محطات على طريق نكبة فلسطين
ا.د. محمد اسحق الريفي
لوحة رقم (01): مقدمة
إن الحديث عن نكبة فلسطين يقودنا إلى الحديث عن أوضاع الأمة العربية قبل النكبة، والتي جاءت نكبة فلسطين نتيجة حتمية لها. فنكبة فلسطين هي نكبة الأمة العربية، وبالتالي هي نكبة الأمة الإسلامية. وما حلت هذه النكبة بأمتنا إلا بسبب الضعف والتشرذم والصراعات الداخلية التي مزقت أمتنا العربية، والتي أدت إلى نشوء فراغ قيادي وسياسي، وتدهور كبير في كافة المجالات وخصوصاً الاقتصادية، وتبعية لبريطانيا، ما مكن الدول الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، والثانية، من استغلال ضعف أمتنا وتوظيفه في إنشاء قاعدة عسكرية غربية في فلسطين، لتمزيق العالم العربي وإنهاكه، ولضمان استمرار الهيمنة الغربية عليه، وذلك بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
لقد جاءت نكبة فلسطين في سياق صراع الحضارات، بين الحضارة العربية والإسلامية، وبين الحضارة الغربية، التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى، فتقاسمت كل من بريطانيا وفرنسا واليهود ممتلكات الرجل المريض (الدولة العثمانية)، حيث التقت المصالح الغربية الاستعمارية مع مصالح اليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين. وحتى تضمن بريطانيا استمرار تمزق العالم العربي، لتسهل الهيمنة الغربية عليه، قررت هي والولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون إنشاء قاعدة عسكرية صهيونية في فلسطين وسط منطقتنا العربية والإسلامية، لترعى المصالح الغربية في منطقتنا، وتحول دون استقرارها، وتستنزف العالم العربي والإسلامي، وذلك عبر إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
استغلت بريطانيا تناحر العرب على السلطة والحكم في الحجاز والشام والعراق، فحرضت زعماء والعشائر والقبائل العربية على الدولة العثمانية، واستخدمتهم لإسقاطها، في مقابل وعود زائفة بمنحهم دولة عربية كبرى تشمل كل الوطن العربي باستثناء مصر والشمال الإفريقي. فتآمر العرب على الدولة العثمانية، التي حالت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني دون بيع فلسطين وتحويلها إلى وطن قومي لليهود. وبعد سقوط الدولة العثمانية، غدرت بريطانيا بالعرب، وظهرت نواياها الحقيقية، فتقاسمت مع فرنسا العالم العربي وفق اتفاقية سايكوس–بيكو. وبعد سنتين من سقوط الدولة العثمانية في 1917، تم عقد صفقة بيع فلسطين في 3 يناير 1919 بين الأمير فيصل ابن ملك الحجاز في ذلك الوقت، وبين "حاييم وايزمن"، الذي تقلد فيما بعد منصب رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، ما ساعد على إنجاز وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
تدفقت الهجرة اليهودية والصهيونية إلى فلسطين بعد سقوط الدولة العثمانية؛ من الدول الغربية والشرقية، وفق اتفاقية فيصل–وايزمن، ما مكن العصابات الصهيونية المسلحة من تهجير الشعب الفلسطيني والإعلان عن قيام (إسرائيل) في 1948. جاء جيش الإنقاذ العربي إلى فلسطين لإنقاذها، ولكنه لم يتمكن من حماية الفلسطينيين من العصابات الصهيونية، التي ارتكبت المذابح الدموية البشعة ضد الفلسطينيين، بل سهل هجرة الفلسطينيين ونزوحهم. ثم منحت الدول العربية الصهاينة هدنة لمدة شهر، استغلتها العصابات الصهيونية في تنظيم صفوفها وتسليح أفرادها، وارتكبت خلالها العديد من المذابح الدموية البشعة ضد الفلسطينيين.