كيف يصبح الرجل انسانا!
عبد الصمد زيبار
'نهضة أم طفرة' في أصله عنوان لفصل في كتاب يحمل اسم:
'كيف يصير الرجل إنسانا' Comment l'homme devint humain للمفكر والفيلسوف الفرنسي الكبير روجيه غارودي Roger Garaudy.
يقدم غارودي في هذا الفصل مقارنة لمعنى التغيير والتحول في علم الأحياء وفي تاريخ المجتمعات ويقول: ( المتحول) في علم الأحياء مسمى لفرد يحمل ميزات تختلف عن مجموعته فهو يعيش إضافة مغايرة لنوعه عبر ما يسمى بالطفرة.
قياسا عليه يمكن أن نسمي ( المتحول) في تاريخ المجتمعات فرد أو مجموعة أفراد يحملون لأنفسهم مشروعا جديدا بخطط اقتصادية اجتماعية وثقافية ويهيئون لـ ( لطفرة تاريخية).
ويضيف أن هذه 'الطفرة التاريخية' أحيانا تسمى 'النهضة' ويقول أن هذا لا يقدم المعنى الصحيح لمفهوم وشروط النهضة.
فالنهضة عند غارودي ليست أبدا موجة أو ثورة من العنف أو تغييراً بسيطاً في مواقع وشخوص السلطة والإدارة، النهضة عنده تغيير في كل حياة الناس وهي انقلاب في حياة الفرد وهذا يعني حسبه أنها تغيير جذري للغايات والنهايات، للقيم، لمعنى الحياة، وللتاريخ.
إذن فمعالم النهضة عند غارودي تتحدد في: رسم الغايات وبناء القيم وصياغة معنى الحياة وتصحيح النظرة للتاريخ.
وهذا من صميم منهج غارودي المعتمد أساسا على المعنى والفكر والروح.
يمكننا طرح التساؤل حول ما يجري في وطننا العربي ( تونس ومصر واليمن والجزائر ...) من أحداث. هل هي طفرات أم نهضة؟
إذا ما قسناها بمنطق روجيه غارودي فهي لا تحقق شروط النهضة إذ أنها مؤشرات ومعالم نحو تغيير وتحول إذن فنحن في مرحلة 'التغيير'.
لكنه ليس تغييراً عبر الطفرة - أي فجائياً - فهو نتيجة تراكمات لجهود مجموعة من الفاعلين في قطاعات مختلفة ( كالإعلام وجماعات المعارضة والمثقفين ...) ومن جهة أخرى نتيجة تراكم الضغط والكبت أي الاختناق بتعبير جفري لانك ( غياب الحريات والنفس الأمني ...) ثم من جهة الثورة المعلوماتية التواصلية عبر الشبكة العنكبوتية التي شكلت متنفسا افتراضيا للمختنقين سرعان ما وجد طريقه للعالم الواقعي.
شكلت هذه المحاور أعمدة مثلث إشعال الثورة على غرار مثلث الاحتراق الذي يؤدي إلى إشعال النار.
وهذه الركائز الثلاث اثنتان منها مكتسبة للشباب الثائر وهي الوعي والتراكم المعرفي ثم التواصل وساحات الحوار البعيدة عن أعين المراقبة والتسلط والثالث يلعب دور كلب الحراسة أو ترمومتر القياس لغياب الحرية ودرجة الكبت التي ما تجاوزت الحدود اكتمل مثلث الاشتعال لتهب الثورة من جديد. إذن فنحن أمام دائرة التصحيح والمراقبة وهي آلية تؤشر على مستوى الوعي الذي فاق الكثير من التوقعات حتى من لدن الخبراء الاستراتيجيين والمراقبين المجتمعيين.
والثورة تضل في إطار التغيير والمراقبة، ولا تصل إلى تحقيق النهضة المنشودة ما لم تكمل دورة بناء الوعي وتشكيل الذهنية مسارها، نحو رسم الغايات وبناء القيم ومعنى الحياة والنظرة للتاريخ وفق ما حدده روجيه غارودي.
وهنا نتحدث عن أدوار النخب التي تقود الجماهير، وتعمل في كلية الحياة وتكتب على أوراق العقول وتبحث في دواوين المجتمع فاعلة ومنفعلة، أما النخب المنعزلة في نواديها مثلها كمثل مصباح في غرفة فارغة سرعان ما يخبو نوره.
الشعوب اليوم بدأت في رسم المعالم المستقبلية عبر ثورات الكرامة والتي يمكنها أن تترجم إلى نهضة حقيقة إذا ما وجدت الوعاء المعرفي والبوصلة النهضوية عبر الانفتاح والمعرفة والترشيد.
المجتمع العربي اليوم مهيأ أكثر من أي وقت سابق ليكون غراسا لغد مجيد ونهضة راشدة وحضارة إنسانية سامقة.
Zibar-abdeamad@hotmail.com
القدس العربي -2011-02-10