واقع التعليم الأليم
بقلم/ توفيق أبو شومر
....................
أعترف بأن الخبر الذي أوردته كل الصحف الإسرائيلية يوم الاثنين 9/1/2012 هو الذي أعاد إلى شهيتي الكتابة عن التعليم وحاله في بلادي.
وعندما أكتب عن التعليم فإنني أشعر بالراحة بعد المقال بوقت قصير ، أُفرِّج فيها عن كربتي وضائقتي النفسية بسبب نظام التعليم، قبل أن أستعيد الواقع الأليم لنظام التعليم في وطني وفي كثير من دول العرب ودول نائمة أو نامية أخرى كثيرة!
ما أكثر المقالات السياسية، والتحليلات والأبحاث والدراسات والندوات التي تختص بالسياسة وبعض الشؤون الثقافية والاجتماعية، وما أقل الأبحاث والدراسات التي تختص بالتربية والتعليم!!
أما الخبر الذي أوردته كل الصحف الإسرائيلية، فهو موافقة الحكومة الإسرائيلية على تقليص ميزانيات كل الوزارات بنسبة 4,5% واستثمار الفائض الذي يصل إلى حوالي خمسة مليارات من الشواقل في مجال التعليم المجاني للأطفال بدءا من السنة الثالثة من أعمارهم، أي في رياض الأطفال، وفق معطيات الإحصاء ومراكز الدراسات والأبحاث، التي أشارت إلى الخلل في هذه المجال، وهو الخلل الذي يمس( روح ومستقبل الشعب اليهودي) كما جاء في الإعلام! ويمس شعارَ وهدف إسرائيل من التعليم الذي رفعوه عام 1949:
" التعليم مصنع صياغة روح الأمة"
ما يحدث عندنا هو العكس تماما، فنحن (نُعوِّم) تعليم رياض الأطفال،والتعليم الابتدائي ونخصخصه ، ونخضعه لاجتهادات المجتهدين، ونتركه للمستثمرين من التجار، أو من بعض الكتل والتيارات والأحزاب التي توظِّفُهُ لخدمة تياراتها، ونسمح لكل من هبَّ ودبَّ أن يفتح روضة أطفال، أو حتى مدرسة خاصة،في بيته الخاص، وفي غرف مخصصة لنوم شخص واحد، ونحشر فيها عشرين طفلا، ليتولى هو تنشئة أبنائنا التنشئة الأساس، والتي تعتبر البنية الرئيسة لأرواحهم وأذواقهم ومستقبلهم، وتوسعت الخصخصة لتشمل كذلك حتى الكليات والجامعات والمعاهد ، حتى ولو كانت غير معتمدة تعليميا، وفق المواصفات العالمية، ولا تملك الأبنية الصالحة للتعليم، وليس عندها الكادر المؤهل من المدرسين والأسائذة، اعتمادا على أن هذه المؤسسات التعليمية ستتمكن في النهاية من الضغط على الجهات المختصة، وتحصل في النهاية على الاعتراف من هذه الجهات، بقوة الخريجين وبعضلاتهم، وبمراجعاتهم وثوراتهم وانتفاضاتهم، وهكذا يكسب المغامرون الذين افتتحوا المدارس والمعاهد والكليات الاستثمارية، في نهاية الأمر ربحين؛ ربحا ماديا من جيوب الطلاب، وآخر معنويا بالإعتراف الرسمي تحت التهديد ثانيا!
علينا أن نُعرِّضَ تعليمنا للشمس حتى نكشفه، إذا أردنا أن نعيش مستقبلنا، فما استقيته من أفواه المدرسين والطلاب، يدعو للكآبة والألم، فالمعلمون مقهورون لأن مرتباتهم تقع في أسفل الدرجات، أما الطلاب، فهم الأكثر قرفا من التعليم، فما أكثر الذين يستعجلون العطلات، ويكرهون المدارس، وما أكثر الطلاب، الذين يشتكون من العنف الموجه ضدهم من قبل زملائهم، أو من قبل مدرسيهم الذين ما يزالون يعتمدون أسلوب التعليم تحت وقع العصى!
لقد اعتاد طلابنا أن ينتقموا من المناهج والمدرسين بإلقاء كتبهم ودفاترهم في الشوارع بعد دقائق من انتهاء الاختبارات، كصرخة احتجاج على عملية التلقين والتجريع التي تتم في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا.
ونتيجة لاحتقار المجتمع لمعلمي أبنائه بإضعاف مرتباتهم، وجعلهم في آخر السلم الوظيفي، فقد تحولوا إلى مدرسي( شنطة) أو حقيبة، أي يحملون كتبهم الآلية في أياديهم ويلفون على البيوت والمنازل، يدرسون أبناء القادرين بأجر ليتمكنوا من الحياة، وهم بهذا قد صاروا يشبهون السبَّاكين وعمال صيانة المنازل والبيوت السكنية، وهؤلاء قد يتمكنون من جعل أبنائنا ينجحون في الاختبارات، وذلك بتدريبهم على تقنيات الإجابة عن أسئلة الامتحانات، ولكنهم لن يُغنوا عقولَ أبنائنا بالثقافة والوعي، وشتان بين الأمرين!!
تحولت عقولُ أبنائنا الطلاب من حالتها الصحية، وهي أن التعليم يصقل العقل، ويُحضِّر المتعلم، ويُعده للمستقبل، كامرأة ورجل وطني مخلص قادر على البناء؛ إلى عقول وظيفية تشبه الإسفنج تمتصُّ المقررات( المنفرة) ثم تعصرها على ورقة الاختبارات، وتعود كما كانت جافية خاوية.
وأخيرا دائما أكرر مراتٍ ومرات الأسئلة:
هل تعليمنا السائد تعليم صالح لقيادة عربة مستقبلنا؟ أم أنه يجرنا إلى الخلف عقودا طويلة من الزمن؟
ما الأهداف من تعليم أبنائنا؟ فهل الهدف هو أن يحصلوا على وظيفة ومرتبة اجتماعية، لزيادة الفخر الأسرى فقط لا غير؟ وهل هناك أهداف أخرى من تعليمنا، غير الهدف الرئيس وهو، أن يحصل أبناؤنا على وظائف حكومية ميرية؟
أم أن الهدف هو إعادة صياغة عقولهم، وتهذيبها، وجعلها قادرة على فهم لغة العصر، ووسائل ارتياد حلبة المنافسات في مجال الابتكارات والاختراعات، وعدد المبدعين الأكفاء؟
إن مقياس الأمم والأوطان والشعوب يكون بحجم ما يُستثمَر في مجال التعليم،من استثمارات مادية ومعنوية، لأن ما يُنفق على التعليم ، إنما يُنفق بالفعل على الأبناء!!