف "مسيحي من شذاذ الآفاق" (Christian of the diaspora)، أي مسيحي غير شرعي , لأنني لست غربيا .
تسيطر في الغرب فكرة أن المسيحية هي دين غربي، وان المسيحيين "غير الغربيين" ليس لهم شأن في البحث في أمور لا تخصهم، وطبعا كان جوابي لهم، سواء أرادوا أو لم يرٍدوا، سأبحث واستمر في البحث مهما كان موقفهم.
س _ ألا تعتقد أن الغرب لا يزال يرفض إعادة النظر بالتوراة، لأنها أساس بناء الحضارة الغربية ..؟؟
ج _ التوراة كما هي مفهومة، تعتبر في الغرب من أهم أسس الحضارة الغربية، والغريب أنهم يعتبرونها أنها من نتاجهم، ولا ادري على أي اساس يعتقدون ذلك !
للمصادفة الغرب أصبح مسيحياً في وقت معين , وللمصادفة أيضا أن المسيحية لها علاقة بالعهد القديم "التوراة"، أو الكتاب المقدس العبري، فاعتبروا هذه الأشياء هي من تراثهم، وبالتالي الحق في دراسة هذا الموضوع محصور بالعلماء الغربيين .
السؤال يجاوب نفسه، والجواب الذي يأتي به السؤال صحيح .
س _ هل نستطيع القول أن الهيمنة الغربية على الدراسات التوراتية هي ما عطل الاهتمام بنظريتكم الثورية ومنع انتشارها واستكمالها بالتنقيب والبحث ..؟؟
ج _ طبعا، ولكن الغرب الذي فيه ناحية مظلمة، كذلك فيه ناحية ايجابية مشرقة.
فمن الغرب ظهر الانترنت، وعن طريق الانترنت استطعت أنا شخصيا التغلب على تجبّر الغرب في هذا المضمار. الانترنت افسحت لي الوصول إلى القارىْ الغربي العادي فوق رؤوس علماء التوراة الغربيين. .
لا انتظر من وراء هذا المشروع الثقافي ربحا ماديا لأنني لست بحاجة. أنا طرحت الموضوع على الانترنت، والأشخاص المؤيدين لي طرحوه أيضا على الانترنت، وبهذه الطريقة وصل لأشخاص كان من غير الممكن أن يصل إليهم، فعندما كتبنا الكتاب كانت طباعته "ورقية"، والذي يريد أن يقرأه يجب أن يكون مهتما بالموضوع كفاية حتى يدفع المال ويشتري الكتاب، فصار بالإمكان الوصول الى الشخص الذي في الأساس لم يكن ربما يفكر أن يقرأ، أو أن يدفع ثمن الكتاب، وصله مجانا عن طريق الانترنت .
عن طريق الغرب تستطيع التغلب على الناحية المظلمة فيه، وهناك نواحي مظلمة جدا في الغرب .
هناك نظريات كثيرة شبيهة بنظريتي لكنها ليست مطابقة لها تماما، وذلك حتى يبقى لأصحابها حقوق النشر والملكية الفكرية. لا ُذكر لي في تلك النظريات، وهذا لا يهمني حقاً. ففي النهاية كل ما عليها فان، وكل هذه أمجاد باطلة .
ولكن النية انه لا يراد أن يذكر شخص "غير غربي"، وبالأخص وتحديدا، ابن عرب "مسيحي شرقي"، أتى بفكرة لها مداليلها. طبعا لا يريدون. ولهذا السبب أصبح هناك "تعتيم" مخيف على طروحاتي.
وآخر كتب طبعتها كانت في دور نشر متوسطة أو مغمورة حتى، في حين كتبي الأولى نشرت في دور نشر بارزة. طبعا هذا لا ينطبق على صعيد النشر في العالم العربي .
س _ هل كان للحملة المضادة على الكتاب، على خلفية الدعوة لاحتلال بلد عربي آخر، أي اثر في تعطيل الاهتمام الأكاديمي العربي أيضا، في طروحات النظرية، وضرورة استكمالها ..؟؟
ج _ لا، ردة الفعل العربية على الكتاب كانت مشجعة جدا على وجه العموم، فيما عدا بعض المأجورين، الذين يشتغلون لأغراض معينة، ولكن ردة الفعل العربية. كانت مشجعة جدا، العربية والإسلامية .
س _ ألا يقود هذا إلى إعادة النظر بكل التاريخ الذي استند على حركة بني إسرائيل عبر جغرافيا الشرق القديم ..؟؟
ج _ مؤكد. الاهتمام بتاريخ ما يسمونه بالشرق الأدنى أو الشرق الأوسط الحديث (وهي ليست من مصطلحنا على أية حال)، هذا التاريخ دُرس لسبب واحد هو فهم التوراة، بمعنى أن سبب الاهتمام بدراسة الأشوريين أو البابليين هو ذكرهم بالتوراة، والحثيين سبب الاهتمام بدراستهم هو أنهم مذكورين في التوراة (هذا إذا كانوا هم المقصودين فعلا في التوراة) .
أما مصر القديمة فهي أمر آخر ومختلف لأنها تحتوي على آثار بارزة وجذابة عبر الزمن، وسواء كانت مذكور في التوراة أو لم تذكر (هذا إذا كانت مصر وادي النيل، هي المذكورة في التوراة)، ولكن على افتراض أنها هي المذكورة في التوراة فقد زاد الاهتمام بها .
هذا الاهتمام لم يكن موجودا خارج مصر. مصر تختلف، مصر شيء مهم بحد ذاته، بغض النظر عن الاهتمام التوراتي بها .
حتى أن اللغات السامية دُرست لفهم التوراة، اللغة العربية دُرست لفهم التوراة، لان اللغة العربية هي أم اللغات السامية، بالنسبة للغرب.
أما في العالم العربي فالاهتمام والدراسة لأنها لغتنا .
هناك في الغرب ناس صاروا علماء ضالعين باللغة العربية، من اجل فهم التوراة .
عندما تأتي نظرية بهذا الاختلاف للتاريخ المتصور للشرق الأوسط، أو كما أفضل تسميتها "منطقتنا" أو "بلادنا"، هذا كله صار يحتاج ليس إلى إعادة نظر بل ودراسة من جديد لأنه بات مرشحا لان يكون غلط بغلط، كأنه تاريخ ساقط عسكريا، وهذا هو الواقع .
والسؤال يحتوي الجواب، بنعم .
كل تاريخ المنطقة، وكل ما يتعلق بلغاتها، وكل موضوع اللغات السامية واصلها واصل اللغة العربية إلى آخره، كله يحتاج لإعادة نظر من جديد، بسبب انك جئت وتساءلت :
س _ ألا يبدو المشهد التاريخي هنا وكأن الأحداث التوراتية قد ضخمت جغرافيا بما يفوق عشرات المرات حجمها الطبيعي، مما شوه ملامحها الإنسانية والاجتماعية والدينية وحتى رمزيتها المقدسة، عبر تضخيم مفرط للجغرافيا ..؟؟
ج _ عملي هو التاريخ والجغرافيا التاريخية واللغويات , لا اشتغل بالسياسة أو بالدين، وبالتالي بالمقدس، فالمقدس يبقى شخصيا وقلبيا، وهو لا يدخل بالعمل الأكاديمي أو العمل في حقل علم التوراة.
التوراة بالنسبة لي كتاب احترمه جدا وتقليديا، لأنني ولدت في عائلة تقدس التوراة .
ولكن التوراة في نفس الوقت مصدر معلومات غامضة وتحتاج إلى تفسير، وأحب أن أفسرها، وعندي من الفضول ما يدفعني إلى تفسيرها .
أولا حتى اروي فضولي، وثانيا إذا عثرت على ما قد يجذب اهتمام الآخرين فمن واجبي أن أقوم بإعلانه، لأنه لا يوجد احد في العالم قاصر، والفكرة أن هناك أناس في العالم قاصرين لا تستطيع قول شيء تعرفه أمامهم، غلط، لأنه لا يوجد احد قاصر .
هنا نعود الى السؤال المطروح. الفهم التقليدي لجغرافية التوراة لا يحصرها بحدود تتراوح بين 200 كم إلى 600 كم، بل يحصرها ب 35 كم إلى 200 كم، والذي هو حجم فلسطين .
القصص التوراتية تروي أحيانا عن مسير سبعة أيام أو عشرة أيام بدون العثور على نقطة ماء، ولا تحتمل جغرافية فلسطين هكذا روايات، بل هي تحتاج إلى جغرافيا أوسع. إذن هناك تشويه لأنه حصر لتاريخ كبير نسبيا في غرفة صغيرة بل بالغة الصغر .
وجغرافية هذه القصص التوراتية ترتاح في جغرافيا غرب شبه الجزيرة العربية في مساحة تمتد بعرض 200 كم وطول 600 كم .
الآن، التفسير أو الفهم التقليدي للتوراة لا يمدها من فلسطين إلى غرب شبه الجزيرة العربية بل يحصرها في فلسطين .
وأنا اعتقد انه لا ذكر لفلسطين في النصوص التوراتية، ولم اعثر على أي ذكر لفلسطين فيها .
ولكن في حال كان هناك أي ذكر، فذلك يكون في العبارة التي استخدموها في اللغات الأوروبية (hinterland)، بمعنى الأرض التابعة، أو البادية، أو الأرض خارج خط المدن، وهي ليست الأرض الأصلية، أو صلب الأرض. هي ما يسمى بالعربية "الأطراف" .
إذا كانت هناك أي علاقة بين فلسطين وارض بني إسرائيل،ففلسطين تكون من أطراف هذه الأرض.
إذن هناك علاقة ولكنها ليست علاقة أساسية، بل بمعنى انتقال للأشخاص بين الأرض الأساس وأطرافها.
سؤال مختلف في السياق البيئي للتوراة :
س _ هل نستطيع القول بأن اللغة العبرية , ترتبط ارتباطا وثيقا باللغة العربية التالية لها في الظهور ..؟؟
وكيف يمكننا توصيف هذه العلاقة اللغوية برأيكم ..؟؟
ج _ الآن , مسألة ظهور اللغة العبرية كما نسميها , وهي تسمى في التوراة لسان كنعان أو شفة كنعان , أو كما يسميها العلماء اللغة الكنعانية , ومنها لغة رأس شمرا , ومنها لغة الفينيقيين وكذا ...
هذه اللغة التي كُتب فيها قبل الكتابة بالعربية. ولكن اللغويين يقدّرون، ومنذ حوالي 200 عام، انه من حيث التركيب , فاللغة العربية الفصحى هي أقدم اللغات السامية المعروفة , وان جاء زمن تدوينها لأول مرة متأخراً. هي اللغة السامية الأقدم من حيث التركيب وقِدم ضروب التركيب من حيث الصرف والنحو وضروب التعبير.
كمثال بسيط , اللغة العبرية فيها نوعين من الجمع , مؤنث سالم ومذكر سالم , بينما في اللغة العربية هناك النوعين السابقين والى جانبهما عدد كبير جدا من حالات جمع التكسير .
وقد تم الاستغناء عنها مع الوقت لصعوبة إيجاد قوانين لغوية لها تسهيل تعلمها .
ولذلك، فاللغة العبرية من هذه الناحية، والآرامية التي هي السريانية، والحبشية تصبح وكأنها لغات عربية مُسهلة , أو بعبارة أخرى لغات فقدت جزءاً من أصالتها كما هي الحال بالنسبة إلى "العربي الدارج".
فاللغة العربية الفصحى هي اللغة الساميّة الأصيلة بالرغم من تأخر وقت تدوينها , وأنا اعتقد انك إذا استطعت تصور جغرافية العراق والشام واليمن والجزيرة العربية , خارج الحدود السياسية التي لم يخلقها الله , بل انظر إليها كما خلقها الله جغرافيا واحدة .
هي مكونة , وتسهيلا , من بادية الشام والبادية العربية , وهي كلها واحدة: البادية العربية , وأطراف هذه البادية .
هذه الأطراف هي إما سواحل أو انهار كبيرة كالفرات ودجلة والنيل .
وداخل هذه الجغرافيا وبأطرافها هناك واحات أو ينابيع أو جداول أو انهار صغيرة , تجعل الحياة الزراعية ممكنة .
الآن , الإنسان الذي يعيش في البادية على الرعي والتنقل , يطمح ويتجه إلى حياة أسهل , إلى حياة الزراعة والأكواخ الثابتة , في الحواضر .
ولذلك وقبل الوصول إلى هذه الحياة , يقوم بإلغاء القائم من هذا النوع من الحياة وتدميره , دافعا بالمزارعين إلى المدن , ليعود ويحل محلهم ويتحول هو بدوره إلى مزارع .
ثم يأتي رعوي أو بدوي آخر ويكرر الفعل نفسه , وهكذا دواليك.
بالإضافة إلى التجارة المتركزة في المدن والتي يتجه إليها المزارعون، إلى آخر الصورة...
أخيرا انتهى الأمر , بان آخر من خرج من الوسط من هذه البادية هم الناس الناطقين باللغة العربية الفصحى. بطريقة ما حافظوا على فصاحتها .
هذا، على كل حال، هو تصوري لما حصل. وصارت اللغة العربية الفصحى بالتالي، وبعد أن صارت تُدوّن، هي اللغة السامية الأكثر انتشارا. وهذا هو رأي العلماء الغربيين الذين اشتغلوا على اللغات السامية من 200 سنة .
_ من ضمن البيئة اللغوية السابقة :
انتم تؤكدون أن اليهود الحاليين لا يرتبطون مع بني إسرائيل بأكثر من الدين .
وتنفون نهائيا الارتباط العرقي , أو نظرية السلالة المستمرة .
س _ هل ينطبق ذلك على اللغة العبرية القديمة والحديثة ..؟؟
ج _ اللغة العبرية القديمة ومهما قالوا بشأنها، مثلها مثل الفينيقية، زالت من الاستعمال العادي بعد سنة 500 ق.م. تقريبا. لم يعد ينطق بها أحد، وماتت .
بقي يعرفها بشكل غير صحيح تماما الناس الذين استمروا في قراءة النصوص التوراتية أي الكهنة وأعوانهم.
اللغة العبرية الحديثة أُخترعت في المختبرات اللغوية الألمانية في القرن التاسع عشر، من قبل اليهود الذين أخذوا يفكرون آنذاك في إعادة بناء كيانهم كشعب , وليس كجماعة دينية .
من يقول أن اليهود شعب وله حقوق الشعوب يسمّى صهيونياً .
من يقول أن اليهود جماعة دينية , ليس صهيونيا .
هناك فرق مهم .
جزء من عمل اليهود الصهيونيين كان إحياء هذه اللغة العبرية, وتحويلها إلى لغة قابلة للاستعمال في الكلام , حتى لو كانوا يلفظونها غلط , أو كانت معانيها غلط .
عندما تأتي لتدرس التوراة تجد الكثير الكثير من الكلمات غير مفهومة معانيها , وتحتاج لإعادة نظر .
هم اشتغلوا تقديريا أو سماعيا , ومنها اشتقوا كلمات يستعملونها اليوم , وهي لذلك لغة مصطنعة تماما , جعلوها سهلة ويمكن تعلمها بسرعة.
يقول الناطقون باللغة العبرية , أن من يستعملها لا يستطيع أن يقول فيها نكتة , أو يشتم , كفعل إنساني طبيعي تلقائي .
بل يحتاج إلى قول ذلك باللغة الانكليزية أو اليديشية أو العربية (ولغتنا غنية بقاموس الشتائم). وحتى انك لا تستطيع التعبير عن حالة الحب بها , فالعبرانية الحديثة تبقى إلى حد بعيد على ما كانت عليه أصلاً لغة مصطنعة لا تستطيع بواسطتها التعبير عن المشاعر الطبيعية المتدفقة , وقس على ذلك .
س _ هل نستطيع القول بان الجملة السابقة تفترض الزوال بفعل التغيرات التاريخية الطبيعية في سياق حركة الشعوب في الجغرافية عبر زمن صيرورتها؟
ج _ للإجابة على هذا السؤال , نحتاج كما يقول ديكارت إلى تقسيمه لكي تتضّح جلية الأمر بشأنه.
اليهودية شيء معين جدا , ففي كتابي الأول ارتكبت غلطة كبيرة , ولم اعد إلى استعمالها تاليا , وذلك عندما استعملت كلمة اليهودية للدلالة على بني إسرائيل , وقمت بذلك تسهيلا على الناس الذين يخلطون عادة بين الاثنين.
الآن , القرآن يذكر اليهود كثيرا , ويذكر بني إسرائيل كثيرا , ولا يخلط بين الاثنين أبداّ. فلا يقول أن اليهود كانوا بني إسرائيل أو من بني إسرائيل بالضرورة, أو أن موسى كان يهودياً او قائداً يهوديا. موسى في القرآن هو من بني اسرائيل.
وكذلك القرآن لا يقول أن عيسى ابن مريم كان يهودياً، بل يقول أن عيسى ابن مريم كان من بني إسرائيل , وهذا شيء مهم جدا .
فمجرد أن يقول القرآن أن عيسى ابن مريم كان اسرائيلياً، دون ذكر أية علاقة له باليهودية، شيء مهم للغاية، لأنه يعني أن عيسى ابن مريم ربما لم يكن يهوديا بل على دين آخر من الأديان التي انطلقت من الديانة الاسرائيلية الموسوية الأصلية.
اليهودية هي طائفة دينية معينة انطلقت من بقايا بني إسرائيل في السبي البابلي , واغلبهم بالجزيرة العربية وأقرباؤهم في فلسطين زمن الشتات .
منطلقهم التاريخي هو من بني إسرائيل , كما هو حال المسيحية. منطلقها التاريخي، هي أيضاً، من بني إسرائيل .
الشيء الذي عملته الحركة الصهيونية , وهو لا يغتفر , أنهم اعتبروا بني إسرائيل وتاريخ بني إسرائيل ونصوصهم الأدبية وتراثهم الأدبي , هذا كله يخص اليهود كشعب ولا يخص غيرهم من الطوائف الدينية المنبثقة أصلاً عن بني اسرائيل.
ولما أقاموا دولتهم سموها إسرائيل , ولم يسموها الدولة اليهودية الصهيونية، كما هو واقع الأمر.
السرقة بدأت ليس بالأرض , بل بدأت بالاسم: اسم إسرائيل .
المسيحيون العرب , صاروا يخجلون في صلواتهم وفي ترانيمهم من ذكر إسرائيل , حتى لا يكون هناك التباس مع دولة إسرائيل .
نحن في مقدساتنا نقول "الرب إله إسرائيل". يستحيل علينا اليوم أن نقول ذلك.
اليهود عملوا معادلة بين إسرائيل واليهود , واليهود هم في الأساس طائفة إسرائيلية في الأصل. فإسرائيل ليست اسم لدين , بل اسم لشعب. اليهود طائفة دينية , ومن المهم للغاية أن يكون هناك تفريق بين اليهود وإسرائيل .
وهذا الالتباس الذي حصل بسبب الحركة الصهيونية وبروز دولة إسرائيل , هو ما أربك العقول إلى درجة صار من الصعب تفكيكها , وصارت تحتاج إلى إعادة كتابة القواميس العالمية لكي تستطيع الفصل بينهما .
الآن , المحرقة(Holocaust )كلمة تأتي من فعل الحرق ببساطة ومهما كان نوعها.
ولكن اليوم صار معناها هو ما أصاب اليهود في ألمانيا وبولونيا وغيرهما على زمن أدولف هتلر من اضطهاد وحشي لا يقبل به أي شخص متمدن. سُرقت هذه الكلمة وتم تغيير دلالاتها ومعناها , وهذا هو الواقع ببساطة كما سُرق اسم إسرائيل من قبل.
الحركة الصهيونية اعتبرت أولا أن اليهود شعب وليسوا فقط طائفة دينية , وهذا الشعب هو وريث شعب بني إسرائيل التاريخي , ويجب لذلك أن تعود له أرضه ويعود له كيانه السياسي. وهذا لم يكن أصلاً اعتقاد كل اليهود بطبيعة الحال , ولكنه اليوم صار إلزاميا عليهم .
س _ هل يمكننا القول بان دراسات التاريخ التي بين أيدينا , هي نتاج الحقبة الاستعمارية الغربية ..؟؟
ج _ صحيح , وهناك سببين :
أولا , الحقبة الاستعمارية مستمرة وهي لم تنته بعد , ولكنها تغير أشكالها .
ثانيا , في بقية العالم عموما , ولنأخذ أنفسنا نحن العرب كمثال , لا نستعمل قدراتنا التي أعطانا إياها الله , كما يجب .
حتى العقلية منها , لنكتب أشياء تاريخية معقولة , نعرفها , وبدون أن ندخل في جدال مع الغرب .
علينا أن نعرّف أولا التاريخ , ونكتبه وفق ذلك .
أنا كشخص كتب التاريخ وتكلم مع العرب عن طريق كتبه ومؤلفاته , اعرف جيدا أن الشعب العربي يتفاعل فكريا بشدة , ويحب حركية الموقف الجدلي , والدخول فيه , ولو انه أحيانا لا يكون مدربا كفاية لذلك .
القدرة موجودة , ولكنك تحتاج أولا إلى حب التحرك لكي تستطيع الوقوف أولا .
ولا نستطيع القول دائما أن الغرب ظلمنا , وهو من فرض علينا التاريخ كما نتعلمه.
نحن أيضا لم نستعمل عقولنا جيدا , وحتى عندما استعملناها , فبطريقة مغلوطة ينقصنا التدريب.
..