منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2

العرض المتطور

  1. #1

    رسالة إلى قضاتنا الكرام


    العدل أساس الملك وعماده وهو سبيل النّاس إلى السّعادة وسبيلهم إلى الأمن ، و معلوم أنّ الله حرّم الظّلم على نفسه وجعله بين عباده محرّماً وأوجب العدل وحثّ عليه وأمر به في محكم التّنزيل فقال :
    ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ) النحل 90 .
    ( وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) النساء 58 .
    (اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) المائدة 8 .
    (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) الأنعام 152 .
    ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) الحديد 25 .
    ( وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) المائدة 42 .
    والرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم حضّ على العدل وأنذر من يدخل الجور بعذاب شديد . وممّا قاله : ( اتّقوا الله واعدلوا ) ،
    ( إنّ المقسطين عندّ الله على منابر من نور ) .

    ( إنّ أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة رجل أشركه الله في حكمه فأدخل عليه الجور في عدله ) .
    ( عدل ساعة خير من عبادة ستّين سنة )1 .
    كما نادى الخلفاء الرّاشدون بالعدل ، فأبو بكر رضي الله عنه قال في أوّل خطبة له :
    " الضّعيف فيكم قويّ عندي حتّى أخذ الحقّ له والقويّ فيكم ضعيف عندي حتّى أخذ الحقّ منه إن شاء الله " .
    وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فيما كتبه لأبي موسى الأشعري :
    " آس بين النّاس في وجهك ومجلسك وعدلك حتّى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك " .
    وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة : " إنّ النّاس لم يتنازعوا في أنّ عاقبة الظّلم وخيمة وعاقبة العدل كريمة ، ولهذا يروى إنّ الله ينصر الدّولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدّولة الظّالمة وإن كانت مؤمنة " .
    ونادت بالعدل أيضاً الشّريعة المسيحيّة ، فقد جاء في إحدى رسائل القدّيس بولص الموجّهة إلى روما :
    " إنّ الله عادل وكلّ منّا يدان بحسب أعماله إنّ الله متناهي العدالة " .
    وفي الشّرائع القديمة نودي بالعدل . فقال حمورابي : " ناداني الإلهان أل وبال أنا حمورابي لكي أقوم بما يعود على خير البشر وأجعل الحقّ سائداً في هذه البلاد وأقضي على الشّرير والفاسق وأمنع الظّالم من الإضرار بالضّعيف " .
    وتوزيع العدل خاص بالله العليّ القدير ، فقد قال في كتابه الكريم :
    ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ) . الأنعام 57 .
    ( وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) . الرعد 41 .
    كما أنّه خاص بالرّسل ، فقال تعالى :
    ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) ص 26 .
    وقد استعار القضاة هذه الصّفة الإلهيّة ، صفة توزيع العدل بين النّاس ، فغدوا ألسنته التي تنطق بالحقّ وتقول بسيادة القانون .
    ويحكمون فتنفّذ أحكامهم دون أن يتركوا لأحد بعدهم أيّ مقال ، لأنّها عنوان الحقيقة والصّواب وهم يعصمون المظلوم ويحمون الضّعيف ويحملون النّاس على العيش في حياة لا محلّ فيها للطغيان أو الاستعلاء أو التعسّف .

    فالقضاء يمثّل الحصن الأخير لحماية الأمّة وأفرادها بمواجهة بعضهم بعضاً وبمواجهة السّلطة .
    لذلك فإنّ القضاة هم المسؤولون عن إشاعة الطّمأنينة بين النّاس في أموالهم ، وحريّاتهم ، وشرفهم .
    وبقدر ما يكون القضاء قويّاً مستقلّاً راسخاً تكون حريّات النّاس وأموالهم وأرواحهم وأعراضهم مصونة محصّنة كريمة .
    ومنذ أنْ اتّفق النّاس على أنْ يعهدوا لأفراد منهم بالفصل فيما يشبّ بينهم من منازعات ، أصبح لزاماً أنْ يوجد بجوار كلّ قاض أو محكّم في نزاع ، أشخاصاً ( محامين ) ممّن يملكون ناصية الكلام ليشرحوا وجهتي النّظر ويبيّنوا مواطن القوّة والضّعف في حجج الفريقين المتنازعين ، ويبّسطوا أمامه أسانيد مطالبهم ليستطيع القاضي ( وما هو بمستطيع دون ذلك ) أنْ يتبيّن وجه الحقّ ويقضي به .
    ويقول الحكماء إنّ أمور النّاس تستقيم في الدّنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم أكثر ممّا تستقيم مع الظّلم في الحقوق ، وإنْ لم تشترك في إثم ، ويقال : الدّنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظّلم والإسلام .
    وفي الأثر : ( ليس ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرّحم ) .
    لكلّ ذلك وغيره فإنّي أبعث هذه الرّسالة المفتوحة إلى قضاتنا الأفاضل أذكّرهم بما أوجبه الله عليهم ، وأدعوهم إلى مناصرة الحقّ والعدل والوقوف إلى جانب المظلومين ، وذلك من خلال الحقائق التالية :
    - أمهّد بالقول إنّ التّحذير من القضاء ، ورفض السّلف لتولّيه إنّما ذلك للوعيد الشّديد لمن ظلم أو كان جاهلاً ، أمّا منْ كان من أهل العلم والقوّة في الحقّ ، فهو في حقّه محمود مطلوب .
    يقول النّوويّ - رحمه الله - عند شرحه لقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم :
    ( يا أبا ذرّ إنّي أراك ضعيفاً وإنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي لا تأمرنّ على اثنين ولا تولّين مال يتيم ) .
    هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات ولاسيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية ، وأمّا الخزي والنّدامة فهو في حقّ من لم يكن أهلاً لها أو كان أهلاً ولم يعدل فيها فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرط ، وأمّا من كان أهلاً للولاية وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة كحديث " سبعة يظلّهم الله " والحديث المذكور هنا عقب هذا " إنّ المقسطين على منابر من نور" وغير ذلك ، وإجماع المسلمين منعقد عليه .
    وقَالَ الإمام جعفر بن محمد الصَّادق :
    " إِنَّ النَّوَاوِيسَ شَكَتْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ شِدَّةَ حَرِّهَا ، فَقَالَ لَهَا عَزَّ وَ جَلَّ : اسْكُتِي ، فَإِنَّ مَوَاضِعَ الْقُضَاةِ أَشَدُّ حَرّاً مِنْكِ " .
    - إنّ الحكمة الأساسيّة من القضاء هي تحقيق العدل بين النّاس وإيصال الحقوق إلى أصحابها ، وفضّ المنازعات ، وردّ التواثب وقمع الظّالم ونصرة المظلوم والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، ومن هنا عرّف القضاء بأنّه : الفصل بين النّاس في الخصومات حسماً للتداعي وقطعاً للنزاع بالأحكام الشّرعيّة ممّن كانت له الأهليّة في التّوقيع عن الله .
    كما عرّف بأنّه : الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام .
    وعرّف ابن عاصم القاضي بأنّه ( منفّذ بالشّرع للأحكام ) .
    وقد أمر الله تعالى نبيّه داوود - عليه السلام - بالحكم بالعدل بعد تحذيره من مغبّة الحكم بالهوى ، وبيّن أنّ ذلك هو الضّلال المبين .
    فقال تعالى : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) ص 26 .
    ولا يتصوّر صدور العدل من غير عدل ، وقد نصّ علماؤنا المالكيّون على هذه الحكمة حتّى يتمكّن القاضي من أداء مهمّته دون حيف أو ظلم ، يقول ابن عاصم رحمه الله : (... وشرطه التّكليف والعدالة ) .
    - أنّ من آداب القضاء معرفة حقيقة الدّعوى والتّمييز بين المدّعي والمدّعى عليه .
    يقول ابن عاصم رحمه الله : ( والمدّعي مطالب بالبيّنة ... ) ، وذلك لما رواه البيهقي وغيره بإسناد صحيح عن ابن عبّاس أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال : ( لو يُعطى النّاس بدعواهم لادّعى قومٌ دماء قوم وأموالهم ولكنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ) .
    يقول النّووي : وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشّرع ، ففيه أنّه لا يقبل قول الإنسان فيما يدّعيه بمجرّد دعواه بل يحتاج إلى بيّنة أو تصديق المدّعى عليه .
    وقد سجّل لنا التاريخ أنّ عليّاً بن أبي طالب رضي الله عنه ضاع له درع فوجده عند يهودي فخاصمه إلى شريح فقال هذا درعي ويشهد عليه ابني الحسن - سيد شباب أهل الجنّة - ومولاي ، فقبل القاضي شهادة المولى ولم يقبل شهادة الحسن لمكانته من علي وحكم بالدّرع لليهودي لوضع اليد وعدم اكتمال بيّنة المدّعي ، فما كان من اليهودي إلا أن أسلم لتأثره بما رأى من عدل المسلمين فأهدى له علي - رضي الله عنه - الدّرع بعد إسلامه .
    فالمتتبّع للواقع في بلادنا يرى أنّه شاع الفساد القضائي والإداري والمحسوبيّة ، انتشر الظّلم ، وامتلأت المحاكم بظلم الأفراد ممّا يمكن أن يورد فيه المتتبع أغلب ما ذكرته كتب القضاء في مسائل الدّعاوى من باب الرّهن والضّمان والبيع والغصب والسّرقة والنّهب والاعتداء على الأموال العامّة والخاصّة والقتل والإيذاء والوكالة والصّلح إلى الفرائض وأحكام النّكاح والطّلاق ممّا تقع فيه الدّعاوى اليوميّة التي لا تجد في أغلب الأحيان من ينصف المظلومين الضّعفاء ، بالإضافة إلى ما يستجدّ في حياة النّاس من أشكال المعاملات التي يجهل تصنيفها أكثر من يعيّنون باسم القضاء فضلاً عن معرفة إلحاقها أو استنباط حكمها أو متابعة ما ذكره العلماء المعاصرون فيها .. وهي كلّها أمور يجب تنفيذها بالعدل على الحاكم والحكومة ، والقضاة ركن أساسيّ من أركان الدّولة ممّا يوجب إيجاد قضاة مؤهّلين للحكم في كلّ ذلك بالعلم والعدالة ، ثم تتمّ متابعتهم بشكل دائم ، فالعدل أساس الملك
    يقول عمر بن الخطّاب رضي الله عنه : أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل أقضيت ما عليَّ ، قالوا :
    نعم ، قال : لا ؛ حتّى أنظر في عمله أَعَمِلَ بما أمرته أم لا .
    وإذا حُرّم على القاضي أن يحكم بهواه فيكف يسوّغ له أن يحكم بهوى غيره ؟ إن ذلك من أقبح الأمور وأسوئها !
    روى أصحاب السّنن من حديث أمّ سلمة رضي الله عنها أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال :
    ( إنّكم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأقضي له على نحو ممّا أسمع فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنّما أقطع له قطعة من نار - وفي رواية - فليحملها أو يذرها ) .

    وقد وردت أحاديث كثرة تهدّد من خالف قولُه وفعلُه علمه ، من ذلك : حديث كعب بن مالك رضي الله عنه أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال :
    ( من طلب العلم ليجاري به العلماء ، أو ليماري به السّفهاء ، أو يصرف به وجوه النّاس إليه ، أدخله الله النار ) .
    وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال :
    ( من تعلّم علماً ممّا يبتغي به وجه الله لا يتعلّمه إلا ليصيب به عرضاً من الدّنيا لم يجد عرف الجنّة يوم القيامة ) .

    - على القضاة أن يتذكّروا أنّ الخصومات ستعاد يوم القيامة ، وأنّ الأحكام الجائرة التي قضوا بها ستستأنف ، ويعاد الحكم فيها مرّة أخرى في ذلك اليوم العظيم يوم الفصل بين يديّ أحكم الحاكمين ( يوم لا تظلم نفس شيئاً والأمر يومئذ لله ) .
    - على القاضي إذا ابتلي بهذا المنصب أن ينظر في نفسه وهو أعلم بها ، فإن لم يكن من أهل العلم وجب عليه أن يبادر إلى الاستقالة إنقاذاً لنفسه من النّار حتّى لا يضلّ ويضلّ لما رواه الشّيخان من حديث عبد الله بن عمرو أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال :
    ( إِنّ الله لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنَ النّاسِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ ، حَتّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِماً اتّخَذَ النّاسُ رُؤُوسَاً جُهّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلّوا وَأَضَلّوا ) ، و إن كان من أهل العلم والأهليّة وجب أن يتحرّى الصّواب ويلجأ إلى الله بسؤال التّوفيق والسداد ، ويستشير العلماء وأن يحرص على أداء هذه الأمانة العظيمة في ردّ المظالم والإصلاح بين النّاس .

    يقول الإمام أحمد : لا ينبغي للرجل أن ينصّب نفسه حتى يكون فيه خمس خصال :
    أ‌ - أن تكون له نيّة ( يعني حسنة ) فإنْ لم تكن له نيّة لم يكن له نور ولا على كلامه نور .
    ب ‌- أن يكون له حلم ووقار وسكينة .
    ج‌ - أن يكون قويّاً على ما هو فيه وعلى معرفته .
    د ‌- الكفاية ( يعني أن يكون غنيّاً ذا مال ) وإلّا مضغه النّاس ، فإن لم يكن له كفاية احتاج إلى النّاس وإلى الأخذ ممّا في أيديهم .
    هـ ‌- معرفة النّاس حتى لا يلبس عليه الحقّ بالباطل .
    - ينقض حكم الحاكم إذا حكم بتفسيق العدل أو تسفيه الرّشيد ونحو ذلك ممّا هو ظاهر لأنّه مبنيّ على باطل .
    - أذكّر قضاتنا ببعض مواقف العدل التي ربّما تنسى في زحمة التّفكير في متاعب الحياة اليوميّة ، مع ما يصاحب ذلك من عدم العناية بهذه المؤسّسة المهمّة التي يجب أن يغنى أصحابها عن التّفكير في كلّ شيء ، والذّكرى تنفع المؤمنين .
    وأختصر ذلك في الأمثلة التّالية :
    أوّل ذلك ما كان يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي حقّق العدل ودعا إليه بقوله وفعله واقتصّ حتّى من نفسه وهو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وهو القدوة الكاملة والصّراط المستقيم ، وقال : ( لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطع محمّد يدها ) ، ولا يخفى أنّه الرّسول والقائد والإمام وهو أعلى سلطة في دولة الإسلام .
    ثانياً : في العصر الرّاشدي : وكلّه أمثلة حيّة ناطقة بالعدل والإنصاف ، لكنّي أكتفي بالإشارة ؛ فمن ذلك ما قاله خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو بكر الصّديق رضي الله عنه في أوّل خطبة له : الضّعيف فيكم قويّ عندي حتّى آخذ الحقّ له والقويّ فيكم ضعيف عندي حتّى آخذ الحقّ منه .
    وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فيما كتبه لأحد ولاته وقضاته : وأمّا العدل فلا رخصة فيه في قريب ولا بعيد ولا في شدّة ولا رخاء ، والعدل وإن رُئِي ليناً فهو أقوى وأطفأ للجور وأقمع للباطل .
    وقال في كتابه لأبي موسى رضي الله عنه الذي يعدّ من أقدم الوثائق القضائيّة التي يمكن أن يسير عليها القضاء في أمّة كاملة في جميع شؤونها :
    أمّا بعد فإنّ القضاء فريضة محكمة ، وسنّة متّبعة فعليك بالعقل والفهم وكثرة الذّكر .... آس بين النّاس في وجهك ومجلسك وعدلك حتّى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف في عدلك .... وسبق معنا موقف الإمام علي رضي الله عنه مع اليهودي .
    وظلّ القضاء الإسلامي رمز الشّموخ والرّفعة ، وعرف التّاريخ أمثلة كثيرة كالقاضي شريح ، وإياس بن معاوية ، و العزّ بن عبد السّلام ، وسحنون ، وفي كلّ بلد من العالم الإسلامي أمثلة كثيرة ، وفي تاريخنا نماذج مشرقة يمكن أن يحدّثك كلّ أحد من أهل العلم والفضل عن بعضها ( وتحتاج إلى جمع ) ولا زالت - بحمد الله - باقيّة وإن قلّت - لا بسبب نقصهم وقلّتهم - بل لأنّ كثيراً ممّن يتولّون القضاء اليوم ليسوا من أهله بل يحرّم عليهم القضاء لافتقارهم للضمير والعدل والإنسانية والعقل والمنطق والفهم ويحرّم على الأمّة السكوت على بقائهم فيه لما يترتّب على ذلك من ضرر في الدّين والدّنيا ، ويتولّى كبر ذلك من نصّبهم للناس أو أبقاهم .
    نعم إذا لم يكن القضاة عدولاً أحراراً يسيرون في مقدّمة الأمّة ويقولون للظالم ( لا ) بملء أفواههم فمن سيفعل ذلك ؟
    إنّهم إنْ لم يفعلوا ذلك يكونون ممّن أسهم في إعادة الأمّة إلى العصور المظلمة .
    فهل يرضى قضاتنا الكرام أن يسهموا في نقل الصّورة السّيّئة إلى حاضرنا في ظل التّقارب في كلّ شيء ؟ وهل نفعل ذلك ونحن أمّة نعلم حرمة الظّلم وعقوبة الظّالمين ، وهل يريد قضاتنا أن يرجعونا إلى تلك العصور المظلمة في زمن الفضائيّات والشّبكات والكاميرات الظّاهرة والخفيّة ، والمنظّمات الحقوقيّة ، وفي وقت بلغ فيه وعي النّاس أمداً يفرض عليهم عدم الرّكون والسّكوت والرّضى بالظّلم ؟ وفي وقت عرف أكثر النّاس اليوم حقوقهم وشرعوا في الدّفاع عنها .
    لكلّ ذلك أتمنى من قضاتنا الكرام أن لا يكونوا من المشاركين في الظّلم ، وهم المطالبون بالعدل ! بل يرفعوا راية الحريّة والكرامة ، ويعلنوها مدوّية بالمواقف المشرّفة التي يريدها الله منهم وتنتظرها الأمّة ولن تزيدهم إلّا رفعة وشرفاً .
    وأطالب قضاتنا أن يتمتعوا بالحياد والاستقلالية .
    ويجب أن لا يُجعل في هذا المنصب إلّا من تتوفّر فيه شروط أهمّها :
    1- العلم . 2- حمل النّفس على آداب الشّرع ( العدالة ) ، من ابتعاد عن الكبائر ، وحرص على حفظ المروءة .
    3- علوّ الهمّة . 4- العقل . 5- النّزاهة والبعد عن السّفهاء ، فإذا كان القاضي لا يحضر الولائم ولا يقبل الهديّة فكيف يتصوّر أن يكون جليس السّفهاء ؟!
    6- الحرص على مصالح الأمّة وتحقيق العدل بين النّاس .

    - إنّ المحاماة من المهن الحرّة ذات التّاريخ العريق وهي من أشرف المهن الاجتماعيّة وأنبلها لتعلّقها بمصالح العباد ونصرة المظلوم والدّفاع عنه والبحث عن الحقيقة .
    المحاماة مهنة هدفها معاونة القضاء في كشف الحقائق وإبراز الوقائع بشكل واضح وإثباتها بالأدلّة المعتبرة شرعاً ونظاماً .
    وقالوا أنّها المهنة التي يطلق عليها في بعض المجتمعات القضاء الواقف لما لها من دور حيويّ وهام في تسهيل أعمال القاضي ومساعدته للوصول في أحكامه وقراراته إلى الطّريق القويم الصحيح .
    والمحامين هم حملة مشاعل الحقّ والعدالة .
    - القضاء والمحاماة جناحا العدالة . بدونهما سويّة تغدو العدالة كشجرة بلا أغصان .
    وكان يقال : أعطني قاضياً كاملاً ولا تهتم بالقوانين ووضعها . فمهما كانت القوانين صحيحة وسليمة وكفيلة بإحقاق الحقّ فإنّ القاضي السيّئ يحيلها هذراً وعبثاً , ومهما كانت القوانين سيّئة وهزيلة وغير جديرة بتحقيق العدالة فإنّ القاضي الكامل يستطيع أنْ يحقّق بها العدالة .
    فالعدل ليس بالقوانين المبوّبة ولا المواد المسطورة ، ولكنّه في عقل القاضي وضميره ووجدانه . وكذلك المحامي إنّه جزء هام من أداة تحقيق العدالة فإن كان سيّئاً اختلّت الآلة وفسدت الأداة ، وإن كان حسناً حقّقت الأداة الغرض منها وافياً شافياً كافياً .
    وقيل : أعطني محامياً مثقّفاً عن علم وخلق , أعطك عدالة محقّقة وحقوقاً مصونة وقلوباً ونفوساً مطمئنّة وأمانات محفوظة .
    - إنّ القضاة والمحامون هم حملة مشعل واحد ورسالة واحدة وهما توأمان لا يفترقان وجزآن يتمّم كلّ منهما الآخر فلا ينفصلان إذ لا قضاء بدون محاماة ولا محاماة بدون قضاء ، هذه حقيقة وبديهيّة من البديهيّات لا يمكن لأحد أن ينكرها .
    وانطلاقاً من هذا المبدأ لا بدّ منَ التّأكيد على دور كلّ من القاضي والمحامي في عمليّة تحقيق العدالة ، فالقاضي هو الملجأ الأمين لجميع المواطنين وهو الذي يحقّق العدل لهم وينصف المظلومين منهم ويحفظ حرّيّاتهم وحقوقهم ، والمحامي بالمقابل هو الذي يساعد القاضي ويعاونه في تحقيق العدل وإنصاف النّاس ، فالعدالة تحتاج إلى القاضي الذي تتجسّد فيه الصّفات التي تبعث الطمأنينة والثّقة في النّفوس ، وتحتاج إلى المحامي الذي يلتزم بمسؤوليّة الرّسالة التي يحملها ويقوم بواجباته بأمانة وشرف حتّى قيل عن المحامين إنّهم القضاة الوقوف في مقابل القضاة الجلوس على منصّة الحكم .
    - كلّ من تعاطى المحاماة والقضاء شعر أنّ بين هذين الأخوين تنافراً وتحاسداً وعداءً مسلكياً كثيراً ما يعود عليهما بنتائج سيّئة، وهذا شيء مستغرب ولكنّه واقعي ، أما دواؤه ففي متناول كلّ منهما واستطاعته : ثقة متبادلة وكياسة .
    فمتى وُجدت الثّقة امتنع على القاضي أنْ يظنّ السّوء في المحامي ، وأصبح المحامي مدافعاً عن حرمة القاضي ونزاهته منْ أنْ تتناولها ألسنة النّاس ، ومتى وجدت الكياسة أصبح القاضي يتلمّس الأسباب التي تؤول لرفع شكوى المحامي وأضحى المحامي يتحرّى عدم إزعاج القاضي في مراجعاته ومدافعاته . فكم من قاض يستهين بمصلحة المحامي وشخصه أحياناً لا سيما إذا كان المحامي حديث العهد بصناعته ، فيتجاهل وجوده وانتظاره المدّة الطّويلة بينما هو يشغل نفسه في قضايا أفراد عاديين لا يضيرهم أن ينتظروا نصف ساعة من الزّمن زيادة على الوقت المعيّن ، ويوجّه إليه أحياناً بعض الملاحظات العلنيّة ليظهر خطأه أمام موكّليه والنّظّارة .
    وكم يؤلمني أنْ أرى قاضياً يستعلي على زملائه المحامين ظنّاً أنّ جلوسه على منصّة أعلى في غرفة المحاكمة تجعله أرفع شأناً وأعلى سويّة ، فيخسر مودّتهم وعطفهم ، ثمّ إذا بالأيّام تدور دورتها ، وإذا بهذا القاضي قد ترك الوظيفة وصار محامياً ، ولكنّه على كلّ حال محام لا يتمتّع بالشّيء الكثير من روابط الأخوّة وتبعته في ذلك على نفسه .
    فإلى أمثال هذا القاضي أقول : يجب أنْ تعلموا وتتأكّدوا أنّ كثيرين من الذين تصعرون لهم خدكم لو أنّهم شاؤوا لكانوا على منصّة القضاء مثلكم ، وأنكّم في أحد الأيّام صائرون إلى محرابهم ، فاربؤوا بأنفسكم أنْ تخسروا إخواناً وأصدقاء لا مناص لكم من أخوتهم وصداقتهم .

    والسؤال الذي يفرض نفسه على القضاة :
    ما الذي جعل العلاقة بين القضاة والمحامين ، وهم أبناء رحم واحد وغاية واحدة ، تصل إلى هذا المنحنى وذاك المنعطف الخطر؟!
    أقول لكم ..لم نبدأ نحنُ بالعداوة .. لم نتسلّل إلى محرابكم .. ولكنّا أصحاب حقّ .. وأصحاب قضيّة .. وأصحاب رسالة.... وما آتينا نُمارس هذه الرّسالة إلا بمقتضى القانون ومن منطق العدالة .. فلسنا دخلاء أيّها السّادة وليس الأمر منوط بالقضاة وحدهم .. فالعدالة لا تستقم على قدم واحدة ... ونحنُ القدم الأخرى .. والقول بغير ذلك يهدم ميزان العدالة ويقوّضها ...
    أليس للميزان كفّتين ؟! أليس للعدالة جناحين ؟ لا تحلّق فوق الناس إلّا بهما ، فكيف إذا كُسر أحدهما ؟! ألا تسقط العدالة ؟! ويسقط معها من أسقطها ؟!..

    ولئن كان الله قد خلق الإنسان من عينين وشفتين وأذنين وكفّين وقدمين فقد خلق الإنسان بقلب واحد .. ولسان واحد .. فأنتم القلب ونحنُ اللسان ، ومخطئٌ من ظنّ يوماً أن يضنّ علينا بالكلام وأقرّ مطمئنّاً أنّ طبيعة عمل المحامي وخبراته المكتسبة من ممارسة المهنة لا يُمكن أن تحمله على الاعتداد على القاضي ..
    بينما طبيعة عمل القاضي الذي يؤدّي وظيفته بين احترام الجمهور ووسط الابتسامات المتملّقة والخضوع المغري من كلّ جانب تجعله يعتبر أنّ أيّ طلب يطلب منه أو مناقشة بينه وبين المحامي في عملهما المشترك خروجاً على كرامة القضاء ..
    والغريب أن الخلاف قد قام بين الفريقين عن أصل واحد هو صون الكرامة ، فكيف يتّفق الطّرفان على المبدأ ثم يختلفان
    عند التّنفيذ ؟

    أو بمعنى آخر ما هو مفهوم الكرامة عند الطّرفين ؟!
    إنّ طبيعة عمل الفريقين جدّ مختلفة .. فالمحامي يرجو ويتوسّل ويترافع علناً ويكتب مُذكّراته .. ويؤكّد في كلّ كلمة ثقته بعدالة قاضيه .. فكأنّه يعبد قاضيه سرّاً وعلناً .. فإذا ما اتُّهم بالإخلال بذلك الجلال فإنّما نتّهمه بالكفر بإله هو صانعه ..
    بينما طبيعة عمل القاضي السّكوت ، علاوة على أنّه لا يتكلّم عن آداب المأموريّة المشتركة بينهما .. بل لعلّة لا يراها كذلك .
    ويعمل المحامي جاهداً على استمالة القاضي تمهيداً لإقناعه بحقّ موكّله .. والقاضي لا يبغي شيئاً من المحامي .. ومن ثمّ لا تهمّه حالته النّفسيّة ، وقد يرى أنّ تكرار الخضوع حقّاً خالصاً له ..
    فإذا قلنا بالمساواة والإخلاص بين الاثنين أيها السادة ، فإنّما نرجو تلك المساواة الدّاخليّة في التّقدير والاحترام لا المساواة الخارجيّة المستمدّة من خوف الجماهير وتحيّات الجنود والحرّاس فذلك مما لا مطمع لنا فيه ولا حاجه لنا به .
    نحنُ نعاني أيّها السّادة .. نعاني من التّهميش .. نعاني من عسف الإدارة وجهلها وعدم مشاركتنا في مناقشة وإصدار القوانين وخاصة القوانين الخاصة بنا والقوانين التي من صلب عملنا .. نعاني من ظلم الموكّلين وأكلهم بالباطل حقوقنا ..
    بل ونعاني من ساعة دخولنا المحكمة وطمع صغار النّفوس فينا .. ونعاني من صدود بعض القضاة وضيق صدورهم بنا ..
    نعاني في انتظار بدء الجلسة والتي تتأخّر لساعات .. فإذا ما انصرفنا لقضاء مشاغلنا .. ثم عُدنا .. يرفض القاضي أن يعيد القضيّة رغم أنّه لازالت الجلسة منعقدة .. ونصّ قانون الأصول هو الذي تسبّب في هذا الارتباك .. وحينئذ تبدأ المشاحنة .. والتي ينتصر فيها القاضي دائماً .
    نُعاني في حضورنا الجلسة وإبداء دفاعنا وما نعتقد أنّه صواب ونؤمن به ..
    غير أنّ بعض القضاة يظهرون عدم الاكتراث بما نقول ويعرض عنّا بصورة فيها امتهان لكرامتنا .. ونلتزم في ذلك غاية اللباقة واللياقة والأدب والاحترام .. ونطوي الصدر على ألم دفين ..
    ثم يصدر القاضي حكمه .. وقد يكون خاطئاً .. فإذا ما طعنّا على ذلك نذكّر في طعننا تأدّباً ورُقيّاً أنّ الحكم قد أخطأ ، ولا نقول أنّ القاضي قد أخطأ هو الذي أخطأ ..
    نحن الذين ننتظر لساعات لبدء الجلسات ..
    ونحن الذين نقف إجلالاً لكم حال دخولكم القاعة ..
    ونحن الذين نقف احتراماً عند انصرافكم ..
    ونحن الذين لا نتحدّث بين أيديكم إلّا بإذن ولا نصمت إلا بإذن ..
    ونحن الذين صنعنا تلك الآلهة .. وأوحينا إلى الجمهور بتقديسها .
    فكيف نتّهم بأنّنا كفرنا بها ؟!!
    نحن الذين تعلّمنا من أسلافنا العظام الانحناء في محرابكم تقديساً للعدالة .. وللعدالة فقط ، ولا لأمر آخر ...
    ونحن الذين لا نخاطبكم إلّا بالاحترام الكامل والتّوقير اللازم ونلتمس ونبتهل ونتضرّع ونفوّض لكم الأمر من قبل ومن بعد ..
    ونحن الذين فتحنا أبواب نقابتنا للقضاة المسرّحين والمطرودين ..
    ونحن الذين لا زالت أبواب نقابتنا مفتوحة لمن أراد منكم أن يعمل بالمحاماة بعد تقاعده .. بل ومن أكره منكم على التّقاعد ..
    فماذا فعل القضاة بنا ؟!
    عطّلوا نصوصاً كثيرة من نصوص القوانين ، دون رقابة مجلس القضاء أو وزارة العدل ، لأن أعضاء مجلس القضاء من القضاة
    في نهاية المطاف ، حتّى وزير العدل .

    إلى أن وصل الأمر بالقاضي وزير العدل أنْ يصدر تعليمات تلغي نصّاً دستوريّاً أو قانونيّاً لتصبح تعليماته وتعميماته مصدراً للتشريع والعمل القضائي المخالف للدستور والقوانين .
    وأي مصدر ذاك ؟! مصدر يكرّس تعطيل الدّستور والقوانين وعدم الاعتراف بها ممّن هو ملزم بتطبيقها أوّل من يلزم بذلك .
    لذلك حُرِم القضاء من خبرات عظيمة من المحامين .
    ألم يكن أديب النحوي محامياً .... ثم أصبح وزيراً للعدل ..
    وغيره كثيرون ممن شرّفوا المحاماة .. كما شرّفوا القضاء سواء بسواء .. وكان هذا هو بداية الفصام النكد .
    ثم ماذا يفعل بعض القضاة معنا ... يوميّاً .. يضيق صدر بعضهم ويقطب جبين البعض الآخر .. بل ويصل الأمر أحياناً
    إلى حدّ التّعريض بعملنا .. أليس هذا انتقاصاً من الكرامة ؟!

    فقد نصّت المادّة الأولى من قانون تنظيم مهنة المحاماة رقم 30 لعام 2010 على أنّ :
    ( المحاماة مهنة علميّة فكريّة حرّة مهمّتها التّعاون مع القضاة على تحقيق العدالة والدّفاع عن حقوق الموكّلين وفق أحكام
    هذا القانون ) .

    و سؤال يلحّ أيّها السّادة ... ويعنينا الجوابْ ..
    لماذا هُنّا عليكم .. ولماذا هان قدرنا لديكم .. فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟!
    نحنُ لسنا علّة على أحد أيّها السّادة ..
    بل نحن أوّل مَنْ نطالب بتحسين أوضاعكم وحمايتكم واستقلالكم ... لكن أن يُتخذ من المحامين وسيلة مطويّة لتنفيذ مآرب وتحقيق مكاسب . فبئست الغاية وساءت المطيّة .
    أيّها السّادة ..
    عَلِّموا شباب القُضاة أنّنا شركاء في الأمر وأنّ غايتنا واحدة ..
    علّموهم أنْ يتعاملوا معنا بالاحترام اللازم فنحن أولى بهذا الاحترام ..
    عَلّموهم أنّ لنا دوراً لا يقلّ عن دورهم .. طبقاً للمادة الأولى من قانون تنظيم مهنة المحاماة .
    عَلّموهم أنَّ عمل المحامي بالنّسبة للقاضي هو العدسة التي تكشف له التّعاريج والمنحنيات الدّقيقة التي يعتمد عليها الخصوم
    في تكييف الواقعة ، وأنّ القاضي مهما كان ذكيّاً وفطناً ومهما توافر له الوقت لبحث الخصوم في حاجه لذلك المنظار ..

    علّموهم أيّها السّادة أنّ المحامي ليس في مرتبة أدنى من القاضي لأنّ الأخير يجلس على منصّته العالية ونحن نؤدي رسالتنا وقوفاً ، فإنّما يقف المحامي أمام القاضي وأمام الناس ليُشهدهُم ويُشهد الله قبلهم أنّه رسول العدالة .. وأنَّ من طُرق العبادة ما نؤدّيه وقوفاً أو جلوساً فكلا الموقفين يستويان ، ومنَ النّاس من يعبد الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ..
    نحن بحاجة إلى أنْ نتصارح أيّها السّادة والأمر أكبر منْ أنْ نداري أو نهمس في شأنه ، وليس أمامنا سوى أنْ نأخذه مأخذ الجدّ الذي
    لا هزل فيه ..

    - إنّ ذمّة المحامي لن تؤدّي ما عليها إلا في جوّ صالح من الإخلاص والإنصاف والزمالة .
    والمحامي متكافل مع القاضي في أداء الحقيقة القضائيّة . ومن أجل ذلك فالمحامي " أوّل قاضي في القضيّة " في حين أنّ القاضي " آخر محامي في القضيّة " لأنّه هو الذي يتولى الدّفاع عن حكم هو نفسه "عنوان الحقيقة" لا " الحقيقة " 2 .
    أيّها السّادة ..
    هذه هي قضيّتنا وهذا بعضٌ من معاناتنا ..
    .......................................
    1. صحيح مسلم بشرح الإمام النووي ، المجلد الرابع .
    2. من كتاب نجوم المحاماة في مصر وأوربا .

    المحامي
    محمد نوار الغنوم

    </b></i>
    إن الظّلم أينما كان يهدّد العدل في كلّ مكان
    0932597965

  2. #2
    صدقت واجدت واحسنت...ونبقى نحتاج لآذان صاغية فقط..فهل نجد؟
    لك التحية والشكر
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. جابر عثرات الكرام
    بواسطة أسامه الحموي في المنتدى فرسان السيرة النبوية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-06-2019, 06:05 PM
  2. الأصدقاء الكرام ...
    بواسطة محمد حبش في المنتدى آراء ومواقف
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-11-2015, 07:50 PM
  3. جابر عثرات الكرام
    بواسطة أ.د. محمود نديم نحاس في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-27-2013, 09:04 AM
  4. طلب خاص جدا من عائلة الخاني الكرام
    بواسطة د. بكري علاء الدين في المنتدى العائلات الشامية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01-15-2013, 08:43 PM
  5. إلى زوار المنتدى الكرام
    بواسطة مؤيد البصري (مرئد) في المنتدى فرسان العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 12-31-2011, 05:01 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •